هذه هى قصتى مع المدرسة الوطنية للادارة E.N.A. هذا الحلم الذى لم يتحقق والذى استبدلت برضا الوالدين. ادعوكم لقراءتها وابداء رايكم فيها. شكرا مسبقا لكل قارئها.
السلام عليكم. فى الماضى وبالضبط فى الثمانينيات من القرن الماضى كانت المدرسة الوطنية للادارة ENA تنظم سنويا مسابقة وطنية للدخول فيها من بين حاملى شهادة البكالوريا فى جميع الشعب دون شرط الملاحظة عندما كان المستوى مرتفعا. وكان القبول يتم عن طريق الامتحان الكتابى فى يوم واحد اين يمتحن المترشح فى 3 مواد اساسية هى : اللغة العربية واللغة الفرنسية والثقافة العامة. وبعد اعلان النتائج يستدعى الناجحون الى امتحان شفوى فى المدرسة الوطنية للادارة بحيدرة بالجزائر العاصمة اين يلتقى الناجحون مع اعضاء اللجنة المكونة من 3 اساتذة. وبعد اختيار الموضوع عن طريق القرعة تعطى للمترشح مدة زمنية محددة للتفكير ( حوالى ربع ساعة ) فى قاعة اخرى بها حارس. وعند انتهاء المهلة يستدعى المترشح لمناقشة الموضوع المختار مع اللجنة اين يتناوب عليه الاساتذة بالاسئلة من هنا وهناك لمدة ما بين 20 و 30 دقيقة وبعد ايام من الامتحان يتم تبليغ الناجحين عن طريق البريد ببرقية وتنشر النتائج عبر صفحات الجرائد الوطنية انذاك. وقد سبق لى وان شاركت فى المسابقة التى اقيمت فى سنة 1984 بعد قبول ملفى للترشح للمسابقة وعمرى 28 سنة رغم ان السن القانونية كانت محددة ب 26 سنة. ونظرا لتاديتى للخدمة الوطنية من 1978 الى 1980 تم اعفائى واستفدت بالتمديد لسنتين اى 28 سنة من عمرى ( dérogation d'age ). وبعد ان نجحت فى المسابقة الكتابية التى شارك فيها 2500 مترشح على المستوى الوطنى حسب الادارة و تم اختيار 400 مترشح من مجموع المشاركين فى المسابقة لاجراء الامتحان الاخير اى الشفوى ( 200 متربص بالنسبة للجزائر العاصمة و100 بملحقة وهران و100 بملحقة قسنطينة ). وقد اجريت المسابقة الكتابية فى مدينة وهران والمسابقة الشفاهية بالجزائر العاصمة. وبعد اعلان النتائج عن طريق جريدة " المجاهد " الناطقة انذاك باللغة الفرنسية تلقيت برقية من المدرسة الام بحيدرة بالعاصمة المقر الرئيسى للمدرسة تعلمنى بالنجاح وتدعونى للالتحاق بملحقة وهران للدراسة مع بداية شهر اكتوبر اى مع الدخول الجامعى. للعلم فقد كنت اعمل كاستاذ فى التعليم المتوسط بعد خروجى من المعهد التكنولوجى للتربية ITE. وحاولت طلب الانتداب من وزارة التربية الوطنية ولكن اخبرت بان هذه الوزارة غير معنية بذلك وان الانتداب يكون فى السلك الادارى فقط. فقررت الالتحاق بالمدراسة بدون الاستقالة وتركت منصبى بعد اقل من شهر من بدا الموسم الدراسى والتحقت بالمدرسة بوهران متاخرا بايام من تاريخ الدخول المعلن رسميا فى البرقية. ونظرا لظروفى العائلية ( الوحيد الكفيل بالعائلة ) والحالة الاجتماعية القاهرة التى يعيشها والداى الفقيرين واللذان كانا عجوزان يعيشان لوحدهما بعيدا عنى بحوالى 200 كلم من مقر عملى ( لا معيل لهم ولا انيس ولا دخل لهم ) قررت التوقف عن هذه الدراسة بعد اسبوعين فقط من الالتحاق بالمدرسة رغم انه كان هذا حلمى عندما كنت فى الثانوية وكنت مصرا على اتمام الدراسة التى اعشق من جهة والحاح زملائى على بالبقاء معهم والصبر من جهة ثانية لانهم كانوا يرون بان هذه الفرصة لا تعوض ولاتاتى الا مرة فى العمر ويدركون جيدا ما يقولون ( لانهم يسبقوننى بسنة فى هذه المدرسة ) لانها لا يدخلها من هب ودب من الشباب بل تقتصر فى غالب الاحيان على ابناء الاطارات الوطنية الكبيرة من الوزراء والسفراء والقنصليين والضباط السامون الخ ... والباقية من الناجحين فى المسابقة لدر الرماد فى الاعين كما يقال. ولكن اختيارى اولا واخيرا كان بر الوالدين ورضاهم على ان احتل المنصب الادارى المرتقب بعد اربع سنوات من الدراسة والتربص علما بانى كنت موظفا جديدا بقطاع التربية لثلاث سنوات فقط. فهل احسنت الاختيار ( ما رايكم ) ؟ وكل ما اقوله فى ختام هذا التدخل لاخوانى الراغبين فى الالتحاق بهذه المدرسة ان لا يترددوا عن المشاركة فى المسابقة اذا نظمت وان يتوكلوا على الله خاصة اذا اوتيت لهم الفرصة فى هذا الوقت الذى نعيش فيه اين اصبح فيه القوى ياكل الضعيف وان مثل هذه المناصب غير مسموح بها لابناء الشعب والفقراء والمساكين. ان الدراسة كانت فيها جيدة جدا والاساتذة اكفاء واغلبهم دكاترة يلقون محاضرات لمدة ساعتين لكل حصة بالمدرج وان البرنامج مكثف والدراسة تدوم طيلة الاسبوع من الصباح الى المساء ( من الثامنة والنصف الى السادسة مساء مع استراحة بين منتصف النهار والواحدة والنصف زوالا ) وكل طالب يتحصل على معدل سنوى اقل من 12 على 20 يفصل ويطرد مباشرة من المدرسة ولا يقبل التكرار وهذا القانون معلق فى مدخل المدرسة للاطلاع عليه. ويوجد بها نظام داخلى يجب احترامه وقد تمت قراءته علينا فى اول يوم من التحاق دفعتنا التى قاربت ال 100 طالب بالمدرسة بعد ان تغيب البعض ( من بين الحضور طلبة جامعيين قضوا 2 الى 3 سنوات بالجامعة وموظفين قدماء منتدبين من الادارات المختلفة ) وينص القانون الطالب المتربص ان يكون محترما ويحترم القانون الداخلى ويرتدى اللباس اللائق و المقبول وممنوع لباس سروال ال jean واحذية رياضية training كما تمنع اللحية والشعر الطويل الخ... لان المدرسة شعلرها تكون اطاارات عليا للدولة. اما مواد الدراسة فكانت حينذاك اللغة العربية والقانون الدولى Droit International Public ) DIP ) والتاريخ المعاصر والاسلامى ومواد اخرى نسيتها بمرور الوقت - معذرة - على ان تظاف مادتين هى الاعلام الالى واللغة الانجليزية فى السنة الثانية من التكوين. وكانت تدوم الدراسة بها اربع سنوات بثلاث انظمة ( خارجى وداخلى ونصف داخلى ) ويتقاضى الطالب خلال هذه المدة منحة دراسية bourse تقدر ب 420 دج شهريا على ان تكلل الدراسة بالتخصص بعد سنتين من الجدع المشترك وراتب موظف متربص فى اخر سنة التخرج وهنا تعطى الاولوية فى اختيار التخصص من بين الاختصاصات الستة الموجودة انذاك لعشرة بالمائة من الطلبة المتفوقين من بينها الدبلوماسية والقضاء والادارة المحلية والادارة الصحية ... ويوزع الطلبة الباقون على بقية الاختصاصات حسب النتائج الدراسية المتحصل عليها وحسب توجيه الاساتذة.
فى الاخير الحمد لله ان رضيت بقضاء الله ومؤمنا بالحديث القدسى الشريف القائل " عبدى يريد وانا اريد ولا يكون الا ما اريد " كما صدقت بالمقولة الشعبية القائلة " الخير الا فى ما اختار الله ". نعم لقد اختار لى الله سبحانه وتعالى ان اكون معلما اعلم الاجيال ويا لها من مهنة مقدسة وشريفة لوعرف المجتمع قدرها وقدر العلم الذى نص عليه القران الكرم بقوله تعالى " اقرا " وقال فى هذا الشان امير الشعراء احمد شوقى وفى حق المعلم " قم للمعلم وفيه التبجيلا ... كاد المعلم ان يكون رسولا " . والتحقت مجددا بالمتوسطة التى كنت اعمل بها وبمنصبى الذى غاذرته طمعا فى الدراسة بعد ان قدمت للادارة شهادة طبية لتبرير غيابى عن العمل طول هذه المدة رغم انى لم اكن مريضا وكانت السبيل الوحيد. للرجوع لعملى علما بانى تحصلت عليها بعد ان اخبرت بالحقيقة للطبيب الذى شرحت له بالتفاصيل ظروفى القاهرة التى منعتنى من مزاولة الدراسة واثنى على اختيارى. وقد احسنت لوالداى ووقفت بجنبهما الى ان توفاهما الله واحدا بعد الاخر ( الاب عن عمر 81 سنة فى 1985 والام عن عمر 90 سنة فى 2004 رحمهما الله برحمته الواسعة وادخلهما جنة الفردوس امين ) وكلهم راضين عنى فى الدنيا والاخرة لان " رضى الله فى رضا الوالدين ". وقبل سنتين من اليوم اى فى 2013 احيلت على التقاعد المسبق بعد 31 سنة من العطاء وسنتين من التكوين بالمعهد التكنولوجى راضيا بما قدمت لابناء وطنى خاصة وللمدرسة الجزائرية عامة وكم اجد نفسى مسرور وانا اشاهد ثمرة مجهوداتى فى الشباب الذى تتلمذ على ايدى لم تدهب سدى. وانا اليوم سعيد جدا جدا اتنعم بالصحة والعافية وبالراحة التامة فى انتظار ان اقوم بزيارة للبقاع المقدسة قريبا ان شاء الله سواء بمناسبة العمرة او فريضة الحج استعدادا ليوم الرحيل من هذه الدنيا التى لا تساوى عند الله مثقال جناح بعوضة كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم خاصة مع كثرة الفتن الظاهرة فى الامة الاسلامية التى ندعوا الله تعالى ان يجصن بلادنا وبلاد المسلمين من شرها. املى ان ينجح ابنائى فى دراستهم ان شاء الله وارى احدهم يخطوا هذا الطريق الذى بداته ولكن لم انهيه والذى بقى يراودنى طول هذه المدة متمنيا لهم التوفيق فى الدراسة وخدمة وطنهم الذى اعطاهم كل شىء لان " حب الوطن من الايمان ". شكرا والسلام عليكم.