شرح أسماء الله الحسنى "الفتاح" - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

شرح أسماء الله الحسنى "الفتاح"

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-10-27, 17:47   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي شرح أسماء الله الحسنى "الفتاح"

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد:

اسم الله «الفتاح»

جل جلاله وتقدست أسماؤه
المعنى اللغوي:

فتح: الفتح نقيض الإغلاق فتحه يفتحه فتحًا, وافتتحه وفتحه فانفتح وتفتح، ومفاتيح ومفاتح، هما جمع مفتاح ومفتوح وهما في الأصل مما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها، وباب فتح أي: واسع مفتح، والفتح: النصر، والاستفتاح الاستنصار، وفي الحديث: أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، أي يستنصر بهم، ومنه قوله تعالى: }إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ{([1])، واستفتح الفتح: سأله، والفتاح: الحاكم وفي التنزيل قال تعالى: }وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ{([2])، والفتاحة بالضم الحكم، والفُتاحة والفِتاحة: أن تحكم بين خصمين وقيل: الفتاحة الحكومة ([3]).


ومن أسماء الله تعالى الحسنى «الفتاح» قال ابن الأثير: هو الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده ([4])، وقيل: معناه الحاكم بينهم، يقال: فتح الحاكم بين الخصمين إذا فصل بينهما والفاتح الحاكم، والفتاح من أبنية المبالغة.


وروده في القرآن العظيم:


ورد الاسم مرة واحدة مفردًا في قوله تعالى: }قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ{([5]) وورد مرة واحدة أيضًا بصيغة الجمع في قوله تعالى: }وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{([6]).


معنى الاسم في حق الله تعالى:


1- الفاتح: الحاكم الذي يقضي بين عباده بالحق والعدل، بأحكامه الشرعية القدرية.
2- ويكون الفاتح أيضًا بمعنى: الناصر لعباده المؤمنين، وللمظلوم على الظالم، وهذا يعود إلى الأول.
3- الفتاح: الذي يفتح أبواب الرحمة والرزق لعباده، ويفتح المنغلق عليهم من أمورهم وأسبابهم ([7])، ويفتح قلوبهم وعيون بصائرهم؛ ليبصروا الحق، قال تعالى: }مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{([8])، ومن الرحمة التي يفتحها الله على عباده: إدخال الإيمان في القلوب، وهداية من كتب الله له الهداية، وتوفيق من كتب الله له التوفيق إلى ما فيه الصلاح والسداد.


وكل ما ورد في تفسير هذا الاسم راجع إلى المعاني الثلاثة المتقدمة.


قال قتادة: رحمه الله في تفسير قوله تعالى: }افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ{: اقض بيننا وبين قومنا بالحق ([9]).
وقال ابن جرير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: }رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{([10])، أي: احكم بيننا وبينهم بحكمك الحق, الذي لا جور فيه ولا حيف ولا ظلم، ولكنه عدل وحق، }وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{، يعني: خير الحاكمين ([11]).


وقال في موضع آخر: قال تعالى: }وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ{([12])، القاضي العليم بالقضاء بين خلقه؛ لأنه لا تخفى عنه خافية، ولا يحتاج إلى شهود تعرفه المحق من المبطل ([13]).
وقال الزجاج رحمه الله: «والله تعالى ذكره فتحٌ بين الحق والباطل؛ فأوضح الحق وبينه، وأدحض الباطل وأبطله، فهو الفتاح»([14]).


وقال الخطابي رحمه الله: «الفتاح»: هو الحاكم بين عباده، وقال: وقد يكون الفتاح أيضًا الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده ويفتح المنغلق عليهم من أمورهم وأسبابهم، ويفتح بصائرهم؛ ليبصروا الحق، ويكون الفاتح بمعنى الناصر، كقوله تعالى: }إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ{([15])([16]).


وقيل: "الفتح في اللغة: حل ما استغلق من المحسوسات والمعقولات، والله سبحانه هو الفتاح؛ لذلك يفتح ما تغلق على العباد من أسبابهم، فيغني فقيرًا، ويفرج عن مكروب، ويسهل مطلبًا، وكل ذلك يسمى فتحًا؛ لأن الفقير المنغلق عليه باب رزقه يفتح بالغنى، وكذلك المتحاكمان إلى الحاكم ينغلق عليهما وجه الحق، فيفتحه الحاكم عليهما، وهذا الاسم يختص بالقضاء بين العباد بالقسط والعدل، وقد حكم الله بين عباده في الدنيا بما أنزل في كتابه، وبين في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل حاكم إما أن يحكم بحكم الله تعالى، أو بغيره"([17]).


آثار الإيمان بهذا الاسم:


لا شك بأن كل إنسان قد انغلق عليه في هذه الحياة باب من الأبواب، فأخذ يلهث ويتلفت يمنة ويسرة؛ باحثًا عن مفتاح لما انغلق عليه، وقد ينسى أو يتناسى في غمرة الحياة وزحمتها، المفتاح الأكيد لكل باب مغلق، وهو الرجوع إلى الخالق سبحانه وتعالى والتضرع إليه بأسمائه الحسنى، التي فيها من المعاني ما لا يكفي لإحصائه مداد ولا ورق..


1- الله سبحانه وتعالى هو الحاكم بين عباده في الدنيا والآخرة بالقسط والعدل، يفتح بينهم في الدنيا بالحق، بما أرسل من الرسل، وأنزل من الكتب.


يقول القرطبي رحمه الله في هذا الاسم: ويتضمن من الصفات كل ما لا يتم الحكم إلا به، فيدل صريحًا على إقامة الخلق وحفظهم في الجملة؛ لئلا يستأصل المقتدرون المستضعفين في الحال».


ويدل على الجزاء العدل على أعمال الجوارح والقلوب في المثال، ويتضمن ذلك أحكامًا وأحوالاً لا تنضبط بالحد، ولا تحصى بالعد، وهذا الاسم يختص بالفصل والقضاء بين العباد بالقسط والعدل، وقد حكم الله بين عباده في الدنيا بما أنزل في كتابه، وبين في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل حاكم إما أن يحكم بحكم الله تعالى أو بغيره، فإن حكم بحكم الله فأجره على الله، والحاكم في الحقيقة هو الله تعالى، وإن حكم بغير حكم الله فليس بعادل إنما هو ظالم قال تعالى: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{([18])([19]).


فمن الواجب علينا عند إيماننا بهذا الاسم، وعلمنا بأن الله هو الحاكم بالأمر الشرعي، أنزل إلينا الحكم الذي لا جور فيه ولا حيف ولا ظلم، أن نسارع بتطبيق هذا الحكم الذي أنزله في القرآن وصحيح السنة، ولعلك تلحظ في القرآن بين كل فينة وأخرى يأتي التذكير إلى وجوب التحاكم إلى القرآن والسنة؛ فلا حاكم إلا الله، ولا ينبغي لأحد أن يعتقد أن الحكم لغير الله تعالى، يقول الله تعالى: }أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ{([20])، وقال جل شأنه: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{([21]).


وقال جل وعلا: }فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{([22]) وقال تعالى: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{([23])، وقال عز وجل: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{([24]) وقال تعالى: }وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ{([25]).


فعجبًا لأقوام ينادون إلى القرآن والسنة فيعرضون عنها إلى أقوال الخلق، والله سبحانه وتعالى يقول: }وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ{([26]).


حقًا إنها آية عظيمة، تحل كثيرًا من الإشكالات في أي مجال اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي أو فكري.
وقوله: }وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ{ دليل على أن كل ما خالف الكتاب والسنة ليس بعلم، إنما هو هوى نفس؛ ولذلك قال العلماء: «من اتبع الهوى فقد افتتن».


وقوله تعالى: }وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ{، لقد حذر المولى جل وعلا رسوله الفتنة في عدم تحكيم كل الشرع، وحذره من أعداء الدين أن يدلسوا عليه الحق فيما يصدونه عن بعض ما أنزل الله إليه، فصار اتباع أهوائهم سببًا موصلاً إلى ترك الحق الواجب، وتأمل التحذير الشديد، فهي فتنة يجب أن تحذر، والأمر في هذا المجال لا يعد أن يكون حكمًا بما أنزل الله كاملاً، أو أن يكون اتباعًا للهوى، وفتنة يحذر الله منها، وعليك أن تحكمي الله في كل شؤونك في معاملتك لزوجك، وولدك، وأهلك، وفي بيتك، ولبسك، وأكلك، وعلاقاتك الاجتماعية، ومالك، واحذري قطاع الطرق الذين يصدونك عن تحكيم بعض ما أنزل الله، فيهونون طاعة الزوج، وتربية الولد، والستر في اللباس وما إلى ذلك، فاحذري الفتنة.


}فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ{ [المائدة: 49]، هذه قمة العدل والإحسان منه سبحانه وتعالى، فمع إعراضهم عما أنزل إليهم من الكتاب والسنة فهم يتحاكمون إلى غيرها، ومع ذلك لم تكن عقوبة الله لهم شاملة لجميع ذنوبهم، بل قال سبحانه: }بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ{.


قوله: }أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ{([27]): ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير, الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء، والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يتحاكمون به من الضلالات والجهالات بما يضعونها بآرائهم وأهوائهم.


وقيل: يبتغون ويريدون وعن حكم الله يعدلون ([28]).


وقوله تعالى: }فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ{([29]) يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة إنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا، ولهذا قال تعالى: }ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{([30])، أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن, فيسلمون لذلك تسليمًا كليًا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة كما ورد في الحديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به»([31])، ففي هذا الحديث الحث على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد له، وفيه إثبات عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله تعالى، وفيما يأمرون به وينهون عنه، والعلم ليس بكثرة القراءة والاطلاع، ولكن العلم الخشية؛ ولهذا يقول تعالى: }إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ{([32])، فثمرة العلم الخشية، وكلما ازداد العلم زادت خشيتك من الله، وتعظيمك لقدره، والخوف من التفريط في جنبه.


يقول الله تعالى: }وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ{([33]) فهذا حال الظالمين ممن في قلوبهم مرض وضعف إيمان أو نفاق وريب، علم الله أنهم يقولون بألسنتهم ويلتزمون الإيمان بالله والطاعة، ثم لا يقومون بما قالوا، ويتولى فريق منهم عن الطاعة توليًا عظيمًا، يقول تعالى: }ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ{([34])، فإن المتولي قد يكون له نية عود ورجوع إلى ما تولى عنه، وهذا المتولي معرض لا التفات له ولا نظر لما تولى عنه، وهذه الحالة مطابقة لحال كثير ممن يدعي الإيمان والطاعة لله وهو ضعيف الإيمان يقول ما لا يفعل، وتجده لا يقوم بكثير من العبادات، ويقترف كثيرًا من المعاصي والمخالفات ونحو ذلك ويردد: آمنا بالله وبالرسول وأطعنا، وحاله يخالف قوله، خذ على سبيل المثال حال الناس أيام الاختبارات وبعد انقضائها، إذا دخل وقت الامتحان انقلبت الأحوال ما بين صيام وقيام وأذكار، وإذا انقضى موسم الاختبار تغيرت الأحوال، فضيعت الصلاة نتيجة سهر الليل ونوم النهار، وتوبعت الأفلام الأجنبية والعربية واضمحلت كثير من مظاهر الخير، ويصدق على حالهم قوله تعالى: }وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ{([35])، وتأمل قوله }مُذْعِنِينَ{ فليس انقيادهم لأجل أنه حكم شرعي، وإنما ذلك لأجل موافقة أهوائهم، فليسوا ممدوحين في هذه الحال ولو أتوا إليه مذعنين؛ لأن العبد حقيقة هو من يتبع الحق فيما يحب ويكره، وفيما يسره ويحزنه، وقد قال الله في لومهم على الإعراض عن الحكم الشرعي: }أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ{([36])، أي: علة أخرجت القلب عن صحته وأزالت حاسته؛ فصار بمنزلة المريض الذي يعرض عما ينفعه ويقبل على ما يضره، فمن أي الناس أنت؟!، هل تخاف أن يحيف الله عليك ورسوله؟!..


وفي هذه الآيات دليل على أن الإيمان ليس هو مجرد القول، بل يجب اقترانه بالعمل؛ لأنه شرط كمال الإيمان عند أهل السنة والجماعة؛ ولهذا نفى الإيمان عمن تولى عن الطاعة، ووجوب الانقياد لحكم الله ورسوله في كل حال، وأن من ينقد له دل على مرض في قلبه، وريب في إيمانه، وأنه يحرم إساءة الظن بأحكام الشريعة، وأن يظن بها خلاف العدل والحكمة. ولما ذكر حالة المعرضين عن الحكم الشرعي، ذكر حالة المؤمنين الممدوحين، فقال} إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{([37]) تسليم مطلق لأوامر الله ورسوله، والفعل أكد بالمصدر في قوله تعالى: }وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{، فما دام أنك تؤمن بأن الله الفتاح فأين أثر الإيمان في التحاكم إلى شرعه، يجب على المسلم أن يترجم الإيمان بأسماء الله إلى واقع يعيشه ويتفيأ بظلاله..


2- اسم الله الفتاح يطمئن قلوب عباد الله المؤمنين بأنه مهما طال ليل الظالم وكثر بغيه وظلمه للعباد، لا بد أن يفتح الله بين عباده المؤمنين وبين عباده الظالمين، وسيحكم سبحانه بحكمه القدري الكوني، فهو سبحانه من يحكم بين عباده بالحق والعدل، وقد توجهت الرسل إلى الله الفتاح سبحانه أن يفتح بينهم وبين أقوامهم المعاندين، فيما حصل بينهم من الخصومة والجدال.


فقال نوح عليه السلام: }قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{([38])، فجاء الفتح بمعنى الفصل القدري بين جند الله وجند الشيطان، وبين عباد الله المؤمنين والمشركين، فأحق الله الحق وأبطل الباطل وإن أطال ليل الظالم.


وقيل: أي: اقض بيني وبينهم, ونجني من ذلك العذاب الذي تأتي به حكمًا بيني وبينهم والذين معي من أهل الإيمان بك والتصديق لي ([39]).


وقال شعيب عليه السلام }رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{([40])، أي: احكم بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم }وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{، أي افصل بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم }وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ{، أي: خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجور أبدًا ([41]).


وجاء اسم الله «الفتاح» في هذه الآيات ليدلل على أن الله سيفتح بين المؤمنين وبين الكافرين، وكانت النتيجة لقوم شعيب عليه السلام قال تعالى: }فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ{([42])، فأخبر الله تعالى أنهم أخذتهم الرجفة، كما أرجفوا شعيبًا عليه السلام وأصحابه، وتوعدوهم بالجلاء ([43])، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله سبحانه ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ قوله تعالى: }وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ{([44])، فعقوبة الله للظالمين موجعة غليظة – والعياذ بالله -.

([1])سورة الأنفال الآية: 19.

([2])سورة سبأ الآية: 26.

([3])لسان العرب (2/538)، مختار الصحاح (1/205).

([4])النهاية في غريب الأثر (3/406).

([5])سورة سبأ الآية: 26.

([6])سورة الأعراف الآية: 89.

([7])النهج الأسمى (1/207).

([8])سورة فاطر الآية: 2.

([9])تفسير الطبري (9/3).

([10])سورة الأعراف الآية: 89.

([11])تفسير الطبري (9/2).

([12])سورة سبأ الآية: 26.

([13])تفسير الطبري (22/95).

([14])النهج الأسمى (1/206).

([15])سورة الأنفال الآية: 19.

([16])شأن الدعاء (56).

([17])الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، ورقة (305 أ).

([18])سورة المائدة: الآية 45.

([19])الكتاب الأسنى، ورقة (306 أ – 306 ب).

([20])سورة الأنعام، الآية 114.

([21])سورة المائدة، الآية 45.

([22])سورة النساء، الآية 65.

([23])سورة المائدة، الآية 47.

([24])سورة المائدة، الآية 44.

([25])سورة النور، الآية: 47-48.

([26])سورة المائدة، الآية 49-50.

([27])سورة المائدة، الآية 50.

([28])تفسير ابن كثير (2/68).

([29])سورة النساء، الآية 65.

([30])سورة النساء، الآية 65.

([31])رواه الحسين بن مسعود في شرح السنة، برقم (104)، وقال النووي في أربعينه: هذا حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح، وقال الألباني في مشكاة المصابيح: سنده ضعيف، رقم الحديث (167).

([32])سورة فاطر، الآية 28.

([33])سورة النور، الآية 47.

([34])سورة آل عمران، الآية 23.

([35])سورة النور، الآية 49.

([36])سورة النور، الآية 50.

([37])سورة النور: 51.

([38])سورة الشعراء، الآية 117، 118.

([39])تفسير الطبري (19/91).

([40])سورة الأعراف، الآية 89.

([41])تفسير ابن كثير (2/233).

([42])سورة الأعراف، الآية 91.

([43])تفسير ابن كثير (2/233).

([44])سورة هود، الآية 102-103، والحديث أخرجه البخاري (4409).








 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
"الفتاح", أسماء, الله, الحسني


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 16:41

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc