الشيخية الاثني عشرية نموذج الغلو الشيعي
إذا كانت صفة غلو الشيعة في أئمتهم ظاهرة بارزة في جميع مذاهبهم وطوائفهم المختلفة, فإن الشيخية تعتبر النموذج الأكثر غلوا والأشد تطرفا في هذا الجانب, حيث يصل الغلو إلى حد جعل الأئمة شركاء لله في ملكه وخلقه وتدبير شؤون عباده –والعياذ بالله-.
ومع محاولة علماء الشيعة التبرؤ من بعض ما في مؤلفات وأقوال الشيخية من شرك وكفر بالله صريح وواضح, إلا أنهم بنفس الوقت يعظمون مبتدع هذا المذهب ويمجدونه, فقد وصفوه: ترجمان الحكماء وغرة الدهر وفيلسوف العصر, ويحاولون تأويل أقواله الكفرية وبدعته الشركية, ولهم في التقية أخيرا مخرجا من الحرج في التصريح باعتقادهم بأقوال ونصوص المذهب الشيخي.
التعريف
الشيخية وقد يقال لها الأحمدية: فرقة شيعية تنتمي للمذهب الإخباري الشيعي الذي ظهر في مطلع القرن الحادي عشر الهجري, والذي يعتمد بشكل خاص على الأخبار المنقولة عن أئمتهم المعصومين –حسب زعمهم– دون النظر إلى أي مصدر آخر, وتنتسب الفرقة لرجل يقال له الشيخ أحمد بن زين الدين الإحسائي البحراني, الذي ابتدع آراء كفرية كان لها تأثير على أتباعه من بعده.
المؤسس وأبرز الشخصيات وأماكن الانتشار
1- أحمد زين الدين الإحسائي: ولد في قرية المطيرف من قرى الإحساء عام 1166هجري وتوفي عام 1241 هجرية, لقبه أتباعه (بالأوحد), هاجر إلى العراق عام 1186 هجرية ونزل النجف وظل ينتقل بينها وبين كربلاء يأخذ العلم الشيعي على يد الشيخ محمد باقر البهبهاني ومهدي بحر العلوم وجعفر كاشف الغطاء وغيرهم.
عاد بعد ذلك إلى الإحساء ليتزوج ثم سافر منها إلى إيران عام 1221هجرية, وهناك حظي بشهرة كبيرة, وهناك طرح أفكاره وآراءه في دروسه وكتبه, ومن أهم هذه الكتب: شرح الزيارة الجامعة الكبيرة, وشرح "العرشية" لصدر الدين الشيرازي, وشرح "المشاعر" للشيرازي أيضاً, والفوائد.
2- السيد كاظم الرشتي: بعد موت الإحسائي التف أتباعه ومقلدوه حول تلميذه المقرب كاظم الرشتي, والذي توفي عام (1259هجرية) وسلموه زمام أمرهم, ولقبوه (بالأرشد) وقد ترك الرشتي مثل شيخه مؤلفات كثيرة منها: مجموعة الرسائل, وشرح الخطبة التطنجية, وشرح القصيدة اللامية, وأصول العقائد.
كان للشيخ الرشتي كثير من التلاميذ أبرزهم ثلاثة شكل كل واحد منهم بعد وفاة الرشتي مذهبا مستقلا بنفسه وهم:
· الكرمانية: وهم أتباع الحاج محمد كريم خان الكرماني ويطلق عليهم أيضا (الكرامخه) كما يطلق عليهم اسم (الركنية) وذلك لاعتقادهم بالركن الرابع, ويعني الاعتقاد بوجود نائب خاص للمهدي المنتظر –حسب زعمهم– في عصر الغيبة الكبرى, ويتواجد الكرمانية في مدينة كرمان بإيران وفي البصرة وغيرها.
· التبريزية: وهم أتباع الشيخ حسن جوهر ويطلقون على أنفسهم الكشفية, وذلك لاعتقادهم أنهم الشيعة الكاملون, وأن الله قد كشف الغطاء عن بصائرهم وأدركوا مقامات أهل البيت ومكانتهم الحقيقية دون سائر الإمامية, ويطلق عليهم اسم (الإحقاقية) نسبة لصاحب كتاب (إحقاق الحق) الميرزا موسى الاسكوئي الذي يعتبر أحد مراجعهم وإليه ترجع أسرة الإحقاقي التي تتزعم شيخية تبريز إلى الوقت الحاضر، ويتواجدون بشكل رئيسي في الكويت حيث مقر زعامتهم ومرجعيتهم, كما لهم أتباع بالإحساء والهفوف وتبريز وجنوب العراق.
· البابية: نسبة إلى علي بن محمد الشيرازي الذي تتلمذ على يد الرشتي وسمى نفسه (الباب) وادعى أنه المهدي المنتظر, مستغلا انتظار أتباع الرشتي يعتقدون ظهور المهدي المنتظر الذي وعدهم شيخهم الرشتي بأن ظهوره بات قريبا, وينكر الشيعة نسبة هذا الرجل إلى الرشتي أو الشيعة, ويدللون على ذلك أنهم شاركوا في القضاء عليه وإعدامه فيما بعد, وهو صاحب البدعة والفرقة الضالة (البابية) ومن بعده تلميذه (البهائية).
أهم الأفكار والعقائد
بما أن الشيخية فرقة منبثقة عن الإمامية الشيعية فإن مجمل تلك العقائد مشتركة, كالإمامة والمهدي المنتظر والغيبة والرجعة والعصمة للأئمة وغير ذلك, إضافة إلى أنهم مذهب إخباري يعتقد بصحة كل ما جاء في الكتب الأربعة الأولى للشيعة (الكافي ومن لا يحضره الفقيه وتهذيب الأحكام والاستبصار), وإضافة لكل ما سبق انفردت الشيخية بالأفكار والمعتقدات التالية:
1- الغلو الشديد بأهل البيت الأئمة والمعصومين الأربعة عشر هم (وهم النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة وأئمتهم الاثني عشر) فقد جعلهم الإحسائي علة تكوين العالم وسبب وجوده, وهم الذين يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون, بدعوى أن الله العزيز قد تكرم عن مباشرة هذه الأمور بنفسه وأوكلها إلى المعصومين, حيث جعلهم أسبابا ووسائط لأفعاله, فهم –كما يعتقد الشيخية- مظاهر لأفعال الله.
وقد جاء في كلام الإحسائي: (إن الله حصر شؤونه في أهل البيت عليهم السلام وحصر حاجات خلقه عندهم) وهم ( أي الأئمة ) العلل الأربع للمخلوقات ) و ( أنهم مسميات أسماء الله ) (1)
2- يؤمنون بفكرة وجود الجسد (الهورقليائي- الأثيري) للإنسان الى جانب الجسد (الصوري- المادي)، وينكرون المعاد الجسماني, وللإحسائي في كتابه (شرح الزيارة الجامعة ) أقوال صريحة في ذلك، وكلها تشير إلى روحانية المعاد، وتنفي أن يكون المعاد هو الجسم المادي المحسوس.(2)
3- يعتقدون أن الجسد الروحاني هو الذي عرج به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء، وأن هذا الجسد هو الذي يعيش به الإمام المهدي في غيبته منذ منتصف القرن الثالث الهجري، وهو سر بقائه على قيد الحياة كل هذه المدة.(3)
4- يعتقدون بنظرية (الكشف) المشابهة لنظريات بعض الصوفية ،حيث يقول الإحسائي: أن الإنسان إذا صفت نفسه وتخلص من أكدار الدنيا يستطيع أن يتصل بأحد الأئمة من أهل البيت عن طريق الكشف والأحلام, فيوحي له الإمام بالعلم الغزير, وتكشف له الحجب, وادّعى الإحسائي أنه حصل على العلم بهذه الطريقة الكشفية.
5- الاعتقاد بوجود نائب خاص للمهدي المنتظر في عصر الغيبة الكبرى, ومن المعلوم أن النائب كان موجودا في عقائد الشيعة عامة في الغيبة الصغرى لا الكبرى, وقد استند البابية والبهائية في بدعتهم الضالة على فكرة النائب الخاص, ثم وصل إلى ادعاء أنه المهدي المنتظر.
6- التبشير الدائم بقرب ظهور المهدي, وكان الإحسائي يقول للناس في كل قرية يمر بها أن الإمام الغائب على وشك الظهور, وأنهم يجب أن يكونوا على أهبة الاستعداد لنصرته, وكان يقول لهم: إن الإمام الغائب حين يظهر سوف يبدل الكثير من العقائد والتعاليم الإسلامية الموجودة.
7- وقد نقل د. ناصر القفاري عن الألوسي رحمه الله قوله عن الإحسائي وأتباعه: (ترشح كلماتهم بأنهم يعتقدون في أمير المؤمنين علي على نحو ما يعتقده الفلاسفة في العقل الأول, كما نسب إليهم القول بالحلول, وتأليه الأئمة, وإنكار المعاد الجسماني, وأن من أصول الدين الاعتقاد بالرجل الكامل وهو المتمثل في شخصه).
8- يعتقد الشيخية بأن اللوح المحفوظ هو قلب الإمام المحيط بكل السموات وكل الأرضين, كما يعتقدون بالتناسخ حيث كان شيخهم الإحسائي يزعم للناس أن المهدي يحل في أي رجل كان فيكون له صفة الباب، وأن روح المهدي حلت فيه هو فصار هو الباب إلى المهدي.
موقف الإمامية من الشيخية
تضاربت مواقف أئمة وعلماء الشيعة الاثني عشرية حول فرقة الشيخية, فبينما أضفى بعضهم على الإحسائي ألقاب التعظيم والتبجيل ونسبه إلى العلم والمعرفة, اتهمهم البعض الآخر بالخروج عن منهج الاثني عشرية, وخاصة بعد وراثة الرشتي للإحسائي ومزايدته على شيخه الإحسائي بالغلو والتطرف.
فقد ذكر محمد حسين آل كاشف الغطاء ترجمة للإحسائي قال فيها كان في أوائل القرن الثالث عشر وحضر على السيد بحر العلوم وكاشف الغطاء، وله منهما إجازة تدل على مقامه عندهم وعند سائر علماء ذلك العصر، والحق أن العارف الشهير الشيخ أحمد الأحسائي رجل من أكابر علماء الإمامية وعرفائهم.
وكان على غاية الورع والزهد والاجتهاد في العبادة كما سمعناه ممن نثق به ممن عاصره ورآه، نعم له كلمات في مؤلفاته مجملة متشابهة... ثم حاول تأويل ذلك.
بينما نجد جماعة من علماء الإمامية ذهبوا إلى أن الأحسائي كان فاسد العقيدة منحرفا، أوجد طريقة في مذهب الشيعة الاثني عشر، والتي سميت فيما بعد بالشيخية، وقد ردوا عليه بكتب معروفة متداولة منها: كتاب (ظهور الحقيقة على فرقة الشيخية) لمحمد مهدي الكاظمي، وكتاب (رسالة الشيخية والبابية) لمحمد مهدي الخالصي.
و في استفتاء قدم للسيد السيستاني حول الصلاة خلف إمام جماعة شيخي، أجاب: (العبرة في إمام الجماعة بالوثاقة بصحة القراءة والعدالة وفي مثل المفروض إن لم يحرز تقصيره في انتخاب غير الطريق الذي يعينه المجتهد الأعلم حجة فلا مانع من الصلاة خلفه) ولم يخرج الشيخ محمد السند الشيخية من الاثني عشرية, وقلل من مسائل الخلاف بينهما إلى حد جعلها في مسألة الباب إلى المهدي فقط.
بينما سئل فاضل اللنكراني عن حكم عقائد الشيخية شرعا وهل هم يختلفون عن عقائد الطائفة المحقة الإمامية؟؟ وهل يجوز تقليدهم والصلاة خلفهم أو تقبل شهادتهم؟ فأجاب: هم يختلفون عن عقائد الفرقة المحقة، وتقليدهم غير جائز وغير مبرئ للذمة، ولا يجوز الصلاة خلفهم ولا تقبل شهادتهم، وتعد هذه الفرقة فرقة ضالة يجب الاجتناب عنها وتحذير الناس والمؤمنين منه.
وخلاصة القول: أن الشيعة لا يريدون إظهار قبح أفكار ومعتقدات الشيخية المنسوبة لهم, فتجد بعضهم يتنكر ويتبرأ من أقوالهم الكفرية الصريحة والواضحة, والبعض الآخر يحاول استعمال التأويل الباطني في تفسيرها, مما يؤكد ارتباط الشيخية بالاثني عشرية, وأنهما لا يختلفان عن بعضهما إلا في نسبة الغلو والتطرف.
ــــــــــــــــ
الفهارس:
(1) شرح الزيارة الجامعة ، للاحسائي / 289/348/ 438
(2) شرح الزيارة الجامعة ص369-370-457-458
(3) الرسالة القطيفية في شرح جوامع الكلم ، للإحسائي 1/181
(4) كتاب (أصول مذهب الشيعة) ص111
(5) ومن مراجع التقرير أيضا : الشيخية نشأتها وتطورها لمحمد حسن آل الطالقاني , إضافة لبعض المواقع على الانترنت.
المصدر :
https://taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3723&ct=4&ax=6