بعض من حكم وطرائف بهلول
*سمع بهلول رجلا يقول : أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة فقال له : يا هذا اقلب الكلام وضع يدك على من شئت.
*قال بهلول لرجل من الأغنياء: كيف طلبك للدنيا ،فقال :شديد قال: فهل أدركت منها ما تريد؟ قال الغني: لا. قال بهلول: هذه التي صرفت عمرك في طلبها لم تحصل منها ما تريد فكيف التي لم تطلبها؟؟؟
*أراد رجل أن يمكر ببهلول -وكان يعرفه ويعرف صفاء نيته- وذات يوم رأى هذا الرجل بهلولا فسلم عليه فرد بهلول السلام،.قال الرجل: (رأيت البارحة في المنام رؤيا عجيبه.)،.قال البهلول: خيرا إن شاء الله، وماذا رأيت؟ قال الرجل: رأيت كأنك وهبتني مئة دينار من الذهب،.وعلم بهلول بما يدور في نفس الرجل، فضحك قليلا وقال: نعم الأمر على ما وصفت، لكني لاأريد أن أسترد ماوهبته إياك في المنام .خجل الرجل وانصرف لكنه علم أن لبهلول عقلا أكبر من عقله وأكثر ادراكا.
*ادّعى بهلول أنه نبي فوصل الخبر إلى الخليفة فلما أحضره قال له: أنت نبي؟ قال :نعم، قال إلى من بعثت؟. قال: :إليك. قال أشهد أنك لسفيه أحمق. قال " بهلول" : إنما يبعث إلى كل قوم مثلهم.
*كان بعض الأكاسرة راكبا فمر بطريق فعثرت به الفرس وقام سالما فرأى بهلول في ذلك الطريق فقال: إن هذا الرجل مشؤوم لما رأيته عَثــَرَت بي الفرس اضربوا عنقه، فتقدم إليه "بهلول" وقال :أيها الملك عليك بالإنصاف رأيتني وعثرت فرسك وقمت سالمًا وأنا رأيتك وهذا القتل قد قرب مني فأينا أشأم وأسوء وجها وفالا فضحك وخلاه.
*دخل بهلول على الخليفة وقال: يا أمير المؤمنين أقر الله عينك وفرحك بما أعطاك لقد حكمت فقسطت. فقال له الخليفة من تكون قال رجلٌ سلب حرسك ماله. فأمر برد ماله ثم التفت الخليفة إلى الحاضرين فقال: ما قال هذا الرجل؟. قالوا: ما نراه إلا قال خيرا فقال: ما أراكم فهمتم شيئا. أما قوله أقر الله عينك أي اسكنها عن الحركة وإذا سكنت عن الحركة عميت. وأما قوله وفرحك الله بما أعطاك فأخذه من قوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً). وأما قوله لقد حكمت فقسطت فأخذه من قوله تعالى: ( وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا).
استشارة العاقل والمجنون
*كان البهلول وعلى عادته يمشي يوماً في أزقّة بغداد، فلقيه رجل تاجر، فقال لبهلول: أريد استشارتك في أمر التجارة ". قال بهلول بهدوء: " وما الذي عدل بك عن العقلاء حتى اخترتني دونهم ؟ " ثم مكث هنيهة فقال: "حسنًا، ما الذي أردت استشارتي فيه ؟" فقال التاجر: "إني أعمل في التجارة، وأريد شراء متاعٍ أحتكره ثم أبيعه لمن يدفع لي فيه ثمناً باهظاً"، فضحك بهلول حتى بان ضرساه وقال: "إنْ أردتَ الربح في تجارتك فاشتر حديداً وفحمًا" شكره التاجر على ذلك وانطلق إلى السوق، ثم فكّر في كلام البهلول جيّدًا فارتأى أن يأخذ بكلامه، فاشترى حديداً وفحماً وأودعهما في المخزن لمدّة من الزمن، ولمّا احتاج التاجر إلى ثمنهما - وكان قد ارتفع سعرهما في تلك الأيام ـ باعهما وربح من وراء ذلك ربحاً كثيراً.
ولكنَّ هذه الثروة أثّرت على سلوك التاجر كما تؤثّر على سلوك الكثير من الناس عند ثرائهم، حيث تجدهم يفتقدون صوابهم، فيتغيّر منطقهم وسلوكهم، وهكذا كان التاجر، فقد اغترَّ بنفسه غروراً شديداً، حتى لم يكدْ يعدُّ للناس وزناً، فأخذ يتحدّث عن ذكائه وفطنته.
وذات يوم مرَّ التاجر ببهلول، لكنّه في هذه المرّة لم يعر بهلول أيّ اهتمام، بل سخر منه وقال: " أيها المجنون، ما الذي أشتري وأحتكر ليعود عليّ الربح ؟ " ضحك البهلول وقال: " عليك بالثوم والبصل ". خطا التاجر عدّة خطوات ثم قال باستكبار: " عليك أن تفتخر بمشورة تاجر مثلي إياك ". لم يجبه بهلول بشيء حتى انصرف.
رصد التاجر لشراء الثوم والبصل كلَّ ما يملك من أموال، وذهب لشرائهما على أمل التكسّب والثراء، وبعد أشهر مضت على الثوم والبصل وهما في المخزن، جاء التاجر وفتح أبوب المخزن فوجد الثوم قد نتن والبصل قد تعفّن، حينها ضرب التاجر على أمّة رأسه وصاح" يا للخيبة من سيشتري بضاعتي هذه المرّة ؟!! ".
أدرك التاجر أنَّ عليه أنْ يتخلَّص من هذه البضاعة بدفنها في الأرض، فسارع في ذلك، وامتعض من بهلول وازداد غضباً عليه، فأخذ يبحث عنه في كل مكان حتى عثر عليه، فلما رآه أخذ بتلابيبه وقال: " أيها المجنون، بم أشرتَ عليَّ؟ لقد أجلستني على بساط المسكنة ".
فقال له البهلول: " لقد استشرتني أولاً فخاطبتني بخطاب العقلاء فأشرتُ عليك بما يشيرون، لكنّك لمّا استشرتني ثانياً خاطبتني بخطاب المجانين فأشرتُ عليك بمشورتهم، فاعلم أن ضرّك ونفعك مخبوئان تحت لسانك ". أطرق التاجر برأسه، فتركه البهلول وانصرف عنه.