|
قسم القصة ، الرّواية والمقامات الأدبية قسمٌ مُخصّصٌ لإبداعات الأعضاء في كتابة القصص والرّوايات والمقامات الأدبية. |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2010-03-22, 15:17 | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
المقامة الإفحامية
حدثنا عبادة، ذو العلية والسادة، فـقال: "أتممت خدمة الوطن والناس، وقد طرحني النوى (1) ببلدة عباس (2)، وبقيت بها ثلاثا، ونزلت سهلا ثلاغا (3)، سمعت مؤذنا يدعو الغاشي (4) إلى الصلاة الوسطى (5)، فدخلت إلى قاعة وسعى، كان ذاك المسجد الجامع، وقد أتاه -من كل فج- كل سامع، صلينا بالطمأنينة التي علمها لنا الرسول، ولم يكن فيما بيننا متقاعس أو كسول، وبعدما قُضيت الصلاة والذكر والسلام، تفوّه أحدنا أن يا شيخ ما علم الكلام (6)؟ فالتف الناس على أحدهم في حلقة، وانزلقوا (7) به أكبر زلقة؛ كان رجلا كهلا، وكلامه ميسور وكان سهلا، ربما عمره في الأربعين، أحول العين، أفطس أصلع، ويظهر أنه أقلع (8)، أو أنه مسكين، في ثياب يتيم مهين، طبعه كله: وئام ووفاق، فقهه أكثره: بدع ونفاق، إن تكلم أسجع، وإن هذر (9) الآخرون أرجع (10)، يميل بجسمه إلى النحولة، وببشرته إلى الكحولة، طبعاً له هيبة في سواده، فكأنه ابن الخطاب ممتطيا جواده.
قال الإمام –وكان اسمه عثمان بن زعفان-: ويحكم يا أبناء الحبيبة، ويا نسل الربيبة، أتسألون عن الكلام فقيها، فعليكم قاها وقيها (11)، إن علم الكلام -هذا- من الأمور الشاذة، التي تدرس المادة، وهو في عرف أهله: قدرة على التحليل، والتفسير والتأويل والتعليل، وقد حاول الحلاج وأصحابُه التمذهبَ في أمور الغيب، فكانوا زنادقة يربحون العيب (12)؛ وها قد أصابني كلل وتعب، فالكلام عن الكلام (13) صعب، وإن السكوت عنكم جوابكم (14). فاستأذنت وسألت عن رأيه في قضية خلق القرآن (15)، فقال: إن رأيي من رأي ابن حنبل (16) "فبأي آلاء ربكما تكذبان"(17)، ثم دقق النظر فيّ وشزر (18)، "ثم نظر، ثم عبس وبسر، ثم أدبر واستكبر" (19)، فبادرت قائلا، أقول سائلا (20): هل أفعال الله كلها قضاء وقدر، أم تعليل وجب منه الحذر؟ فقال: وكأني أعرفها، ودموعي سوف أذرفها، فقلت: مثلا إخوة ثلاثة أشقاء، كأنهم أصدقاء، من أم حامدة وأب جاحد، قبضوا (21) في آن واحد، أحدهم مؤمن بالله تقي، والثاني كأبيه فاسق شقي، والثالث طفل صغير صبي، فما منازلهم يوم الهول؟ قال: أردت إيقاعي يا واحد الغول (22)، إن المؤمن من أهل الدرجات (23)، والفاسق من أصحاب الدركات (24)، والصبي كتبت له النجاة. قلت: فإن قال صغيرهم للرب العليم، الرؤوف الحليم: لو تركتني لكنت من عبادك الصالحين، ولجاهدت –في سبيلك- القوم الطالحين. أجاب الإمام: حينذاك سيقول تعالى: علمت حالك، وكيف ستبذر مالك، وكيف ستعيل عيالك (25)، ودريت أنك ستكفر –لا محالة- وتعصي، وذنوبك الكثيرة لا تحصي، فأمتك صغيرا، كيلا أصهرك صهيرا (26)، قلت: فإن جادل الابن الأوسط الإله الأقسط (27): ربي علمت حاله كما لمت حالي من قبل، فلم تضع حول جيدي (28) الحبل؟ هاأنذا من الصبي أغير (29)، فهلاّ كنت توفيتني مثله صغير؟؟ فانقطع الإمام وما سمعت منه إلا بضع صفير، وهمهمات وزفير. صمت جميعنا حتى أذن للصلاة والفلاح، والركعات المِلاح، فلما قضيناها وقف الإمام وسطنا كملكة النحل، وكأنه يبحث عن خاتم سقط في الوحل، ولم يك لمراده من همزة وصل. فقمت وقلت: يا إمام ألديك جواب للمسألة الآنفة؟ فقال: لا جواب وقد "أزفت الآزفة" (30)، قال من أين مطلع هذه الشموس (31)؟ قلت: فوق الأوزون (32) وتحت الرموس (33)، وأنشدت: والناس همهم الحياة، ولا أرى ******* طول الحياة يزيد غير خبال (34). وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ******* ذخراً يكون كصالح الأعمال (35). فقال الإمام: أصابتني كلماتك كالسهام، وإني أعترف بالإفحام، وأعلم ما مقامي معهم، وكلامك قد أفتق مسمعهم، فأين تسكن؟ وفي أي قنت (36) تركن؟ قلت: جمعت فمنعت، أسكن مدينة بعيدة، سماها الأمير (37) سعيدة، وهناك نحتاج لأمثالك، وأين –في ذا الزمان- أقرانك وأشكالك؟ فاستمنح الإمامُ الناسَ دراهما معدودة، لنسافر ونأكل في طريقنا معقودة (38)."
|
||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
المقالة, الإفحامية |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc