السلام عليكم
هي و الله حقيقة في الجملة، فلا تظنوا أنها (نمرقة) على ظهر الخيال...
أذقناهم (ثمرة) قلوبنا، و أسكناهم خباء صدورنا، و استووا على عروش خلاننا، جلسنا معهم على بساط التواضع، و اجتمعنا على مائدة التواصل من غير تقاطع، تواصلنا معهم عبر أثير الأخوّة، فسقيناهم من كأس ودّنا حتّى الثمالة، وصاحبناهم بقلوبنا قبل أجسامنا، و صادقناهم بنياتنا قبل جوارحنا، فكانوا لا يرونا منّا إلا ما يسرّهم و يبهجهم، لم يسمعوا منّا ضمير المفرد بإطلاق، بل سحائب ضمير الجمع و الضم فوقنا تدرّ بالغيث الدافق، لم يأذنوا منّا (هذا لي) بل كان (هذا لنا) لنا مرافق، كنّا لا نمرّ على أرض بور، إلا و صيرناها جنّة غنّاء بالعطر و الزهور، كنّا نتسامر الليالي العجاف، فنرتق صمتها بعذب الحديث متوافقين من غير خلاف، كنا و على قلتنا كالجحفل له زمازم في أذن الجوزاء، نسير بقوتنا و عزمنا و صبرنا على أرض سوّية غير عوجاء. يرانا الناظر من بعيد، فيهاب ظلّنا فينذر قومه مما خيّل له من وعيد، و لكن هيهات فقد كنا ذوي خصال تعدّ، و مكارم تذكر و أيادي تمدّ.قد انصهرت قلوبنا في قلب رجل واحد، و تفرقت أجسامنا في الكرم فكنّا جمعا في فرد صمد.
هذا حالنا من قبل... و لكن و بعد............
دعانا إمامنا إلى أرض الصدق و الوفاء، و أدخلنا قصور النبل و الإخاء، فكان قرآنه يتلى علينا صريحا من غير إيحاء، معلما لنا أرقى معاني الحب و الود و التعاون في الشدّة و الرّخاء، ثم أراد أن يختبرنا و كنّا نظن من أنفسنا أنّنا النجباء، اختبرنا بامتحان لا يفك رموزه إلا اللبيب المعادي لنهج الغوغاء، فأخذنا الزاد و صحيفة الامتحان و انطلقنا نسابق الهواء.
ذلك.... و لكن و بعد.........
خرجنا في جمع قد علم، ندكّ الأرض و لنا في كل شبر أثر و رسم، نسعى للظفر بفك ((طلامس)) تلك الامتحان الذي رقم، نتعاون فيما بيننا لأننا لم نجد شرط الانفراد من غير ضم، ثم سمعنا همسا سرعان ما تحول إلى صوت يصمّ، أن التعاون خيانة و الواجب التفرّق يا قوم، فذهلنا لأنّها أول مرة تطرق قلوبنا و قد رسخ في قلوبنا أنه ذمّ، ثم اختلفنا و كثر لنا الكلم، و زاد خلافنا و كثر الهمز و اللمز و القول العدل و القيّم، ثم اجتمعنا على رفع خلافنا لإمامنا الأعظم، فكان خطابه لنا مفصّل في حكم المبهم، حيث قال: ((تفرقوا و اجتمعوا و اجتمعوا و تفرقوا و لكم الحكم، فانظروا ما أنتم فاعلون فإني لن أزيدكم فهذا عهدي لكم)).
هذا، و بعد......
اجتمعنا إلى خطاب الإمام و ما جاء فيه من قول، فتلي علينا و على قدم التلاوة كنا ننتظر أثر الفعل، و لكن كلامه كان لنا مجمل، و قد عهد إلينا أنه لن يزدنا الجمل، فصاح أحدنا يا قوم هذا اختبار في الفهم المؤوّل، و شرطه التفرق لا الاتحاد المعوّل، ثم قابله صوت من الصف الأوّل، أي أخوتي إنه بلاء فلنحجم حفاظا على صفنا فعيب أن تنثرنا الريح كحب الرمل، فرد ثالث لن نحجم و خطاب الإمام إلينا قد وصل، و من عجز عن فك رموزه فليقعد و ليخلد عن طريق الأمل. ثم نطق رابع و خامس حتى علا جميع عقولنا قفل، لشدة الأصوات المتداخلة كريح مرسل.
آه آه آه .... و بعد.........
بعد أن كثر فينا الخلاف و اشتهر، صار لم الصف بعد ذلك من محال الأمر، فمسك كل واحد صحيفة الامتحان و الخطاب شافعه الظاهر، و سرنا منا المشرق و منا المغرب تفريقا بين العسر و اليسر، و خرجنا على نقطة اتفاق واحدة وجب لها الذكر، ذلك أن التلاقي عند الإمام في القصر...فخرجنا نتكبد الأيام و ما فيه من خير و شر.
و بعد:
لمّا سمع أمامنا بما أقدمنا عليه من الأمر، أرسل في طلبنا أن عودوا فالوقت قد قصر، و البلية أمرها عندي قد حصر، فارجعوا فإني لكم منتظر، فعدنا نسابق الأثر، فما أن عدنا حتى وجدنا رايات عليها قول قد اشتهر، عن المزني صاحب الشافعي الإمام الخير، ((إيّاك من الكلام ما إن أصبت فيه لا تؤجر، و إن أخطأت فيه تؤزر، و هو سوء ظنّك بأخيك))
فعجزنا عجزا فوق ما نحن عليه، فما دخل سوء الظنّ فيما أقدمنا إليه
بقلمي ظهر يوم الخميس 17/12/2009