السلام عليكم إخوتي الكرام
إشتقت إلى المنتدى كثيرا
و قد عدت و جلبت معي هذا البحث المتواضع
ملاحظة : هو عبارة عن مجموعة مقالات و تحليلات جمعتها في بحث مختصر للإفادة منه
مقدّمة :
كوّنتِ اللسانياتُ الحديثةُ مادّةً خاماً تشكّلتْ منها و تطوّرت عنها مناهجُ جديدةٌ نظر كلٌّ
منها إلى النّصّ الأدبيّ من جهة، إلاّ أنّها جميعاً تعتمدُ اللغةَ أساساً لها في قراءتها النصَّ
الأدبيّ، فمن البنيوية بفروعها إلى التفكيكية و من الأسلوبيّة و التداوليّة إلى الشّعرية إلى
السّيميائية .
و هذا التعدّدُ في المدارس اللسانية ما كان إلا إغناءً لتعدّدِ قراءاتِ النصّ الأدبيّ، إذ
يمكنُ أن نتناولَ النصَّ من عدّة مناحٍ تبعاً للمنهج المُختار للقراءة، فبات النصُّ نصوصاً
أخرى لم نكنْ لنراها إلا بعدسة تلك المدارسِ المتنوّعة و قد وقع اختيارُنا على الأسلوبيّة
لما لها من رؤيةٍ عميقةٍ للنّصّ الأدبيّ إذ تتناولُه بلاغيّاً و جماليّاً و دلاليّاً، و بذلك تغدو
مكوّناتُ الجملة تحملُ معانيَ مسطَّحةً، و أخرى عميقةً تصل إليها الدّراسةُ
الجادّة فماذا يقصد بالمنهج الأسلوبي أو "الأسلوبية"؟
المبحث الأول : الأسلوبية – تعريفها ، أنواعها ، مرتكزاتها
المطلب الأول : تعريف الأسلوبية :
جاء في لسان العرب( يقال للسطر من النخيل أسلوب، وكل طريق ممتد فهو أسلوب، والأسلوب الفن يقال أخذ فلان في أساليب من القول: أي أفانين منه). 1
وعرف "ريافتير" الأسلوب بأنه: "كل شيء مكتوب وفردي قصد به أن يكون أدباً". 2)
و يعتبر " شارل بالي " الفرنسي النمساوي تلميذ " دي سوسير " مؤسس المنهج البنوي من أوائل المؤسسين لهذا المنهج و يتبعه " جاكبسون " الذي عرف الأسلوبية بأنها ( البحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولا ، و عن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانيا )3
وقد ألمح عبد القاهر الجرجاني إلى الأسلوب في نظرية النظم، فالنظم عند الجرجاني هو الأسلوب، ومن هذه النظرية بنى الأسلوبيون منهجهم الحديث الأسلوبية" فأضحت بفضل الكثير من الملاحظات المتراكمة علماً خاصاً بدراسة جماليات الشعر والنثر .
ولم يعد المنهج الأسلوبي يعتمد على الألفاظ وعلاقاتها بالجمل والتراكيب والقواعد النحوية فحسب بل " توسع مفهوم علم الأسلوب ليشمل كل ما يتعلق باللغة من أصوات و صيغ و كلمات وتراكيب فتداخل مع علم الأصوات و الصرف و الدلالة و التراكيب لتوضيح الغاية منه, و الكشف عن الخواطر و الانفعالات و الصور , وبلوغ أقصى درجة من التأثير الفني , بل توسع أكثر من ذلك
-------------------------------------
1 - انظر لسان العرب مادة ( سلب )
2 - اتجاهات البحث الأسلوبي , لشكري عياد
3 - النقد الأدبي الحديث أسسه الجمالية , للدكتور: سعد أبو الرضا
و اشتمل على علم النفس و الاجتماع و الفلسفة وعلوم أخرى شهدت دقة مناهجها ومدى صلاحيتها في إغناء المنهج الأسلوبي 1.
يقول غزوان " وقد أدى الاهتمام بدراسة الأسلوب وتحليله لغويا على وفق معايير لغته أو فنياً على وفق المعايير الفنية , إلى ظهور ما يسمى بالأسلوبية اللغوية التي ترى أن الأسلوب قد يكون انزياخا أو انحرافا, أو عدولا عن السياق اللغوي المألوف في هذه اللغة أو تلك , أو قد يكون تكرارا للمثال , أو النموذج النصي الذي يهتم به الذوق العام أو قد يكون كشفا خاصا لبعض أصول اللغة ومرجعياتها ولا سيما في الوجه الجمالي للتعبير أو ما يسمى بالوجه البلاغي أو البياني" 2
ومن هنا نستخلص بأن الأسلوبية إنما تعتمد اعتمادا كبيرا على الدراسات اللغوية التي تمهد لدراسة النص الأدبي , لأن الناقد الأدبي -على حد تعبير غزوان- قبل كل شيء يجب أن يكون لغويا جيدا لأنه" لا وجود لأي نص أدبي خارج حدود لغته"(3) وهذا يدفعنا إلى أن الأسلوبية لا تكتفي البتة ببنية النص كما هي البنيوية بل تنظر إلى ما يحيط بها نظرة شمولية تهدف من وراءها إلى خلق جماليات النص الأدبي و تنويره للقارئ .
هذا بالإضافة إلى علاقتها بالبلاغة العربية و ما يعرف بالانزياح و التكرار و الإيحاءات التي يستشفها الناقد من السياقات المختلفة .
----------------------------------------
1 - النقد الأدبي الحديث أسسه الجمالية , للدكتور: سعد أبو الرضا
2 - أصداء دراسات أدبية نقدية , للدكتور: عناد غزوان
المطلب الثاني : أنواعها :
1 - الأسلوبية الصوتية :
وهي التي تهتم بالأصوات و الإيقاع و العلاقة بين الصوت و المعنى
2 - الأسلوبية الوظيفية :
وتهتم بدراسة العدول أو ما يسمى بالانحراف أو الانزياح
وتقوم على مبدأين :
أ-دراسة نصوص كثيرة تمثل أنواعاً أدبية مختلفة وأجناسا متعددة وعصورا بغية الكشف عن الآليات التي تتحكم في تكوين الأسلوب الشعري .
ب- الإفادة من نتائج علم النفس ..فدراسة العمل الأدبي أسلوبياً يتطلب التحرك بمرونة قصوى بين الأطراف و المركز الباطني للنص , والوصول إلى تلك النتائج يتطلب إعادة قراءة النص مرارا.
3 - الأسلوبية التعبيرية :
وكان رائدها بالي الذي شق الطريق للتفريق بين أسلوبين أحدهما ينشد التأثير في القارئ و الآخر لا يعنيه إلا إيصال الأفكار بدقة . وطور تلاميذه هذا الاتجاه عن طريق التوسع في دراسة التعبير الأدبي , فالكاتب لا يفصح عن إحساسه الخاص إلا إذا أتيحت له أدوات ملائمة , وما على الأسلوبي إلا البحث عن هذه الأدوات .
4 - الأسلوبية الإحصائية :
تقوم على دراسة ذات طرفين , أولهما: هو التعبير بالحدث , و الثاني هو التعبير بالوصف , ويعني بالأول الكلمات أو الجمل التي تعبر عن حدث و بالتالي الكلمات التي تعبر عن صفة , ويتم احتساب عدد التراكيب و القيمة العددية الحاصلة تزيد أو تنقص تبعاً لزيادة أو نقص عدد الكلمات الموجودة في هذه التراكيب , وتستخدم هذه القيمة في الدلالة على أدبية الأسلوب و التفريق بين أسلوب كاتب و كاتب .
فمثلاً كتاب " الأيام" لطه حسين تبين مثلاً أن نسبة الجمل الفعلية إلى الوصفية 39% في حين أن نسبة تكرار هذه الجمل في كتاب " حياة قلم" للعقاد لا تتعدى 18% , ومعنى ذلك أن كتاب الأيام أقرب إلى الأسلوب الانفعالي و الحركي من كتاب العقاد الذي يميل فيه إلى الطابع الذهني العقلاني.
-------------------------------------------
- أنظر: نبذة من مقال :ماذا يقصد بالمنهج الأسلوبي أو "الأسلوبية"؟ - رياض خنوف – 22 ماي 2009 .
5 - الأسلوبية النحوية :
تهتم بدراسة العلاقات و الترابط و الانسجام الداخلي في النص و تماسكه عن طريق الروابط التركيبية المختلفة , ومن هذه العلاقات : استخدام الضمائر و العطف و التعميم بعد التخصيص... وهذه العلاقات يلجأ إليها الكاتب لتنظيم جملة بعضها إلى جانب بعض مما يؤدي إلى تماسكها و ترابطها . .
وعلى هذا فإن الأسلوبية تواصل تأملها لعالم النص عن طريق القراءة المتعددة الوجوه , وتتحدد هذه الاتجاهات بعضها مع بعض في كيان عضوي يجذب القارئ و يستثير تساؤلاته .
6- أسلوبية الانزياح :
وهي تقوم على مبدأ انزياح اللغة الأسلوبية عن اللغة العادية ويعرف الأسلوب على أنه انزياح عن المعيار المتعارف عليه, فهم يعتقدون أن الأسلوب الجيد هو الذي ينحرف عن اللغة الأصلية وطريقتها الاعتيادية على اختلافهم في مدى هذا الانحراف والانزياح فمنهم من يدعو إلى الخروج عن كل قواعد اللغة وهذا ما طبقه أهل الحداثة في أدبهم , والمعتدل منهم يقول أن الانزياح يكون في حدود قواعد اللغة حيث يكون الإبداع بسلوك طرق جديدة غفل عنها الآخرين لكنها لا تخالف قواعد اللغة أي النحو1
ويسميها كوهمين " الانتهاك " حيث أن المبدع يعتمد في إبداعه على اختراق المستوى المثالي في اللغة وانتهاكه.2
7-الأسلوبية الأدبية :
وهي تعنى بدراسة الأسلوب الأدبي بجانبيه الشكلي والمضموني , ويسعى أصحاب هذا الاتجاه إلى اكتشاف الوظيفة الفنية للغة النص الأدبي وذلك عن طريق التكامل بين الجانب الأدبي الجمالي الذي يهتم به الناقد , والجانب الوصفي اللغوي اللساني .
وهذا هو الذي يميز هذا الاتجاه عن الاتجاه اللغوي الذي لا يهتم بالمعنى وغنما بالشكل والصياغة5
8- الأسلوبية التأثرية :
وبنصب اهتمام هذا الاتجاه على المتلقي وقياس تأثيرات النص عليه من خلال استجابته وردود فعله , حيث إن المتلقي له الحق في توسيع دلالات النص من خلال تجربته هو3.
------------------------------
- ينظر في الأسلوب والأسلوبية ,محمد اللويمي ,ص46.
2- ينظر البلاغة والأسلوبية , محمد عبد المطلب , ص268.
3- ينظر في الأسلوب والأسلوبية , محمد اللويمي ,ص48.
المطلب الثالث : مرتكزاتها :
يرتكز التحليل الأسلوبي على عدة مستويات متعددة تشمل هذه العلوم :
المستوى اللفظي الدلالي، و يشمل علم الدلالة، و دراسة اللفظة المفردة وهيئتها . -
- المستوى التركيبي ، و يتم فيه دراسة الجملة وتركيبها كالتقديم والتأخير، والحذف، والقصر، وغيره .
- المستوى التصويري ، و فيه تُدرس الصور المختلفة في النص من صور جزئية، أو كلية مع
مكوناتها. و يُدرس في هذا المستوى كل أنواع الصور .
- المستوى الإيقاعي، وهنا يُدرس علم العروض و القافية، و علم الأصوات. و يدخل في هذا
المستوى كل ما يمت للصوت بصلة من (الفونيم) حتى البحر الشعري .
كلما تمكن الباحث من الإلمام بهذه المستويات في النص سيبرز بذلك كل خصائصه الأسلوبية
ويسميها كوهين " الانتهاك " حيث أن المبدع يعتمد في إبداعه على اختراق المستوى المثالي في
اللغة وانتهاكه.4
-------------------------------------------
- أنظر: نبذة من مقال :ماذا يقصد بالمنهج الأسلوبي أو "الأسلوبية"؟ - رياض خنوف – 22 ماي 2009 .
ا