كتاب شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد الهراس رحمه الله - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها ..

قسم الكتب و المتون العلمية و شروحها .. يعنى بجميع المتون من نظم و قصائد و نثر و كذا الكتب و شروحاتها في جميع الفنون على منهج أهل السنة و الجماعة ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

كتاب شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد الهراس رحمه الله

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-07-14, 17:39   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
محمد عبد الحميد
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي كتاب شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد الهراس رحمه الله

السلام عليكم ورحمة الله

لما نرى من المسلمين اليوم من ضعف شديد في مسائل الإعتقاد او اصول الإيمان رأيت أن أضع بين يدي إخواني كتاب شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد الهراس رحمه الله :

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ ؛ فَلَمَّا كَانَتِ ( الْعَقِيدَةُ الْوَاسِطِيَّةُ ) لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَجْمَعِ مَا كُتِبَ فِي عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، مَعَ اخْتِصَارٍ فِي اللَّفْظَةِ ، وَدِقَّةٍ فِي الْعِبَارَةِ ، وَكَانَتْ تَحْتَاجُ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَوَاضِعِهَا إِلَى شَرْحٍ يُجْلِي غَوَامِضَهَا ، وَيُزِيحُ السِّتَارَ عَنْ مَكْنُونِ جَوَاهِرِهَا ، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ شَرْحًا بَعِيدًا عَنِ الْإِسْهَابِ وَالتَّطْوِيلِ وَالْإِمْلَالِ بِكَثْرَةِ النُّقُولِ ، حَتَّى يُلَائِمَ مَدَارِكَ النَّاشِئِينَ ، وَيُعْطِيَهُمْ زُبْدَةَ الْمَوْضُوعِ فِي سُهُولَةٍ وَيُسْرٍ
فَقَدِ اسْتَخَرْتُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَأَقْدَمْتُ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ ، رَغْمَ كَثْرَةِ الشَّوَاغِلِ ، وَزَحْمَةِ الصَّوَارِفِ ، سَائِلًا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ كُلَّ مَنْ قَرَأَهُ ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ ، إِنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ .
مُحَمَّد خَلِيل هَرَّاس

( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْبَسْمَلَةِ ؛ هَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ افْتُتِحَتْ بِهَا ؟ أَوْ هِيَ آيَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بِهَا بَيْنَ السُّوَرِ وَلِلتَّبَرُّكِ بِالِابْتِدَاءِ بِهَا ؟ وَالْمُخْتَارُ : الْقَوْلُ الثَّانِي .
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا جُزْءُ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ ، وَعَلَى تَرْكِهَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ ( بَرَاءَةٌ ) ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ هِيَ وَالْأَنْفَالُ كَسُورَةٍ وَاحِدَةٍ .
وَالْبَاءُ فِي ( بِسْمِ ) لِلِاسْتِعَانَةِ ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ ، قَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ فِعْلًا ، وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمُ اسْمًا ، وَالْقَوْلَانِ مُتَقَارِبَانِ ، وَبِكُلٍّ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ ، قَالَ تَعَالَى : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ } ، وَقَالَ : { بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا } .
وَيَحْسُنُ جَعْلُ الْمُقَدَّرِ مُتَأَخِّرًا ( لِأَنَّ الِاسْمَ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ ، وَلِأَنَّ تَقْدِيمَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ يُفِيدُ اخْتِصَاصَ الِاسْمِ الْكَرِيمِ بِكَوْنِهِ مُتَبَرَّكًا بِهِ ، وَالِاسْمُ هُوَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِمَعْنًى تَعْيِينًا لَهُ أَوْ تَمْيِيزًا ) .
وَاخْتُلِفَ فِي أَصْلِ اشْتِقَاقِهِ ، فَقِيلَ : إِنَّهُ مِنَ السِّمَةِ ؛ بِمَعْنَى : الْعَلَامَةِ ، وَقِيلَ : مِنَ السُّمُوِّ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ .
وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ .
وَلَيْسَ الِاسْمُ نَفْسَ الْمُسَمَّى كَمَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ ، فَإِنَّ الِاسْمَ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ ، وَالْمُسَمَّى هُوَ الْمَعْنَى الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الِاسْمِ .
وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ نَفْسَ التَّسْمِيَةِ ؛ فَإِنَّهَا فِعْلُ الْمُسَمَّى ؛ يُقَالُ : سَمَّيْتُ وَلَدِي مُحَمَّدًا ، مَثَلًا .
وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ : إِنَّ لَفْظَ الِاسْمِ هُنَا مُقْحَمٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا بِاسْمِهِ ، لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ ذِكْرُ الِاسْمِ الْكَرِيمِ بِاللِّسَانِ ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } .
أَيْ : سَبِّحْهُ نَاطِقًا بِاسْمِ رَبِّكَ ، مُتَكَلِّمًا بِهِ ، فَالْمُرَادُ التَّبَرُّكُ بِالِابْتِدَاءِ بِذِكْرِ اسْمِهِ - تَعَالَى - وَاسْمُ الْجَلَالَةِ : قِيلَ إِنَّهُ اسْمٌ جَامِدٌ غَيْرُ مُشْتَقٍّ ؛ لِأَنَّ الِاشْتِقَاقَ يَسْتَلْزِمُ مَادَّةً يُشْتَقُّ مِنْهَا ، وَاسْمُهُ تَعَالَى قَدِيمٌ ، وَالْقَدِيمُ لَا مَادَّةَ لَهُ ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْأَعْلَامِ الْمَحْضَةِ ، الَّتِي لَا تَتَضَمَّنُ صِفَاتٍ تَقُومُ بِمُسَمَّيَاتِهَا .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ . وَاخْتُلِفَ فِي مَبْدَأِ اشْتِقَاقِهِ ، فَقِيلَ : مِنْ أَلَهَ يَأْلَهُ أُلُوهَةً وَإِلَاهَةً وَأُلُوهِيَّةً ؛ بِمَعْنَى : عَبَدَ عِبَادَةً .
وَقِيلَ : مِنْ أَلِهَ - بِكَسْرِ اللَّامِ - يَأْلَهُ - بِفَتْحِهَا - أَلَهًا ؛ إِذَا تَحَيَّرَ .
وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ، فَهُوَ إِلَهٌ ؛ بِمَعْنَى مَأْلُوهٍ ؛ أَيْ : مَعْبُودٍ ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ( اللَّهُ ذُو الْإِلَهِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ عَلَى خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ ) .
وَعَلَى الْقَوْلِ بِالِاشْتِقَاقِ يَكُونُ وَصْفًا فِي الْأَصْلِ ، وَلَكِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْعَلَمِيَّةُ ، فَتَجْرِي عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْأَسْمَاءِ أَخْبَارًا وَأَوْصَافًا ، يُقَالُ : اللَّهُ رَحْمَنٌ رَحِيمٌ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ، كَمَا يُقَالُ : اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ . . إِلَخْ .
وَ ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) : اسْمَانِ كَرِيمَانِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى ، دَالَّانِ عَلَى اتِّصَافِهِ تَعَالَى بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ ، وَهِيَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لَهُ سُبْحَانَهُ ، عَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ ، وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا لَازِمُهَا ، كَإِرَادَةِ الْإِحْسَانِ وَنَحْوِهِ ، كَمَا يَزْعُمُ الْمُعَطِّلَةُ ، وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَاخْتُلِفَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا : فَقِيلَ : الْمُرَادُ بِـ ( الرَّحْمَنِ ) الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ ( فَعْلَانَ ) تَدُلُّ عَلَى الِامْتِلَاءِ وَالْكَثْرَةِ ، وَ ( الرَّحِيمِ ) الَّذِي يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ ، وَقِيلَ الْعَكْسُ .
وَقَدْ ذَهَبَ العَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَنَّ ( الرَّحْمَنِ ) دَالٌّ عَلَى الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ ، وَ ( الرَّحِيمِ ) دَالٌّ عَلَى تَعَلُّقِهَا بِالْمَرْحُومِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَجِئْ الِاسْمُ الرَّحْمَنُ مُتَعَدِّيًا فِي الْقُرْآنِ ، قَالَ تَعَالَى : { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا } ، وَلَمْ يَقُلْ : رَحْمَانًا .
وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : ( هُمَا اسْمَانِ رَقِيقَانِ ، أَحَدُهُمَا أَرَقُّ مِنَ الْآخَرِ ) .
وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ كَوْنَ ( الرَّحْمَنِ ) فِي الْبَسْمَلَةِ نَعْتًا لِاسْمِ الْجَلَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَمٌ آخَرُ لَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ ، وَالْأَعْلَامُ لَا يُنْعَتُ بِهَا .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نَعْتٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ ، فَـ ( الرَّحْمَنِ ) اسْمُهُ تَعَالَى وَوَصْفُهُ ، وَلَا تُنَافِي اسْمِيَّتُهُ وَصْفِيَّتَهُ ، فَمِنْ حَيْثُ هُوَ صِفَةٌ جَرَى تَابِعًا عَلَى اسْمِ اللَّهِ ، وَمِنْ حَيْثُ هُوَ اسْمٌ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ غَيْرَ تَابِعٍ ، بَلْ وُرُودُ الِاسْمِ الْعَلَمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } .
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا .
( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) : رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : « كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيَّ فَهُوَ أَقْطَعُ ، أَبْتَرُ ، مَمْحُوقُ الْبَرَكَةِ » (1)
وَوَرَدَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْبَسْمَلَةِ .
وَلِهَذَا جَمَعَ الْمُؤَلِّفُ بَيْنَهُمَا عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا ؛ فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ قِسْمَانِ : حَقِيقِيٌّ وَإِضَافِيٌّ ، وَالْحَمْدُ ضِدُّ الذَّمِّ ، يُقَالُ : حَمِدْتُ الرَّجُلَ أَحْمَدُهُ حَمْدًا وَمَحْمَدًا وَمَحْمَدَةً ، فَهُوَ مَحْمُودٌ وَحَمِيدٌ .
وَيُقَالُ : حَمَّدَ اللَّهَ بِالتَّشْدِيدِ : أَثْنَى عَلَيْهِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى ، وَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ .
وَالْحَمْدُ : هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ ، نِعْمَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا ، يُقَالُ : حَمِدْتُ الرَّجُلَ عَلَى إِنْعَامِهِ ، وَحَمِدْتُهُ عَلَى شَجَاعَتِهِ .
وَأَمَّا الشُّكْرُ فَعَلَى النِّعْمَةِ خَاصَّةً ، وَيَكُونُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ ، قَالَ الشَّاعِرُ :

أَفَادَتْكُمُ النَّعْمَاءُ مِنِّي ثَلَاثَةً ... يَدِي وَلِسَانِي وَالضَّمِيرَ الْمُحَجَّبَا

.
وَعَلَى هَذَا فَبَيْنَ الْحَمْدِ وَالشُّكْرِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ ، يَجْتَمِعَانِ فِي الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ عَلَى النِّعْمَةِ ، وَيَنْفَرِدُ الْحَمْدُ فِي الثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ عَلَى مَا لَيْسَ بِنِعْمَةٍ مِنَ الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ ، وَيَنْفَرِدُ الشُّكْرُ بِالثَّنَاءِ بِالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ عَلَى خُصُوصِ النِّعْمَةِ . فَالْحَمْدُ أَعَمُّ مُتَعَلَّقًا ، وَأَخَصُّ آلَةً ، وَالشُّكْرُ بِالْعَكْسِ .
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالْمَدْحِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ : ( إِنَّ الْحَمْدَ إِخْبَارٌ عَنْ مَحَاسِنِ الْمَحْمُودِ ، مَعَ حُبِّهِ ، وَتَعْظِيمِهِ ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنِ اقْتِرَانِ الْإِرَادَةِ بِالْخَيْرِ ، بِخِلَافِ الْمَدْحِ ، فَإِنَّهُ إِخْبَارٌ مُجَرَّدٌ ) ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْمَدْحُ أَوْسَعَ تَنَاوُلًا ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِلْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَلِلْجَمَادِ أَيْضًا .
وَ ( أَلْ ) فِي الْحَمْدِ لِلِاسْتِغْرَاقِ ؛ لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ أَفْرَادِ الْحَمْدِ الْمُحَقَّقَةِ وَالْمُقَدَّرَةِ ، وَقِيلَ : لِلْجِنْسِ ، وَمَعْنَاهُ : ( أَنَّ الْحَمْدَ الْكَامِلَ ثَابِتٌ لِلَّهِ ، وَهَذَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ كُلِّ مَا يُحْمَدُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَمَالِهِ ، إِذْ مَنْ عَدِمَ صِفَاتِ الْكَمَالِ ؛ فَلَيْسَ بِمَحْمُودٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَلَكِنْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونُ مَحْمُودًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَبِكُلِّ اعْتِبَارٍ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَمْدِ ، إِلَّا مَنْ حَازَ صِفَاتِ الْكَمَالِ (1) جَمِيعَهَا .
الرَّسُولُ فِي اللُّغَةِ هُوَ مَنْ بُعِثَ بِرِسَالَةٍ ، يُقَالُ : أَرْسَلَهُ بِكَذَا إِذَا طَلَبَ إِلَيْهِ تَأْدِيَتَهُ وَتَبْلِيغَهُ . وَجَمْعُهُ : رُسْلٌ بِسُكُونِ السِّينِ ، وَرُسُلٌ بِضَمِّهَا .
وَفِي لِسَانِ الشَّرْعِ : إِنْسَانٌ ، ذَكَرٌ ، حُرٌّ ، أُوحِيَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ ، وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ .
فَإِنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّبْلِيغِ فَهُوَ نَبِيٌّ . فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ ، وَلَا عَكْسَ ، فَقَدْ يَكُونُ نَبِيًّا غَيْرَ رَسُولٍ .
وَالْمُرَادُ بِالرَّسُولِ الْمُضَافِ إِلَى ضَمِيرِ الرَّبِّ هُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَ ( الْهُدَى ) فِي اللُّغَةِ : الْبَيَانُ وَالدَّلَالَةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى } . فَإِنَّ الْمَعْنَى : بَيَّنَّا لَهُمْ . وَكَمَا فِي قَوْلِهِ : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } .
وَالْهُدَى بِهَذَا الْمَعْنَى عَامٌّ لِجَمِيعِ النَّاسِ ، وَلِهَذَا يُوصَفُ بِهِ الْقُرْآنُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } .
وَيُوصَفُ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } .
وَقَدْ يَأْتِي الْهُدَى بِمَعْنَى التَّوْفِيقِ وَالْإِلْهَامِ ، فَيَكُونُ خَاصًّا بِمَنْ يَشَاءُ اللَّهُ هِدَايَتَهُ قَالَ تَعَالَى : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ } .
وَلِهَذَا نَفَاهُ اللَّهُ عَنْ رَسُولِهِ ؛ قَالَ تَعَالَى : { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } .
وَالْمُرَادُ بِالْهُدَى هُنَا : كُلُّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِخْبَارَاتِ الصَّادِقَةِ ، وَالْإِيمَانِ الصَّحِيحِ ، وَالْعِلْمِ النَّافِعِ ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ .
وَالدِّينُ يَأْتِي لِعِدَّةِ مَعَانٍ : مِنْهَا : الْجَزَاءُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : كَمَا يَدِينُ الْفَتَى يُدَانُ .
وَمِنْهَا : الْخُضُوعُ وَالِانْقِيَادُ ، يُقَالُ : دَانَ لَهُ بِمَعْنَى : ذَلَّ وَخَضَعَ ، وَيُقَالُ : دَانَ اللَّهَ بِكَذَا ، أَوْ كَذَا بِمَعْنَى اتَّخَذَهُ دِينًا يَعْبُدُهُ بِهِ .
وَالْمُرَادُ بِالدِّينِ هُنَا : جَمِيعُ مَا أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ اعْتِقَادِيَّةً كَانَتْ ، أَمْ قَوْلِيَّةً ، أَمْ فِعْلِيَّةً .
وَإِضَافَتُهُ إِلَى الْحَقِّ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ ؛ أَيِ : الدِّينِ الْحَقِّ ، وَالْحَقُّ : مَصْدَرُ حَقَّ يَحِقُّ إِذَا ثَبَتَ وَوَجَبَ ، فَالْمُرَادُ بِهِ : الثَّابِتُ الْوَاقِعُ ، وَيُقَابِلُهُ الْبَاطِلُ الَّذِي لَا حَقِيقَةَ لَهُ .
اللَّامُ فِي قَوْلِهِ : ( لِيُظْهِرَهُ ) لَامُ التَّعْلِيلِ ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ ( أَرْسَلَ ) ، وَهُوَ مِنَ الظُّهُورِ بِمَعْنَى : الْعُلُوِّ وَالْغَلَبَةِ ؛ أَيْ : لِيَجْعَلَهُ عَالِيًا عَلَى الْأَدْيَانِ كُلِّهَا بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ .
وَ ( أَلْ ) فِي ( الدِّينِ ) لِلْجِنْسِ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ دِينٍ بَاطِلٍ ، وَهُوَ مَا عَدَا الْإِسْلَامَ .
وَالشَّهِيدُ : فَعِيلٌ ، وَهُوَ مُبَالَغَةٌ مِنْ شَهِدَ ، وَهُوَ إِمَّا مِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ وَالْإِعْلَامِ ، أَوْ مِنَ الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى الْحُضُورِ ، وَالْمَعْنَى : وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ، مُخْبِرًا بِصِدْقِ رَسُولِهِ ، أَوْ حَاضِرًا مُطَّلِعًا لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ .
وَالْمَعْنَى الْإِجْمَالِيُّ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ جَمِيعَ أَوْصَافِ الْكَمَالِ ثَابِتَةٌ لِلَّهِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَأَتَمِّهَا









 


رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 04:07

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc