أقسام علم الحديث
ويتحصل من هذا: أن الحديث ينقسم إلى ثلاثة أقسام: صحيح وحسن وضعيف.
أولاً: الصحـيـح: الصحيح لغة: ضد المريض, واصطلاحًا: هو الحديث الذي اشتمل على أعلى صفات القبول وهي خمسة:
الأول: اتصال السند: ومعنى هذا الاتصال أن يكون كل راو من الرواة قد سمع عمن فوقه حقيقة, ومن فوقه من الذي فوقه, وهكذا إلى آخر السند, مثال ذلك, قول البخاري مثلاً:
حدثنا عبد الله بن يوسف قال: اخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (طعام الاثنين كافي الثلاثة) رواه البخاري في كتاب الأطعمة.
فهذا سند متصل, ومعنى ذلك أن البخاري قد سمع من عبد الله هذا الحديث, وأن عبد الله سمع من مالك هذا الحديث, وأن مالكًا سمعه من أبي الزناد, وهو سمعه من الأعرج, وهو سمعه من أبي هريرة, وهو سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وهذا يقتضي وجود الراوي في زمن الذي قبله, ووجود الذي قبله في زمن من فوقه, حتى يمكن أن يتحقق سماعه منه واتصاله به.
الثاني: عدالة الراوي: أي أن يكون كل راو من رواة الحديث في ذلك السند عدلاً.
والعدل: هو المسلم السالم من الفسق وصغائر الأوصاف الخسيسة, فالكافر والفاسق والمجنون والمجهول, كل هؤلاء ليسوا عدولاً, بخلاف المرأة فهي مقبولة الرواية إذا كانت مسلمة سالمة من الفسق والأوصاف الخسيسة, وكذلك العبد تقبل روايته إذا كان مسلمًا سالمًا من الفسق والأوصاف الخسيسة.
ويمكن أن نقول: إن عدالة الراوي معناها نظافة سلوكه, وطهارة سِيَرِهِ, وهو يتناول الجانب الأخلاقي في الراوي, ويبقى اشتراط الجانب العلمي لأنه لا يلزم من كون الراوي عدلاً صالحًا تقيًا في نفسه أن يكون عالمًا متقنًا في روايته, والعكس بالعكس, أي لا يلزم من كونه عالمًا متقنًا في الرواية, أن يكون عدلاً صالحًا تقيًا, لذلك اشترط العلماء في الراوي أن يتحقق بوصف آخر, وهو كونه عالمًا متقنًا محققًا في روايته, وهو الذي يعبرون عنه بتمام الضبط, وهو الشرط الثالث من شروط الصحيح.
الثالث: تمام الضبط: والمراد بذلك كون راوي الحديث في المرتبة العليا بأن يثبت ما سمعه في ذهنه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء, فخرج المغفل كثير الخطأ وخرج أيضًا خفيف الضبط.
الرابع: خلوه من الشذوذ: أي لا يخالف ذلك الثقة أرجح منه من الرواة.
الخامس: خلوه من العلة: أي لا يكون في الحديث علة, والعلة: وصف خفي يقدح في القبول وظاهره السلامة منه.
ثانيًا: الحـسـن:
الحسن لغة: ما تشتهيه النفس, واصطلاحًا: هو: الحديث الذي اتصل سنده بنقل العدل الذي قل ضبطه عن درجة الصحيح, وخلا من الشذوذ والعلة, فشروطه خمسة:
1- اتصال السند.
2- عدالة الراوي.
3- ضبط الراوي, والمراد أن يكون ضبطه أقل من راوي الصحيح, أي خفيف الضبط.
4- خلوه من الشذوذ.
5- خلوه من العلة.
فعُلم بهذا أن شروط الحسن مثل شروط الصحيح فيما عدا الشرط الثالث, وهو الضبط, فإنه في الصحيح يشترط أن يكون في المرتبة العليا, أما في الحسن فإنه لا يشترط ذلك بل يُكتفى بخفة الضبط.
مثالـه: حديث محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه, فمحمد بن عمرو هذا مشهور بالصدق, وليس في غاية الحفظ.
حكمه: هو مثل الصحيح في الاحتجاج والعمل به, وإن كان دونه في القوة, ولهذا يقدم عليه الصحيح عند التعارض, لأنه أعلى منه رتبة, إذ الحسن قصرت رجاله عن رجال الصحيح في الحفظ والضبط, أما رجال الصحيح فهم في غاية الحفظ والضبط.
ثالثًا: الضـعيـف:
الضعيف لغة: من الضعف, بضم الضاد وفتحها, ضد القوة, واصطلاحًا: هو الحديث الذي لم تجتمع فيه صفات الصحيح, ولا صفات الحسن, ويقال له المردود.
مثاله: حديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم توضأ ومسح على الجوربين, فهذا ضعيف, لأنه يروى عن أبي قيس الأودي وهو ضعيف.
أقسامه: اختلف العلماء في تقسيمه, فأوصله بعضهم إلى واحدٍ وثمانين قسمًا, وبعضهم إلى تسعةٍ وأربعين وبعضهم إلى اثنين وأربعين, ولكن كل هذه التقسيمات لا تفيد طائلاً, فقد قال ابن حجر: إن ذلك تَعبٌ, وليس وراءه أربٌ, على أن هؤلاء الذين اختلفوا في تقسيمه لم يسموا لنا من أنواعه إلا قليلاً, ولم يخصصوا لكل حالة من حالات الضعف اسمًا معينًا.
حكمه: الحديث الضعيف لا يُعمل به في العقائد والأحكام, ويجوز العمل به في الفضائل والترغيب والترهيب وذكر المناقب, بشروط مفصلة في مواضعها.