بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله سيد الخلق أجمعين
وعلى آله و صحبه الغرّ الميامين .
أما بعد .../
أستاذنا الكريم سعد بوعقبة السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، أتمنى أن
تلقاك حروفي و أنت في خير وصحة إن شاء الله و صحّ رمضانك .
بادءًا ذي بدء سيدي المحترم أعتذر عن ركاكة الأسلوب ، واعلم سيدي أن ما
حوته رسالتي إليك ما هو إلى قَطر من فيض مما يختلج صدر جيل كامل من
شباب الجزائر .
سيدي المحترم ، أنا شاب جزائري من ولاية بسكرة نشأت و تربيت في عائلة
تربوية مجاهدة ، نهلت من مَعِين الوالد الجبهاوي المحافظ قيمَ الوطنية الأصيلة
و حبَ الوطن .
تربيتُ أنا و باقي أترابي على أنني جزائري عربي مسلم حفيد الفاتحين غير
المخلفين في الأرض والقواعد و المنافقين ، ممّن حملوا لواء الجهاد نحو أرض
الشمال الإفريقي ، أحفاد عقبة بن نافع و أبو المجاهد دينار و موسى بن نصير ،
تربيت على خطابات هواري بومدين التي كان يتلوها الوالد كالوِرْدِ الذي يجب
أن أسمعه من حين إلى حين .
لكن مع مرور الوقت و بعد تدرجي في الدراسة إلى أن بلغت الجامعة ، أين
اصطدمتْ أفكاري التي تربيتُ عليها مع واقع الحياة ، "جامعة فرنكوفونية" ،كل
شيء بالفرنسية ، نخبة جامعية فرنكوفونية بالإجمال ، حاولت تجاهل ذلك و
أرجعت مناط كل ذلك إلى تخلفنا الحاصل من ناحية مراجع التدريس التي
تفرض نوعاما لغةً و ثقافةً للتدريس ، ضف إلى ذلك ثلاثين و مئة سنة ونيف
من الاستدمار الفرنسي ، ومرت الأيام و أنا أتجرع مرارة الانفصام بين هويتي و
واقع الحال في ديدن الأيام بين الناس و في جنبات الجامعة، حتى أستاذ الأدب
العربي في بعض الأحيان يستطرد في شرح مفاهيم مقياسه باللغة الفرنسية
قصد أن يبيّن لنا ما قد تلبّس علينا فهمه.
سيدي الكريم ، إن القطرة التي أفاضت سيل العَرِم وليس الكأس فحسب ، أن
يتشدق أولوا الأمر منّا في كل حين بلغة لم أفهم الغاية منها و لا السبب في
إتيانها ، و أن يخرج بين الحين والآخر وزير هنا و وزير هناك يزهو بتحكمه
المذهل في لغة موليير في المحافل الدولية و لايرى حرجا في ذلك البتة ،
فإنه والله الخسران المبين لهذه الأمة و لتضحيات رجالاتها من الشهداء
والمجاهدين ، حتى بلغت بهم الجرأة أن يتحدث بها وزيرنا للخارجية بين بني
العرب وفي حضرة من استعبدوا شعبنا لأكثر من قرن و اثنين وثلاثين عاما في
مؤتمر باريس .
سيدي المحترم ، قد لا توافقني إن قلت لك أن نهب أموال هذا الشعب و ثرواته
، والفساد المستشري في دواليب الدولة من حارس المدرسة الابتدائية و مركز
التكوين في بلديتي إلى رأس الهرم في الدولة لايهمني ، بقدر ماتهمني أن تسلم
أركان هويتي و ثقافتي ، وقد حاولت عديد المرات سيدي الفاضل أن أجد مِن
ساسَة العرب أو العجم شرقهم وغربهم من تنصّل من لغة شعبه في المحافل
الدولية ، حتى رئيس دولة أفغانستان المحتلة أحمد كرزاي ينطق بلسان قومه ،
ورحت أفتش في أرشيف من رحل ، و من بقي من ساسة العرب ، حتى المخلوع
حسني مبارك لم يتجرء يوما و مسّ سيادة شعبه في مقومات هويته وانتمائه .
سيدي الفاضل، أصدُقُك القول ، قد صِرت لا أحسّ بأيِّ انتماء لهذا البلد،إذ رسمت
له صورة في مخيلتي مذ أن نشأت صغيرًا وأنا أدندن قصائد الشيخ عبد الحميد
بن باديس ، رسمته بلدا سيِّدا ، تحكمه العزة و الكرامة و النيف على شاكلة
طارق بن زياد وَالأمير عبد القادر وَمالك بن نبي وَالشيخ ابن باديس وَهواري
بومدين وَالعقيد شعباني والدكتور عبدالحميد مهري رحمة الله عليهم أجمعين.
أمّا ما أراه اليوم ، فلا أظن سيدي الفاضل أنني أعرف رجالاته و لا مواطن عزته
و كرامته التي تجلت دائما في مخيلتي . سيدي الفاضل أرفع إليك استقالتي
كمواطن لهذا البلد ) الجزائر فرنسية ( كما قالها ديغول ، إلى أن تعود ) شعب
الجزائر مسلم و إلى العروبة ينتسب ( كما قالها ابن باديس .
و اعذرني على الإطالة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته