هياكل في العراء
انتهت عطلة الشتاء .. وأصبحت الأشجار هياكل في العراء .. بعدما نزع الخريف حلتها وتناثرت أوراقها تعبث بها الرياح في كل مكان.. وأمسكت السماء ماء...ها غضبا فلم تغتسل الغابة من غبار الليالي الحالكة.. وعما قليل سيعود الأطفال إلى مدارسهم وسيعود معهم معلموهم يجرّون وراءهم ثقل السنين وقد ظهرت ملامح الأتعاب في أخاديد وجوههم المرهقة..
هناك تتكدس ساعات العمل الكثيفة .. ويتكدس التلاميذ بأعداد هائلة .. وتتراكم الأعمال المختلفة وتتلون الضغوط والأوجاع.. فيتهاوى الصبر والتحمل والأنين..
قد يخيّل لمن لم يألف الكد أن الوصف فيه شيء من الشد والمغالاة والتهويل ، فالمعلم حسب زعم البعض محظوظ .. فهو الذي يحوز الأجر المريح والشغل المليح .. وتتوفر لديه مستلزمات الحياة بأنواعها.. لكن " لايؤلم الجرح إلا من به ألم ".. فلو طفنا في المصحات العمومية والخاصة لوجدنا أن أغلب المترددين عليها من أسرة التعليم.. ولو أحصينا الأمراض المنتشرة لأهالنا أن كثيرها مصاب بها المعلمون..فالصرع والذبحة وتوسع الأوردة والغثيان والسهو والصمم والعمى والسكري وانهيار الأعصاب والهبل والجنون وما جد من أمراض أخرى
لا تجد أجسادا خصبة للتقبل كأجساد المعلمين...
ومع كل هذا الألم لا نجد إلا القليل من هؤلاء المعلمين من يتململ مستصرخا في وجه الأوضاع المتردية..
أيها المعلمون استنهضوا هممكم وهبوا لرفع الظلم والمهانة عن نفوسكم وقاوموا القوانين الجائرة التي لا تفيكم حقوقكم ولا ترفع من شأنكم ومكانتكم وتبوأوا من مجتمعكم الريادة فأنتم لذلك أهل.. فإن لم تفعلوا كان مآلكم كما صارت أشجار الشتاء .. هياكل في العراء .. بغضتها الطبيعة وغضبت عليها السماء..
الحبيب بدوي