يرى الوهابيون في أنفسهم أنهم وحدهم هم الموحّدون، وأن سائر المسلمين مشركون، وأنهم هم أنفسهم المكلفّون بإحياء السنة، وهم يرون أن السنة القديمة وشخصية النبي وجوهر الإسلام -تبعاً لذلك - قد شوّهت بسبب تقديس الأولياء، وهم من أجل ذلك يهاجمون أكثر أماكن الإسلام قداسةً وفي ما يخص هدم البقيع ورد: «وزار بورخارت هذا المكان [بقيع الغرقد] بعد غزو الوهابيين فوجد أنه أصبح أتعس المقابر حالاً في المشرق».[72] واستند ابن تيمية في فتاويه التي تحرّم زيارة القبور والتي أخذها الوهابية عنه فيما بعد - استند إلى الحديث المرويّ عن النبي أنه قال: «لا يشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد الحرام ومسجدي والمسجد الأقصى» ولم يوافقه علماء الإسلام في قوله هذا، قال القسطلاني: «قول ابن تيمية حيث منع زيارة قبر النبي وهو أبشع المسائل المنقولة عنه.»[73] ولم يأخذ الوهابية أقوال بقية المذاهب بعين الاعتبار ونفذوا ما يرونه هم صحيحاً بالقوة، وهدموا مقبرة البقيع في اليوم الثامن من شوال سنة 1344هـ. ولم يوافقهم أغلب المسلمين في ذلك، واحتجوا بأن سيرة السلف الصالح وأئمة المذاهب كانت جارية على زيارة القبور، فقد كان الإمام الشافعي يتبرك بزيارة قبر الإمام أبي حنيفة النعمان في بغداد، روى الخطيب البغدادي عن عبد الله بن ميمون قال: «قال سمعت الشافعي يقول إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم (يعني زائراً) فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تُقضى»،[74] وغير ذلك من الأدلة الكثيرة، ورأى بعض الكتّاب بأن هذا العمل غير مبرر من ناحية الدولة السعودية أيضاً؛ حيث أنه بغض النظر عن المسألة الدينية؛ فإن هذه القبور التي هُدمت تعتبر بنايات أثرية للأمة السعودية وبالتالي لا يجوز هدمها، واستغرب هذا الكاتب من أن الدولة السعودية "تصرف ملايين الدولارات على منطقة (الفاو) في غرب الحجاز والتي تعتبر من أقدم المناطق الأثرية تحت إشراف جامعة الملك سعود"،[75] وهكذا تمّ هدم قبور الكثير من الصحابة والشخصيات الإسلامية الأولى.
عن دائرة المعارف الإسلامية
ارشاد الساري
وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي