الفن
مقدمة: طرح المشكلة:
إذا كان هدف الإنسان السعي إلى التحرر من قيود الطبيعة،وسمو الجانب الإنساني عنده،فإن هذا الأمر تجسد عنده في صور عديدة تعددت بتعدد المراحل الحضارية التي مر بها ،فظهر كصورة بدائية على شكل محاكاة للطبيعة بهدف إحداث إنسجام و تناسق معها،لكن بتطور و تقدم الواقع الإنساني في شتى المجالات العلمية عبر الإنسان عن إنسجامه مع الطبيعة في صور إبداعية إستطاعت توجيه الطبيعة لخدمة الإنسان،وهذا ما عبر عنه العلماء و الفلاسفة بالذوق الفني عند الإنسان الذي فتح آفاق واسعة للفكر و الثقافة و الحضارة بإعتباره تجربة تجاوزت الأبعاد الذاتية فيها،و هذا الأمر يدفعنا إلى التساؤل : كيف يمكن إثبات القول بأن الآثار الفنية ليست مجرد تعبير عن الجمال،و بأن التجربة الذوقية ليست مجرد تجربة حميمية ؟
1- ماذا عن التجربة الذوقية الجمالية؟وماذا عن تطور الأثر الفني المبدع كتعبير عنها ؟
أولا : الذوق الجمالي كتجربة إنسانية :
إذا كان الفن منبثق عن تجربة إنسانية معبرة عن إنسجام الجسم مع الروح في شكل من التوازن و التكامل يعكس ذلك البعد الفني للجمال و الذوق الجمالي الذي هو فطرة إنسانية وصفة ملازمة للعقل بإعتباره خصوصية إنسانية،فما هو سر هذا الذوق الجمالي بإعتباره خاصية إنسانية؟
أ- الجمال والجلال:
الجمال هو صفة للأشياء تبعث السرور و الرضا في النفس دون أي تصور أي أن الجمال يحدث في النفس عاطفة خاصة يطلق عليها عاطفة الجمال و توصف بالفناء و العلم الذي يبحث في الجمال يسمى بعلم الجمال Esthetique و أول من أطلق هذا الإسم الفيلسوف الألماني ألكسندر بومغارتن.
أما الجلال فهو العظمة و المجد و البهاء،وهي صفات الجليل الموصف بالمطلقية، والجمال والجلال يشتركان في كونهما معرفة خالصة خالية من الإرادة،و ذلك لأن الشعور بالجليل يكون مطابقا للشعور بالجميل،ولكن يتميز الشعور بالجميل بخاصة ترفعه فوق العلاقة العدائية وذلك لأن الذات تكون في حالة هدوء،في حين تكون على غرار ذلك في حالة تأملها الجليل الذي لا يحدث إلا بعد مقاومة و صراع عنيف.
ب- الإنفعال و التعبير :
الإنفعال هو رد الفعل للإنفعال الفني إلى فكرة عامة،أما التعبير فهو تأمل متخصص يعبر عن فردية أو ذاتية الإنسان.
وفي العلاقة بينهما رأى أفلاطون أن الإنفعال الفني يهدم التوازن النفسي للإنسان و يقوي فيه الشهوات و الرغبات،بينما ذهب تولستوي إلى إعتبار الفن صورة من صور الإنفعال و أن هو معيار كل إبداع فني.
ثانيا- المنتوج التعبيري في الفن:
إن التعبير عما هو موجود في النفس يعني الإعراب عنه،و التعبير لا يعني التطابق التام للأشياء بل دلالة الصورة على الأشياء مع ما يضعه الفنان فيها من إحساسه و خياله و عناصر تجربته ومن صوره:
أ- المحاكاة من حيث هي نقد فني:
بحيث يكون العمل الفني مظاهر للأشياء الجزئية و هذا فهو لا يحاكي المثل الثابتة للأشياء،كما أنه لا يضع أشياء فعلية فهو أقل مرتبة من الخلق و الإبداع،لذلك إعتبر أفلاطون الفنان بأنه ذلك الإنسان الذي يدير مرآة من حوله ليصنع منها مظاهر و خيالات للأشياء،لذلك نقد أفلاطون الفن واعتبره نموذج مشوه و مزيف للواقع وأنه لا يتضمن أي دعوة أخلاقية،خاصة الشعر الذي وصفه بكل سلبية،أما أرسطو فأعتبر العمل الفني الجيد هو العمل الذي يحتوي أرقى أشكال الإعتدال،بحيث يكون مقنعا محدثا للتأثير قائم على أساس المحاكاة التي من شرطها الإنسجام و التآلف و الوضوح.
ب-الحدسية كتعبير إبداعي :
إن لا يعني تلك الصورة الفنية بحد ذاتها،بل هي مجرد تنظيم يساهم في تزويد الإنسان المتلقي منظومة خاصة من الإنطباعات التي تعتبر كمرجع للإنتاج الجمالي والحدسي وذلك لوجود عناصر تآلفية في العمل الفني،لذلك إعتبر برغسون أن الواقع يخضع إلى ما يعرف بالدفعة الحيوية،وأن الفن يقوم على أساس الحدس الذي هو فهم مباشر للواقع و السبيل الوحيد للتعامل معه،هذا الأمر يعجز عنه العقل،و الدس يقع بين العقل و الغريزة.
أما كروتشه فقد ميز بين المنطق و الدس فأعتبر المنطق عام و الحدس خاص ونوعي يتعلق بالفرد،ومجمل العمل الفني ما هو إلا تعبير عن الحدوس التي يتوصل إليها الإنسان،ولقد إعتبر أن هذا الحدس الذي يمتلكه الإنسان هو تعبير فني،و بدوره التعبير هو إبداع وهو الجمال و التمثيل و الفن وهو صور من الخيال.