بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد على آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً مزيداً إلى يوم الدين. أما بعد..
فإن لعلمائنا كنوزاً، ولعلمهم نوراً، ولعِظَتهم أثر، وتلك الكنوز لا يضيرها طول المكث وإنما يزيدها نفاسة، وهي وإن تيسرت للبعض فإن الطريق إليها وَعِرٌ شاق، وقد لا تتيسر إلا لقاصديها مع حاجة الجميع إليها؛ وذلك أنها استودعت مطولاتٍ لا يقصدها إلا راغب قاصد، فكم في تلك الشروحات والمطولات من نفائس لا توجد في غيرها، والناس في حاجة ماسّةٍ إليها، والذي يحجزهم عنها صعوبة الوصول وطول الطريق، فلو يُسرت تلك للناس، وقُدمت إليهم لحصل بها خير كثير، وأجزم أن في مستودعات علمائنا الكبار من العلوم والفرائد -مما يهم عامة الناس أكثر من خاصتهم- أكثر مما قصد أولئك العلماء الربانيون إظهاره، ومن أولئك العلماء كسماحة الوالد عبدالعزيز بن باز رحمه الله، والعلامة بن عثيمين رحمه الله، وغيرهم. ومن الأحياء ممن وقفت على كثير من فرائده في شروحاته المطولة الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله، وتلك أمثلة ولم أقصد التعداد.
ومن تلك النفائس -والتي قصدت إخراجها وتييسرها- ما أودعه الشيخ العلامة المحقق الزاهد الواعظ عبدالكريم الخضير حفظه الله شرحه لكتاب العلم لأبي خيثمة رحمة الله من درر واستطرادات نفيسة، فأودع ذلك المستودع -شرح كتاب العلم لأبي خيثمة- إيمانيات مُحلِقة وروحانيات مشوقة، فحثَّ وحفَّز، والنائحة الثكلى ليست كالمستأجرة، والموعظة إن أتت من عالم -أحسبه عامل ولا أزكيه على الله- فهي هي.. فالزمها.!
وأما موضوع ما أردت إخراجه فهو العلاقة بين العبادة والعلم، وقراءة القرآن، و الطرق الموصلة لذلك والعوائق المثبطة لذلك، إضافة إلى ما فتح الله على الشيخ من فوائد ومُلح وطِبٍ للقلوب لا تجده عند غيره.
وأما الذي عملته في هذا الترتيب والجمع، أنني أعدت ترتيب المادة، وجمعت النظير إلى نظيره، فقدمت وأخرت في مواضع قليلة، واختصرت في مواضع أخرى، ولم أتدخل في حديث الشيخ إلا ما كان من محاولة يسيرة لتقريب لغة الشيخ المحكية إلى اللغة المقالية بشكل لا يذهب بروح ولُب حديث الشيخ، فاستبدلت كلمات يسيرة جداً بأخرى، وأضفت بعض الأحرف كـ الواو والفاء ونحو ذلك. ورتبت هذه المادة وقسمتها إلى فقرات ومواضيع ليسهل قراءتها، وأضفت إليها العناوين، فكل العناوين هي من اجتهادي وليست من الشيخ.فكل ما ستقرأه -ما خلا العناوين- هو من كلام الشيخ حفظه الله.
وأنبه -حتى لا ينسب إليَّ ما لم أفعله- أن أصل هذه المادة الصوتية مفرغة في موقع الشيخ، فلست من فرغها، أما أنا فقد أخذت المادة المفرغة وراجعتها وهذبتها ورتبتها كما أشرت سابقاً.
ولوفرة المادة المتوفرة فقد ترددت كثيراً، ثم عزمت على أن أجعل كلام الشيخ كما هو، ولا أبالغ في اختصاره، فهو وإن طال ففيه خير كثير ونفع وفير، وبالرغم من ذلك فما حذفته أكثر مما أدرجته.
وأسأل الله سبحانه أن يكتب للشيخ أجر هذه الورقة وأن ينفع بها، وأحث كل من انتفع بها ألا ينسى الشيخ من دعائه، وإن ثَنَّى بي فهو ما أرجوا.. كما أسأل الله سبحانه أن يستعملني في طاعته وأن يسخرني لخدمة العلم والعلماء إنه جواد كريم.
****
نفسٌ قيدتها ذنوبها
** يود الإنسان أن يكون ذاكراً شاكراً؛ لِما يسمع من فضل الذكر، و تجد أن من أيسر الأمور عليه الكلام الكثير -القيل والقال- لكن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أثقل عليه من الجبال، لماذا؟ هل هي بالفعل ثقيلة؟ ليست ثقيلة، لكن عنده من الأعمال -أي السيئات - ما يحول بينه وبين تسهيل هذه الأمور وتيسيرها. ولو قلت له: اجلس، وهو ما تعود يقرأ ما يستطيع.
** والمسألة تحتاج إلى أن الإنسان يُرِيَ الله -جل وعلا- منه شيئاً في حال الرخاء، ويتعرف عليه في حال الرخاء بحيث إذا أصابه شدة أو مأزق أو جاءه ضائقة أو شيء يعرفه الله -جل وعلا- حال الشدة والحاجة (تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، و جربت كثيراً من الإخوان ومن الأخيار ومن طلاب العلم يهجرون بلدانهم وأهليهم إلى الأماكن المقدسة في الأوقات الفاضلة من أجل أن يتفرغ للعبادة، ثم إذا فتح المصحف.. مع المجاهدة يقرأ جزء بين صلاة العصر -وهو جالس لم يخرج من المسجد الحرام!- إلى أذان المغرب يا الله يقرأ جزء، يقرأ ويتلفت ويناظر، عسى الله يجيب أحد، إن جاء أحد وإلا قام هو يبحث عن أحد؛ لأنه ما تعود، ما تعود .. فصعب عليه، وهناك آخرين يقرأ عشرة أجزاء بالراحة وهو لم يغير جلسته؛ وهو مرتاح؛ لأنه تعود، فالمسألة مسألة تعود.
مقصد الشرع في تنوع العبادات:
** الشرع نَوَّع العبادات، وتنوع العبادات مقصد من مقاصد الشرع، أما بالنسبة للواجبات فلا مندوحة ولا مفاضلة بينها، لا بد من فعل الواجبات كلها، ولا مندوحة من الإتيان بها ولا مفاضلة، بل كل شيء في وقته المحدد له؛ لا يقول: والله الآن رمضان، والجهاد أفضل من الصيام ويجاهد، ما يقول: والله الآن رمضان؛ والعلم أفضل من الصيام أتعلم العلم، لا، الصيام لا بد منه في وقته، والصلاة في وقتها لا بد منها، فلا يفضل على العبادات المحددة الموجبة في أوقاتها عليها شيء. وكثير من الناس عنده استعداد يصلي ألف ركعة ولا يتصدق بدرهم، فهذا تشريع الصلاة بالنسبة له أمر يسير ، لكن فرضت عليه الزكاة لينظر مدى امتثاله، و كذلك العكس .. بعض الناس عنده استعداد يدفع الأموال الطائلة ولا يصلي ركعتين، فتنوعت العبادات في الشرع ليدلي ويسهم كل مسلم منها بسهمه.
** يأتي التفضيل عند أهل العلم فيما زاد على الواجبات.
** كل من فُتح له باب خير -أي فيما زاد على الواجبات- فليلزمه، فليلزمه؛ لأنه يأتي إليه مقبل راغب منشرح الصدر، فمن فتح له في الصلاة: (أعني على نفسك بكثرة السجود)، الصيام: (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)، الزكاة (من أنفق كذا... إلى آخره.
**
إذا فتح للإنسان باب خير، باب من أبواب الدين، مثلاً فتح له ونشط للصلاة، صار ما يدرى؛ أَصلى مائة ركعة؟! مائة ركعة في اليوم!! نقول: الحمد لله هذا باب من أبواب الخير والحمد لله أنك وُفقت لهذا العمل، أو فتح له باب الصيام وسهل عليه بينما غيره يشق عليه أن يصوم في مثل هذه الأيام؛ فمن الناس من يصوم صيام داود! نقول: هذا وُفق لخير عظيم، يَلزم هذا الباب، ولن يحرم أجره، وقد يَلِجَ الجنة من هذا الباب.
النفع المتعدي والقاصر:
** بعض الناس ينشغل بالنفع المتعدي، وينفع هذا، وينصح هذا، ويقدم لهذا، نقول: نعم، النفع المتعدي في الجملة والغالب أعظم أجراً، لكن ليس على إطلاقه، وليس معنى هذا أنك تهمل نفسك من العبادات الخاصة، وإلا لو نظرنا في أركان الإسلام لوجدنا الصلاة أفضل من الزكاة، وأعظم منها، مع أن نفعها قاصر وهذه متعدي، فليست المسألة على إطلاقها.
العلم و العبادة:
** لا يُتَصور أن هناك عالم ما يتعبد، أبداً ما يُتصور هذا؛ لأنه متى سُمي عالم؟ سُميَ من خلال هذه الآية (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [(9) سورة الزمر]، معناه الذي يقوم، يقوم الليل قانت.. آناء الليل.. أوقات الليل ساجد وقائم يصلي لله -جل وعلا- نعم.. يقطع الليل بالصلاة والتلاوة والذكر، التذييل: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) هذا التذييل ما جاء عبث،أتى بعد ماذا؟ أتى تذييلاً لقوله:(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)
**الناس لهم منازل ومقامات، فكل له منزلته ومقامه، ولذلك لو قيل لك: إن فلان من الناس يختم كل يوم، قلت: مستحيل! يصلي ثلاثمائة ركعة! الإمام أحمد يصلي ثلاثمائة ركعة في اليوم والليلة، تقول: مستحيل! تقيس الناس على نفسك؟ مستحيل صحيح، لو يقول لك مثلاً: إنه يشرب قارورة الببسي هذه الكبيرة بنَفَس، قلت: مستحيل، لكنه موجود، كل إنسان على ما وَطَّن نفسه وتعود عليه، قد يشق على الإنسان في بداية الأمر أن يجلس فيقرأ جزء من القرآن متتابع، يعني من غير أن يقطع القراءة، لكن في النهاية يوجد من يقرأ العشرة وهو في مجلسه، ما غير جلسته! لا شك أن المسألة -أن الجسم- على ما اعتاد عليه.
العُجب.. آفة الآفات.. ولو كان صاحبه من أهل روضة المسجد!
**إذا أعجب الإنسان بما حصل له من علم هذا في غاية الجهل، والعجب بالنفس والإعجاب بها آفة، آفة من الآفات ومن أخطر الأمور على دين الإنسان
والعجب فاحذره إن العجب مجترف***أعمال صاحبه في سيله العرم
فإعجاب الإنسان بنفسه آفة؛ لأنه إذا أعجب بنفسه متى يعرف ما تشتمل عليه هذه النفس من نقائص وعيوب وخلل ومخالفات، ليعالج هذه النقائص؟
**من أعجب بنفسه فقد ادعى لها الكمال، من أعجب بنفسه احتقر غيره، ولا شك أن العجب آفة، وهو قبيح بالنسبة لعموم الناس، وهو في من ينتسب إلى العلم وطلبة العلم أقبح.
** تجد الإنسان في روضة المسجد يقرأ القرآن، فإذا خرج زيدٌ من الناس قال: هاه، وين يبي؟ ويش اللي يطلعه؟ يا أخي انشغل بنفسك، اشتغل بعيوبك، اترك الناس، وما يدريك أنه انصرف إلى عمل أفضل من عملك؟ وإذا قام آخر أتبعه بصره إلى أن يخرج مع الباب! مثل هذه التصرفات تورث الإعجاب، فعلى الإنسان أن يغفل عن عيوب الناس وينشغل بعيبه، نعم.. إذا لاحظت على أحد شيء فابذل له النصيحة بينك وبينه، والدين النصيحة، أما أن تتبعه نظرك وتشيعه بلسانك، هذا ليس من شأن المسلم فضلاً عن طالب العلم، والله المستعان.
إقرأ القرآن.. فهو لا يكلف شيئاً..!
من هم أهل الله وخاصته؟
أهل العناية بكتاب الله -جل وعلا- هم أهل الله وخاصته.
ويقرر ابن القيم -رحمه الله تعالى- أن أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته هم أهل العناية به والاهتمام بقراءته وتدبره وترتيله والعمل به، يقول -أي ابن القيم-: هم أهل القرآن وإن لم يحفظوه. على أنه جاء في الحفظ على وجه الخصوص ما جاء من نصوص تحث عليه، لكن لا ييأس من لم يستطع حفظ القرآن، تكن له عناية بالقرآن.
كيف يعتني بالقرآن من لم يحفظ القرآن؟
أن يكون له ورد يومي من القرآن، يعنى بكتاب الله -جل وعلا-، ينظر في عهد ربه، بحيث لا تغيب شمس يوم إلا وقد قرأ حزبه من القرآن، والمسألة تحتاج إلى همة، تحتاج إلى عزيمة، والتسويف لا يأتي بخير، وأما من يقول إذا فات ورد النهار قرأناه في الليل.. فات ورد الليل نضاعف حزب الغد، هذا ما ينفع هذا.
أناس نعرفهم إذا جاء وقت الورد -وقت الحزب- وهو في سفر، في الطريق، في البراري والقفار يلبق -أي يوقف- السيارة يقرأ حزبه ويواصل إذا لم يحفظ، هنا لا يضيع الحفظ بهذه الطريقة.
** من حدد لنفسه ورداً وحزباً يومياً بحيث لا يفرط فيه مثل هذا يفلح. ولا يفرط في نصيبه من القرآن.
القراءة في (سبع) أو (ثلاث) لا تكلف شيئا!
** تلاوة القرآن لا تكلف شيئاً ، لا تكلف شيئاً، يعني بالتجربة من جلس بعد صلاة الصبح إلى أن تنتشر الشمس قرأ القرآن في سبع، يعني في كل جمعة يختم القرآن، ما تكلف شيئاً، المسألة تحتاج إلى ساعة، لكن مع ذلكم تحتاج إلى همة.. تحتاج إلى همة، أما من يقول: إذا جاء الصيف والله الآن الليل قصير، فإذا طال الليل أجلس بعد صلاة الصبح -إن شاء الله- وإذا جاء الشتاء قال: والله براد إذا دفينا شوي جلسنا، ومعروف برد الفجر في الشتاء، إذا قال مثل هذا لن يصنع شيئاً.
ومعروف أنه يوجد أُناس ما ينامون بالليل ويجلسون بعد صلاة الصبح؛ لأنهم اعتادوا هذا ووطنوا أنفسهم على هذا، وجعلوا هذا جزءا من حياتهم كغدائهم وعشائهم، كأكلهم وشربهم، ما يفرطون في هذا. وقد جاء الأمر بذلك – أي القراءة في سبع- في حديث عبد الله بن عمرو: (اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)، نعم لا يزيد على سبع؛ لأنه مطالب بواجبات أخرى لكن الذي عنده من الفراغ أكثر وارتباطاته العامة أقل؛ مثل هذا لو قرأ القرآن في ثلاث ما كلفه شيئاً، يزيد ساعة من بعد صلاة العصر يقرأ القرآن في ثلاث.
أنواع قراءة القرآن:
**إذا جلس إلى أن تنتشر الشمس يقرأ السبع بدون أي مشقة -سبع القرآن- فتكون هذه القراءة بتعهد القرآن والنظر في عهد الله -جل وعلا- في هذا الكتاب، وأيضاً من أجل اغتنام الأجر المرتب على الحروف على أقل الأحوال، ويكون له ساعة أيضاً من يومه قراءة تدبر يقرأ فيها ولو يسيراً، يراجع عليه ما يشكل من التفاسير الموثوقة، وبهذا يكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
** "ولا يدع القرآن رغبة إلى غيره" مع الأسف أن كثير من المسلمين انشغلوا عن القرآن بالقيل والقال، والصحف والمجلات والقنوات، تجد بعض طلاب العلم عنده استعداد يفلي الجرائد كلها، أو الموظف بعد ما يطلع من وظيفته إلى أن ينام وهو يقلب الجرائد، على شان إيش؟ ماذا تستفيد من هذه الجرائد؟ هذا خبر سيء، وهذا تهكم بالدين، وهذا استهزاء بالمتدينين، وهذه صورة عارية، وهذا خبر..، و هذا ديدن كثير من الناس، ويمر عليه اليوم واليومين والأسبوع والشهر ما فتح المصحف، إن تيسر له أن يحضر إلى الصلاة قبل الإقامة بدقيقتين، ثلاث، خمس قرأ قراءة الله أعلم بها، قرأ له ورقة ورقتين، وبعض الناس ما يعرف القرآن إلا في رمضان، هذه مشكلة! ولذا يقول: "ولا يدع القرآن رغبة إلى غيره" نعم هناك علوم يعني لا يشمل هذا الكلام النظر في السنة مثلاً، أو في العلوم المساندة التي تعين على فهم القرآن.
قراءة الهَذْ:
س: ذكرتم أنه يجب على الإنسان المحافظة على قراءة القرآن، وإن لم يحصل له إلا أجر الحروف، وهناك من يقول: لا بد لقارئ القرآن من التدبر لما يقرأ، ومن قال: لا تهذوا القرآن كهذ الشعر؟
ج: على كل حال جاءت النصوص بمن قرأ، والقراءة تحصل بالهذ، وجاء في المسند والدارمي بإسناد لا بأس به (كما كنت تقرأ في الدنيا هذاً كان أو ترتيلاً) فلا تحجر واسع، الهذ له أجره، وأجر الحروف، ويبقى أن التدبر منزلة عليا، يعني من ختم القرآن مرة واحدة بالتدبر والترتيل على الوجه المأمور به، أو ختمه عشر مرات بالهذ، ابن القيم يقول: كمن أهدى درة، ختم مرة واحدة بالتدبر أهدى درة ثمينة نفيسة جداً، وهذا أهدى عشر درر ما تساوي شيء بالنسبة للدرة الثمينة، لكن له أجرها.
التسويف!
لكن المشكلة التسويف، هذا الإشكال، والله إذا دفينا إذا بردنا ما ينفع يا أخي، ينتهي العمر وأنت ما دفيت، أو الآن والله انشغلنا.. جاءنا ما يشغلنا نجعل نصيب النهار إلى الليل، ثم جاء الليل والله جاءنا ضيف، جاءنا كذا، والله الإخوان مجتمعين بالاستراحة، أو...، ما يجدي هذا، هذا ما يمشي، فإذا اقتطع الإنسان من وقته جزءاً لا يفرط فيه مهما بلغت المساومة، مهما بلغت المغريات حينئذ يستطيع أن يقرأ القرآن بالراحة في كل سبع.
(يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ)
أي يبخل (يشرح الشيخ سبب إيراد أثر سعيد بن جبير الوارد في الكتاب وليس هذا تفسير الآية) في باب العلم و لا ينفق مما أعطاه الله من علم، ولا يحث الناس؛ بل يثبط من رآه يُعلِم الناس، أنت ما أنت بملزوم، أنت ما أنت بمكلوف، أنت تعرض نفسك لكذا، أنت...، ويحفظ بعض ما جاء في مسائل ورع السلف، وهو لا هو بمشتغل ولا هو مخلي الناس يشتغلون، وقصده من ذلك التبرير لنفسه وتحطيم الناس وتثبيطهم عن فعل الخير، وهذا مشاهد في كافة وجوه الخير.** تجد شخص يذهب إلى مكة لأداء العمرة ولزوم بيت الله في الأيام الفاضلة، وينفق في العشر الأواخر -عشرين ألف مثلاً- يأتيه من يأتيه
يقول: هذه العشرين الألف، و هذا نفع لازم، وهناك فقراء محتاجين، لو أنفقت هذه العشرين على خمس أسر تغنيهم أيام رمضان وما بعد رمضان أفضل من كونك تترك بلدك وتذهب، لكن هل الناصح هذا وهو أكثر غِنَىً -يعني أغنى من المنصوح- هل هذا دفع شيئاً؟ لن يدفع، لكنه يريد أن يحرم هذا العمرة والمجاورة والأوقات الفاضلة ومضاعفة الصلوات. فمثل هذا يخذل الناس ولا هو مطلع شيء.
** ومثله أيضاً بعض من ينتسب إلى العلم تجده محروماً، محروم لا يريد أن يعطي، وإذا رأى شخصاً نفع الله به وبذل من نفسه، يقول: يا أخي السلف كانوا يتورعون ويتدافعون، وهذه مزلة قدم، ويأتي له بنصوص عن السلف فإن لم ينفع باب السلف أتى له من باب الخلف.. هذا حرمان يا إخوة، هذا الحرمان بعينه، (يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ)، فهذا لن ينفع ولن يترك الناس ينفعون، ومع الأسف أن مثل هؤلاء لهم وجود.
**وأحياناً قد لا يكون من سوء نية، بل قد يكون من تلبيس الشيطان عليه، مثل شخص عنده دروس مرتبة ومنظمة وإذا جاء رمضان أوقف الدروس، طيب لماذا أوقفت؟ هذا وقت مضاعفة الأجور؟ قال: يا أخي السلف ما يخلطون مع القرآن شيء، لا يحدثون ولا يعلمون ولا شيء، هذا شهر القرآن، ويغلق الكتب حتى ينتهي الشهر، وهو بالنهار نائم، صائم نائم، وبالليل في الاستراحة إلى الفجر، هل هذا هدي السلف؟ لا ليس هدي السلف، هذا من تلبيس الشيطان عليه، وقد يقوله لغيره، قد ينقل هذا لغيره، وقد يستدل بالإمام مالك؛ ما يحدث في رمضان، يقبل على المصحف، لكن هات مثل مالك، اشتغل مثل مالك.!
** ومن الناس من إذا قيل له: إن فلان يقرأ القرآن في رمضان في يوم جاء بالأحاديث المتشابهة، لا يفقه من يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، إذا قيل له ثلاث، قال: الرسول قال لابن عمر:((أقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) وختمة مع التدبر، وهو لا هو قاري لا بتدبر ولا بغير تدبر، لكن كما قال الله: (يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ)، وأمثلة هذا كثيرة وموجودة في الواقع، لكن ومع ذلكم يوجد -ولله الحمد- من العلماء الربانيين الباذلين ما يكفي حاجة الأمة ولله الحمد، فالخير موجود.
حيٌ مَيِّت ومَيَّتٌ حي
**العمر إذا لم يفنَ فيما ينفعه في الآخرة فلا قيمة له، يعني كون الإنسان يستمر السبت الأحد الاثنين الثلاثاء الأربعاء، ثم الأسبوع الثاني كذلك، ما في جديد، مثل هذا حياته وعدمه واحدة، إذا لم يكتسب ما يقربه إلى الله -جل وعلا-، ولذا يقول الشاعر:
عمر الفتى ذكره لا وطول مدته*** وموته خزيه لا يومه الداني
فحقيقة بعض الناس، يكون بين الناس يأكل ويشرب ويروح ويجي ويبيع ويشتري وهو في حكم الأموات، لأنه لا يزداد قرباً من الله، هذا إذا لم يكن الأموات أفضل منه؛ لأنه يزداد من الله بعد! وبعض الناس وهو ميت في التراب -في القبر- هوحي بين الناس يفيدهم وينفعهم، بعض الناس يجري عليه عمله مئات السنين، وبعض الناس تكتب عليه أوزار الناس؛ لأنه تسبب فيها مئات السنين، كما قال الله -جل وعلا-: ( إنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ).
انتهى ما اخترته من كلام الشيخ عبدالكريم الخضير من شرحه لكتاب العلم لأبي خيثمة رحمه الله..
وللشيخ مستودعً آخر عن قيام الليل، تجدها في شرحه لموطأ الإمام في أبواب قيام ليل..
وهي جديرة بأن تُستخرج وتنشر، كما أحب التنويه أن ما قرأته لا يغني عن
سماع المادة من الشيخ ذاته.. وفقني الله وإياكم لصالح القول والعمل
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.