ضحايا بائع الوهم
حين قدم سمير من اسبانيا، كان يحمل فكرة واحدة، عن الهاجس الذي يسكن عقول بعض الاشخاص العاطلين، وحتى بعض الموظفين والعمال منهم الباحثين عن الهجرة، وقرر ان يقوم بالمستحيل لاستغلال هذا الحلم، من خلال تزوير الوثائق، والتأشيرات وعقود العمل، والمغامرة بحياة من ركبوا “قوارب الموت” وبكرامتهم بقبول الزواج المختلط لتسهيل عملية العبور الى عالم تحقيق الاحلام الوردية..
وكغيره من باعة الوهم انطلق في النصب على ضحاياه وفق طريقة محكمة حدد اهدافها ووفر لها رصيدا ماليا تلذذ به قبل ان ينتهي به الأمر بالسجن بعدما اكتشف الضحايا انهم كانوا متمسكين بخيط من دخان.
كان سمير يقدم نفسه لضحاياه كمكلف بالبحث عن يد عاملة مغربية للعمل بضيعة فلاحية في ملكية شريك له من جنسية اسبانية، وللايقاع بالضحايا كان يظهر لهم بطاقة الاقامة في اسبانيا، قبل ان يتعرض للطرد، ويمنع من العودة مجددا اليها.
كان يطالب الضحايا بدفع مبلغ 20 الف درهم، نظير تسليمهم طلبات العمل باللغة الاسبانية متضمنة للمعلومات الخاصة بالضحية، كما كان يضع عليها توقيعه ويسلمه نسخة منها ويطلب منه انتظار رد شريكه في اسبانيا صاحب القرار النهائي.
وبسبب هذه الاجراءات التي كانت تبعث بعض الاطمئنان في نفوس الضحايا، شاع خبره بين الناس وانشغل بموضوعه العديد من الاشخاص، الذين بادروا الى تدبير المبلغ المالي لذلك، منهم من اقترض ومنهم من باع حاجياته او لجأ الى اسرته لتوفر له المبلغ المطلوب لدفعه لسمير.
ودون أية ضمانة تمكنهم من استرداد تلك المبالغ، اتسعت دائرة الضحايا واصبح سمير يتوفر على عين لا تنضب أموالها جعلته يوسع دائرة نشاطه، وبنفس الطريقة أوقع في شباكه ضحايا من مدن اخرى، لقيت فيها فكرته استحساناً واقبالاً من بعض الاشخاص رغم ما يسمعونه من أساليب النصب والاحتيال. وبعد مرور الشهور تلو الاخرى، بدأت الشكوك تتسرب الى نفوس الضحايا بخصوص وعوده وأقواله، وبعد ان نفد صبرهم لم يعد بمقدورهم الانتظار اكثر وشرعوا في مطالبته باسترداد مبالغهم المالية، لكن سمير، وبعد مرحلة التملص والمراوغة، اختفى عن الانظار تاركا الضحايا في بحث مستمر عنه، لم ينفع معه غير تقديم شكايات للمصالح الأمنية المختصة.
استمرت رحلة هروب المتهم من ضحاياه بعد ان أصبح غير قادر على المكوث بمنزله ومواجهة ذوي الحقوق وتجنب تساؤلاتهم الخاصة بمصيرهم، فالى عهد قريب كان يظن انه يتحكم في خطته التي حدد اهدافها بدقة متناهية وبذكائه الذي لم يخنه، لكنه عندما دخل في لعبة القط والفأر مع ضحاياه المتلهفين لرؤيته ومعرفة مكان وجوده، أدرك انه كان يغامر بحريته وحياته، بعدما سمحت له هذه الحيلة بجمع ثروة لا بأس بها، على حساب ضحاياه.
وبناء على ذلك قدم الضحايا كل المعلومات المتعلقة بالمتهم، والممكن ان تفيد في اعتقاله، بعد حملة من التحريات تبين ان المتهم كان يبيع الأوهام مستغلا سذاجة البعض وظروف من كانوا يرغبون في الانفلات من مخالب البطالة المزمنة وظروف العيش المزرية. وبناء على هذه المعطيات انطلق البحث عن المعنيّ بالأمر ليمثل امام العدالة.
تحركت آلة رجال الأمن بعد معاينة العقود المزورة التي كان يقدمها المتهم للضحايا وكانت هذه الأدلة والقرائن وسيلة أفراد الشرطة القضائية لايقافه من أجل فتح تحقيق معه في النازلة ومصير الضحايا الذين كان يتلذذ بأموالهم، لم يعتقد ان تلك الأموال ستجلب له اسئلة المحققين حول تهم تتعلق بالنصب والاحتيال.
لم يكن المتهم يدري انه اصبح ملاحقاً من طرف رجال الأمن الذين ينتظرون ظهوره ليعتقلوه، وفي أحد الايام جلس في المقهى ليحتسي قهوته المعتادة وهو لا يدري ان خبره قد بلغ الى علم افراد الشرطة القضائية وسيارتهم قد انطلقت في اتجاهه.
وبينما هو جالس وجد نفسه محاطا برجال الأمن، حينذاك ادرك ان الضحايا كانوا جادين حين هددوه بتقديم شكاياتهم للمصالح الأمنية اذا لم يرد اليهم أموالهم، ورافق معتقليه الى حيث عليه الاجابة عن اسئلة المحققين حول تهم تتعلق بالنصب والاحتيال، وقد انتهى التحقيق معه بتقديمه الى العدالة بتهمة النصب والاحتيال.