أستاذ يجني منها 100 مليون طيلة العام
5 ملايين سنتيم سنوياً ثمن الدروس الخصوصية لكل تلميذ
تلاميذ الطور النهائي ينهون الموسم قبل الأوان
هجر تلاميذ المستوى النهائي مقاعد الدراسة، وانسحبوا من الثانويات بشرف وتركوا الأقسام خاوية على عروشها، وأنهوا الموسم قبل الأوان على اعتبار أن التحضير للبكالوريا يكون خارج أسوار الثانوية التي أفرغت من محتواها، وأباحت التساؤل عن مدى صمود هذه المؤسسة أمام موجة التعليم في السوق السوداء.
أضحت غيابات تلاميذ الطور نهائي بمثابة الظاهرة التي تفرض نفسها مع بداية الثلاثي الأخير، وشملت كل التخصصات العلمية والأدبية واللغوية، فبعدما كانت تقتصر على الأيام الأخيرة من الموسم الدراسي امتدت اليوم لترتبط بعطلة الثلاثي الثاني، وبالتالي أصبحت السنة الدراسية تقتصر على فصلين فقط، وهي الموضة التي سنها جيل الفايسبوك الذي يفضل التحضير للباك باتباع نظام الدروس الخصوصية، التي تعتبر في نظرهم أحد أهم أركان النجاح في البكالوريا؛ فالتلميذ الذي لا يلجأ إلى الدروس الخصوصية يصنف في خانة الكسالى، وهو الأقرب إلى الرسوب، ويكاد يكون مرفوضا في الوسط التربوي.
وهو الاعتقاد الذي يؤمن به التلاميذ والأساتذة على حد سواء، بل فرض نفسه بتحريض من الأساتذة الذين يرغمون التلاميذ على اللجوء إلى دروس الدعم، والويل لمن شذ عن القاعدة، فالكل مطالب بدخول الصف الموازي سواء تعلق الأمر بمدارس معتمدة أو فوضوية.
والغريب أن الأستاذ الذي يجده التلميذ صباحاً في الثانوية هو ذاته الذي يلتقيه مساءً في دروس الدعم لكن بوجه آخر ونيّة مختلفة من الأستاذ لأن الجزاء مختلف. وعلى سبيل المثال بسطيف توجد مدرسة لدروس الدعم إذا مر بها أي شخص وقت خروج التلاميذ سيجد الطريق مقطوعا بالنظر للعدد الهائل للتلاميذ وذويهم الذين ينتظرونهم والمشهد يفوق من حيث الكم والازدحام والفوضى ما عهدناه قرب الثانويات، وحتى المعاكسين للبنات أصبحوا يفضلون هذه الأماكن على الثانويات المهجورة.
ويحكى أن صاحب هذه المدرسة حقق ثروة معتبرة من مداخيل الدروس الخصوصية، وأصبح ينافس أصحاب المؤسسات والمصانع، وبدأ يفكر في تأهيل مؤسسته، والتحضير لشهادات الجودة المعترف بها، وترقية الموارد البشرية، والقيام بكل الخطوات المعمول بها في المؤسسات الاقتصادية.
حسابيا التلميذ يدفع مبلغ 1000 دج في الشهر مقابل مادة واحدة، وأغلبية التلاميذ يدرسون 5 مواد على الأقل، وبالتالي عليهم دفع 5000 دج للشهر، وخلال تسعة أشهر القيمة تصل إلى 45000 دج، ومع إضافة تكاليف النقل ومصاريف متفرقة تصل الحصيلة إلى 5 ملايين سنتيم. وهي القيمة التي يدفعها التلميذ من أجل نجاح غير مضمون في البكالوريا.
وهناك أستاذ تصل مداخيله من الدروس الخصوصية خلال الموسم إلى 100 مليون سنتيم، لا يدفع منها لا غرامة ولا تأميناً ولا ضريبة عن القيمة المضافة. وهو الوجه الحقيقي للتعليم الموازي، الذي يظهر فيه "الأستاذ المضاعف" بينما في التعليم النظامي لا نجد سوى "نصف أستاذ" أو "ربع أستاذ".
الظاهرة ولدت طبقية في الوسط المدرسي، فالقادرون على الدفع مرشحون للظفر بـ"الباك" بينما أبناء الفقراء فهم مشروعٌ فاشل ولهم أن يبتلعوا التعليم النظامي على مرارته وهشاشته، والتضرّع لله لعلهم يكونون من الناجحين. وأما أبناء الأكابر فهم "يشترون الأستاذ" بما حمل فيتنقل هو إلى بيت التلميذ، لتقديم دروساً خصوصية انفرادية، مع تكاليف إضافية. وبالتالي فهناك تلاميذ درجة أولى ودرجة ثانية ودرجة ثالثة.
ومع تفاقم الظاهرة يبدو أن التعليم الموازي سيصبح هو الأصل، بينما النظامي سيتحوّل إلى تعليم فرعي ومع امتداد فترة الهروب من الثانوية التي لامست الفصل الثاني، ستنقلب الموازين، فمن أراد أن يدرس عليه بالمدرسة الخصوصية، ومن أراد الدعم عليه بالثانوية النظامية. ومن يدري قد يأتي يوم تصبح فيه الثانوية مجرد إدارة لإثبات شرعية التلميذ وتأهيله للمشاركة في امتحانات البكالوريا، بينما كل التحضيرات تتم في المؤسسات الموازية.