مقدمة:
يتفق الرأي الراجح في الفقه والقضاء أنّ الموظف العام هو ذلك الشخص الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أي أحد أشخاص القانون العام، عن طريق الاستغلال المباشر ضمن تسلسل وضيفي معيّن، وتكون مساهمته في ذلك العمل عن طريق إسناد مشروع وضيفة ينطوي على قرار بالتعيين من جانب الإدارة، وعلى قبول لهذا التعيين من جانب صاحب الشأن، وذلك عن طريق شغله بصفة دائمة منصبا يدخل في التنظيم، الإداري لذلك المرفق، ولا يهم بعد ذلك طبيعة النشاط الذي يقوم به هذا الأخير هل هو مادي أو قانوني، ولا لمرتبته في التدرج الإداري، ولا لكونه يتقاضى مرتبا أو لا يتقاضى، أي لاحترام بكون الموظف يشغل الوظيفة بمقابل أو بدون مقابل. وفي هذا الصدد قد يعتمد هؤلاء الموظفين إلى ارتكاب أخطاء ومخالفات أثناء قيامهم بوظيفتهم تسمى هذه الأخطاء والمخالفات بالأخطاء التأديبية.
إنّ عملية تأديب الموظف العام عن خطئه التأديبي ليست عملية انتقامية ولا قهرية بل بالعكس، هي عملية قانونية يهدف من ورائها إلى إصلاح الموظف وتحذير باقي الموظفين، حفاظا على حسن سير المرافق العامة.
والسلطة المختصة بالتأديب تقوم بذلك وفق مراحل وإجراءات، حماية لحقوق الموظفين، العاملين ولمنع الإدارة عن التعسف في استعمال سلطتها الرئاسية التأديبية وهي في ضمنها ضمانات معترف بها للموظف العام، وقد نصت بها الدساتير والنصوص القانونية والتشريعات وهو ما فعله المشرع بإصداره للقانون الأساسي العام للوظيفة العمومية وتعديله بموجب الأمر رقم 06-03، المؤرخ في 19 جمادي الثانية عام 1427 الموافق 15 يوليو سنة 2006، ثم القانون النموذجي لعمال المؤسسات والإدارات العمومية والمراسيم والتعليمات الخاصة بموضوع التأديب.
ولقد نظم المشرع الجزائري القواعد القانونية الإجرائية المتعلقة بتأديب الموظف العام المخطئ تأديبا من خلال المرسوم رقم 85/59 المؤرخ في 23/03/1985 والمتضمن القانون الأساسي النموذجي لعمال المؤسسات والإدارات العمومية المستنبط أساسا من القانون الأساسي العام للعامل الصادر بموجب القانون رقم 78/12 المؤرخ في 05/08/1978 وهذا قبل إلغاء العمل بالأمر رقم 66/133 المؤرخ في 02/06/1966 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، وكذا من خلال ما تبعها من مراسيم وتعليمات خاصة تتعلق بموضوع التأديب، ومن مجموع هذه القواعد التشريعية يتكون القانون التأديبي لموظفي الدولة.
وتتجلّى أهمية هذا الموضوع بالنسبة لرجال القانون بصفة عامة، من المحامين والقضاة، والذين يتعرضون للمنازعات القانونية التي تترتب عن هذا النوع من القضايا، سواء المتعلقة بشرعية العقاب التأديبي أو مصير الموظف العام المتابع جزائيا في حالة إدانته من القضاء، أو معاقبته تأديبيا بصفة عامة، والبحث عن الطرق والدفوع القانونية التي يمكن من خلالها الدفاع عن هذا الموظف العام المعاقب تأديبيا ظلما وتعسفا، وكذا تجاوزا للسلطة من قبل السلطة الرئاسية التأديبية. وفي هذا الصدد لا بدّ التطرق إلى الإشكالية التي يطرحها هذا الموضوع بصفة عامة وهي ما هي إجراءات تأديب الموظف العام في التشريع الوظيفي الجزائري؟. وللإجابة على هذه الإشكالية سوف نقترح الخطة التالية: