تتمة لموضوع السجود قال الإمام الذهبي رحمه الله في معجم شيوخ الذهبي ص 55-56: "...عن عُبَـيْد اللّه عن نافع عن ابن عمر: أنَّه كَانَ يَكْرَهُ مَسَّ قَبْر النَّبـيّ .
قلْتُ: كَرِهَ ذلك لأنَّهُ رَآه إسَاءَةَ أَدَبٍ. وقد سُئِل أَحمد بن حنبل عن مَسّ القَبْر النَّبَوي وتقبـيـلَهُ فلـم يَرَ بذلك بَـأْساً، رَواه عنه وَلَدُه عبد اللّه بن أَحمد. فإن قـيـل: فهلاَّ فَعَلَ ذلك الصَّحَابَة؟ قِـيـل: لأنَّهُم عَايَنُوه حَيّاً وَتَـمَلّوْا به وقَبَّلُوا يَدَه وكادُوا يَقْتَتِلون علـى وُضُوئِه واقتَسموا شعرَه الـمُطَهَّر يَوْم الـحَجّ الأَكْبَر، وكان إذا تنـخّم لا تكاد نـخامته تقع إلاّ فـي يد رجلٍ فـيدلك بها وَجْهه، ونـحن فَلـمَّا لَـمْ يَصُح لَنَا مِثْل هذا النَصِيب الأوْفَر تَرَامَيْنَا علـى قَبْره بـالإِلتزام والتَّبْجِيـل والإِسْتِلاَم والتَّقْبِـيـل، أَلاَ ترى كَيْفَ فعل ثابت البُنَانـي، كان يقبّل يَدَ أنس بن مالك ويضَعُها علـى وجْهِهِ ويقول: يَدٌ مَسَّتْ يَد رسول الله . وهذه الأُمُور لا يُحَرّكُها مِن الـمسلـم إلاّ فَرْط حُبّه للنّبـيّ ، إذْ هُو مأمُور بأن يُحبَّ الله ورَسُوله أشَدَّ مِن حبّه لِنَفْسِه وَوَلَدِه والنّاس أجْمعين، ومن أمواله ومن الـجَنّة وحُورِها، بَلْ خَـلْقٌ من الـمؤمنـين يحبُّون أبـا بكر وعُمر أكثر من حُبّ أنْفُسِهم..
حكى لَنَا جندار أنه كان بجبل البِقَاع فسمِعَ رجلاً سَبَّ أبـا بكر فسَلَّ سَيْفَه وضرب عُنُقَه، ولو كان سَمِعَه يَسُبُّه أو يسُبُّ أبـاه لَـمَا اسْتَبـاحَ دَمَه. أَلاَ تَرى الصَّحابة فـي فَرْط حُبّهم للنبـيّ قالوا: ألاَ نَسْجُدُ لَكَ؟ فقال: «لا»، فلو أَذِن لهم لسَجَدُوا له سجود إجلال وتَوْقـيرٍ لاَ سُجودَ عِبـادة كما قد سَجَد إخْوَة يوسف ـــ علـيه السلام ـــ لـيُوسف. وكذلك القول فـي سجود الـمسْلـم لِقَبْر النّبـيّ علـى سَبـيـل التَّعْظيـم والتَّبْجيـل لاَ يُكَفَّرُ به أَصْلاً بل يكون عاصياً فلْـيُعَرَّف أنّ هذا مَنْهِيّ عنه، وكذلك الصلاة إلـى القبر)انتهى.