المقصود بالرجولة
الرجل في اللغة:
يقول الفيروزبادي :
"الرَّجُل ضدّ المرأة والجمع رِجَال ورِجَالات مثل جِمَال وجِمَالات وأرَاجِل . وتصغِير الرَّجُل رُجَيْل ورُوَيْجِل أيضاً على غير قياس كأنه تصغير رَاجِل. والرُّجْلة بالضم مَصْدَر الرَّجُل والراَّجِل والأَرْجَل يقال رَجُل بَيِّن الرُّجْلَةِّ والرُّجُولة والرُّجُوليَّة ورَاجِلٌ جَيِّد الرُّجْلة".
وفي تاج العروس " الرجل بضم الجيم وسكونه الأخيرة وهو الذكر من نوع الإنسان يختص به ولذلك قال تعالى : " ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا) وقد يكون الرجل صفة يعني به الشدة والكمال ويقال للمرأة رجلة إذا كانت متشبهة بالرجل في بعض أحوالها . قلت : ويؤيده الحديث : أن عائشة رضي الله عنها كانت رجلة الرأي أي كان رأيها رأي الرجال . وترجلت المرأة : صارت كالرجل في بعض أحوالها"
الرجولة في الاصطلاح :
أختلف الناس في تفسير معنى الرجولة فمنهم من يفسرها بالقوة والشجاعة ، ومنهم من يفسرها بالزعامة والقيادة والحزم ، ومن هم يفسر الرجولة بالكرم وتضييف الضيوف ، ومنهم يقيسها بمدى تحصيل المال والاشتغال بجمعه ، ومنهم من يظنها حمية وعصبية جهلاء ، ومنهم من يفسرها بالبروز في المواقف الحرجة والأزمات لمد يد العون ، ومنهم من يفسرها ببذل الجاه والشفاعة وتخليص مهام الناس بأي الطرق كانت ...
فحدث إفراط في استعمال هذه الكلمة العظيمة ، والحقيقة أن الرجولة تحمل شيئاً من بعض تلك المعاني لكنها بالتأكيد ليست بالمعنى الذي يرمي إليه الكثير من الناس .
فالرجولة بمفهومها الصحيح الملائم لهذه الكلمة العظيمة هو ما ذكره الله تبارك وتعالى في ثنايا كتابه الذي ﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ .
ويخطئ الكثير في عدم التفريق بين الرجل والذكر ، فكل رجل ذكر ، ولا يعتبر كل ذكر رجل ، لأن كلمة ( ذكر ) غالبا ما تأتي في المواطن الدنيوية التي يجتمع فيها الجميع ، مثل الخلق وتوزيع الإرث وما أشبه ذلك ، أما كلمة رجل فتأتي في المواطن الخاصة التي يحبها الله سبحانه وتعالى .
الرجولة
الرجولة :
تُرَسّخ بعقيدة قوية وتُهَذّب بتربية صحيحة، وتُنَمّى بقدوةٍ حسنة.
الرجولة :
تحمُّلُ المسئولية في الذب عن التوحيد، والنصح في الله. قال الله تعالى: ﴿وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ . إنها الرجولة الحقة بكل معانيها.
الرجولة :
قوة في القول، وصدعٌ بالحق، وتحذير من المخالفة لأمر الله، مع حرص وفطنة، قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾
الرجولة :
صمودٌ أمام الملهيات، واستعلاء على المغريات، حذراً من يوم عصيب، قال الله تعالى: ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ .
الرجولة :
ليست أن يكون الشاب كالإمّعة إن أحسن الناس أَحسَنْ وإن أسَاءوَا أسَاء، وإذا ولغ أصحابه في مستنقعات السوء جرى في ركابهم لكي يكون رجلاً كما يزعمون.
الرجولة :
رأيٌ سديد، وكلمة طيبة، ومروءةٌ وشهامةٌ، وتعاون وتضامن
الرجولة :
ليست هي تطويل الشوارب وحلق اللحى، أو الأخذ بالثارات وقتل الأبرياء.
الرجولة :
هي ليست رفع الصوت والصياح وفرض الرأي بالقوة أو البطش بالعضلات.
الرجولة :
ليست سناً أكثر مما هي صفات وشمائل وسجايا وطباع.
الرجولة :
ليست أن تكون غاية مراد الشاب شهوة قريبة، ولذةً محرمة في ليلة عابثةٍ، بلا رقيب ولا حسيب؟ أين هذا من رجل قلبه مُعلّقٌ بالمساجد؟ وأين هذا من رجلٍ دعته امرأةٌ ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله؟ وأين هذا من رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه؟ وأين هذا من رجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه؟ أولئك يمقتهم الرحمن وهؤلاء يدنيهم ويظلهم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
أين الرجولة فيمن يتمايل في حركاته، ويطيل شعره، ويضع القلادة على رقبته، ويتطأطأ في مشيته، بل قد يرقص كما ترقص النساء؟ إن هذه السلوكيات نواةُ شرٍ ونذير فسادٍ لكل المجتمع؛ لأنها تحكي مسخاً وانصرافاً عن الفطرة، وانهزاميةً وانحطاطاً على حسابِ أخلاق الأمة، ولهذا" لعن الرسول -- المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال" ، ولعن النبي -- المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء" وقال: ((أخرجوهم من بيوتكم)) .
الرجولة :
مطلب يسعى للتجمل بخصائصها أصحاب الهمم، ويسمو بمعانيها الرجال الجادون، وهي صفة أساسية، فالناس إذا فقدوا أخلاق الرجولة صاروا أشباه الرجال، غثاءً كغثاء السيل
حين تُغمر خصائص الرجولة بجناية الرجال أنفسهم يحل بالمجتمع العطب، وبالبيت الضياع وبالأمة الضعف والهوان، تضيع القوامة وتضعف الغيرة فتتسع رقعة الفساد الخلقي. قال الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ .
الرجولة :
في الإنسان صفه جامعه لكل صفات الشرف : من اعتداد بالنفس واحترام لها وشعور عميق بأداء الواجب مهما كلفه من نصب وحماية لما في ذمته من أسرة وأمة ودين وبذل الجهد في ترقيتها والدفاع عنها والاعتزاز بها وإباء الضيم لنفسه ولها.
الرجولة :
هي صفه يمكن تحقيقها مهما اختلفت وظيفة الإنسان في الحياة فالوزير الرجل من عدّ كرسيه تكليفاً لا تشريفاً و رآه وسيلة للخدمة لا وسيله للجاه، أول ما يفكر فيه قومه وآخر ما يفكر فيه نفسه ،يظل في كرسيه ما ظل محافظاً على حقوق أمته.
الرجال
الرجال :
لن يتربوا إلا في ظلال العقائد الراسخة، والفضائل الثابتة، والمعايير الأصيلة، والتقاليد المرعية، والحقوق المكفولة. أما في ظلام الشك المحطم، والإلحاد الكافر والانحلال السافر، والحرمان القاتل، فلن توجد رجولة صحيحة، كما لا ينمو الغرس إذا حرم الماء والهواء والضياء.
الرجال:
ليسوا أولئك الذين بطِنت أجسادُهم، وقد خلت من قول الحكمة ألسنتهم، وعن سداد الرأي عقولهم. هؤلاء الرجال أشباه رجالٍ لا ننشدهم، بل نبغي الذين عناهم القرآن في قوله: ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ .
الرجال:
يَصدُقون في عهودهم، ويوفون بوعودهم، ويثبتون على الطريق، قال الله تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ .
الرجال:
لا يقاسون بضخامة أجسادهم وبهاء صورهم، فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "أمر النبي -- ابن مسعود فصعد على شجرةٍ أمره أن يأتيه منها بشيء فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله بن مسعود حين صعد الشجرة فضحكوا من دقة ساقيه، فقال رسول الله --: ((مما تضحكون؟ لَرِجلُ عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد)) .
الرجال:
الحقيقيون من هذه الأمة أصحاب مواقف، وقد يتمثل هذا في رجل أو مجتمع أو شعب من الشعوب المسلمة.
الرجال:
يعلمون علم اليقين أن التغيير الذي يحلمون به لأمتهم لا يمكن أن يحدث بين يوم وليلة، كما أن له مقدمات ومقومات، فالسنن الإلهية تدل على أن الله ربط تغيير الحال العام بتغير حال العباد، فحال الأمة الآن يمكن تغييره، ولكن بصلاح أفرادها، أما إذا قال كل فرد فيها إنه لا يمكنه أن يؤثر في الأمة فإنه يكون مخطئاً، قال تعالى: ﴿.إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ. ﴾ .
أهمية الرجولة في حياة الأمة
عند الأزمات تشتد الحاجة لوجود الرجال الحقيقيين
في هذه الحالة التي تقع فيها الفتن بالمسلمين نحتاج إلى عناصر مثبته تثبت المسلمين على المنهج الرباني، مَن الذي يثبت؟ في حالة الأزمات تكتشف أنت معادن الرجال، يفضي كل رجل إلى معدنه الخالص؛ ليستبين أمام الناس هل هو من أهل العقيدة أم لا؟ هل هو رجل عقيدة أم لا؟ في حالة الأزمات يتبين الرجال الذين يقفون على منهج الله بأقدام راسخة.
يقول الله تعالى:
﴿قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
حاصر خالد بن الوليد ( الحيرة ) فطلب من أبي بكر مدداً، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي وقال: لا يهزم جيش فيه مثله، وكان يقول: لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف مقاتل!
ولما طلب عمرو بن العاص المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في فتح مصر كتب إليه : (أما بعد : فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف : رجل منهم مقام الألف : الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد).
إن خير ما تقوم به دولة لشعبها، وأعظم ما يقوم عليه منهج تعليمي، وأفضل ما تتعاون عليه أدوات التوجيه كلها من صحافة وإذاعة،ومسجد ومدرسة، هو صناعة هذه الرجولة، وتربية هذا الطراز من الرجال.
هذه النوعية التي نحتاجها حقيقة اليوم في وسط الأزمات التي تعصف بالمسلمين، الأزمات والفتن التي تجعل الحليم حيراناً، نحتاج إلى رجال يبصرون الناس بالدين، إلى رجال يكونون قدوة للناس، إلى رجال يثبتون الناس على شرع الله.
في دار من دور المدينة المباركة جلس عمر إلى جماعة من أصحابه فقال لهم: تمنوا ؛ فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءةٌ ذهباً أنفقه في سبيل الله. ثم قال عمر: تمنوا، فقال رجل آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً أنفقه في سبيل الله وأتصدق به. ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر : ولكني أتمنى رجالاً مثلَ أبي عبيدة بنِ الجراح، ومعاذِ بنِ جبلٍ، وسالمٍ مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله.
رحم الله عمر الملهم، لقد كان خبيراً بما تقوم به الحضارات الحقة، وتنهض به الرسالات الكبيرة، وتحيا به الأمم الهامدة.
إن الأمم والرسالات تحتاج إلى المعادن المذخورة، والثروات المنشورة، ولكنها تحتاج قبل ذلك إلى الرؤوس المفكرة التي تستغلها، والقلوب الكبيرة التي ترعاها والعزائم القوية التي تنفذها: إنها تحتاج إلى الرجال.
لرجل أعز من كل معدن نفيس، وأغلى من كل جوهر ثمين، ولذلك كان وجودُه عزيزاً في دنيا الناس، حتى قال رسول الله : ((إنما الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)).
الرجل الكفء الصالح هو عماد الرسالات، وروح النهضات،و ومحور الإصلاح. أعدَّ ما شئت من معامل السلاح والذخيرة، فلن تقتل الأسلحة إلا بالرجل المحارب، وضع ما شئت من مناهج للتعليم والتربية فلن يقوم المنهج إلا بالرجل الذي يقوم بتدريسه، وأنشئ ما شئت من لجان فلن تنجز مشروعاً إذا حُرمتَ الرجل الغيور!!
ذلك ما يقوله الواقع الذي لا ريب فيه.
إن القوة ليست بحد السلاح بقدر ما هي في قلب الجندي، والتربية ليست في صفحات الكتاب بقدر ما هي في روح المعلم، وإنجاز المشروعات ليس في تكوين اللجان بقدر ما هو في حماسة القائمين عليها.
فلله ما أحكم عمر حين لم يتمن فضة ولا ذهباً، ولا لؤلؤاً ولا جوهراً، ولكنه تمنى رجالاً من الطراز الممتاز الذين تتفتح على أيديهم كنوز الأرض، وأبواب السماء.
إن رجلاً واحداً قد يساوي مائة، ورجلاً قد يوازي ألفاً، ورجلاً قد يزن شعباً بأسره، وقد قيل: رجل ذو همة يحيي أمة.
يعد بألف من رجال زمانه …لكنه في الألمعية واحد
وعند الأزمات تشتد الحاجة لوجود الرجال الحقيقيين، الذين يثبتون الناس على شرع الله.
قد تمر بالإسلام أزمات، قد تمر بالمسلمين شدائد وضائقات، قد يمر بالمسلمين عسر شديد، تنقطع بهم السبل، فيتحير الناس ويضطربون، ويميدون ويحيدون عن شرع الله، فترى الناس متفرقين شذر مذر، لا يرى أحدهم الحق ولا يتبعه، حيَّرتهم فتن الحياة الدنيا، فاضطربوا اضطراباً شديداً، وتبعثروا وتفرقوا، فمَن الذي يثبِّت في هذه الحالة؟ ومَن الذي يقوم بواجب التثبيت؟ في هذه الحالة التي تقع فيها الفتن بالمسلمين نحتاج إلى عناصر مثبته تثبت المسلمين على المنهج الرباني، مَن الذي يثبت؟ في حالة الأزمات تكتشف أنت معادن الرجال، يفضي كل رجل إلى معدنه الخالص؛ ليستبين أمام الناس هل هو من أهل العقيدة أم لا؟ هل هو رجل عقيدة أم لا؟ في حالة الأزمات يتبين الرجال الذين يقفون على منهج الله بأقدام راسخة.
وكأني بهذا الدين في هذا الزمان يهتف بأبنائه: أليس منكم رجل رشيد يحملني ويقوم بأمري؟
الرجولة في الإسلام..
الرجولة صفة يمتن بها الله عز وجل بها على من يشاء من عبادة، كما قال ذلك الرجل المؤمن الذي يعلِّم صاحبَه الكافر، يقول له موبخاً ومقرعاً، ومذكراً له بنعم الله عز وجل عليه:
﴿ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً ﴾ .
هذا الرجولة التي يمتن الله عز وجل وينعم بها، لها صفات ولها خصائص، لا تكتمل إلا بها، ولا تقوم إلا عليها، ولا تشتد إلا بهذه الأركان.
والرسل الذين بعثوا إلى أقوامهم ما كانوا إلا رجالاً، قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ﴾ فلم يرسل الله عز وجل إلى الناس إلا رجالاً.
ميزان الرجال في شريعة الإسلام من كانت أعماله فاضلة وأخلاقه حسنة. مرّ رجلٌ على رسول الله -- فقال: ((ما تقولون في هذا؟ قالوا: هذا حريٌ إن خَطَب أن يُنْكح، وإن شَفَع أن يُشَفّع، وإن قال أن يُسْتمع له. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: هذا حريٌ إن خَطَب أن لا يُنْكح، وإن شَفَع أن لا يُشَفّع، وإن قال أن لا يُسْتمع له، فقال رسول الله --: هذا خيرٌ من ملء الأرض من مثل هذا)). .
لعل من أهم الفروق التي تميز المسلمين في أول أمرهم وفجر حياتهم عن المسلمين اليوم ((خلق الرجولة )) فقد غني العصر الأول بمن كانوا هامة الشرف وغرة المجد وعنوان الرجولة.
تتجلى هذه الرجولة في *محمد * إذ يقول : ( والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن اترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو اهلك فيه ما تركته)).
كما تتجلى في أعماله وفي ادوار حياته فحياته كلها سلسله من مظاهر الرجولة الحقة ، والبطولة الفذة ، إيمان لا تزعزعه الشدائد وصبر على المكاره وعمل دائب في نصرة الحق ، وهيام بمعالي الأمور وترفع عن سفاسفها((حقيرها)) حتى إذا قبضه الله إليه لم يترك ثروة كما يفعل السلطان ولم يُخلّف إعراضا زائلة كما يخلف الملوك والأمراء وإنما خلف مبادئ خالدة على الدهر ، كما خلّف رجالاً يرعونها وينشرونها ويجاهدون بأموالهم وأنفسهم من اجلها.
وتاريخ الصحابة ومن بعدهم مملوء بأمثلة الرجولة ، فأقوى مميزات ((عمر بن الخطاب )) انه كان ((رجلاً)) لا يراعي في الحق كبيرا ولا يمالي عظيماً أو أميراً يقول في إحدى خطبه :
(( أيها الناس انه والله ما فيكم احد أقوى عندي من الضعيف حتى اخذ الحق له ولا اضعف عندي من القوي حتى اخذ الحق له.)).
وينطق بالجمل في وصف الرجولة فتجرى مجرى الأمثال كان يقول : ( يعجبني من الرجل إذا سيم خطة الضيم أن يقول (( لا بملء فيه)).
ويضع البرامج لتعليم الرجولة فيقول : ( علموا أولادكم العوم والرماية ومروهم فليثبوا على الخيل وثبا ورووهم ما يجمل من الشعر)).
ويضع الخطط لتمرين الولاة على الرجولة فيكتب إليهم (( اجعلوا الناس في الحق سواء قريبهم كبعيدهم وبعيدهم كقريبهم إياكم والرشا والحكم بالهوى وان تأخذوا الناس عند الغضب)).
من اجل هذا كله كان هذا العصر مظهراً للرجولة في جميع ميادين الحياة ، تقرا تاريخ المسلمين فيملئوك روعة ، وتعجب كيف كان هؤلاء البدو- وهم لم يتخرجوا في مدارس علميه ولم يتلقوا نظريات سياسيه حكاما وقادة لخرجي اللم بمقدار ما تقاس برجولتها.
إنما هي الرجولة التي بثها فيهم دينهم وعظماؤهم هي التي سمت بهم وجعلتهم يفتحون أرقى الأمم مدنيه وأعظمها حضارة ثم هم لا يفتحون فتحا حربيا يعتمد على القوة المدنية إنما يفتحون فتحا مدنيا إداريا منظما يعلمون به دارسي العدل كيف يكون العدل ، ويعلمون العلماء الإدارة ويلقون بعلمهم درسا على العالم ، أن قوة الخلق فوق مظاهر العلم وقوة الاعتقاد في الحق فوق النظريات الفلسفية والمذاهب العلمية وان الأمم لا تقاس بفلاسفتها بمقدار ما تقاس برجولتها.
هل رأيت حزما في الإدارة كالذي فعله في مسح سواد العراق وترتيب الخراج وتدوين الدواوين وفرض العطاء ؟
حقا لقد كان عمر بن الخطاب في كل ذلك رجلاً ولئن كان هناك رجال قد امتصوا رجولة غيرهم ولم يشاءوا أن يجعلوا رجالاً بجانبهم فلم يكن عمر من هذا الضرب إنما كان رجلاً يُحلِّق بجانبه رجالاً كأبو عبيدة الجراح وسعد بن أبي وقاص والمثنى بن حارثه وكثير غيرهم كانوا رجالاً نفخ فيهم عمر من روحه كما نفخ فيهم الإسلام من روحه وأفسح لهم في رجولته كما أفسح لنفسه في رجولته .
حقيقةً ولم تر الدنيا الرجولة في أجلى صورها وأكمل معانيها كما رأتها في تلك النماذج الكريمة التي صنعها الإسلام على يد رسوله العظيم ، من رجال يكثرون عند الفزع، ويقلون عند الطمع، لا يغريهم الوعد، ولا يلينهم الوعيد، لا يغرهم النصر، ولا تحطمهم الهزيمة.
أما اليوم، وقد أفسد الاستعمار جو المسلمين بغازاته السامة الخانقة من إلحاد وإباحية، فقلما ترى إلا أشباه الرجال، ولا رجال.
تعجبنا وتؤلمنا كلمة لرجل درس تعاليم الإسلام السمحة الشاملة فقال في إعجاب مرير: " يا له من دين لو كان له رجال "!!
وهذا الدين الذي يشكو قلة الرجال يضم ما يزيد على ألف مليار مسلم، ينتسبون إليه، ويحسبون عليه، ولكنهم كما قال رسول الله ((غثاء كغثاء السيل)) أو كما قال الشاعر:
يثقلون الأرض من كثرتهم…ثم لا يغنون في أمر جلل
فيجب علينا أن نفهم أن معانيها في زمن الغربة كما قال "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء"، و الغريب هنا معناه انه المتمسك بمبادئ الحق عند خوار البعض و الذي يبذل أقصى ما يستطيع في سبيل نصرة هذا الدين، وذلك حسب طاقته لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
والنصرة لدين الله تكون بالنفس وبالمال، وبالكلمة، فكل من يأنس في نفسه نوعاً من أنواع النصرة يقوم بها وما دمت قد بذلت جهد طاقتك فالله لا يضيع أجر أحد من ذكر أو أنثى
، فيا أخي جاهد نفسك قدر ما تستطيع وأخلص النية و لك أجر ما صنعت وبذلك يكون قد وقع أجرك على الله
ومن معاني الرجولة نصرة هذا الدين، والثبوت عليه وهذا لا يحده زمان ولا مكان، ولا يمنعنك عن مواصلة هذه النصرة ما تراه من تخاذل المسلمين وضعفهم عند ضربات الأعداء ربما أشرف عليهم اليأس وظنوا أنهم كذبوا فالظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم فإذا تحقق النصر وأنت على ذلك فأنت على ثغرة ثغور الإسلام، ولا تستبطئ نصر الله، فإنه كما نطقت الآية آت لا محالة، ولكنه كما تعلم لن يأتي إلا بعد أن تتحد الأمة، وتنبذ ما لديها من فرقة، فواصل العمل، وليس المهم أن تجني أنت ثمار العمل، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
الرجولة في القرآن
ذكر الله الرجولة في القرآن الكريم في أكثر من خمسين موضعًا، فذكر الرجل، والرجلين، والرجال، وقرن الرجل بالمرأة في آيتين اثنتين، والرجال بالنساء في عشرة مواضع.
ذكر الله الرجولة في القرآن، وذكرها النبي - - في سنته، وأراد الله بالرجولة النوع تارة، وأراد بها الصفة تارة أخرى، وأراد بها النوع والصفة تارة ثالثة.
النوع:
فيقصد بالرجولة الذكورة، فقد قال - سبحانه وتعالى -:
﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ ، وقال: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ ، وقال: ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ .
الصفة:
فيقصد بالرجولة توافر صفات الرجولة في الذكر فقد قال - سبحانه وتعالى -: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ﴾ ، فكلمة المؤمنين جمع مذكر سالم، ولم يقل الله - عز وجل - كل المؤمنين رجال وإنما قال: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ﴾، ومن للتبعيض أي ليس كل ذكر رجلاً وإنما كل رجل ذكر، فأراد هاهنا صفة الرجولة ولم يرد النوع أي الذكورة.
وأما النوع والصفة: فيذكر الله - عز وجل - الرجولة ويريد بها توافر النوع والصفة، ومن ذلك قوله - تعالى -:﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ ، فلابد للقوامة من الذكورة ومن الرجولة فنحن نرى رجالا تقودهم النساء وذلك راجع إلى انتفاء الصفة مع وجود النوع.
الاشتراك في الحكم:
إذا ورد لفظ الرجل في القرآن الكريم والسنة ولم يرد دليل على اختصاص الرجل بالحكم، فالأصل دخول النساء في الحكم مع الرجال لقوله - -: «إنما النساء شقائق الرجال». . فحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله جاء فيه السبعة بلفظ رجل، ومع ذلك فهذا الحديث يشمل لرجال والنساء، فمن النساء من سيظلهن الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
صفات الرجولة في القرآن
أ- الطهارة بشقيها المادي والمعنوي: ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ .
ب- الصدق مع الله: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ .
ج- إيثار الآخرة على الدنيا: ﴿رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾ .
د- القوامة وحسن التوجيه لبيوتهم وذويهم: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ .
هـ- الإيجابية: وتتفصل في:
1- مؤمن «يس» والسعي لتبليغ دعوة الله ومناصرة الأنبياء: قال - تعالى -:﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ .
2- مؤمن آل فرعون والدفاع عن رمز الدعوة ضد مؤامرة الكفار: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾ .
3- التحرك السريع لدرء الخطر وبذل النصيحة: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [القصص: 20].
والعجيب أننا نسمع من يقول أن كلمة رجل في القرآن جاءت على سبيل المدح وهذا ليس صحيحاً فإن هناك آيات تدل على بعض المواقف المذمومة واليك الآيات التي ورد ذكرها فى ذلك :-
1- ﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ .
2- ﴿ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ﴾ .
3- ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ .
4- ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ .
5- ﴿ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ﴾ .