وتتجلى الطائفية في الطرح الثاني القائل بأن الهوية الأمازيغية متعددة، فهي أمازيغية وعربية وإفريقية وأندلسية، في أنها ترى أن الشعب المغربي في هويته لا يزال خليطا من الأبعاد المختلفة من الأجناس، وأن هويته لم تحقق بعدها الوحدوي المتجانس بعد، وإن كانوا لا ينطقون بهذا الحكم بوضوح فإن السامع لكلامهم هذا يستخلصه، لأنهم يحاولون أن يقدموا هذا الحكم الخطير في حلة تعددية ديمقراطية تتنافى والبعد الواحد لإعطائها صورة ديمقراطية، وهذا الحكم شبيه بحيل الأفعى التي تقف صامدة في الصحاري، فيظن الطائر المنهك بأنها شجرة، فيقف على رأسها ليستريح، لكنها تباغته بمقصها القاتل، أو هو كوجه أفعى مزينة بأحمر الشفاه وكحل العينين متخفية في فولار، يطلب منها القنفذ أو القط قبلة من فيها ليتلذذ فتصرعه بمقصها اللاذع، فيسقط قتيلا تحت عنوان طلب الموت باللذة.
فما معنى القول: إن الهوية المغربية متعددة فهي أمازيغية وعربية وإفريقية وأندلسية؟ لكن استفسارنا الإنكاري هذا لا يعني أننا ننفي وجود ثقافة عربية وإفريقية وأندلسية في بلادنا.
لقد استقبلت بلادنا هجرات لمجموعات بشرية عربية، واستقبلت ثقافة لغوية وأدبية عربية، لكن هذه الثقافة العربية الوافدة لم تتحول إلى هوية عربية في بلادنا، ولا حتى إلى شطر أو جزء من الهوية، لأنها ذابت في الثقافة الأمازيغية، ومن يقول عكس ذلك ينبغي أن يقول إن الهوية الفلسطينية هي هوية مغربية وعربية ويهودية، لأنه يوجد في فلسطين باب المغاربة وجدارهم، وعدد من الممتلكات المحبسة عليهم ولهجاتهم وطائفة منهم من المسلمين واليهود، ولأن هذه البلاد استوعبت هجرات مغربية عبر التاريخ إسلامية ويهودية ومكتباتها تتوفر على مئات المخطوطات والمصادر المغربية، وهو ما يمكن قوله عن الهوية الفرنسية والهولندية والألمانية، فهل سمعنا أن هويات هذه البلدان هويات متعددة، لأنها استقبلت هجرات بشرية وثقافية هائلة من المغرب والمشرق، بل حتى عن إسبانيا نفسها التي بقي فيها المسلمون أزيد من تسعة قرون.
كما أنه لا يمكن لأحد أن ينفي التأثير الإيجابي للوافد، لكنه لا يستطيع أن يرتقي إلى درجة الهوية، ولا حتى إلى صف المكون الهوياتي، لأن مكونات الهوية بطبعها ثابتة، وإن كانت تتغذى بعناصر ثقافية متحركة، فالتغذية تنمي الجسم لكنها لا تستطيع تبديل البصمات ولا زيادة عدد الأصابع، ولا أن تضيف يدا أو رجلا ثالثة، هذا باختصار شديد عن الثقافة العربية أما عن الإفريقية والأندلسية، فإن القول بأنهما يقفان إلى جانب الأمازيغية كمكونات للهوية المغربية لأمر مثير للدهشة والغرابة حقا.