لا يتوقف المحلّلون والخبراء في مصر، والجزائر، عن التحذير من خطورة تكرار السيناريو الجزائري بعد انقلاب حفنة من العسكر هناك على السلطة المدنية، وعزل أول رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية، لا بل والتهديد بإعدامه عقب محاكمته بتهمة "الخيانة العظمى"!
هذا التقارب، بين الحالتين المصرية والجزائرية، وبرغم نقاط التباين بينهما، إلا أنه يتوفر على نقاط مشتركة عديدة، أبرزها استخدام الانقلابيين المبررات ذاتها.. "التحذير من أخونة الدولة، قلق المجتمع المدني والإعلام من المد الاسلاموي".. الخ، وفي سبيل ذلك، تم نحر جميع مبادرات الصلح أو الوساطة، كتلك التي تحدث عنها أحمد طالب الإبراهيمي مؤخرا للجزيرة!
ليس هنالك سبب واحد يجعلنا نكذب ما قاله الإبراهيمي بخصوص عرض الجبهة الإسلامية للإنقاذ صفقة على السلطة الحاكمة في بداية التسعينيات تتضمن تجنيب البلاد حربا وشيكة أو مواجهة باتت محتومة، حتى وإن كان حديثه عن قبول قيادات الفيس الاكتفاء بما نالوه من مقاعد في الدور الأول من الانتخابات مع دفع أنصارهم للتصويت على الأفلان في الدور الثاني، أمر لا يقبله منطق ولا يصدقه عقل؟!
الجنرال المتقاعد، والرجل القوي في تلك المرحلة خالد نزار، يشير لتلك الوساطة، لكن من وجهة نظر "انقلابية"، حين يتحدث عن تواطؤ بين الفيس، مولود حمروش والشاذلي بن جديد.. ويقول في مذكراته بالنص: "تدخل الشاذلي خلال ندوة صحفية يوم الثلاثاء 24 ديسمبر 1991، مصرحا أنه مستعد للتعايش مع الفيس.. أثارت نتائج الانتخابات التشريعية ليوم 26 ديسمبر ارتباك وإحباط الرأي العام بالإضافة إلى قلق الدول المغاربية، والأوروبية وخاصة فرنسا.. برزت ظاهرة تغيير المظهر من خلال تكاثر القمصان والحجاب واللِحى الحديثة.. وردا على هذا تم إنشاء اللجنة الوطنية لإنقاذ الجزائر التي ترأسها المرحوم عبد الحق بن حمودة.. نجحنا في جمع أكثر من 500 ألف شخص داعم لنا، على عكس الفيس الذي لم يستطع طيلة تلك الفترة من جلب أكثر من 50 ألف مناضل من مجموع التراب الوطني.. بدأت النداءات لمقاومة الفيس تتزايد من طرف المنظمات والأحزاب السياسية الداعية لوقف الدور الثاني.. وكصدى لذلك، ومن باب المخادعة، كان عبد القادر حشاني يطلق تصريحات مطمئنة، وذهب إلى حد دعوة وزير الدفاع لملاقاة الشيخ سحنون، مقترحا القيام بوساطة بينهما".. (مذكرات اللواء خالد نزار، ص 207، 208)..
طبعا، كلام مثل هذا يستدعي الحالة المصرية الراهنة بإلحاح.. بل ومن المفارقات، أن جماعة الانقلابيين هناك أسسوا جبهة الإنقاذ على غرار لجنة الإنقاذ التي تم إنشاؤها عندنا من أجل الدعوة لوقف المسار الانتخابي أيضا.. كما استُعمِل الإعلام لشيطنة الطرف الآخر.. يقول نزار: "لم تكن أمامنا كعسكريين، صعوبة لفهم خطورة الوضع، وكانت الصحافة تتحدث عن الأصداء السلبية للانتخابات التي فاز بها الفيس، وكان ممثلو الأحزاب السياسية وكذا الشخصيات يقصدوننا لتبليغنا قلقهم العميق".
في الكلام السابق أيضا، إشارة إلى جمع توقيعات لتبرير اغتصاب السلطة خارج الصندوق، ومباهاة بالحشد الذي استعمله العسكر لـ"فلسفة الانقلاب"، على غرار ما يفعله الجنرال السيسي في مصر اليوم حين يستند إلى حشد الجماهير في ميادينه وتحت حماية دباباته، ويسفه الملايين الأخرى، وكل المبادرات السلمية، وأبرزها تلك التي تقدم بها محمد سليم العوا ومحمد عمارة وطارق البشري.. على غرار النيل من مبادرة عبد القادر حشاني بالأمس، والتي كان بوسعها ربما أن تجنب البلاد والعباد عشرية حمراء من التقتيل والتدمير، لم نشف منها بعد.. فهل يوجد بين المصريين رجل عاقل يقرأ التاريخ القريب، يعتبر ويتدبر.. أم أن سيسي اليوم هو خالد نزار الأمس!
قادة بن عمار
https://www.echoroukonline.com/ara/articles/173610.html