وقفة قصيرة مع بعض الطاعنين في العلامة المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله
(من مقدمة كتابي "إبلاغ الفهامة")
يسّر الله نشره.
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده و رسوله.
أما بعد:
......بالمناسبة دعونا نتكلم في هذه المقدمة بإيجاز شديد عن بعض أنصاف المتعالمين الذين كانوا في غياهب الجهل غارقين، وكان الواحد منهم لا يفرق بين حديث أخرجه البخاري في صحيحه وحديث أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، فإنّ هذا الصنف من الناس قد تغذّى من كتب الشيخ العلاّمة محمد ناصر الدين الألباني المديدة والعديدة؛ كالسلسلتين الذهبيتين، والإرواء، وهم يعترفون بهذا، كالمدعو محمود سعيد ممدوح المصري، ولكن بعد ما استوى عودُهم على عِوج وتفتحت عقولُهم على مرج قلبوا ظهر المجن للعلاّمة الألباني رحمه الله ونَسُوا أن يمتثلوا قول الله تعالى [هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ] [الرحمن:60].
فإنّك يا طالب الحق والهداية ترى بعض الكتّاب والمحققين لتراث السلف كالمصري المشار إليه سالفا والإردبي ومن كان على طريقتهما وسكيكتهما، وبعض المنتمين إلى مدارسَ متنوعةٍ من كوثرية هالكة، أوغُمارية في الضلال غارقة، أوحدادية غالية، ومنهم العياذ بالله
من جمع بين الأوصاف الثلاثة؛ ساعين وجاهدين في نسف جهود هذا المحدِّث الكبير والفقيه الرزين، بشتى وسائل الدّس والتدليس، والتزوير والغشِّ والكذب والتلويس، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن أراد أن يقف بنفسه على طعانات الكوثريين والغماريين المكشوفة والمسمومة في العلاّمة الألباني، ويرى العجب بعينيه، ويجمع قاموساً في التدليس والبتر والغش؛ فليرجع إلى ما خلَّفه المسمى محمود سعيد ممدوح المصري، وضَمنه كتابه «التعريف بأوهام من قسَّم السُّنن إلى صحيح وضعيف»، فإنه سيجد ما يُندى له الجبين، ويشين وجهَ مَنْ سطر التخريف بالشمال أو اليمين.
ثم نقول لمحمود سعيد، صاحبِ التخريف! والذي باع ذمته لرؤوس الصوفية بدراهم معدودات (وهذا المصري عينة من ميئات العينات): هَبْ جدلا أننا لا نوافق الشيخ الألباني إلى ما ذهب إليه من تقسيم السّنن إلى صحيح وضعيف، ونرى خدمة السّنن بجمع نُسخها المخطوطة، ورواياتها المتعددة والمفرقة في مكتبات العالم، ثم نقابل بينها، وندقق ونحقق ونخرج نسخة دقيقة محققة كما قال محمد عبد الله آل شاكر الذي نقل المدعو محمود سعيد ممدوح كلامه في كتابه "التخريف" (1/32)، فهل هذه المخالفة تبيح لك الكذب والتّدليس، وإسقاط الشيخ ورميه بالجهل، بل والسّعي إلى التّعريف به للناس وكأنّه كاتب مغمور جاء على حين غفلة من أدغال إفريقيا، وألّف الصّحيحة والضّعيفة واختصر البخاري، وخدم السنن, وأخرج عشرات الكتب الماتعة والنافعة، التي لو اجتمع صاحب التخريف وشيعته التي تؤزّه أزًّا على أن يأتوا بمثلها، لا يأتون بمثلها ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.
يا لها من مهزلة مكشوفة تضحك من غرائبها الثكلى.
إن خدمة السُنن مع ذكر الأسانيد هو الذي فضّله الأوائل دون جعجة محمود سعيد هداه الله وطهر قلبه من الشُّبه.
قال الهيثمي في موارد الضمآن: «...وأردت أن أذكر الصحابي فقط وأُسقِط السّند اعتمادا على تصحيحه، فأشار عليّ سيدي الإمام أبو زرعة ابن سيد الإمام العلاّمة شيخ الإسلام أبي الفضل عبد الرحيم بن العراقي بأن أذكر الحديث بسنده لأن فيه أحاديث تكلّم فيها بعض الحفاظ، فرأيت أن ذلك هو الصواب».
وعلّق العلاّمة الألباني رحمه الله على كلام الهيثمي في صحيح الموارد (1/90) قائلا: «قلت: وأصوبُ منه أن يتكلّم على السّند أيضا تصحيحا وتضعيفا، إلا أن هِمّة أكثر القراء تضعف ولا تنشط لقراءة الأحاديث بسندها، ولذلك جريت على اختصار أسانيد كتب السنّة، وبخاصة السنن الأربعة منها، مع تقديم خلاصة موجزة عن تلك الأسانيد من صحة وضعف، لأنها هي الغاية من الأسانيد ودراستها، وأنفع لعامة القرّاء من طبع السنّة بأسانيدها فقط، دون بيان مراتبها...».
قلت: و بيان درجة كل حديث من الضَعف والصّحة اعتماداً على منهج علماء الحديث في نقد الرجال وتوثيقهم هو الذي تميّز به العلامةُ الألباني عن غيره من المعاصرين ممن يدعي معرفة علم الحديث كهذا المصري الآبق، وحسن السقّاف المارق، وبهذه الطريقة يرى العلامة الألباني تقريب سنة النبي صلى الله عليه وسلم موثقة ومحققة ومنقحة، حتى يُجنِّب القراء من الوقوع في الوعيد الشديد الوارد في صحيح قوله صلى الله عليه وسلم: «من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النّار»، فإنّ هذا الاختلاف في وجهات النظر مع العلاّمة الألباني رحمه الله لا يسوِّغ الظلمَ والتدليسَ والكذبَ، ورميَ الشيخ الألباني رحمه الله بكل رذيلة ونقيصة والعياذ بالله من سخطه، وعجيب أمر المصري وقومه فإنهم يكتبون ويؤصلون: إنّ اختلاف الأمة رحمة، فلما كان الشأن يخص العلامة الألباني صار عند القوم غمة!، فما أقبح الهوى فإنه بوابة الذل والردى.
ولكني أقول لهذا المنحرف:
-يكفي العلاّمة الألباني رحمه الله شرفا أنه كان سلفياً على الجادة كما شهد له بذلك الكبار من أهل العلم والمعرفة.
-وأنّه رَحِمَه اللهُ خدم الإسلام خدمة عظيمة تعجز عن إنجازها مراكز متضافرة.
- وأنه رحمه الله قام بنشر وتحقيق كتب العقائد السلفية؛ كالإيمان لابن تيمية، ومختصر العلو للذهبي، وكتاب القائد إلى تصحيح العقائد للمعلمي، وكتاب الطحاوية، وتحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، وغيرها كثير من الكتب العظيمة التي تخدم العقيدة التي كان عليها السلف الكرام، وما قام المصري البقباق بـمحاربة العلاّمة الألباني إلا لأن الشيخ رحمه الله نشر المعتقد الصحيح في أوساط المسلمين، وكشف عوار غلاة الصُوفية وضلالات الكوثريين والغماريين، والقبوريين، فثقلت على المصري المساجلة العقدية لأنها تكشف عوْر منهجه القبوري المنحرف، فجاء وتستر بعلم الحديث، ليشكك -عامله الله بما يستحق- في منهج هذا الإمام بأسلوب خبيث يتنزه عنه كلُ ذي سجية من البرية، وهو أسلوب سلكه الكوثري، ومن بعده أبو غدة ومعه وبعده محمد عوامة؛ وهي سلسلة طويلة يصعب حصرها في هذا الجزء الموجز، والله المستعان.
ولكن ماذا عساني أن أقول في حقّ رجل في القرن العشرين باع ذمته بقروش معدودة ليصد عن سبيل الله ويحارب الصالحين من عباد الله، والله المستعان.
-ويكفي كذلك علاّمة الشام أبا عبد الرحمن أنه نذر نفسه لكسر أقلام أهل البدع، ومن أبرزهم عبد الفتاح أبو غدة الصورة المصغرة للكوثري الهالك، ومحمد الغزالي المصري المعتزلي، وحسان عبد المنان الهدام للسنة، ومحمد سعيد رمضان البوطي المنحرف عن الصراط، والحاقد على أهل الحقّ وغيرهم كثير.
-ويكفيه فخرا وشرفا رحمه الله أنّه أعاد اسم السلفية مع إخوانه العلماء إلى أذهان الشباب المتحير مع بيان أصولها، والذبّ عن حياضها بعد ما كادت تسطو عليهم الأفكارُ المبتورة واليتيمة، كفكر الإخوان، والتبليغ، والخوارج ومن سبح في حوضهم، وارتوى من مائهم الآجن.
فالعلامة الألباني رحمه الله وجعل الجنة مثواه يُعدّ مجدداً في هذا الزمان، وهو من كبار المجتهدين فمن أراد أن ينقده فلينقده بحلمٍ وعلمٍ وأناة وصدقٍ، دون جرحٍ أو خدش أو إساءة، وإلا وُسِم الناقد للشيخ بأنه معادٍ للمنهج السلفي، وإن تظاهر بالتخريج والتحقيق، فالكوثري الهالك كان شيئاً في أعين بعض النّاس، وهو مطلع بحقٍ كما وصفه بعضُ معاصريه، ولكن حين نصب العداء لأئمة السنة، وصار يغمز فيهم ويلمزهم ويرميهم بكل نقيصة، قيّض اللهُ تبارك وتعالى للدفاع عن أهل الحديث أسدَ السنة في زمانه وهو العلاّمة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، فتصدى للكوثري بالعلم، فما إنْ صدرت كتبُ المعلمي وانتشرت ردودُه، حتى طاشت صحفُ الكوثري في الهواء وظهر زيفُها للناس أجمعين، واتضح بعد ذلك لعقلاء الجن والإنس أن الكوثري مؤوِّلٌ لصفات ربّ العالمين، غارقٌ في الضلالة إلى حبل الوتين، فمن دافع -بعد بيان المعلمي المتين- عن الكوثري الأرعن وحارب الألباني التِقْن فهو حتماً معادٍ للمنهج السلفي الحق، الذي كان عليه أهل القرون الثلاثة المفضلة، ومناصر لمنهج جهمٍ وأتباعه الغاوين، أهل الفُرقة والضلالة، والبدعة والشقاوة.
ولا أريد الإطالة في هذه المقدمة الموجزة، وإن كان لديّ كثير من الحقائق عن القوم تحتاج إلى كشف ونشر، ولعل الله يقيض من أبناء الأمة من يقوم بهذا العمل، وما ذُكرى فيه عبرة لكل عاقل.
إنّ العلاّمة الألباني أحسبه من أولياء الله الصالحين والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا، فمن حاربه من أجل إسقاطه، وتشويه دعوته فلينتظر حرباً من رب العالمين، ولا يجني الجاني إلا على نفسه، وعلى نفسها جنت براقش، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
شبكة السلفية
وكتبه/ عبد الحميد.