رائد النهضة الجزارية
الإمام الشهيد عبد الحميد بن باديس
مولده و نسبه:
هو عبد الحميد بن مصطفى بن باديس. ولد ليلة الجمعة 04 ديسمبر 1889 م بمدينة قسنطينة بالشرق الجزائري، و هو الولد البكر لوالديه. والده حفظ القرآن الكريم و من وجهاء المدينة و الشرق الجزائري قاطبة. اشتغل قاضيا و عضوا في المجلس الجزائري الأعلى و العمالي لعمالة قسنطينة. كما كان نائبا عن مدينة قسنطينة مدافعا و داعما مطالب السكان المسلمين.
أما والدته فهي السيدة الفاضلة زهيرة بنت علي بن جلول من أسرة عبد الجليل الشهيرة بالعلم و الجاه و الثراء الواسع.
عائلته :
تعود جذور عائلته إلى القرن الرابع الهجري، حيث كان لها دورها البارز في تاريخ المغرب الإسلامي سياسيا وعلميا و دينيا. و في عائلته رجال كثيرون شغلوا مناصب هامة، فقد تولى الجد الأول للعائلة الأمير بلكين بن زيري بن مناد المكنى بأبي الفتوح منصب السلطة على إفريقيا و المغرب الأوسط و ل يقتصر نفوذ الأسرة على المناصب العليا فقط. فقد عرفت بالعلم الغزير و التفوق فيه خاصة في ميدان القضاء، إذ وجد في الأسرة قاضيان هما أبو العباس حميدة و المكي ابن باديس.
تعليمه :
عرف بن باديس المسجد و المدرسة في سن مبكرة، فقد أتم حفظ القرآن في سن 13 من عمره. وقد أخد مبادئ العربية الإسلامية عن الشيخ حمدان لونيسي و هو من أبرز العلماء آنذاك.
و لما بلغ 19 سنة قرر السفر إلى تونس عام 1908 لمواصلة تعليمه الثانوي و العالي بجامع الزيتونة فثابر على تلقي العلوم حتى حصل على شهادة العالمية بعد أربع سنوات من التحصيل. شرع بعدها في إعطاء دروس لطلبة الجامع الأعظم الزيتونة مدة عام كامل على عادة الطلبة آنذاك قبل أن يعود إلى وطنه. و قد عرف بن باديس بين زملائه و أساتذته بالجد و الاجتهاد.
عاد بن باديس من تونس و كان من المنتظر أن يشغل وظيفته الحكومية والتي كانت تعني العمل في الإدارة الفرنسية على غرار أبناء العائلات الجزائرية الثرية آنذاك.لكنه كان يفكر على نحو مغاير بناء على قناعته أولا و على نصائح أساتذته ثانيا، أمثال الشيخ حمدان لونيسي الذي طالما نصحه بالبعد عن الوظيفة.
رحلاته:
في عام 1913 رحل عبد الحميد بن باديس إلى البقاع المقدسة قاصدا القيام برحلة طويلة إلى بيت الله الحرام ثم المشرق و المغرب. و قد مكث في المدينة المنورة ثلاثة أشهر و بعدها إلتقى الشيخ عبد الحميد بن باديس لأول مرة الشيخ البشير الإبراهيمي العالم و الكاتب و الأديب الجزائري المعروف، و قد عرض عليه الإقامة الدائمة في المدينة المنورة لكن الشيخ حسين أحمد الهندي أشار عليه بضرورة العودة إلى الوطن لحاجته إلى علمه فغادر بن باديس المدينة المنورة طائفا بعدة أقطار عربية و وصل إلى وطنه ممتلئا حماسا و حيوية و باشر التدريس بالجامع الأخضر بعد أن حصل له والده على رخصة من السلطات الفرنسية.
بن باديس و موهبته الشعرية:
لقد كان بن باديس شاعرا موهوبا تخرج قصائده من قلب صادق، لذلك يقال أنه كتب قصائده بدم قلبه، و نجد أن نفسه الثائرة تنبض بالصدق و الإخلاص في كل بيت من أبياته ، كما في قوله:
شعب الجزائر مسلم ***** وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله ***** أو قال مات فقد كذب
وفاته:
إن مهمة الشموع هي أن تنير طريق الآخرين حتى تنطفئ. هكذا عاش بن باديس و كافح بكل طاقته من أجل أهدافه و مبادئه و قد كافح بكل الوسائل ليحرر الشعب الجزائري من الركود و الجهل وقد لفظ أنفاسه الأخيرة ليلة الثلاثاء من ربيع الأول سنة 1359 ه الموافق ل 16 أفريل 1940م في قسنطينة التي كانت مركزا لنشاطه الإسلامي و التربوي و الصحافي و السياسي .
وقد عاش شطرا من حياته محدود الإقامة في مدينة قسنطينة حيث كانت السلطات الفرنسية قد منعت عليه التوجه إلى أي منطقة من مناطق وطننا الكبير. و حزنا عليه خرجت قسنطينة كلها تودعه و تشيع جنازته إلى مثواه الأخير وتكريما له يحتفل الجزائريون كل عام بيوم العلم في 16 أفريل.