الرقية (حكمها، وشروطها، وبدعها)
الشيخ: د. محمد بن غالب العمري
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد.
ما هي الرقية؟
هي الدعاء، بأن يطلب من الله تعالى شفاء المريض، وذهاب العلة عنه، وهو يعدّ من جملة الدعاء كما يقول شيخ الإسلام، وهو استرقاء أي: طلبُ الرقية وفي الحديث؛ يقول عليه الصلاة والسلام:«اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ»
وجاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي الرُّقْيَةِ مِنْ كُلِّ ذِي حُمَةٍ»[رواه مسلم] أي: ذات سُم، فيجوز الرقية منها.
فالرقى الشرعية لا حرج فيها، وقد رقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه، وثبت هذا عن الصحابة رضي الله عنهم في باب الرقية، وعن غيرهم، وهو أمر مشروعلا حرج فيه.
شروط الرقية:
أولا: أن لا تتضمن شركا، كدعاء الأولياء وغيرها
أولاً: أن تكون بكلام الله سبحانه وتعالى، أو بأسمائه وصفاته، أو بما ورد في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ثانياً: أن تكون مفهومة المعنى؛ بأن لا تكون عبارة عن كلمات غير مفهومة كالتمتمة ونحوها.
ثالثاً: أن لا يعتقد أنها مؤثرة بذاتها، فالرقى هي من باب فعل الأسباب، والأسباب لا تؤثّر بذاتها، إذ الـمُسبّب هو الله تبارك وتعالى فهي سبب قد يكتب للعبد بها الشفاء وقد لا يكتب له ذلك، ويعلم العبد أن الشفاء بيد الله جل وعلا, قال تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80]
وقد ثبت في السنة ما يدل على الرقية، كما جاء في الحديث: «بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، وَاللَّهُ يَشْفِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، وَمَنْ كُلِّ عَيْنٍ وَحَاسِدٍ، بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ»[رواه ابن ماجه]
وجاء أيضاً في اللفظ الآخر : «أَذْهِبِ الْبَاسْ رَبَّ النَّاسْ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ، إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا»[رواه البخاري] ونحو ذلك من الأحاديث.
[مسألة] هل يجوز للإنسان أن يطلب من غيره أن يرقيه؟
إن كان فعله في أصله جائز؛ إلا أن طلب الرقية من الغير قادح في تمام التوكّل، لما جاء في حديث السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قال: «هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»[متفق عليه]
"لاَ يَسْتَرْقُونَ" أي: لا يطلبون الرقية.
[وقفة مهمة] لا بد أن نعلم أنّ المسلم قادرٌ على أن يرقي نفسه بنفسه، فلا حاجة الى أن يطلب الرقية من غيره، سواء كان الذي أُصيب به مرض من الأمراض كهذه الأمراض العضوية كالزكام، أو شيء في الدم، أو شيء في المعدة، أو نحو ذلك؛ فيرقي نفسه، قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82].
ويجوز أن يرقي الإنسان نفسه بأيّ آيةٍ من آيات القرآن، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رقى نفسه بالمعوذات، فيجوز للإنسان أن يرقي نفسه بالثلاث المعوذات؛
- الإخلاص.
- الفلق.
- الناس.
وجاء أيضاً في سورة الفلق، وسورة الناس؛ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا)[رواه مسلم] فلهما فضيلة في ذلك.
أو أصابه سحر؛ فإنه يرقي نفسه، ويصبر ويقرأ في سورة البقرة، أو يقرأ في المعوذات، أو يقرأ آية الكرسي، أو نحو ذلك.
ولا يجوز أن يعلّق نفسه بفلان من الناس؛ حتى يظن أن بيده العلاج، أو أن رقيته تشفي أكثر من غيره، أو نحو ذلك من الاعتقادات.
إن ما يفعله الراقي هو ما يستطيع كل واحد منا أن يفعله، فالراقي إنما يقرأ القُرآن، ويرقي بالوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والعجب من بعض الناس؛ ممن يُرسل ماءً، أو زيتاً، أو نحو ذلك، لأجل أن يقرأ فيه الراقي! اقرأ أنت على هذا الماء، أو على هذا الزيت، آية الكرسي، أو المعوذات، وانفث عليه؛ هذه هي الرقية، فلست بحاجة الى أن ترسل الى غيرك، إذ ليس في نفثه بركة، ولا في فعله شيء زائد تعجز أنت عنه، بل قد يكون هذا دليل على ضعفٍ عندك في تمام التوكل، فلابد أن تعتني برقية بنفسك، إلا إذا كان الأمر عسيراً عليك؛ كأن تُغيّبَ عن وعيك, فأنت تحتاج الى من يرقيك، وهنا ينبغي للأهل في البيت أن يعتنوا بأمر الرقية؛ لأن الرقية تدفع وترفع, فهي بإذن الله تدفع ما كان من المرض أو العين أوالحسد، وترفع ما فيك من البلاء بإذن الله سبحانه وتعالى.
وعلى الإنسان أن يحرص على أن يرقي نفسه وأطفاله وأهل بيته، ولا حاجة الى الذهاب الى الرقاة, إلا إذا كان أهل البيت لا يحفظون شيئاً من القرآن.
تنبيه : من الأمور التي ننبه لها أنه ليس عندنا في الإسلام وظيفة لما يسمى بـ(الراقي الشرعي) فلم يرد أن أحدًا من الصحابة جاء في ترجمته: فلان بن فلان الراقي الشرعي، فكل إنسان مسلم يقرأ القرآن فهو راقٍ، يرقي نفسه ويرقي أبناءه.
والآن توسع بعض الناس واتخذ من ذلك تجارة فقد يرقيك دون مقابل، ولكن تبتاع منه زيتا أو ماء مرقيا بمبالغ باهضة، وكل ذلك من التلاعب.
ولا يجوز لمن يرقي الناس أن يعلّق الناس به، فيقول ارجع إليَّ وعندي لك شفاء لا تجده في مكان أو نحو ذلك، بل يعلم الناس أن يرقوا أنفسهم ويرقوا أهليهم .
فلا بد لهؤلاء الرقاة نسأل الله أن يهديهم للخير؛ أن يرشدوا الناس إلى قراءة القرآن والأذكار ولا يطلب منه ماء ولا زيتا ليرقي له، بل يعلمه أن يصنع ذلك بنفسه، ولا يعطيه شيئا من ذلك منه، فليس الماء الذي عنده له خصيصة، إنما هو ماء من المياه التي تُباع، أو تنبع من الأرض أوتنزل من السماء، فخذ أنت أخي المسلم أي ماء واقرأ عليه المعوذات وآية الكرسي والفاتحة هذا هو الماء المرقي.
فالقرآن ليس مختصا بفلان من الناس، اقرأه أنت بيقين أنه كلام الله تبارك وتعالى، وأنه بإذن الله شفاء، وأنت تتيقّن قول الله تبارك وتعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] فهو شفاء وهو رحمة، اقرأ بهذا اليقين، واستعن بالله تبارك وتعالى، إن شُفيت فالحمد لله، وإن لم تشف فهو أمر من الله تبارك وتعالى يمتحن به صبرك، فتلك المرأة أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: (إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا) [متفق عليه], فلا بد أن ينتبه الناس لهذا الباب.
ومن الأمور المهمة في باب الرقية: عدم التوسع في التجارب في باب الرقية؛ حتى صار لكل راق برنامج خاص، فهذا يقول خذ ملح وامش به في الدار فإذا اهتز أو شيء من ذلك فيكون هذا مكان السحر!، ويأتي آخر ويقول ضع سكيناً ونحو ذلك عند رأسك!، هل سنُعيد الخرافات مرة أخرى؟
النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قرأ على مريض ضرب على صدره وقال: (اخرج عدو الله) [رواه ابن ماجه], أما هذا التوسع وهذه التجارب الكثيرة، حتى إن بعضهم صار يأخذ الماء وهو يقرأ على المريض ويصب على رأسه الماء ويقول: (يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ) الحج(19).
هل يليق مثل هذا التشبيه؟ وهذه الطرق التي ليس عليها أثارة من علم.؟
فكل خير في اتباع من سلف ,, وكل شر في ابتداع من خلف
فالاقتصار على ما ورد في السنة وسلف هذه الأمة هو المتعين.
وكذلك من الأخطاء ما يصنعه بعض الرقاة من التوسع في الحوار مع الجن الذي ينطق على سلان المسحور، فيسأل: متى دخلت؟ ومتى خرجت؟ وما اسمك؟ وما اسم أبيك؟ وما دينك؟ ومن أمرك؟
وإنما المطلوب أن تقرأ عليه القرآن، فهو أشد عليه من كل حوار لا نفع فيه.
والجن معروفون بالكذب، فماذا تنتظر منه؟ فربما كذب عليك وقال عمتها هي التي وضعت لها السحر، هنا نكون خرجنا من مشكلة المس الى مشكلة عائلية بسبب جهل هذا الراقي، فلا تدع له فرصة إذا كنت سترقي, أما الخطاب والكلام المتبادل والحوار، هذاغير صحيح وليس هذا موطنه.
أسأل الله أن يعافي كل مبتلى، ويدفع الشر عن كل مهموم مغموم.
والحمد لله رب العالمين
المصدر شبكة بينونة للعلوم الشرعية