لا حديث هذه الأيام لدى الملايين من العمال إلا عن التقاعد النسبي الذي يطالبون ويلحون على ضرورة عودته، وذلك بعد إيداع كل من سلال وأويحيى ورئيس الباترونا حداد، والعديد من الوزراء السجن، وبروز حقيقة أن عصابة كانت تسيير البلاد لسنوات طويلة، ما يعني عدم شرعية كل القرارات المتخذة خاصة بعد سنة 2013.
يرى العديد من العمال الذين يطالبون بعودة التقاعد النسبي، (50 سنة للرجال و45 سنة للنساء)، وذلك قصد إعطاء الفرصة لتوظيف الشباب الذي لا يزال يعاني من عقود ما قبل التشغيل والشبكة الاجتماعية، وغيرها من الوصفات التي اخترعتها العصابة بغية تدمير أجيال بأكملها وليس من أجل القضاء على البطالة، عكس باقي الأجناس التي تحترم شعوبها وتدافع عن حقوقها، ويكفي أن نذكر موقف البرلمانية الأسترالية “لاريسا ووترز” التي حين علمت أن حكومة بلادها قدمت مشروعا من شأنه أن يؤثر على عمال الفحم المنهكين في المناجم، لم تنتظر حتى تكمل إرضاع ابنتها الصغيرة بل أتت على عجالة إلى مقر البرلمان لكي تحمي أولئك المساكين، القابعين في الحفر العميقة بوسط الجبال، وأثناء إلقاء خطابها كانت ترضع طفلتها، لكنها نجحت في الأخير في إيقاف المشروع.
العصابة وراء إلغاء التقاعد النسبي؟
وفي هذا الصدد، فقد أشارت أستاذة قضت نصف حياتها في التدريس بالقول: “لم أكن أدري أن يأتي اليوم الذي أعد فيه الدقائق والساعات والأيام وأرغب في أن يصل عمري إلى سن التقاعد، ليس تعبا من القسم ولكن لهفة على مغادرة ميدان كثرت فيه الحڨرة والتهميش وقلة الاحترام وكان أجدر به أن يكون ميدان محبة وأخوة واحترام وتعاون”، قبل أن تضيف: “وبعد العد وفرحة أننا وصلنا إلى سن التقاعد يتغير كل شيء، بعدما طلب منا العد من جديد ومواصلة الدرب في ظروف صحية ونفسية سيئة، وذلك بعد إلغاء التقاعد النسبي من قبل العصابة” أي بتعبير آخر، فإن حالة العمال في الجزائر “كمثل الذي وصل إلى البحر فوجده جافا”، قبل أن يؤكد عامل في قطاع آخر أنه “ليس قطاع التربية وحده الذي يعاني بل كل القطاعات وخاصة الوظيف العمومي”، موضحا أنه “من جهة العمال أو الموظفين منقسمون إلى صنفين، صنف يعاني من ظروف العمل القاسية ولم يعد يتحمل وصوله إلى هذه السن، أي 50 سنة بالنسبة للرجال، و45 سنة بالنسبة للنساء، وبالتالي يلح على ضرورة إحالته على التقاعد، وهناك الصنف الثاني الذي يعمل في ظروف جيدة ومرتبته ومرتبه جيدان، فلا يبالي ولا يهتم بالتقاعد بل ولا يريد الخروج أصلا”، قبل أن يضيف: “في كلتا الحالتين على أصحاب القرار أن يراعوا ظروف ذلك الموظف الذي يعاني، وذلك إما بتحسين ظروفه إلى أقصى درجة، وإما تركه لحاله والسماح له بالتقاعد النسبي”.
تلميذي أصبح مديري!
فيما لخص عامل آخر معاناة الطبقة الشغيلة بالقول: “قديما كان الإنسان يتمنى أن يبقى صغيرا، ولا تتقدم به السن، لكن اليوم أصبحنا نتمنى أن نكبر، حتى نخرج إلى تقاعد، لكن في نفس الوقت، نسينا شيئا وهو أن الموت أصبح قريبا منا”، وذلك على قول الفيلسوف نيكول زابلوسكي الذي قال: “أولا كنت سأموت لأتخرج من الثانوية وأنضم إلى الجامعة، وبعدها كنت سأموت لأتخرج من الجامعة وأحصل على وظيفة، وبعدها كنت سأموت لأتزوج وأنجب أولادا، وبعدها كنت سأموت حتى يستطيع أولادي دخول المدرسة وأستطيع العودة إلى العمل، وبعدها كنت سأموت حتى أحصل على التقاعد، أنا الآن سأموت وفجأة لاحظت أني نسيت أن أعيش”، فيما أشار أستاذ آخر قائلا: “تلميذي قد يصبح مديري بعد إلغاء التقاعد النسبي”.
من جهة أخرى، يرى العديد من العمال والموظفين بأن مطالب العمال أكبر من التقاعد النسبي، مؤكدين في هذا الصدد على ضرورة إعادة هيكلة الوظيفة العمومي، بالطريقة التي تمكن الموظف من التمتع بتقاعد بنسبة مئة بالمئة مع إمكانية إقامة تجارة أو مشروع بعد التقاعد بالإضافة إلى مطلب توحيد الأجور على مستوى الإدارات “لكون نفس الشهادة التي توظف بها متصرف في البلدية يوظف بها متصرف في الوزارة، بل حتى المفتش في الإدارات المالية ومناصب أخرى تخضع لنفس شروط التوظيف مع تغيير اسم المنصب والأجر، مما يخلق حالة عدم توازن خاصة وأننا جميعا نعمل نفس الوقت مع أن ظروف العمل أحسن بكثير في الوزارة عنها في الإدارات غير المركزية”- يوضح الموظفون في هذا الشأن- الذين يطالبون أيضا بتقليص ساعات عمل الإدارة وبشفافية المناصب العليا وفق الكفاءة والعمل وليس وفق المعرفة والشيتة بالإضافة إلى إدراج منحة النقل والغذاء لكل القطاعات، كما طالبوا بتوحيد المنح كما وكيفا ولكل القطاعات وبترسيم العمال المتعاقدين وحفظ كرامتهم وحقوقهم بما أنهم يقومون بنفس عمل المرسمين، وكذا تمديد عطلة الأمومة لـ 6 أشهر مدفوعة الأجر، وتمتع الأم المرضعة بـ 3 ساعات الرضاعة طيلة 12شهرا الموالية، بالإضافة إلى مطلب تعميم الحق في السكن على جميع القطاعات.
اقتطاع رغم الإلغاء
من جهة أخرى، فقد أشار العديد من الموظفين إلى أن صندوق الضمان الاجتماعي للأجراء لا يزال يقتطع 0.25 من رواتب الموظفين والعمال، المخصصة للتقاعد النسبي، علما أن صندوق الضمان الاجتماعي يقتطع ما قيمته 9 بالمائة 0.2 منها من أجل التقاعد النسبي، في حين إن التقاعد النسبي قد ألغي بالقانون رقم 15/16 المؤرخ في 31 ديسمبر 2016 المعدل والمتمم للقانون 833/12 المتعلق بالتقاعد كما يرى المتحدثون بأن العجز المالي الذي يعاني منه صندوق التقاعد ليس راجعا إلى خروج العمال للتقاعد المسبق إنما بسبب سياسة التسيير للمؤسسات العامة والخاصة والمراقبة الدورية للهيئات المعنية التي لم تؤد دورها الحقيقي، و”هذا هو السبب الرئيس لما سمي بالعجز”- يقول هؤلاء قبل أن يضيفوا: “إهدار المال العام بالطرق المعروفة والمعلنة بعد حراك 22 فيفري تؤكد دحر المزاعم” قبل أن يتساءلوا: “هل طرق التشغيل والتوظيف تطبق فيها المعايير القانونية؟.. وهل كل العمال والموظفين سواسية في الحقوق والواجبات؟.. وهل المنح والعلاوات لها نفس المقاييس في كل القطاعات من الشمال إلى الجنوب؟”.
وقد أكد الموظفون والعمال في النهاية أنه “حتى يتسنى لخريجي الجامعات وعمال الإدماج وشبكة التوظيف الحصول على مناصب عمل دائمة، فعلى الحكومة تسريح كل عامل عمل 32 سنة وبتعبير آخر فإن التقاعد النسبي، لا يخدم فئة العمال فقط بل يعني أيضا العاطلين ذوي الشهادات لكون “تقاعدي يفسح لغيري المجال كي يتحصل على منصب عمل دائم”، يقول أحد العمال.