هل يصح أن يأخذ من رجل مالا ويسدده أرزا ؟
السؤال
: جرت عندنا أن المزارع عندما يدفع دينه لصاحب النقود ( ما يسمى الدائن) وأراد أن يدفع دينه، يدفع بالأرز المعينة بدلا عن النقود. فمثلا استقرض 4 آلف نقودا من صاحب المال وإذا جاء حصاد الأرز في هذا الشهر يدفع له بواحد كيس من الأرز والكيس الواحد يعتبر بألف .
كذلك إذا الشهر القادم في نفس الطريقة حتى يفي دينه. فما حكم مثل هذه المعاملة؟ جزاكم الله خيراً ونفع بكم الأمة
الجواب :
الحمد لله
أولا :
إذا اتفق الطرفان ، فقال المزارع أو التاجر لصاحب المال : أعطني أربعة آلاف على أن أعطيك بعد شهر كيسا من الأرز ، ثم في الشهر الثاني كيسا وكذا في الثالث والرابع .
فهذه المعاملة صحيحة ، وهي صورة من صور البيع ، وليست قرضا ، وتسمى "السلم" ، وقد كان الصحابة في المدينة يتعاملون كذلك وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث ، فقال : (من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ، ووزن معلوم ، إلى أجل معلوم) رواه البخاري (2240) ومسلم (4202) .
وبيع السَّلَم له شروط يجب الالتزام بها حتى يكون البيع حلالاً صحيحاً ، منها :
1- أن يُدفع الثمن مقدما كاملا في مجلس العقد ، ولا يؤخر منه شيء .
2- أن يكون العقد على مقدار معين معلوم من الأرز ، وأن يتم الاتفاق على الأوصاف المهمة التي تؤثر في الثمن ، حتى لا يقع نزاع بين البائع والمشتري فيما بعد .
فلا تصح المعاملة :
- إن كان الوصف ناقصا .
- أو كان العقد مرتبطا بثمن الأرز يوم الحصاد ، كأن يقول له : سأحصد الأرز وانظر قيمته في السوق ثم أدفع لك ما يساوي ألفا ، فهذا يعني أن العقد قد تم مع جهالة الثمن ، وهذا لا يجوز لما فيه من الجهالة والغرر .
3- أن يحدد موعد تسليم الأرز .
ودليل هذه الشروط حديث ابن عباس السابق : (مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ).
قال ابن بطال رحمه الله: "أجمع العلماء : أنه لا يجوز السلم إلا في كيل معلوم ، أو وزن معلوم ، فيما يكال أو يوزن .
وأجمعوا : أنه إن كان السلم فيما لا يكال ولا يوزن ، فلا بد فيه من عدد معلوم .
وأجمعوا أنه لا بد من معرفة صفة الشيء المسلم فيه"
انتهى من "شرح صحيح البخاري" (6/365) .
فإذا كان الاتفاق بينكما على هذه الصورة ، بحيث يكون الثمن معلوما ، مقبوضا في مجلس العقد ، والأرز معلوما مقداره ، موصوفا وصفا كافيا ، والأجل معلوما محددا = فالعقد صحيح .
ثانيا :
في السؤال احتمال أن تكون هذه المعاملة قرضا .
وصورتها أن المزارع أو التاجر يستدين المال ، على أن يسدده نقودا كما أخذ ، ثم لما جاء يوم السداد قال له : سأعطيك بدله أرزا بقيمة الألف التي سأسددك إياها الآن .
فهذه الصورة جائزة ولا مانع منها بشرط ألا يكون ذلك بناء على شرط سابق أن يكون الأداء أرزا بدل النقود ، وألا يكون العرف جرى بتلك المعاملة في بلدكم ، وأن تكون المبادلة بسعر الأرز يوم السداد، وليست بأكثر .
والله أعلم .