القرضاوي وفتوى العمليات الانتحارية
أعلن الدكتور يوسف القرضاوي تراجعه عن فتواه القديمة بجواز العمليات الانتحارية، وذلك في اللقاء الذي أجراه معه تلميذه الدكتور سلمان العودة، وبثته القناة الإخوانية (الحوار)، ولم يكن تراجعه عنها تراجعا كاملا وإنما جعلها منوطة بالضرورة ذلك القيد الذي يجعل المُنتحر الذي يفخخ نفسه ليقتل الأبرياء والمدنيين هو الذي يقدر تلك الضرورة، فالداعشي حين يقرر أن يحشو جسده بالمتفجرات ليقتل رجال الأمن والمدنيين؛ يرى عمله من أعمال الضرورة لإقامة دولة الإسلام ومقاومة الكفر كما يزعم، لأنه يملك التكييف الشرعي الذي تطوّع به الدكتور يوسف القرضاوي في لحظة مراهقة
هكذا بكل بساطة يتراجع عن الفتوى الدموية التي أرسلت المئات من الشباب للموت، ويتذكر الآن بعد أن بلغ به الكبر عتيا أنه كان مخطئا دون اعتذار لدماء من طبقوا فتواه أو يعتذر للأمهات اللاتي فجعت قلوبهن بفقدان فلذات أكبادهن حين صدقوه ووثقوا به ونفذوا فتواه، آملين أن يفيقوا على أحضان الحور العين كما منّاهم القرضاوي، ودون أن يفكر أحد بأن يسأله عنها أو يفكر أحد بأن يلاحقه قضائيا، فكل ما في الأمر أن يعلن عن تراجعه عنها وتنتهي بذلك القصة وتطوى صفحات من الألم والإرهاب الأعمى الذي سببته تلك الفتوى السوداء.
كيف فجأة أصبح الحلال حراما ؟ هل تغيرت الشريعة التي نعرفها أم تبدلت مقاصدها؟ لا أحد من رموز الإسلام السياسي يجيبنا عن ذلك بعد أن أصبحت الفتوى أداة للصراع السياسي طوّعتها جماعات الإسلام السياسي لمحاربة الأنظمة السياسية وإسقاطها دون استشعار لخطورة الفتوى التي هي أشبه بالرصاصة؛ تخترق الزمان والمكان ولا يمكن إبطال مفعولها بمجرد تراجع يذاع على فضائية أو ينشر في مطبوعة، وإنما تظل كامنة خاملة يُضخ فيها الحياة متى ما نشطت جماعات العنف المسلح لتكون مخلبا مسموما تنهش بها الآمنين المطمئنين، فمتى نمتلك الشجاعة والإرادة للتصدي للعابثين بديننا وبشريعتنا الذين اختطفوها فحرضوا شبابنا على أوطانهم وأرسلوهم إلى الموت على متن فتاوى سوداء دموية ثم تجدهم فجأة يتنصلون منها، يفعلون ذلك المرة تلو الأخرى دون حسيب أو رقيب، لقد استمرأوا ذلك لأنهم واثقون بأنهم لن يجدوا من يصرخ في وجوههم (لا تصدقوهم؛ إنهم يكذبون).