لمحكمة الجنائية الدولية ( icc ) وعلاقتها بمجلس الأمن - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

لمحكمة الجنائية الدولية ( icc ) وعلاقتها بمجلس الأمن

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-06-05, 22:08   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
theking_oflove901
عضو جديد
 
الصورة الرمزية theking_oflove901
 

 

 
إحصائية العضو










B11 لمحكمة الجنائية الدولية ( icc ) وعلاقتها بمجلس الأمن

ــــــــــــــــــــــــعنوان البحث :
المحكمة الجنائية الدولية ( ICC ) وعلاقتها بمجلس الأمن
" دراسة تتضمن قراءة في قرار مجلس الأمن رقم 1593 (2005 ) بشأن دارفور "

بحث مقدم إلى الندوة الدولية حول :
المحكمة الجنائية الدولية " الدائمة "
( الطموح – الواقع – وآفاق المستقبل )
أكاديمية الدراسات العليا – طرابلس

الفترة من 10 إلى 11 / أي النار / 2007

إعداد:
الدكتور : محمد هاشم ماقورا
أستاذ القانون الجنائي
كلية القانون – جامعة الفاتح
وأكاديمية الدراسات العليا
طرابلس – ليبيا
‏2007‏

مقدمة
لعله من الملائم الإشارة بَادِئَ ذي بِدِء ، إلى أن هذا البحث يعد حصيلة لمتابعتنا لأعمال مؤتمر الأمم المتحدة للمفوضين ، الذي عُني بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية ( روما : يونيو / يوليه 1998 ) ، وذلك من خلال عضويتنا في الوفد الذي شَرُفَ بالمشاركة في فعاليات ذلك المؤتمر ممثّلا لبلدي ليبيا .
و يعد كذلك حصيلة لمتابعتنا – من خلال عضوية الوفد الليبي أيضاً – للمناقشات والمفاوضات التي جرت في الدورات العشر التي عقدتها اللجنة التحضيرية ( الثانية ) للمحكمة الجنائية الدولية في نيويورك خلال الأعوام من 1999 إلى 2002 م.
وفضلاً عما تقدم يعد هذا البحث كذلك ثمرة لتجربتنا المتواضعة في تدريس مادة القانون الدولي الجنائي منذ عام 1998م في بعض المؤسسات الأكاديمية في طرابلس ؛ وخاصة جامعة الفاتح ، وأكاديمية الدراسات العليا ، وجامعة السابع من إبريل .
موضوع البحث:
كما هو واضح من العنوان الرئيسي للبحث ، يدور هذا الأخير من الناحية النظرية حول : المحكمة الجنائية الدولية وعلاقتها بمجلس الأمن ، ولكنه سيعني أيضاً بإلقاء نظرة تحليلية – تقييميه في نفس الوقت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم ( 1593 ) لسنة (2005) ، بشأن إحالة الوضع القائم في دار فور – السودان إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية ( الدائمة ) باعتبار أن هذا القرار يعد نموذجاً للتطبيقات العملية للعلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن .
ومن المعلوم أن مجلس الأمن الدولي جهاز سياسي مؤلف منذ أول عام 1966 وحتى الوقت الراهن من (15) خمسة عشر عضواً ، منهم خمسة دائمون ( الصين ، روسيا ، أمريكا ، فرنسا ، بريطانيا ) ، كما أنه يعد بموجب الفقرة الأولى من المادة السابعة ( 7/1 ) من ميثاق الأمم المتحدة من بين الفروع الرئيسية الست للأمم المتحدة وهي : الجمعية العامة ، مجلس الأمن ، المجلس الاقتصادي والاجتماعي ، مجلس الوصاية ، محكمة العدل الدولية ، والأمانة العامة .
وأما المحكمة الجنائية الدولية فهي – كما سنرى تفصيلاً في المبحث الأول من هذا البحث – جهاز قضائي جنائي دولي مكمل للولايات القضائية الجنائية الوطنية. وقد أنشأت هذه المحكمة عام 1998 بموجب اتفاقية دولية تسمى ( نظام روما الأساسي ) بشأن المحكمة الجنائية الدولية ، وذلك لكي تكون محكمة دائمة ومستقلة مقرها من لاهاي – هولندا ، وتملك – أي هذه المحكمة – سلطة ممارسة اختصاصاتها ، في الوقت الراهن ، على الأشخاص الطبيعيين مرتكبي الجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره وهي : الإبادة الجماعية ، وجرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية ، وجريمة العدوان .
نطاق البحث :
دراستنا لموضوع البحث ستكون في جانبها النظري مختصرة بالقدر الذي يسمح فقط بإعطاء فكرة عامة عن المحكمة الجنائية الدولية ، وإبراز أهم مظاهر العلاقة بينها ومجلس الأمن .
وأما عن التطبيقات العملية لهذه العلاقة ، فان بحثنا سيكون محصوراً في نطاق قرار مجلس الأمن رقم (1593) لسنة (2005) بشأن دارفور ، الذي يعد نموذجاً للتطبيق العملي لحق مجلس الأمن – بموجب الفقرة ب من المادة 13 من نظام روما الأساسي – في إحالة حالة إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية .
وعليه سيخرج عن نطاق بحثنا قرار مجلس الأمن رقم (1422) لسنة (2002) ، الذي يعد نموذجاً للتطبيق العملي لحق مجلس الأمن – بموجب المادة 16 من نظام روما – في أن يطلب إلى المحكمة الجنائية الدولية إيقاف الإجراءات الجنائية المتعلقة بالتحقيق أو المقاضاة لمدة 12 شهراً قابلة للتجديد بنفس الشروط المنصوص عليها في نفس المادة 16 .
إشكالية البحث :
الإشكالية الرئيسية للبحث تدور حول التالي :
- لماذا أنشأت المحكمة الجنائية الدولية ، على الرغم من وجود محكمة العدل الدولية التي يزيد عمرها الآن عن (55) عاما ؟
- وما هي مبررات القول بضرورة وجود علاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن ؟
- وما الذي يضمن عدم اختلال علاقة التوازن المطلوبة بين الاختصاص الجنائي للمحكمة الجنائية الدولية من جهة ، والطبيعة السياسية التي قد تميّز تصرفات مجلس الأمن من جهة أخرى ، خاصة في حالة لجوء هذا الأخير إلى الممارسة الخاطئة للحقوق والسلطات المخولة له بموجب نصوص في نظام روما الأساسي .
- وأخيراً ما هي التحديات التي قد تواجه المحكمة الجنائية الدولية ، خاصة في علاقتها مع مجلس الأمن ، الذي بدأ في السنوات الأخيرة يعتمد بشكل ملحوظ عند معالجته للقضايا الدولية على سياسة العدالة المزدوجة المعايير ، أي سياسة الكيل بمكيالين أو العدالة الانتقائية ؟
منهج البحث :
سنعتمد في دراستنا لموضوع البحث على منهجين : أولهما المنهج التحليلي الذي سنستخدمه في التعريف بالمحكمة الجنائية الدولية ، وكذلك في إبراز أهم مظاهر العلاقة بينها ومجلس الأمن ، وكذلك أيضاً في إعطاء لمحة عن مضمون قرار مجلس الأمن رقم (1593 ) لسنة ( 2005 ) ، والأسانيد التي ارتكز عليها المجلس في اتخاذه لذلك القرار . وأما المنهج الثاني الذي سنعتمد عليه أيضاً فهو المنهج النقذي الذي ، سنستخدمه في إلقاء نظرة تقييمية على القرار المذكور أعلاه .
خطة البحث :
.... وعلى هدى مما ذكر آنفاً ، سنقوم بدراسة الموضوع في ثلاثة مباحث ؛ سنخصص الأول منها لإعطاء فكرة عامة عن المحكمة الجنائية الدولية . أما الثاني فسنعرض فيه علاقة المحكمة الجنائية الدولية بمجلس الأمن . وأما المبحث الثالث فسنحاول من خلاله إلقاء نظرة تحليلية تقييمية في قرار مجلس الأمن رقم 1539 (2005) .
والواقع أننا لا نزعم أن المعالجة سوف تحيط بكل ما يثيره موضوع البحث من إشكاليات فرعية ، ولا أنها سوف تجيب على كل ما يثور بصدده من تساؤلات ؛ فالموضوع بحق يرتبط بمشكلات عديدة في القانونين الدولي العام والجنائي . ولهذا فأنا نأمل أن يحقق هذا البحث بعضاً من الفائدة المرجوة من وراء عقد هذه الندوة الفكرية التي تنظمها أكاديمية الدراسات العليا طرابلس .

وهكذا ستكون خطة دراستنا للموضوع على النحو التالي :
المبحث الأول : التعريف بالمحكمة الجنائية الدولية ( الدائمة ) .
المبحث الثاني : علاقة المحكمة الجنائية الدولية بمجلس الأمن .
المبحث الثالث : قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1593 ( 2005 ) بشأن دارفور من الناحيتين التحليلية والتقييمية .
وفيما يلي تفصيل ذلك :

المبحث الأول
التعريف بالمحكمة الجنائية الدولية
( ICC )
مقدمة :
كما المحنا إلى ذلك من قبل في المقدمة العامة للبحث ، رأينا ملاءمة التعريف ابتداء بالمحكمة الجنائية الدولية ( الدائمة ) ، قبل الخوض في التفاصيل المتعلقة بالعلاقة بينها ومجلس الأمن من الناحتين النظرية والتطبيقية .
والحقيقة هي أن إفرادنا لهذا الحيّز من البحث للتعريف بالمحكمة الجنائية الدوليـة ، يعبّر عن رغبة ومسعى نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا في بلوغه ؛ ذلك هو ألاّ يقتصر الاطلاع على هذا النتاج العلمي المتواضع على الباحثين والمشتغلين في مجال القانون فحسب ، وإنما نأمل أيضاً أن يطلع عليه عامة الأفراد من مختلف الشرائـح ، وبصرف النظر عن حظهم من الثقافة القانونية ، والدراسة الأكاديمية المتخصصة ، نظراً لأن المحكمة الجنائية الدولية موضوع يتسم بالخطورة والحداثة في نفس الوقت ، كما أنه مصدر جدل عنيف ، وقد شغل – وما زال يشغل – وقد يشغل الرأي العام لفترة زمنية طويلة قادمة .
وعليه فاننا سنحاول التعريف بالمحكمة الجنائية الدولية ( ICC ) من خلال مطلبين اثنين . نخصص أولهما ، لإعطاء فكرة عامة عن المحكمة الجنائية الدولية ، وأما الثاني فسنخصصه لعقد مقارنة سريعة بين المحاكم الجنائية الدولية الدائمة والمؤقتـة .





المطلب الأول
فكرة عامة عن المحكمة الجنائية الدولية
تمهيد :
في هذا الجانب من البحث سنحاول – كما سبقت الإشارة إلى ذلك – اعطاء فكرة عامة عن المحكمة الجنائية الدولية ، وقد رأينا ملاءمة أن يكون ذلك من خلال طرح بعض الأسئلة والإجابة عنها على النحو التالي :
أولاً : متى طرحت لأول مرة فكرة القضاء الجنائي الدولي ؟
ربما تبادر إلى ذهن البعض أن فكرة القضاء الجنائي الدولي وليدة ما يعرف اصطلاحا بالعولمة وأنها مظهر من مظاهرها .
والواقع أن هذا الظن – أو وجد – خاطئ . صحيح أن المحاكم الجنائية الدولية القائمة حالياً أنشأت جميعها بعد بداية عصر العولمة ( Age of Globlittiom ) أي في العقدين الآخرين من القرن الماضي وبداية القرن الحالي ، غير أن فكرة القضاء الجنائي الدولي ( الفكرة غير تطبيقاتها ) ليست حديثة العهد بها ، بل هي قديمة نسبياً تعود إلى ما يزيد على مائة وثلاثين عاماً ونيف ؛ ( 133 عاماً ) ؛ فالأبحاث في مجال تاريخ القانون الدولي الجنائي تفيد أن أول اقتراح بشأن إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة ، تمثَّل في مشروع اتفاقية دولية بشأن إنشاء هيئة قضائية دولية لملاحقة ومحاكمة ومعاقبة أي مخالف لاتفاقية جنيف المؤرخة في 22 أغسطس 1864 ، وقد أعدّ هذا المشروع غوستاف موانييه في جنيف عام 1872 م .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا المقترح لم يتجسد عمليا آنذاك ، وبقي الوضع ساكناً منذ ذلك التاريخ حتى نهاية الحرب العالمية الأولى في نهاية العقد الثاني من القرن الماضي ، حيث بذلت في عام 1919 محاولات لإحياء وتجسيد فكرة القضاء الجنائي الدولي وإجراء محاكمات بناء على اتفاقية فرساي 1919 ( المادة 227 ) ، غير أن تلك المحاولات باءت بالفشل هي الأخرى ، إذ لم تتمكن المحكمة الدولية التي أنشأت لمحاكمة قيصر ألمانيا آنذاك غيلوم الثاني وكبار معاونيه من ممارسة اختصاصاتها لأسباب لا يتسع المقام هنا لذكرها .
ثانياً : متى وأين ولماذا أنشأت المحكمة الجنائية الدولية ( الدائمة ) ؟ :
أنشأت المحكمة الجنائية الدولية في 17/7/1998 لمحاكمة الأفراد عن أشد الجرائم خطورة على المجتمع الدولي كالإبادة الجماعية ، وجرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية . وقد أنشأت هذه المحكمة بموجب اتفاقية دولية أبرمت خصيصاً لهذا الغرض تعرف باسم نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ( Rome Statute of the International Criminal Courte ) هذا النظام الذي اعتمده في روما مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المعني بإنشاء محكمة جنائية دولية في 17/7/1998م .
وجدير بالذكر أنه شاركت في فعاليات المؤتمر المذكور وفود ( 160 ) دولة من بينها وفود كافة الدول العربية ، وقد طرح مشروع النظام الأساسي للمحكمة Draft للتصويت عليه يوم 17/7/1998 ، وكانت النتيجة : موافقة 120 دولة ، واعتراض سبع دول من بينها أمريكا وإسرائيل والصين ، و امتناع 21 دولة عن التصويت ، ولا يضيف جديدا القول بأن بلادي الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية لم تكن بالتأكيد من بين الدول الـ 120 التي وافقت على مشروع النظام الأساسي عند طرحه للتصويت عليه في مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المعني بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1998 .
أما عن الشق الثاني للسؤال لماذا أنشأت المحكمة الجنائية الدولية ( الدائمة ) فقد رأينا الإجابة على ذلك باختصار من خلال ما سيرد ذكره في النقاط التالية :
أ ) في عام 1945 تعهد المجتمع الدولي بالا تتكرر فظائع وأهوال الحربين العالميتين الأولى والثانية ، ورغم ذلك فإن النصف الثاني من القرن الماضي وبداية القرن الحالي شهدا أسوأ مظاهر العنف في تاريخ البشرية ؛ ففي العقود الستة الأخيرة من الزمن نشب ما يزيد عن 250 نزاعاً مسلحاً على المستويات المحلية والإقليمية والدولية ، وقد أسفر عن تلك الصراعات قتل أكثر من 86 مليون شخص ، كما تسببت أيضاً في إهدار حقوق أكثر من 170 مليون شخص آخرين أو حرمانهم من ممتلكاتهم .
ولعل الأسوأ في ذلك كله أن نسبة قليلة من مرتكبي تلك الجرائم تمت محاكمتهم بالفعل ، أما الغالبية فقد تمكنوا من الإفلات من العقاب ، إما بسبب المواقف السلبية لبعض الدول تجاه ما اقترفوه ، أو لأنه بدلاً من توجيه الاتهام لهم تمكنوا من الاستفادة من موانع العقاب بحكم القانون dejure أو بحكم الواقع Difacto .
ب ) من المعلوم أن محكمة العدل الدولية أقدم - بالنظر إلى تاريخ الإنشاء – من المحكمة الجنائية الدولية ، ولهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا هو : لماذا الحاجة إلى محكمة دولية جديدة ؟ وبعبارة أخرى لماذا لم يكتفي بمحكمة العدل الدولية على الرغم من أنها محكمة قديمة ، كما أنها محكمة دولية ودائمة في نفس الوقت ؟
الواقع أن الاكتفاء بمحكمة العدل الدولية في مجال مكافحة الجرائم الدولية غير ممكن البتة ؛ نظراً لأن اختصاص هذه المحكمة ليس جنائياً على الإطلاق ؛ فمحكمة العدل الدولية تختص فحسب بفض المنازعات بين الدول بالطرق السلمية ، كما أنها تقوم بدور إفتائي واستشاري خاصة في مجال تفسير نصوص المعاهدات والاتفاقيات الدوليـة . وبالتالي فإن محكمة العدل الدولية لا يمكن أن تكون بديلاً عن المحكمة الجنائية الدولية .
ج ) إن عدم إنشاء محكمة جنائية دولية كان من شأنه أن يفسح المجال أمام مجلس الأمن الدولي لكي ينشأ المزيد من المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة ( Ad hoc ) على غرار محاكم : يوغسلافيا السابقة ورواندا وسيراليون . وقد دلت التجربة أن إنشاء مثل هذه المحاكم المؤقتة واجهته في الغالب العديد من المشاكل السياسية والعملية التي هددت بفشلها .
ثالثا : هل شهد العالم قبل وبعد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ( Permememt ) إنشاء محاكم جنائية دولية مؤقتة ( Adhoc ) ؟ :
الإجابة لا يمكن أن تكون إلاّ بالإيجاب ؛ فقد شهد العالم قبل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ( Icc ) عام 1998 إنشاء عدة محاكم جنائية مؤقتة ، بعضها أضحى في ذمة التاريخ كمحكمتي نورمبرج 1945 وطوكيو 1946 ، وبعضها مايزال قائما كمحكمتي يوغسلافيا السابقة ( ICTFY ) ورواند ( ICTR ) .
وأما بعد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1998 ، فقد شهد العالم في عام 2002 إنشاء محكمة جنائية دولية مؤقتة جديدة هي المحكمة الخاصة لسير اليون ( SCS ) .
ومن المرتقب أن يشهد العالم أيضاً في الأشهر القليلة القادمة إنشاء محكمة جنائية دولية مؤقتة جديدة ستعنى بمحاكمة من سيتهمون باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري وآخرين .
ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن هو : لماذا أنشأت محكمة سيراليون – وهي محكمة مؤقتة كما أسلفنا القول – عام 2002 ، أي بعد أربع سنوات من تاريخ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة عام 1998 ؟
لا يمكن فهم السبب في ذلك إلا إذا عرفنا أولاً متى دخل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيز النفاذ ؟ وما هي الآثار المترتبة على ذلك . بمعنى أنه لا يسعنا إدراك لماذا لم يتقرر إحالة المتهمين بارتكاب جرائم في سيراليون بالمخالفة للقانون الدولي الإنساني إلى المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ، ما لم نعرف أولاً ما هي حدود تطبيق نظام روما الأساسي من حيث الزمان . وهذا ما سنحاول إيضاحه في البند التـالي .
رابعاً : متى دخل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ) ICC ) حيز النفاذ ؟ وماهي الآثار المترتبة على ذلك ؟ :
نصت المادة 126 / 1 من نظام روما الأساس بشأن المحكمة الجنائية الدولية على أن ( 1- يبدأ نفاذ هذا النظام الأساسي في اليوم الأول من الشهر الذي يعقب اليوم الستين من تاريخ إيداع الصك الستين للتصديق أو القبول أو الموافقة أو الانضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة .... ) .
ويستفاد مما تقوم أن دخول النظام الأساسي حيز النفاذ يتطلب توافر شرطين : أولهما تصديق 60 دولة على الأقل على النظام الأساسي . وثانيهما انقضاء فترة من الزمن تفصل بين تاريخ إيداع الصك الستين وتاريخ دخول النظام الأساسي حيز النفاذ بالفعل .
وفي هذا السياق جدير بالذكر أن النصاب المطلوب من التصديقات لدخول النظام الأساسي حيز النفاذ اكتمل في الحادي عشر من الشهر الرابع عام 2002م .
وبناء على ذلك ، وتطبيقاً للضوابط في المادة 126/1 من النظام الأساسي ، فإن هذا الأخير دخل حيز النفاذ في 1/07/2002م .
ومما لا شك فيه أن هذا التاريخ مهم للغاية ، لأن من نتائجه ما يلي : سوف لن يكون للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص علي أية جريمة من جرائم : الإبادة الجماعية ، وجرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت قبل 01/07/2002 . أما وقع أو سيقع من هذا الجرائم بعد هذا التاريخ فانه يدخل ضمن اختصاصها الزمني ، ولو تبين أن المحكمة لم تتمكن من مباشرة اختصاصاتها بصورة فعلية وعملية إلا بعد عدة شهور أو سنة أو سنتين من تاريخ دخول النظام الأساسي حيز النفاذ ( وهذا ما يعرف اصطلاحا بالأثر الرجعي لنظام روما ، ولكن من 1/07/2002 ) .
وما دمنا في مجال الكلام عن أثر دخول النظام الأساسي حيز النفاذ في 1/07/2002 ، فمن الجدير بالذكر أيضاً أنه من المؤكد بموجب نص صريح في النظام الأساسي أن هذا الأخير سوف لن يسري على الدول التي ستصدق أو ستنضم إليه مستقبلاً بأثر رجعي بداية من 1/7/2002 ؛ فالنظام الأساسي سوف يسري على الدولة التي ستصبح طرفاً في هذه الاتفاقية مستقبلاً فقط بداية من اليوم الأول من الشهر الذي سوف يلي الستين يوماً من تاريخ إيداع تلك الدولة بالذات صك تصديقها أو انضمامها .
خامساً : ما هو حجم التأييد للمحكمة الجنائية الدولية ( الدائمة ) ؟ وبعبارة أخري كم عدد الدول التي وقعت ، وعدد تلك التي صدقت أو انضمت إلى النظام الأساسي إلى حد الآن ؟ :
بادئ ذي بِدِء تجدر الإشارة إلى أن التوقيع ليس هو الإجراء الذي تصبح به دولة ما طرفا في اتفاقية دولية ، بل إن الإجراء الذي تصبح به كذلك هو التصديق أو الانضمام للاتفاقية .
ومن المعلوم أن التصديق والانضمام يتفقان من حيث الأثر المترتب عليهما وهو صيرورة الدولة المصدقة أو المنضمة طرفا في الاتفاقية الدولية ، غير أن الفرق بينهما يكمن في أن التصديق يتطلب وجود توقيع سابق على الاتفاقية ، في حين أن الانضمام لا يتطلب التوقيع المسبق على الاتفاقية من قبل الدولة الراغبة في أن تصبح طرفاً فيها .
وفي باب الكلام عن واقع التوقيع والتصديق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نرى من الملائم الإشارة هنا باختصار إلى أن باب التوقيع على النظام الأساسي فتح في مقر وزارة الخارجية الإيطالية في روما بتاريخ 18/7/1998 م وقفل في مقر الأمم المتحدة بنيويورك بتاريخ 31/12/2000م - وهذا يعني أنه لا مجال الآن للتوقيع عليه بالنسبة للدول التي لم توقع وقت أن كان باب التوقيع على النظام الأساسي للمحكمة مفتوحاً – وخلال هذه الفترة وقعت على النظام الأساسي 139 دولة من بين الدول 160 التي شاركت في مؤتمر روما عام 1998 .
وهنا تنبغي الإشارة إلى أن عدد الدول العربية التي وقعت على النظام الأساسي وقت أن كان باب التوقيع عليه مفتوحاً بلغ 13 دولة هي : البحرين – جزر القمر – جيبوتي – الجزائر – مصر – الأردن – الكويت – المغرب – عمان – سوريا – الإمارات العربية المتحدة – السودان – اليمن . أما في باقي الدول العربية فهي لم توقع أصلاً على النظام الأساسي للمحكمة .
هذا عن التوقيع على النظام الأساسي ، وأما عن التصديق أو الإنضمام إليه ، فيلاحظ أن عدد الدول التي قامت بإيداع وثائق تصديقها على الاتفاقية أو انضمت إليها بلغ عددها حتى تاريخ 26/02/2006م ( 101 ) دولة ، من بينها دولتان عربيتان فقط هما الأردن وجيبوتي ، ويلاحظ أيضاً أن اثنين فقط من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن صدقت لحد الآن على النظام الأساسي للمحكمة ، وهما فرنسا ، والمملكة المتحدة .
سادساً : لماذا اعترضت بعض الدول على النظام الأساسي عند طرحه للتصويت عليه في مؤتمر روما الذي عني بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1998م :
ذكرنا من قبل أن عملية التصويت على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تمت في مؤتمر روما عام 1998 بدون تسجيل أسماء الدول التي شاركت في التصويت ( تصويت رقمي فحسب ) ، وبالتالي لم تعرف على وجه التحديد أسماء الدول السبع التي صوتت ضد النظام الأساسي للمحكمة .
ومع ذلك ، فإن ثلاث دول على الأقل هي : الصين ، والولايات المتحدة الأمريكية ، وإسرائيل ، صرحت علنا بأن لديها أسباباً محددة دفعتها للتصويت ضد النظام الأساسي ؛ فالصين من وجهة نظرها رأت ، أن السلطات الممنوحة للدائرة التمهيدية ( Pre-trial chamber ) بموجب النظام الأساسي من أجل مراقبة مبادرات ونشاطات المدعى العام للمحكمة غير كافية . وذهبت أيضاً إلى أن تبنىّ النظام الأساسي كان من المفروض أن يكون بتوافق الآراء ( Consensus ) وليس عن طريق التصويت كما حصل بالفعل .
وأما الولايات المتحدة الأمريكية ، فإن اعتراضها الجوهري على النظام الأساسي كان منصباً على الفقرة 2 من مادته الثانية عشرة ، التي تنص ضمن جملة أمور أخرى على ما معناه : أنه يشترط لكي تمارس المحكمة اختصاصها أن تكون الجريمة قد ارتكبت ؛ إما داخل النطاق الإقليمي لدولة طرف ولو كان مرتكبها أحد مواطني دولة غير طرف ، أو على الأقل أن تكون الجريمة قد اقترفت من قبل شخص يحمل جنسية دولة طرف . فالولايات المتحدة الأمريكية تعترض على المعيار الأول ، وتصر على ألا يمثل أي مواطن أمريكي أمام المحكمة الجنائية الدولية طالما أنها – أي أمريكا – ليست دولة طرف في نظام روما الأساسي . وقد أشرنا من قبل إلى أن أمريكا ما تزال إلى تاريخ أعداد هذا البحث ترفض التصديق أو الانضمام إلى اتفاقية روما بشأن المحكمة الجنائية الدولية ، بل أنها هددت بسحب توقيعها .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى يلاحظ أن أمريكا اعترضت على النظام الأساسي للمحكمة بسبب أن هذا الأخير جاء خلوا من أي نص يقرر صراحة الاعتراف بدور مجلس الأمن في تحديد ما إذا كانت الواقعة أوالوقائع التي ستعرض على المحكمة مستقبلاً تشكل عدواناً من عدمه ؟ فأمريكا تصر على أن يكون هذا التقرير ضمن دائرة الاختصاص الحصري لمجلس الأمن وليس المحكمة الجنائية الدولية أو غيرها ، وإلا فإنها – أي أمريكا – سوف لن تكون طرفاً في نظام روما الأساسي .
وأما إسرائيل ، فإنها اعترضت على النظام الأساسي بسبب إدراج نقل السكان داخل الإقليم أو الأراضي المحتلة ضمن قائمة جرائم الحرب الوارد ذكرها في النظام الأساسي للمحكمة ؛ فإسرائيل ترى أن نقل فلسطينيين على سبيل المثال من غزة إلى الضفة الغربية أو العكس ، شأن داخلي ، ولا يمكن – من وجهة نظرها – أن يسبع عليه وصف الجريمة الدولية التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية .
سابعاً : ما هي الجرائم التي تدخل ضمن الاختصاص الموضوعي للمحكمة ؟ وماذا عن جريمة العدوان ؟ :
حددت المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، الجرائم التي تدخل ضمن دائرة الاختصاص الموضوعي للمحكمة في الوقت الراهن – وسوف يستمر هذا الوضع إلي حين انعقاد المؤتمر الاستعراضي للنظام الأساسي المقرر عقده في عام 2009 طبقا للضوابط الوارد ذكرها في المادة 126 من نظام روما الأساسي – وقصرتها علي أشد الجرائم خطورة علي أمن وسلم المجتمع الدولي : وهي الإبادة الجماعية ، وجرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية ، وجريمة العدوان .
وفي هذا السياق ، تجدر الإشارة إلى أن جريمة العدوان وإن أدرجت فعلاً ضمن الجرائم الداخلة في الاختصاص الموضوعي للمحكمة وفقاً للمادة 5/1 من نظام روما الأساسي ، إلا أنها أدرجت منقوصة ، ذلك لأن الفقرة 2 من نفس المادة 5 المشار إليها أعلاه ، نصت على أن ممارسة المحكمة لاختصاصها بشأن جريمة العدوان معلق على تحقق شرطين ما يزالان إلى حد اللحظة واقفين ، وهما : أ ) تعريف العدوان . ب ) تحديد العلاقة بين مجلس الأمن وممارسة المحكمة الجنائية الدولية لاختصاصها بجريمة العدوان .
ثامناً: هل ستحاكم المحكمة الجنائية جميع الأشخاص ، بمن فيهم الأشخاص الاعتبارية؟:
الواقع أنه على الرغم من أن الجرائم التي تدخل ضمن دائرة الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية ، تعد من أخطر الجرائم بإطلاق ، و أن عدد كبير منها غالباً ما يرتكب أما بتحريض من أشخاص معنوية ، أو لمصلحتها ( جريمة العدوان نموذجاً ) ، فإن المادة 25/1 من نظام روما الأساسي نصت على أن : ( يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين فحسب ، عملا بهذا النظام الأساسي ) .
ويستفاد مما تقدم ، أن الأشخاص المعنوية جميعها – دول كانت أم هيئات اعتبارية – سوف لن يكون للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص عليها في الوقت الراهن على الأقل . ولهذا فإن المسؤولية الجنائية محصورة بموجب نظام روما الأساسي في مجال المسؤولية الجنائية للفرد فحسب ، ما لم يحصل تطور² في هذا الشأن في المؤتمر الاستعراضي الذي سيعقد وفقاً للضوابط المنصوص عليها في المادة (123) من نظام روما الأساسي في عام2009 .
تاسعاً : ما هي حدود العلاقة بين القضاء الجنائي الوطني في الدول الأطراف في نظام روما الأساسي ، والمحكمة الجنائية الدولية ؟ :
لعل السؤال الذي يثور في الذهن في هذا السياق هو : هل أنشأت المحكمة الجنائية الدولية لكي تكون بديلاً عن القضاء الوطني في الدول الأطراف ؟ وبعبارة أخرى : هل أنشأت المحكمة الجنائية الدولية لكي تحتكر مستقبلاً إختصاص النظر في الدعاوى الناشئة عن الجرائم الواردة في المادة ( 5/1 ) من نظام روما الأساسي ، أم أن الاختصاص مشترك ؟ .
الواقع أن موضوع العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية والنظم الوطنية ، عالجته الفقرة (10) من ديباجة نظام روما ، وكذلك مادته الأولى . ويستفاد من مجمل ما ورد فيهما ، مايلي :-
أ ) أن إختصاص النظر في الدعاوى الناشئة عن الجرائم الوارد ذكرها في المادة الخامسة من نظام روما ، اختصاص مشترك بين المحكمة الجنائية الدولة والقضاء الجنائي الوطني في الدول الأطراف .
ب ) اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليس بديلاً البتة عن الاختصاص القضائي الجنائي الوطني ؛ فالعلاقة بين هذا الأخير وقضاء المحكمة الجنائية الدولية يقوم على أساس مبدأ التكامل ( Compleme ntarity ) .
ج ) الاختصاص الجنائي الوطني في الدول الأطراف في نظام روما ، تكون له دائماً الأولوية أو الأسبقية على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ( عكس ذلك بالنسبة للمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة Adhoc حيث الأسبقية والأولوية تكون دائماً للمحكمة الدولية ) .
د ) وفقاً لمبدأ التكامل ، تستطيع المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها في حالات محددة فحسب ، هي : أ ) الانهيار الكلي للنظام القضائي الوطني ، أي عجز أو عدم قدرة المحاكم الوطنية عن محاكمة الأشخاص المشتبه بهم . ب ) عدم رغبة الدولة حقاً في الاضطلاع بالتحقيق أو المقاضاة . ج ) إذا لم تكن المحاكمة أمام القضاء الوطني نزيهة أو مستقلة ، أو صورية ، أي كان الغرض من إجرائها مجرد تمكين الشخص من الإفلات من العقاب .
عاشراً : هل ستطبق المحكمة الجنائية الدولية عقوبة الإعدام ؟ :
ورد التأكيد أكثر من مرة في ديباجة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ( الفقرات 2و3و4 من الديباجة ) على أن الجرائم التي تمارس المحكمة اختصاصها عليها جرائم خطيرة للغاية تهدد السلم والأمن والرفاه في العالم ، كما أنها تعد أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره .
غير أن من يطلع على المادة 77 من النظام الأساسي التي تعالج موضوع العقوبات الواجبة التطبيق ، سيتضح له بجلاء أن المحكمة بوسعها – طبقاً لأحكام المادة 77 سابق الإشارة إليها – أن تطبق على الشخص المدان بارتكاب جريمة من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة واحدة فحسب من العقوبتين الأصليتين التاليتين :-
أ ) عقوبة السجن لعدد ، محدد من السنوات لفترة اقصاها 30 سنة .
ب ) السجن المؤبد ، في حدود ضيقة ، حيثما تكون هذه العقوبة مبررة بالخطورة البالغة للجريمة وبالظروف الخاصة بالشخص المدان .
كما يجوز للمحكمة فضلاً عن ذلك أن تأمر بالعقوبات التكميلية ( الإضافية ) التالية :
أ ) الغرامة وفقاً للمعايير المنصوص عليها في القواعد الإجرائية وقواعد الإثبات .
ب ) مصادرة العائدات والممتلكات والأصول المتأتية بشكل مباشر أو غير مباشر من الجريمة .
ومما لا شك فيه أن المقارنة بين ما ورد في ديباجة النظام الأساسي للمحكمة في شأن التأكيد على الخطورة البالغة للجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة ، وما ورد في المادة 77 سابق الإشارة إليها أعلاه في شأن نظام العقوبات الذي لم يشمل النص على عقوبة الإعدام ، ستوقع البعض( ) في حيرة ، وقد يقود ذلك الربط إلى الاعتقاد بأن عدم النص على عقوبة الإعدام يشكل ثغرة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ينبغي العمل قدر الإمكان على سدها في المؤتمر الاستعراض المقرر عقده تطبيقاً لما ورد في المادة 123 من النظام الأساسي في عام 2009 .
ودون الدخول في تفاصيل قد تخرجنا عن نطاق الحدود المرسومة لهذا البحث ، نود الإشارة فحسب إلى أننا نؤيد وجهة النظر هذه ، ذلك لأن عقوبة الإعدام تشكل دون جدال الرادع الأقوى والأكثر فاعلية في مواجهة مرتكبي تلك الجرائم الدولية الخطيرة .
وفضلاً عما تقدم تجدر الإشارة هنا أيضاً إلى أن عدم النص على عقوبة الإعدام في نظام روما الأساسي يعد واحد من أهم الأسباب التي دفعت عديد الدول إلى الاحجام عن التوقيع على النظام الأساسي في الفترة التي كان فيها باب التوقيع مفتوحاً ، أو إلى التريث في التصديق أو الانضمام إليه لحد الآن .
وما دمنا في معرض الكلام عن موقف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية من عقوبة الإعدام ، جدير بالذكر هنا أيضاً أن المادة ( 80 ) من نظام روما الأساسي ، التي تحمل عنوان : عدم المساس بالتطبيق الوطني للعقوبات والقوانين الوطنية ، نصت على أنه : ( ليس في هذا الباب من النظام الأساسي ما يمنع الدول ( الأطراف طبعاً ) من توقيع العقوبات المنصوص عليها في قوانينها الوطنية أو يحول دون تطبيق قوانين الدول التي لا تنص على العقوبات المحددة في هذا الباب ) .
ومعنى ما تقدم هو ، أنه إذا كان قانون العقوبات في واحدة من الدول الأطراف في نظام روما ينص على تطبيق عقوبة الإعدام على مرتكب واحدة من الجرائم المنصوص عليها في المادة 5 من نظام روما . ( الإبادة الجماعية ، جرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية ) ، فليس ثمة ما يحول دون توقيع هذه العقوبة من قبل القضاء الوطني إذا مارس اختصاصه بشأنها تطبيقاً لمبدأ التكامل الذي يعطي الأولوية – كما أشرنا من قبل – للمحاكم الوطنية .
حادي عشر :- ما هي الالتزامات التي يفرضها النظام الأساسي على الدول الأطراف في نظام روما الأساسي ؟ وهل ثمة التزامات تتحملها الدول غير الأطراف في الاتفاقية وإذا كانت الإجابة بالإيجاب ، فهل مصدر هذه الالتزامات هو النظام الأساسي ذاته أم ميثاق الأمم المتحدة ، أم غيرهما ؟
من المعلوم أن المحكمة الجنائية الدولية ترتكز على مبدأين أساسين: أولهما مبدأ التكامل (Complementarity) .وثانيهما مبدأ التعاون (cooperation) .
والواقع أن كل واحد من هذين المبدأين يرتب التزامات عدة على الدول الأطراف في نظام روما الأساسي . ويمكن القول بأن أهم هذه الالتزامات هي :-
أ- الالتزامات ذات العلاقة بمبدأ التكامل :-
1) يجب على كل دولة طرف أن تدخل ما هو ضروري من تعديلات على تشريعاتها الوطنية لضمان تغطية وتجريم كافة الوقائع المجرمة بموجب المواد : 5و6و7و8 من نظام روما الأساسي .
2) ينبغي على كل دولة طرف أيضاً ، رفع كافة القيود الإجرائية التي قد ينص عليها القانون الوطني ، والتي قد تحول دون ملاحقة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية ، وجرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية . ومن قبيل هذه القيود الشكوى والطلب والإذن .
3) ينبغي أن تحرص الدول الأطراف على أن تتفق تشريعاتها فيما يتعلق بالجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية – مع المادة 29 من نظام روما الأساسي التي تنص على أنه : ( لا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم أياً كانت أحكامه ) .
4) تطبيقاً للمادة 27 من نظام روما الأساسي (عدم الاعتداد بالحصانات) ، يجب على كل دولة طرف ترغب في أن تتجنب إقدام المحكمة الجنائية الدولية على ممارسة ولايتها القضائية على الحالات التي يتبين أن الجهات المعنية في الدولة الطرف تحقق فيها أو تقيم الدعوى القضائية بشأنها ، أن تضمن إلغاء أية حصانات يمنحها قانونها الوطني لمرتكبي الوقائع التي يجرمها النظام الأساسي بناء على صفتهم الرسمية .
5) المحاكمات التي تجريها المحاكم الوطنية ، للأشخاص المتهمين بارتكابهم لوقائع يجرمها نظام روما الأساسي يجب أن تتفق في جميع مراحل الدعوى مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة ، والتي ورد النص عليها في عدة صكوك دولية نذكر منها على سبيل المثال : المواد 9 و 14 و 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدينة والسياسية ، وكذلك أيضاً المواد 55 و 62 و 68 من نظام روما الأساسي .
ب) الالتزامات ذات العلاقة بمبدأ التعاون :-
تنص المادة 86 من نظام روما الأساسي على أن : ( تتعاون الدول الأطراف تعاوناً تاماً مع المحكمة فيما تجريه ، في إطار اختصاص المحكمة ، من تحقيقات في الجرائم والمقاضاة عليها ) .
ومعنى هذا أن الدول الأطراف ، عليها أن تضمن تمكن المدعي العام للمحكمة من إجراء تحقيقات جدية وفعالة في أقاليمها . كما يجب على محاكمها وأجهزتها الأخرى ذات العلاقة أن تتعاون تعاوناً كاملاً مع المحكمة في الحصول على الوثائق ، ومعرفة الأصول التي يحوزها المتهم ومصادرتها ، وإجراء التحريات وضبط الأدلة ، والبحث عن الشهود وتوفير الحماية لهم ، والقبض على الأشخاص الذين تتهمهم المحكمة بارتكاب جرائم تدخل في اختصاصها وتقديمهم إليها .
هذا عن الالتزامات التي تتحملها الدول الأطراف (States Parties)ولكن ماذا عن الدول غير الأطراف (States non-parties ) في نظام روما الأساسي ؟
الواقع أنه فضلاً عن أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن يمتد ليشمل رعايا دول غير أطراف في نظام روما الأساسي (م 12/2ب) في حال إرتكابهم إحدى التي تدخل في اختصاص المحكمة في إقليم دولة طرف ، أو على متن طائرة أو سفينة مسجلة في تلك الدولة ، فإن الدول غير الأطراف قد تجد نفسها ملزمة بالتعاون تعاوناً كاملاً مع المحكمة الجنائية الدولية والمدعى العام ، وأن تقدم لهما كل ما يلزم من مساعدة وتسهيلات (رغم كونها ليست دولة طرف في نظام روما الأساسي) ، وذلك في حالتين :-
أ) إذا أحال مجلس الأمن ، متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم التي ورد النص عليها في المادة 5 من نظام روما الأساسي قد ارتكبت ، وبعبارة أخرى ، إذا قدم مجلس الأمن شكوى إلى المدعى العام للمحكمة بناء على قرار يتخذه بالخصوص (م 13/ب من نظام روما الأساسي ) .
ب) إذا أبدت الدولة غير الطرف استعدادها وقبلت على أساس ترتيب خاص أو اتفاق يبرم بينهما و المحكمة الجنائية الدولية أن تتعاون مع المحكمة مؤقتا فيما تجريه – أي المحكمة – من تحقيقات ومقاضاة بخصوص جريمة محددة أو قضية بالذات، بشرط أن تكون هذه الأخيرة هي محل الترتيب الخاص أو الاتفاق المسبق مع المحكمة (م 12/3 من نظام روما الأساسي) .
ولسنا في حاجة إلى بذل جهد كبير ، لكي نتوصل إلى استنتاج أن مصدر التزام الدولة غير الطرف مع المحكمة في هذا الفرض ، ليس نظام روما الأساسي ، وإنما الاتفاق المبرم بالخصوص بين الدولة غير الطرف والمحكمة .
اثنا عشر :- ما هي الأهداف الرئيسية التي يسعى المجتمع الدولي لتحقيقها من وراء إنشاء المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة) :-
تتلخص تلك الأهداف في التالي :
أ) تنبيه الدول إلى ضرورة أن تسعى جاهدة من أجل أن تتضمن تشريعاتها الوطنية نصوصاً تجرم بموجبها الوقائع التي تعد جرائم دولية بموجب المادة (5) من نظام روما ، وأن تعمل أيضاً على ضمان ملاحقة ومعاقبة مرتكبيها لأنه إن لم نفعل أو عجزت عن فعل ذلك فان اختصاص النظر في تلك الجرائم سيؤول إلي المحكمة الجنائية الدولية تطبيقاً لمبدأ التكامل الذي من مؤداه أن يكون اختصاص المحكمة الجنائية الدولية اختصاصي احتياطي / تكميلي لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب .
ب) من الأهداف الرئيسية لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية أيضاً ضمان مقاضاة الأفراد الطبيعيين الذين تثبت مسؤوليتهم عن الجرائم الداخلة ضمن دائرة الاختصاص الموضوعي للمحكمة بغض النظر عما يتمتعون به حصانات بموجب التشريعات الوطنية ، وبغض النظر أيضاً عن صفاتهم الرسمية .
ج) إسهام المحكمة الجنائية الدولية - شأنها في ذلك شأن مجلس الأمن الدولي – في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، لأن الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة تعد من أخطر الجرائم التي تهدد السلم والأمن والرفاه في العالم ، وبالتالي فإن ملاحقة مرتكبي تلك الجرائم ومعاقبتهم من شأنه أن يمنع تكرار التهديد للسلم والأمن الدوليين .
ثلاثة عشر :- ما هي التحديات القانونية والواقعية التي تواجهها المحكمة الجنائية الدولية في الوقت الراهن ؟
إذا حاولنا استقصاء تلك التحديات في ضوء الوضع الحالي لنظام روما الأساسي ، وكذلك واقع علاقة المحكمة الجنائية ببعض الجهات ، وخاصة مجلس الأمن الدولي ، لوجدنا أن أبرز تلك التحديات هي :-
1) عدم إدراج بعض الجرائم رغم خطورتها البالغة ضمن دائرة الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية ، ومن أهمها جرائم الإرهاب ، وبعض صور الجريمة المنظمة .
2) لجوء مجلس الأمن إلى الممارسة الخاطئة لسلطاته بموجب المادة 16 ، التي تخوله وقف إجراءات التحقيق والمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية في أية مرحلة من مراحلها .
3) إتباع مجلس الأمن لسياسية الكيل بمكيالين ، أو العدالة المزدوجة المعايير ، في معالجته للقضايا الدولية وتعامله مع المحكمة الجنائية الدولية .
4 ) عدم النص على عقوبة الإعدام ضمن نظام العقوبات في نظام روما الأساسي ، على الرغم من أن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة تعد من أشد الجرائم خطورة على السلم والأمن والرفاه في العالم .
5) محاولات امريكا المتعددة الأساليب لعرقلة المحكمة الجنائية الدولية من أجل أرغام الدول الأطراف على إدخال تعديلات تريدها أمريكا على النظام الأساسي للمحكمة.
6 ) قصر المسؤولية الجنائية عن الجرائم الدولية المنصوص عليها في نظام روما الأساسي على الأفراد الطبيعيين ، وبالتالي استبعاد الأشخاص المعنوية ، على الرغم من أن الجرائم المشار إليها أنفا تعد من الجرائم التي ترتكب لمصلحة أشخاص معنوية في الغالب وبتحريض منها ( جريمة العدوان على سبيل المثال ) .
7) عدم إدراج استخدام الأسلحة النووية ضمن قائمة جرائم الحرب المادة 8 من نظام روما الأساسي .
8) عدم التوصل لحد الآن لتعريف مقبول بشأن العدوان ، الأمر الذي سيعطل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بهذه الجريمة لفترة طويلة من الزمن من الصعب تحديد مداها في الوضع الراهن للمفاوضات .
9) عدم تناغم المادة 20 من نظام روما الأساسي مع مبدأ التكامل ، فضلاً عن الصعوبات المتعلقة بتحديد الجهة التي يقع عليها تقريران المحاكمة كانت صورية أو غير نزيهة ـ أو كان الغرض منها تمكين الشخص من الإفلات من العقاب.
المطلب الثاني
مقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية الدائمة والمؤقتة
تمهيد :-
ذكرنا من قبل أنه توجد في الوقت الراهن ، فضلاً عن المحكمة الجنائية الدولية الدائمة (ICC) ، ثلاث محاكم جنائية دولية مؤقتة (ِAd hoc) هي محاكم : يوغسلافيا السابقة (ICTFY) ورواندا (ICTR) ، والمحكمة الخاصة لسيراليون (SCS) .
وفي هذا الجانب من البحث سنحاول عقد مقارنة سريعة بين هذه المحاكم الجنائية ، في محاولة للتعرف بشكل أوضح على الملامح الأساسية لكل منها ويمكن القول بأن العناصر التي يصح عقد المقارنة على أساسها هي :-
تاريخ الإنشاء – السند أو الأداة القانونية للإنشاء – المقر – طبيعة المحكمة من حيث كونها دائمة أو مؤقتة – العلاقة مع الأمم المتحدة – العلاقة مع مجلس الأمن – العلاقة مع القضاء الوطني – التمويل – الاختصاص من حيث الموضوع والزمان والمكان والأشخاص – التنظيم والإدارة – العقوبات الواجبة التطبيق – وجود قضاة وطنيين من عدمه ضمن تشكيلة المحكمة .
وبالنظر إلى أن الحدود المرسومة سلفاً لهذا البحث ، لا تسمح بتناول العناصر المذكورة أعلاه كل في بند مستقل على حدة ، عليه رأينا ملاءمة تصنيف هذه العناصر ضمن ثلاث مجموعات ، وبالتالي إجراء المقارنة المطلوبة بين المحاكم الجنائية الدولية القائمة انطلاقاً من زوايا ثلاث هي :-
أ) – المقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية على أساس العناصر ذات العلاقة بالإنشاء .
ب) – المقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية على أساس العناصر ذات الصلة بعلاقة كل محكمة بالأمم المتحدة ، ومجلس الأمن ، والقضاء الوطني .
جـ) – المقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية على أساس العناصر ذات العلاقة بالاختصاص من حيث الموضوع ، والزمان ، والمكان ، والأشخاص .
الفرع الأول
المقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية من حيث الإنشاء
1)- تاريخ الإنشاء :-
لو تجاوزنا المحكمتين الجنائيتين الدوليتين المؤقتتين اللتين أنشأتا مباشرة عقب الحرب العالمية الثانية ولكنهما أصبحتا الآن في ذمة تاريخ القانون الدولي الجنائي ، وهما : محكمة نورمبرج 1945، ومحكمة طوكيو 1946، لوجدنا أن أقدم المحاكم الجنائية الدولية القائمة في الوقت الراهن هي محكمة يوغسلافيا السابقة عام 1993،تليها محكمة رواندا عام 1994، تم المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة) عام 1998، وأخيراً المحكمة الخاصة لسيراليون عام 2002.
2) – الأداة القانونية للإنشاء :-
يختلف السند القانوني لإنشاء المحاكم الجنائية الدولية ؟ فمحكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا أنشأتا مباشرة بموجب قرارات اتخذها مجلس الأمن بالخصوص .
وأما المحكمة الجنائية الدولية (ICC) ، فقد أنشأت بموجب اتفاقية دولية أبرمت خصيصاً لهذا الغرض وهي الاتفاقية المعروفة – كما اشرنا من قبل – باسم نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .
وأما المحكمة الخاصة لسيراليون ، وأن كان مجلس الأمن قد ساهم بشكل غير مباشر في إنشائها من حيث كونه اتخذ قرارا بموجبه كلف الأمين العام للأمم المتحدة بالتفاوض مع حكومة سيراليون ، إلا أن هذه الأخيرة لم تنشأ بموجب اتفاقية دولية أطرافها عدة دول ، كما هو الحال بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة وفي نفس الوقت لم تنشأ مباشرة بقرار اتخذه مجلس الأمن، كما هو الحال بالنسبة لمحكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا ، فمحكمة سيراليون أنشأت بموجب اتفاق دولي أطرافه الأمم المتحدة من جهة وحكومة سيراليون من جهة أخرى .
3) أسباب إنشاء المحاكم الجنائية الدولية :
أنشأت المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة) لأسباب أشرنا إليها من قبل في موضع سابق من هذا البحث ، وتفادياً للتكرار نحيل على ما ورد ذكره بالخصوص في المبحث الأول ، البند ثالثاً .
وأما المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة فيجمع بينها أنها أنشأت جميعها بسبب حروب أهلية تطور بعضها إلى نزاع مسلح دولي ، كما أن هذه المحاكم أنشأها مجلس الأمن أو سعي من أجل إنشائها متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، وفيما يلي تفصيل ذلك .
أ) – المحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة :-
يمكن تلخيص أسباب إنشاء المحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة ، في أنه بعد انهيار نظام القطبية الثنائية ، وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1989 ، وكذلك الاتحاد اليوغسلافي في عام 1992 ، سعت جمهوريات هذا الأخير إلى الاستقلال ، غير أن هذا الأمر لم تقبل به جمهورية صربيا على الأخص ، وترتب على ذلك نشوب نزاع مسلح اكتسى طابع الصراع الديني والقومي في نفس الوقت .
وقد اندلعت الشرارة الأولى لذلك النزاع في جمهورية البوسنة والهرسك التي يشكل المسلمون 42 من سكانها ، في حين يشكل الصرب32% ، والكروات 8%.
ونظراً للتفوق العسكري الذي كان يتمتع به صرب البوسنة آنذاك بسبب دعم الجيش الصربي لهم بقوة ارتكبوا مخالفات جسيمة للقانون الدولي الإنساني أبرزها إبادة قرى بأكملها ، وقتل المدنيين الأبرياء ، وطرد وتشريد آلاف الكروات والمسلمين وتعريضهم للموت جوعاً وعطشاُ وإقامة معسكرات الاعتقال الجماعية التي شهدت ممارسة أفظع صنوف التعذيب الجسدي والنفسي ، وكذلك اغتصاب النساء ، فضلاً عن ارتكاب مجازر عديدة ، وتنفيذ حالات إعدام متزايدة خارج القانون والقضاء ، ودفن الضحايا في مقابر جماعية لم يكتشف أمر بعضها إلا في السنوات الأخيرة .
ب) – المحكمة الدولية لرواندا :-
لعل أبرز وقائع الأزمة الرواندية التي أدت إلى تدخل مجلس الأمن ، تكمن في أنه عقب وقوع حادثة تحطم طائرة الرئيسين البورندي والرواندي بتاريخ 1994/04/6 ، ارتكبت أفعال عنف فظيعة في رواندا هزت الرأي العام العالمي بقوة . وقد وقعت أعمال العنف المتبادل هذه بين القوات الحكومية الرواندية من جهة ، وقوات الجبهة الوطنية الرواندية من جهة أخرى . والواقع أن هذه العنف المتبادل استمر مدة طويلة ، ارتكبت خلالها وقائع قتل ، وقطع للطرق ، فضلاً عن ارتكاب جرائم إبادة جماعية راح ضحيتها الألوف من المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال من سكان مدينة (كيغالي) ومن أفراد قبيلتي التوتسى والهوتو بوجه خاص .
ونظراً لما حصل من مخالفات خطيرة للقانون الدولي الإنساني ، وانتهاكات صارخة واسعة النطاق لحقوق الإنسان ، وجد مجلس الأمن الدولي نفسه أمام وضع يهدد السلام والأمن الدولي ، الأمر الذي دفغه الي التصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، وإنشاء المحكمة الدولية لرواندا .



(ج) – المحكمة الخاصة لسيراليون .
يستفاد من صحيفة الاتهام المتعلقة بالقضية التي تنظر فيها محكمة سيراليون في الوقت الراهن تحت رقم : (SCS-2003-01-I) ضد تشارلز تيلور رئيس جمهورية ليبريا الأسبق ، أن حالة النزاع المسلح في سيراليون بدأت عام 1991 ، وأنه تورطت في هذا النزاع تنظيمات وفصائل مسلحة عدة ، من بينها الجبهة الثورية المتحدة ، وقوات الدفاع المدني ، والمجلس الثوري للقوات المسلحة ، من أجل الوصول إلى الحكم والسيطرة على أراضي سيراليون ، وعلى الأخص مناطق تعدين الماس فيها .
ويستفاد من صحيفة الاتهام المشار إليها أعلاه أيضاً أنه في جميع فترات النزاع المسلح في سيراليون ، قامت التنظيمات المسلحة المذكورة أعلاه بهجمات شنيعة وعلى نطاق واسع ومنهجي ضد السكان المدنيين في سيراليون ، وقد شملت الهجمات تجنيد الأطفال للأغراض العسكرية ، والتعذيب الجسدي ، والاعتداءات الجنسية ضد الرجال والنساء والأطفال المدنيين ، والاختطاف ، وإرهاب السكان المدنيين ، وإتلاف ممتلكاتهم.
4) المقر :-
إثنتان من المحاكم الجنائية الدولية القائمة مقرها في (لاهاي) ، وهما : المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة (ICTFY) ، والمحكمة الجنائية الدولية الدائمة (ICC).
أما المحكمة الخاصة لسيراليون ، فمقرها في (فري تاون) عاصمة سيراليون وأما المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ، فمقرها في (اروشا) / تنزانيا .
وفي هذا السياق ، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من اختلاف مقر محكمة يوغسلافيا السابقة عن مقر محكمة رواندا ، وما ترتب على ذلك من بعد كبير في المسافة بينهما (10.000 ميل) إلا أنهما تقاسمتا ذات المدعي العام وذات الدائرة الإستئنافية .
والواقع أن قرار ربط المحكمتين علي النحو المشار إليه أعله لم يكن مبنيا علي اعتبارات قانونية البتة ، بل كان مبنيا علي اعتبارات اقتصادية وعملية في نفس الوقت .
وتفصيل ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية ، التي كانت وراء هذه التركيبة الغريبة ، وغير المنطقية لمحكمتين منفصلتين أنشئتا بقرارين غير مرتبطين ، أرادت – أي أمريكا_ أن تتفادى مشكلة كانت محتملة آنذاك ، وهي أن يستغرق اختيار مدعي عام خاص بمحكمة رواندا فترة طويلة من الزمن ، كما حصل بالنسبة للمحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة . وأما السبب وراء تقاسم المحكمتين للدائرة الإستئنافية للمحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة ، فقد كان اقتصاديا بحتا ، يتمثل في أن ذلك من شأنه توفير النفقات .
وهذا – في وجهة نظرنا - كان تفكيرا خاطئا ، لأن بعد المسافة بين المحكمتين (10.000 ميل كما أشرنا من قبل) سيجعل النفقات من الناحية العملية باهظة جداً .
5 – تنظيم المحاكم الجنائية الدولية واشتراك قضاة وطنيين فيها :-
من خلال عقد مقارنة بين النصوص ذات العلاقة بالتنظيم والإدارة والقضاة ، 0الواردة في النظم الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية ، وكذلك أيضاً في القواعد الإجرائية التي تطبقها ، يمكن القول بأن ما يميز تلك المحاكم من حيث التنظيم والإدارة ، يكمن في التالي :-
أ) – تنفرد المحكمة الجنائية الدولية ( الدائمة) دون غيرها من المحاكم الجنائية الدولية (المؤقتة) ، بوجود هيئة للرئاسة ضمن أجهزتها الرئيسية وكذلك شعبة تمهيدية ، أو كما يسميها البعض غرفة ما قبل المحاكمة (Per – trial chamber ) .
ب) – في حين تتوفر كل محكمة من المحاكم الجنائية الدولية الدائمة والمؤقتة ، على حد سواء ، على شعبة أو دائرة ابتدائية خاصة بها ، يلاحظ أن المحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة ، تتقاسمان الدائرة الإستئنافية وتشتركان في ذات المدعى العام للمحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة .
جـ) لأسباب لا يتسع المقام هنا للخوض في تفاصيلها ، المحكمة الوحيدة التي تتوفر على جمعية للدول الأطراف في نظامها الأساسي هي المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة). ويلاحظ أن هذه الجمعية ليست من ضمن الأجهزة الرئيسية لتلك المحكمة وهي : هيئة الرئاسة – مكتب المدعى العام – قلم التسجيل – والدوائر القضائية .
د) تتكون الدوائر ي كل من محكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا من (11) أحد عشر قاضياً عينتهم الجمعية العامة للأمم المتحدة من قائمة قدمها مجلس الأمن لا تقل عن 22 ولا تزيد على 33 قاضياً من بين القضاة الذي رشحتهم لهذا الغرض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة .
وأما الدوائر في المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ، فتتألف من (18) قاضياً ، يتم انتخابهم من قبل جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي ، من قوائم القضاة الذين ترشحهم الدول الأطراف في الاتفاقية .
وأما الدوائر في المحكمة الخاصة لسيراليون ، فتتكون من عدد من القضاة لا يقل عن ثمانية ولا يزيد على أحد عشر قاضياً .
هـ) تنفرد المحكمة الخاصة لسيراليون بأنها الوحيدة من بين المحاكم الجنائية الدولية القائمة ، التي تتكون دوائرها من قضاة وطنيين تعينهم حكومة سيراليون ، والباقي قضاة دوليون يعينهم الأمين العام للأمم المتحدة ؛ ففي الدائرة الابتدائية لهذه المحكمة يعمل ثلاثة قضاة ، تعين أحدهم حكومة سيراليون ، ويعين الأمين العام للأمم المتحدة قاضيين ، ويعين الأمين العام للأمم المتحدة ثلاثة قضاة .
وفي هذا السياق يثور سؤال هام : ما دامت المحكمة الخاصة لسيراليون مختلطة ، تتكون من قضاة تعينهم حكومة سيراليون وآخرين تعينهم الأمم المتحدة ، فهل يصح إسباغ وصف الدولية عليها ؟ وبعبارة أخرى ، ما هي العناصر التي على أساسها يسوغ وصف المحكمة الخاصة لسيراليون بالدولية ؟
هذه العناصر هي :-
(1) إن مجلس الأمن الدولي باتخاذه للقرار (1315 ) لعام 2000 م ، المتعلق بتكليف الأمين العام للأمم المتحدة بالتفاوض مع حكومة سيراليون ، من أجل التوصل إلى إبرام اتفاق بشأن إنشاء المحكمة الخاصة لسيراليون ، هذا المجلس وإن لم يقم بدور مباشر في إنشاء المحكمة ، إلا أنه يمكن القول بأن إنشاء تلك المحكمة كان بإذن منه .
(2) المحكمة الخاصة لسيراليون انشأت بموجب اتفاق أحد أطرافه دولي ، هو الأمم المتحدة .
(3) دوائر المحكمة تضم – كما ذكرنا من قبل – فضلاً عن قضاة من سيراليون ، قضاة يعينهم الأمين العام للأمم المتحدة .
(4) المدعى العام للمحكمة يعينه الأمين العام للأمم المتحدة ( المادة 3/1 من الاتفاق) .
(5) مسجل المحكمة يعينه الأمين العام للأمم المتحدة ، وهو موظف دولي تابع للأمم المتحدة (المادة 4 من الاتفاق ) .
(6) نفقات المحكمة تمول من تبرعات المجتمع الدولي ( المادة 6 من الاتفاق ) .




الفرع الثاني
المقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية من زاوية العلاقة مع جهات أخرى

المقارنة هنا ستكون على أساس : (1) طبيعة علاقة كل محكمة من المحاكم الجنائية الدولية بالأمم المتحدة ، والآثار المترتبة على ذلك لجهة التمويل . (2) علاقة المحاكم الجنائية الدولية بالمحاكم الوطنية . ويما يلي تفصيل ذلك .
أ) العلاقة بين المحاكم الجنائية الدولية والأمم المتحدة :-
من الحقائق الثابتة التي لا تحتاج إلى مزيد التأكيد ، أن المحاكم الجنائية الدولية كافة تربطها بالأمم المتحدة علاقة من نوع ما ، غير أن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو : ما هي طبيعة تلك العلاقة ؟ .
الواقع أن العلاقة بين المحاكم الجنائية الدولية والأمم المتحدة ، أما أن تكون علاقة تبعية ، أو أن تكون علاقة تعاون فقط .
وتفصيل ذلك ، أن المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ، لكونها لم تنشأ بقرار اتخذه مجلس الأمن متصرفاً بموجب الفصل السابع من الميثاق ، وإنما أنشأت بموجب اتفاقية دولية خاصة بها ، فإن العلاقة بينها والأمم المتحدة علاقة تعاون فحسب ، وليست علاقة تبعية كما هو الحال بالنسبة لمحكمة العدل الدولية التي تعد واحداً من الفروع الرئيسية للأمم المتحدة وقد ترتب على ذلك أن نفقات المحكمة تغطي من الاشتراكات المقررة للدول الأطراف ، وكذلك من الأموال المقدمة من الأمم المتحدة في حالة تقديم الشكوى للمدعى العام للمحكمة من مجلس الأمن .
وأما محكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا ، فإن العلاقة بينهما والأمم المتحدة هي علاقة تبعية ، ذلك لأنهما انشئتا بموجب قرارات اتخذها مجلس الأمن ، متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بهدف الحفاظ على السلم والأمن الدوليين في تلك المنطقتين من العالم .
ولهذا فإن نفقات هاتين المحكمتين تحمَّل على الميزانية العامة للأمم المتحدة ، وفقاً للمادة 17 من ميثاق الأمم المتحدة .
وأما المحكمة الخاصة لسيراليون ، فإن العلاقة بينها والأمم المتحدة الدائمة – ويؤيد هذا المعنى ما ورد في الفقرة 1 من قرار مجلس 1315 (2000) سابق الإشارة إليه ، فقد نصت على أنه (يطلب إلى الأمين العام التفاوض بشأن اتفاق يتم مع حكومة سيراليون لإنشاء محكمة خاصة مستقلة ... ).
ومما يؤكد ذلك أيضاً ، أن نفقات المحكمة الخاصة لسيراليون لا تحمل على الميزانية العامة للأمم المتحدة .. كما هو الحال بالنسبة لمحكمتي يوغسلافيا ورواندا – وإنما تموًّل تلك النفقات من تبرعات المجتمع الدولي .
ب)المقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية من زاوية العلاقة بينها والمحاكم الوطنية :-
أشرنا في موضع سابق من هذا البحث ، إلي أن اختصاص النظر في الدعاوي الناشئة عن الجرائم الوارد ذكرها في المادة (5) من نظام روما الأساسي ، اختصاص مشترك بين المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية في الدول الأطراف .
والواقع أن سمة الاختصاص المشترك هذه تعد قاسما مشتركا بين المحاكم الجنائية الدولية كافة في علاقاتها بالمحاكم الوطنية ؛ فالمادة 9/1 من النظام الأساسي للمحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة ، والتي يقابلها نص المادة 8/1 من النظام الأساسي للمحكمة الدولية لرواندا ، و كذلك نص المادة 8/1 من النظام الأساسي للمحكمة الخاصة لسيراليون ، نصت علي أن : (للمحكمة الدولية والمحاكم الوطنية اختصاص مشترك في مقاضاة الأشخاص عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني ...الخ).
وهنا يثور سؤال : طالما أن الاختصاص مشترك ، فلأي من المحاكم تكون الأولوية أو الأسبقية ، فهل يكون ذلك للمحاكم الوطنية أم للمحكمة الدولية ؟
لعل أهم ما يلفت النظر في هذا السياق ، هو وجود اختلاف بين المعيار الذي تبناه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، في حين أن النظم الأساسية للمحاكم الجنائية المؤقتة تنص ، بشكل نمطي ، على أن للمحكمة الدولية أسبقية على المحاكم الوطنية ، ويجوز للمحكمة الدولية في أي مرحلة من مراحل الدعوى أن تطلب إلى المحكمة الوطنية رسمياً التنازل عن اختصاصها للمحكمة الدولية .
والسؤال السابق يقودنا إلى طرح أخر ؛ ما هو سبب إعطاء الأولوية للمحكمة الدولية ( المؤقتة ) والمحاكم الوطنية ؟
لعل السبب الرئيسي في ذلك يكمن في أن المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة أنشأت عقب انتهاء حروب أهلية طاحنة ، شهدتها يوغسلافيا السابقة ، وكذلك رواندا ، وكذلك أيضاً سيراليون ، وقد سببت تلك الحروب دماراً شاملاً ، ترتب عليه أن أصبحت تلك الدول تفتقر إلى البنية الأساسية اللازمة لوجود نظم قضائية فعالة ، وموثوق بها ، وقادرة على الوفاء بالتزاماتها الخاصة بالتحقيق والادعاء .
(جـ) المقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية من حيث الاختصاص :-
المقارنة من هذه الزاوية تشمل الاختصاص من حيث : (1) الموضوع (2) الزمان (3) المكان (4) الأشخاص . وفيما يلي تفصيل ذلك .
(1) الاختصاص بالنظر إلى الأشخاص :-
إن إلقاء نظرة سريعة على ما ورد في النظم الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية من أحكام ذات صلة بالمسؤولية الجنائية الدولية ستكشف عن إن تلك النظم الأساسية تتفق جميعها في أن المحاكم الجنائية الدولية لها اختصاص على الأشخاص الطبيعيين فحسب في الوقت الراهن ؛ وبالتالي فإن الدول والأشخاص الاعتبارية الأخرى ليس لهذه المحاكم اختصاص عليها .
(2) الاختصاص من حيث الزمان :-
لعل أهم سؤال قد يتبادر إلى الذهن في هذا الصدد هو : هل ثمة إطار زمني معين ينبغي أن تكون الجريمة قد ارتكبت فيه حتى يتسنى القول بانعقاد الاختصاص للمحكمة الدولية ؟
وللإجابة على هذا السؤال ، نرى من المفيد الإشارة إلى أنه بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية يستفاد من مضمون نصوص المواد (11) و(24) من نظامها الأساسي ، أن اختصاص هذه المحكمة مستقبلي فقط ، أي بمعنى أنها تختص فحسب بالجرائم التي ارتكبت أو ما سيرتكب بعدد دخول نظامها الأساسي حيز النفاذ ، والذي ذكرنا من قبل أنه تحقق بالفعل في 1/7/2002 . وبالتالي فإن المحكمة الجنائية الدولية لا علاقة لها بجرائم الإبادة الجماعية ، وجرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت قبل دخول نظام روما الأساسي حيز النفاذ .
ولكن يلاحظ أنه لا يوجد سقف زمني معين لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية من حيث الزمان . وسبب ذلك مفهوم بالبداهة ، لأن هذه المحكمة لم تنشأ لكي تكون محكمة مؤقتة كمحكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا ، بل أنشأت لكي تكون محكمة دائمة (Permanente) يمتد وجودها عبر الزمن .
وأما بالنسبة للمحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة ، فقد نصت المادة الأولى من نظامها الأساسي على أن للمحكمة الدولية سلطة مقاضاة الأشخاص المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني المرتكبة في إقليم يوغسلافيا السابقة منذ عام 1991 وفقاً لأحكام هذا النظام الأساسي) .
وأما بخصوص المحكمة الدولية لرواندا ، فقد نصت المادة الأولى من نظامها الأساسي على أن : (للمحكمة الدولية لرواندا سلطة محاكمة الأشخاص المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي المرتكبة في إقليم رواندا والموظفين الروانديين المسئولين عن ارتكاب هذه الانتهاكات في أراضي الدول المجاورة بين كانون الثاني / يناير 1994 و 31 كانون الأول / ديسمبر 1994 وفقاً لأحكام هذا النظام الأساسي ) .
وأما بشأن المحكمة الخاصة لسيراليون ، فقد نصت المادة (1/1) من نظامها الأساسي على أن : (للمحكمة الدولية .......سلطة مقاضاة الأشخاص الذين يتحملون العبئ الأكبر من المسئولية عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وقانون سيراليون منذ 30 تشرين الثاني / نوفمبر 1996) .
وخلاصة ما تقدم ، أن النظم الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية المؤقتة (يوغسلافيا السابقة ، ورواندا ، وسيراليون ) وضعت لكي تطبق بأثر رجعي ، أي من أجل أن تطبق أحكامها على جرائم ارتكبت قبل إنشاء المحاكم المؤقتة ، وذلك لسبب واضح وجلي هو أن تلك المحاكم أنشأت بعد هروب أهلية ونزاعات مسلحة داخلية طاحنة وبالتالي كان لابد من إنشاء تلك المحاكم للمحافظة على السلم والأمن الدوليين وأما نظام روما الأساسي ، فعلى العكس من ذلك ؛ فقد وضع لكي يسرى على المستقبل ، أي لكي يطبق على الجرائم التي وقعت أو التي ستقع بعد أن دخل حيز النفاذ في 01/07/2002.
ج ) الاختصاص من حيت المكان :
لعل الأمر الجوهري في هذا الصدد هو الإجابة عن السؤال التالي : هل يشترط أن تكون الجريمة قد وقعت في مكان معين لكي ينعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدوليـة ؟
هنا ينبغي التفرقة بين المحكمة الجنائية الدولية ( الدائمة ICC ) ، والمحاكم الجنائية المؤقتة ؛ وهي كما هو معلوم محاكم يوغسلافيا السابقة ورواندا وسيراليون :
أ ) اختصاص المحاكم الجنائية المؤقتة من حيث المكان :
محاكم يوغسلافيا السابقة ، ورواندا ، وسيراليون ، أنشأت كل واحدة منها لمحاكمة أشخاص معينين ، ارتكبوا جرائم بعينها ، وفي زمن معلوم ، وبشرط أن يكون ذلك في مكان محدد .
وعلى ذلك فاختصاص المحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة من حيث المكان يشمل إقليم جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية السابقة ، بما ذلك مسطحها الرضي ومجالها الجوي ومياها الإقليمية . ومعلوم أن يوغسلافيا السابقة كانت تضم ما يعرف الآن بجمهوريات : البوسنة والهرسك ، وكرواتيا ، وصربيا والجبل الأسود ، ومقدونيا ... الخ .
وأما اختصاص المحكمة الدولية لرواندا ، من حيث المكان فيشمل إقليم رواندا بما في ذلك مسطحها الأرضي ومجالها الجوي ، وكذلك أراضي الدول المجاورة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني المرتكبة من جانب مواطنين روانديين .
وأما اختصاص المحكمة الخاصة لسيراليون من حيث المكان فيشمل الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وقانون سيراليون التي ارتكبت فقط داخل أراضي سيراليون .
وأما اختصاص المحكمة الجنائية الدولية (ICC) فيشمل من حيث المكان جرائم الإبادة الجماعية ، وجرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في أي بلد أو في أية قارة من قارات العالم بشرط أن تكون الجريمة محل الاتهام قد ارتكبت في إقليم دولة طرف في نظام روما الأساسي ، أو بمعرفة أحد رعاياها ولو كان مكان ارتكاب الجريمة إقليم دولة غير طرف وكذلك أيضاً تختص المحكمة إذا ارتكبت الجريمة في إقليم دولة غير طرف اتخذت ترتيباً أو عقد اتفاقاً خاصاً مع المحكمة وقبلت بموجبه اختصاص المحكمة ومن المهم جداً الإشارة هنا إلى أنه إذا كانت الإحالة إلى المحكمة (الشكوى) من مجلس الأمن متصرفاً بموجب الفصل السابع من الميثاق ، فإنه في هذه الحالة ينعقد الاختصاص للمحكمة بغض النظر إطلاقاً عن المكان الذي ارتكبت فيه الجريمة لأن مجلس الأمن في هذا الغرض لا يتصرف بموجب النظام الأساسي ، وإنما بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (م 39 ) لغرض الحفاظ على السلم والأمن الدوليين .
د) الاختصاص من حيث الموضوع :-
ذكرنا من قبل أن دائرة الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية تضم في الوقت الراهن ، وفقاً لنص المادة 5 من نظام روما الأساسي ، فضلاً عن جريمة العدوان التي يجب تعريفها ، جريمة الإبادة الجماعية ، وجرائم الحرب ، الجرائم ضد الإنسانية ، وتفادياً للتكرار نحيل على ما ورد بهذا الشأن من تفاصيل في موضع سابق في هذا البحث .
وعليه ننتقل الآن البيان حدود فاعلية النظم الأساسية للمحاكم الجنائية المؤقتة من حيث الموضوع وتبدأ بالمحكمة الدولية ليوغسلافيا ، التي نص نظامها الأساسي على أن اختصاصها المؤقت يشمل الجرائم التالية :-
1) الانتهاكات الجسيمة الاتفاقيات جنيف الأربع بشأن قانون الحرب المؤرخة 12/أغسطس/1949 م .
2) مخالفات قوانين أو أعراف الحرب .
3) الإبادة الجماعية .
4) الجرائم ضد الإنسانية .
وأما بشأن اختصاص المحكمة الدولية لرواندا من حيث الموضوع ، فلربما لاحظ البعض أنه من قبيل التكرار تناول هذا الموضوع ، على اعتبار أن النظام الأساسي لمحكمة رواندا مقتبس حرفياً في جانب كبير منه من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة بما يتلاءم مع ظروف رواندا ، ومع ذلك نرى ملاءمة التعرض باختصار شديد لذلك ، ونكتفي بالإشارة إلى أن الاختصاص الموضوعي للمحكمة الدولية لرواندا يشمل :-
1) جريمة إبادة الأجناس .
2) الجرائم المرتكبة في حق الإنسانية .
3) انتهاك المادة 2 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة 12/8/1949م وانتهاكات البروتوكول الإضافي الثاني المبرم في 8 حزيران / يونيو 1977م .
وفي ضوء ما تقدم ، يتضح بجلاء أن دائرة اختصاص محكمة رواندا من حيث الموضوع أضيق من نظيرتها الخاصة باختصاص محكمة يوغسلافيا السابقة ، ذلك أن الاختصاص الموضوعي لمحكمة رواندا لا يشمل انتهاكات قوانين وأعراف الحرب ، واتفاقية جنيف لعام 1949 الخاصة بالمنازعات المسجلة ذات الطابع الدولي ، نظراً لأن طبيعة النزاع في رواندا كان حرباً أهلية ( نزاع مسلح غير ذي طابع دولي بينما دخلت انتهاكات المادة الثالثة من اتفاقية جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي رقم 2 ضمن دائر الاختصاص الموضوعي للمحكمة .
وأما الاختصاص الموضوعي للمحكمة الخاصة لسيراليون ، فيشمل بوجه خاص الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية ، وجرائم الحرب ، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وخاصة انتهاكات المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف وانتهاكات البروتوكول الإضافي الثاني وكذلك الجرائم الخاضعة لقانون سيراليون ذي الصلة ، والمرتكبة في أراضي سيراليون ومن بينها الجرائم المتصلة بمعاملة الفتيات واختطافهن ، وكذلك الجرائم المتصلة بالإتلاف العمد للممتلكات بموجب قانون الإضرار العام 1861 .

المبحث الثاني
علاقة المحكمة الجنائية الدولية بمجلس الأمن
تمهيد :-
من المعلوم أن مجلس الأمن الدولي ، مكلف بموجب ميثاق الأمم المتحدة بأداء مهمة كبيرة وصعبة هي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، وأن المجلس في سبيل إنجازه لهذه المهمة يتصرف نيابة عن المجتمع الدولي ، ويملك في نفس الوقت اتخاذ أي تدبير يراه ملائما لتحقيق ذلك الهدف ( المادة 39 من الميثاق ) .
ومن المؤكد – من الناحية النظرية على الأقل – أن المحكمة الجنائية الدولية بملاحقتها ومعاقبتها لمرتكبي جرائم الإبادة الجماعية ، وجرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية ، نعد أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره ، وتهدد السلم والأمن والرفاه في العالم ، بإمكانها أن تساهم في الجهود المبذولة من اجل تفادي وقوع أو تكرارا بعض النزاعات – أقول بعض وليس كل لكي لا يؤخذ علينا الإسراف في التفاؤل في هذا المجال – وتقليص عدد الضحايا . ومما لا شك فيه أنها بقيامها بهذا الدور سوف تساهم – شأنها في ذلك مجلس الأمن – في دعم أسس التعايش السلمي بين البشر ، وكذلك أيضا الحفاظ على السلم والأمن الدوليين .( )
وصفوة القول هنا ، أن جهود مجلس الأمن وكذلك جهود المحكمة الجنائية الدولية تصب كافة في مجرى واحد ، وتسعى إلى تحقيق ذات الهدف ، وهو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين (1).
ولما كان الأمر كذلك ، فانه من المنطقي والضروري أيضا أن توجد علاقة تعاون في هذا المجال بين الجهازين : السياسي (مجلس الأمن) والقضائي (المحكمة الجنائية الدولية) .
وعليه فإن البحث في هذه العلاقة من مختلف جوانبها سيكون محور اهتمامنا في المطلبين التاليين اللذين نخصص أولهما لعرض مظاهر العلاقة بين المحكمة ومجلس الأمن كما هي محددة في نظام روما ، ونخصص الثاني لبحث مشكلة علاقة مجلس الأمن باختصاص المحكمة فيما يتعلق بجريمة العدوان .
المطلب الأول
مظاهر العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن
المقننة بنصوص صريحة في نظام روما الأساسي
تمهيد :-
الواقع أن العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن تتبدى في ضوء أحكام النظام الأساسي من عدة وجوه ( ) وهي :-
أ) حق مجلس الأمن في إحالة (تقديم شكوى ) للمحكمة الجنائية الدولية ، تتعلق بوقائع يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم الواردة في المادة 5 من نظام روما الأساسي قد ارتكبت (م13/ب) .

ب) سلطة مجلس الأمن في أن يطلب إلى المحكمة الجنائية وقف إجراءات التحقيق أو المحاكمة أمامها لمدة 12 شهراً قابلة للتجديد بناء على قرار يتخذه المجلس بالخصوص . (م 16 من نظام روما الأساسي ) .

ج) دور مجلس الأمن في حالة امتناع دولة طرف ، أو عدم امتثال دولة غير طرف لطلبات التعاون المقدمة من المحكمة إذا كان المجلس هو الذي أحال الحالة إلى المحكمة (م 87 من نظام روما الأساسي ) .
وقبل الشروع في تحليل ما تقدم بشئ من الإيجاز تجدر الإشارة ابتداء إلى أن موضوع العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن لم تكن محل اتفاق بين وفود الدول التي شاركت في مؤتمر روما الدبلوماسي للمفوضين بشأن إنشاء المحكمة الجنائية (روما 1998) ، بل كانت محل جدل كبير فيما بينها ، وقد دفع ذلك بعض الدول لاحقاً إلى عدم التوقيع على نظام روما الأساسي ، أو عدم التصديق عليه لحد الآن .
وتفصيل ذلك أن بعض الدول ، وفي مقدمتها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ، يرى أن العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن كما هي موضحة في نظام روما ليست بدعاً ، بل هي تطبيق لسلطة المجلس كما هي محددة في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنحه سلطات سياسية واسعة ومطلقة في مجال استعادة وبقاء السلام وحفظ الأمن .
غير أن فريقاً آخر من الدول التي شاركت في مؤتمر روما ، كان يشكك في مصداقية مجلس الأمن ويرى أن منح المجلس كل هذه الحقوق ، وإعطائه السلطات المشار إليها أعلاه من شأنه أن يؤدي إلى تسييس المحكمة الجنائية الدولية ، وبالتالي التأثير عليها سلباً باعتبارها أداة للعدالة الجنائية الدولية .
الفرع الأول
حق مجلس الأمن في إحالة حالة إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية
تنص المادة 13 من نظام روما الأساسي على أنه : ( للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة 5 وفقاً لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال الآتية :-
أ) إذا أحالت دولة طرف إلي المدعي العام وفق للمادة 14 حالة يبدو أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
ب) إذا أحال مجلس الأمن ، متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حالة إلى المدعى العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
ج) إذا كان المدعى العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقاً للمادة 15 .
واضح تماماً مما تقدم أن مجلس الأمن يملك بموجب الفقرة ب من المادة 13 من نظام روما الأساسي حق إحالة حالة إلى المحكمة الجنائية الدولية ، أي بمعنى أنه يملك حق تقديم شكوى للمدعى العام للمحكمة .
وهنا ينبغي التأكيد على عدة نقاط جوهرية :-
1) إذا أحيلت الحالة من مجلس الأمن ، فإن المحكمة الجنائية الدولية لا تتقيد بالشروط المسبقة لممارسة الاختصاص الوارد ذكرها في الفقرة 2/أ و ب من المادة 12 من نظام روما ، أي بمعنى أنه في هذا الفرض لا يشترط أن تكون الجريمة قد ارتكبت في إقليم دولة طرف أو من شخص يحمل جنسية دولة طرف ، فالمحكمة ينعقد لها الاختصاص في هذا الفرض أياً ما كان وقوع الجريمة وبغض النظر عن جنسية مرتكبها .
2) تقديم الشكوى من مجلس الأمن لا يلزم المدعى العام بمباشرة التحقيق دائماً ، بل بإمكانه ألا يباشر التحقيقات إذا اقتنع أن الإحالة استندت إلى معلومات غير صحيحة ، أو أدلة تافهة ، أو كانت مبنية على أهواء سياسية أو إفتراضات غير واقعيـة .
3) ينبغي أن يكون موضوع الإحالة واحدة أو أكثر من الجرائم التي ورد النص عليها حصراً في المادة 5 من نظام روما وبالتالي لا يحق لمجلس الأمن أن يحيل – على سبيل المثال – حالة تتعلق بجرائم الإرهاب أو الاتجار غير المشروع بالمخدرات ، أو الهجرة غير الشرعية ، أو غسل الأموال ، أو الاتجار بالنساء والأطفال ، أو الاتجار بالسلاح رغم خطورتها بدون جدال . ولكن يلاحظ أنه في هذه الحالة ليس ثمة ما يحول دون قيام المجلس بإنشاء محكمة جنائية دولية مؤقتة على غرار محاكم يوغسلافيا السابقة ورواندا للنظر في الواقعة .
4) يجب أن يتصرف المجلس عند إحالته الحالة للمدعى العام بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، أي بمعنى أن يكون المجلس مقتنعاً بأن ارتكاب الواقعة هدد بالفعل أو من شأنه أن يهدد السلم والأمن الدوليين .
5) من حق المحكمة الجنائية الدولية أن تتخذ قراراً بعدم قبول الدعوى كلما تبين أن موضوع الإحالة يخرج عن نطاق اختصاصاتها – سابق الإشارة إليها خاصة من حيث الموضوع والزمان ، والأشخاص ، ولو كان مجلس الأمن هو جهة الإحالة . وعليه إذا أحال مجلس الأمن إلى المدعى العام حالة تتعلق بجريمة من جرائم الحرب ارتكبت قبل دخول النظام الأساسي في 1/7/2002 ، فإن المحكمة لها الحق في عدم قبول الدعوى لخروج الموضوع عن نطاق اختصاصها الزمني . ولكن هنا أيضاً ليس ثمة ما يمنع المجلس – إذا رأى ملاءمة ذلك – إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة ومؤقتة .
6) ان إحالة الحالة من مجلس الأمن إلى المدعى العام تثير سؤالاً هاماً هو :- هل يترتب على إحالة الحالة من مجلس الأمن إلى المدعى العام ، عدم استطاعة المحاكم الوطنية بعد ذلك ممارسة ولايتها القضائية بخصوص الجريمة محل الإحالة استناداً إلى مبدأ التكامل .
من باب الأمانة العلمية يجب علينا أن نعترف ابتداء أن الإجابة على السؤال المطروح قد تكون محلاً لتباين الآراء في محيط الفقه ؛ فمن يرى أن ميثاق الأمم المتحدة .أعلى قيمة من الناحية القانونية من غيره من الاتفاقيات الدولية ولهذا فهو يسمو عليها ، سينتهي إلى أن إحالة الحالة من مجلس الأمن إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية من شأنه أن يعطل أية مبادرة تقوم بها المحاكم الوطنية بشأن ممارسة اختصاصها بشأن الجريمة موضوع الإحالة ؛ وذلك لأن مجلس الأمن يتصرف في فرض كهذا التي نحن بصدده بموجب الميثاق ، وليس بمقتضى نظام روما الأساسي .
وأما الذي يعطي للميثاق قيمة قانونية مساوية للقيمة التي يعطيها للاتفاقيات الدولية بوجه عام ، فسينتهي إلى أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية يحول – أي مبدأ التكامل – دون إمكانية قبول الدعوى من قبل المحكمة إذا كانت تجري التحقيق أو المقاضاة في الدعوى دولة لها اختصاص عليها ، ولو كان مجلس الأمن هو جهة الإحالـة .
وفي باب المفاضلة بين الرأيين السابقين ، نختار الانحياز للرأي الأول ، لآن منطقه أسد وحجته أقوى ، ولأنه ينسجم أكثر مع التفسير الصحيح للمادة (103) من ميثاق الأمم المتحدة التي حسمت الجدل في هذا الشأن لصالح هذا الرأي الذي نؤيده .

الفرع الثاني
حق مجلس الأمن في وقف إجراءات التحقيق والمحاكمة
تنص المادة (16) من نظام روما الأساسي على أنه : ( لا يجوز البدء أو المضي في تحقيق أو مقاضاة بموجب هذا النظام الأساسي لمدة أثنى عشر شهراً بناء على طلب من مجلس الأمن إلى المحكمة بهذا يتضمنه قرار يصدر عن المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، ويجوز للمجلس تجديد هذا الطلب بالشروط ذاتها) .
نستخلص من هذا النص ، أن مجلس الأمن الدولي يجوز له أن يطلب إلى المحكمة الجنائية الدولية وقف التحقيق أو إرجاء المحاكمة ، وفق الضوابط التالية :-
1) ضرورة أن يكون الطلب إلى المحكمة مبنياً على قرار يصدره المجلس بهذا الشأن .
2) أن يتصرف المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وبعبارة أخرى ، يجب أن يرى المجلس أن التحقيق أو المحاكمة محل الإرجاء من شأن الاستمرار في أي منهما أن يشكل تهديد للسلم والأمن الدوليين .
3) ينبغي أن يكون إيقاف التحقيق أو المحاكمة لمدة محدودة لا تزيد على 12 شهراً غير أن المادة (16) تسمح للمجلس بتحديد الطلب بالشروط ذاتها لعدد غير محدد من المرات .
وتجدر الإشارة إلى أن نص المادة 16 من نظام الأساسي محل البحث أثار جدلاً كبيراً في محيط الفقه الذي يتنازعه في هذا الشأن رأيان ، أحدهما يؤيد منح مجلس الأمن رخصة إرجاء التحقيق أو المحاكمة ، وأخر يعارض ذلك . وهكذا تباينت أيضاً مواقف الدول التي شاركت في مؤتمر روما (1998) الذي عني بإنشاء المحكمة الجنائية ، وذلك حسب انحيازها للرأي الأول ، أو دعمها للرأي الثاني .
والحجة الرئيسية التي يسوقها أنصار الرأي الأول المؤيد لفكرة منح مجلس الأمن سلطة إرجاء التحقيق أو المحاكمة هي " أن نص المادة 16 ما هو إلا تطبيق (عملي ) لسلطات مجلس الأمن كما هي محددة في ميثاق الأمم المتحدة وخاصة الفصل السابع منه ، الذي يعطي للمجلس سلطة سياسية واسعة النطاق فيما يتعلق بالمسائل ذات الصلة وبحفظ السلم والأمن الدوليين .
وفضلاً عما تقدم يرى هذا الفريق أيضاً أن حفظ واستعادة وبقاء السلام قد لا يكون بالضرورة عن طريق تدبير إيجابي يتمثل في إحالة حالة إلى المحكمة ، وإنما قد يكون عن طريق تدبير سلبي يتمثل في وقف الإجراءات أمام المحكمة .
وأما الحجة الرئيسية التي يسوقها الرأي المعارض لفكرة منح مجلس الأمن رخصة إيقاف الإجراءات أمام المحكمة الجنائية الدولية ، فتتمثل في أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى نتائج سلبية وخطيرة في نفس الوقت ، ولعل أبرزها تسييس المحكمة الجنائية الدولية ، وجعلها مجرد (ذيل) تابع لمجلس الأمن ، الأمر الذي يستتبع عرقلة المحكمة بإدخالها في متاهات سياسات الكيل بمكيالين أو العدالة الانتقائية التي أثبت الواقع ودلت التجربة العملية أن مجلس الأمن لجأ ومازال يلجأ إلى انتهاجها في معالجته لبعض القضايا الدولية .
وإذا أردنا الترجيح بين هذين الرأيين – على أساس الاعتبارات القانونية من جهة والاعتبارات السياسية من جهة أخرى – لوجدنا أن كلا الرأيين جدير بالاهتمام من هذه الناحية أو تلك .
وتفصيل ذلك أن الرأي الأول ، الذي يؤيد سلطة مجلس الأمن في إرجاء التحقيق أو المحاكمة ، إذا نظرنا إليه من الزاوية القانونية الصرفة ، سنجد أن نصوص ميثاق الأمم المتحدة ، وخاصة الفصل السابع منه ، تدعم ترجيح كفة هذا الرأي بدون حاجة إلى بذل جهد كبير .
وأما الرأي الثاني ، الذي يعارض بشدة مضمون الماد (16) محل الجدل ، فإننا لو نظرنا إليه من منطلق الاعتبارات القانونية لوجدنا أن هذا الرأي لا يصمد كثيراً أمام تلك الاعتبارات ، غير أنه إذا حاولنا إلقاء نظرة على ذلك الرأي من زاوية النظر السياسية البحتة فإن الأمور ستنقلب رأساً على عقب ، لأن الاعتبارات السياسية ستؤدي حتماً إلى ترجيح كفة الرأي الثاني الذي يعارض ، كما أشرنا من قبل ، سلطة مجلس الأمن إرجاء التحقيق أو المحاكمة .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاعتبارات السياسية التي نقصدها هنا هي ذاتها الاعتبارات السياسية التي تم عرضها وشرحها بمناسبة الكلام عن حق مجلس الأمن في إحالة حالة إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية في الفرع الأول من هذا المطلب ، وعليه نحيل على ورد بالخصوص في الموضع المشار إليه آنفاً تفادياً للتكرار والإطالـة .



الفرع الثالث
الدور الرقابي لمجلس الأمن في حالة امتناع دولة من الدول عن
التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية
لا يضيف جديداً القول أن كافة الدول ، الأطراف وغير الأطراف في نظام روما الأساسي على حد سواء ، يقع عليها التزام التعاون التام مع المحكمة الجنائية الدولية ، في حالة ما إذا كان مجلس الأمن هو الذي أحال الحالة إلى المدعى العام للمحكمة ، بموجب الفقرة (ب) من المادة (13) من نظام روما الأساسي . لأن ذلك مجلس الأمن عندما يحيل حالة إلى المدعى العام للمحكمة ، إنما يتصرف في الأساس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ( هذا الميثاق الذي صدقت عليه كما هو معلوم كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ) ، وليس بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي لا يلزم بطبيعة الحال الدول غير الأطراف ، وإنما يلزم فحسب الدول الأطراف فيه .
ولسنا في حاجة إلى التنبيه إلى أن التجربة العملية دلت على أن وجود أي التزام قانوني على عاتق شخص ما (طبيعي كان أم اعتبارياً ) دون أن يوجد بالتوازي معه جزاء ينبغي توقيعه عند عدم الوفاء بهذا الالتزام ، أمر من شأنه أن يجعل من ذلك الالتزام مجرد حبر على ورق .
وعطفاً على ما تقدم فإن أبرز المشاكل التي واجهت وما تزال – القانون الدولي تتمثل في ، أن قواعد هذا القانون تفرض التزامات عديدة على الدول ، غير أن قواعد القانون الدولي تفتقر في الغالب إلى الجزاء الذي يفرض احترامها ويحد من مخالفتها .
ولما كان الأمر كذلك ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح الآن يتمثل في معرفة ما إذا كان ثمة دور يمكن لمجلس الأمن أن يمارسه ، إذا كان هو الجهة التي أحالت الحالة إلى المحكمة ، واقتنعت دولة طرف أو غير طرف عن التعاون مع المحكمة بخصوص الإجراءات ذات الصلة بموضوع الإحالة ؟
للإجابة على ذلك السؤال نبدأ أولاً بالإشارة إلى أن الفقرتان 5 و 7 من المادة 87 من نظام روما الأساسي نصتا ضمن أحكام أخرى – على ما يلي ..............5 ) – في حالة امتناع دولة طرف في هذا النظام الأساسي – عن التعاون – يجوز للمحكمة أن تخطر بذلك ....مجلس الأمن إذا كان مجلس الأمن قد أحال المسألة إلى المحكمة ).
6) ........................................
7) في حالة عدم امتثال دولة طرف لطلب تعاون مقدم من المحكمة بما يتنافى وأحكام هذا النظام الأساسي ، ويحول دون ممارسة المحكمة وظائفها وسلطاتها بموجب هذا النظام ، يجوز للمحكمة أن تتخذ قرارا بهذا المعنى وأن تحيل المسألة إلى مجلس الأمن إذا كان مجلس الأمن قد أحال المسألة إلى المحكمة .
إن إلقاء نظرة سريعة في مضمون النص السابق لتكشف بجلاء عن أن المحكمة الجنائية الدولية ( يجوز) لها إخطار مجلس الأمن بواقعة الامتناع عن التعاون معها ، بغض النظر عن كون الدولة الممتنعة طرف أو غير طرف في نظام روما الأساسي ، طالما أن الإحالة كانت من المجلس.
وغني عن البيان أن الغاية من ذلك الإخطار تمكين مجلس الأمن من ممارسة دوره الرقابي الذي يخوله فرض تدابير عقابية على الدولة الممتنعة عن التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية . ومما لا شك فيه أن هذا يعد خطوة جادة في سبيل فرض احترام قواعد القانون الدولي عن طريق التهديد بفرض تدابير زجرية في حال مخالفتها.
والسؤال الذي يثور الآن : ما هو أساس هذا الدور الرقابي لمجلس الأمن ، وما هي على وجه التحديد التدابير العقابية التي يمكن للمجلس فرضها على الدولة الممتنعة عن التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية ؟
دون الدخول في تفاصيل لا يقتضيها المقام ، يمكننا القول باختصار ، أن ممارسة مجلس الأمن لهذا الدور الرقابي يستند أساساً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وخصوصاً المادة (39) ، التي تخول المجلس سلطة فرض العقوبات لحفظ السلم والأمن الدوليين ؛ ومن المعلوم أن عدم امتثال دولة ما لطلبات التعاون المقدمة من المحكمة الجنائية الدولية من شأنه أن يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين ، على اعتبار أن الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة تعد – كما ورد في ديباجة النظام الأساسي – من الجرائم الدولية الخطيرة التي تثير قلق المجتمع الدولي ، وتهدد السلم والأمن الدوليين .
وأما بخصوص ماهية التدابير العقابية التي يمكن للمجلس فرضها في حالة عدم التعاون من جانب الدول الأطراف أو غير الأطراف مع المحكمة في الفرض الذي نحن بصدده – أي ي حالة ما إذا كان المجلس قد أحال الحالة إلى المدعى العام للمحكمة - ، فيمكن القول بإيجاز أن النظام الأساسي للمحكمة لم يتضمن نصاً خاصاً يتعلق بتحديد ماهية هذه العقوبات ، وإزاء ذلك ليس ثمة من سبيل سوى الرجوع إلى القاعدة العامة ، وأعني بذلك على وجه التحديد الرجوع إلى المادة (39) من ميثاق الأمم المتحدة التي نصت على التدابير العقابية التي يجوز للمجلس فرضها لحفظ السلم والأمن الدوليين وقمع العدوان ، وهي تدابير تتنوع لتشمل تدابير غير عسكرية كالعقوبات الاقتصادية ، وقطع العلاقات الدبلوماسية ، وكذلك تدابير عسكرية قد تصل إلى حد استعمال القوة المسلحة *.
المطلب الثاني
مشكلة علاقة مجلس الأمن بممارسة المحكمة لاختصاصها
المستقبلي فيما يتعلق بجريمة العدوان
تمهيد :-
من الحقائق الثابتة التي لا تحتاج إلى التأكيد – لورود نص صريح بشأنها في نظام روما الأساسي – أن الجدل العنيف الذي ثار بين الوفود التي شاركت في مؤتمر روما بشأن المحكمة الجنائية الدولية (1998) ، حول إدراج جريمة العدوان من عدمه ضمن دائرة الاختصاص الموضوعي للمحكمة ، حسم نهائياً بإدراج هذه الجريمة ضمن قائمة الجرائم المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة (5) وهي : الإبادة الجماعية ، وجرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية ، وجريمة العدوان .
بيد أنه ينبغي التنويه هنا إلى أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بجريمة العدوان مستقبلي ، ذلك لأن ممارستها لهذا الاختصاص معلق على شرط واقف ، وهو توصل الدول إلى صيغة اتفاق مقبولة حول مشكلتين رئيسيتين هما : (1) تعريف العدوان (2) تحديد الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بجريمة العدوان ، وبعبارة أخرى تحديد الجهة التي من حقها مستقبلاً البت فيما إذا كانت الواقعة المرتكبة والتي قدمت الشكوى بشأنها إلى المدعى العام للمحكمة ينطبق عليها تعريف العدوان من عدمه ؛ فهل ستكون هذه الجهة مجلس الأمن أم غيره من الجهات الأخرى ،كالمحكمة الجنائية الدولية نفسها ، أو محكمة العدل الدولية ؟
والمشكلة محل التساؤل ورد النص عليها صراحة في الفقرة الثانية من المادة (5) من نظام روما التي جرت صياغتها على النحو التالي : (تمارس المحكمة الاختصاص على جريمة العدوان اعتمد حكم بهذا الشأن وفقاً للمادتين 121 و 123 يعرف جريمة العدوان ، ويضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة ، ويجب أن يكون هذا الحكم متسقاً مع الأحكام ذات الصلة من ميثاق الأمم المتحدة ).
خلاصة القول إذن أنه لم يعد ثمة مجال للبحث والنقاش حول إمكانية إدراج جريمة العدوان من عدمه ضمن الجرائم التي تختص بها ، فهذه المسألة حسمت بنص الفقرة الأولى من المادة الخامسة من نظام روما الأساسي – كما ذكرنا أعلاه – ولهذا فإن المشاكل ذات الصلة بجريمة العدوان ، والتي ما تزال عالقة ، والنقاش والتفاوض شأنهما مايزال مستمرا ، وهما )1) تعريف العدوان (2) تحديد الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها بشأن هذه الجريمة .
والواقع أن اهتمامنا في هذا الجانب من البحث سيكون منصباً فحسب على المشكلة الثانية . أما بالنسبة للمشكلة الأولى وهي تعريف العدوان فلا علاقة لمجلس الأمن بها ، وبالتالي فإنا نحيل على ورد من تفاصيل بخصوصها في الوثائق الخاصة بالفريق العامل المعنى بجريمة العدوان (WGCA) ، الذي كان يعمل تحت مظلة اللجنة التحضيرية (الثانية) للمحكمة الجنائية الدولية (PCNICC) التي انتهت ولايتها في 1/7/2002 بدخول النظام الأساسي حيز النفاذ ي ذلك التاريخ ، ولكنه ما يزال مستمراً في العمل لحد الآن تحت مظلة جمعية الدول الأطراف (ASP) في نظام روما الأساسي .
وعلى هذا سنتناول في هذا المطلب مشكلة علاقة مجلس الأمن باختصاص المحكمة الجنائية الدولية بجريمة العدوان ، وذلك من خلال الفرعين التاليين :

الفرع الأول
الاتجاهات المختلفة في شأن علاقة مجلس الأمن بممارسة المحكمة
اختصاصها بجريمة العدوان

كما المحنا إلى ذلك من قبل ، السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق : من هي الجهة التي يحق لها البت مستقبلاً فيما إذا كانت الواقعة المعروضة على المحكمة ينطبق عليها تعريف العدوان من عدمه ؛ فهل ينبغي أن تكون تلك الجهة مجلس الأمن ، أم المحكمة الجنائية الدولية نفسها ، أم جهة ثالثة غيرهما ؟
هنا نجد أنفسنا إزاء مسألة معقدة تباينت بخصوصها الآراء . ويمكن حصر هذه الأخيرة في اتجاهين ( ):-
الاتجاه الأول :- الذي تتبناه الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ( فرنسا ، أمريكا ، بريطانيا ، روسيا ، والصين ) ، ويذهب إلى أن مجلس الأمن الدولي هو الجهة الوحيدة المختصة بموجب ميثاق الأمم ( ) بتحديد وقوع العدوان وعلى هذا ينبغي أن تراعى صلاحيات مجلس الأمن هذه حتى في ظل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، وذلك بعدم شروع المحكمة في اتخاذ الإجراءات بشأن أية واقعة تتعلق بالعدوان قبل أن يتخذ مجلس الأمن قراراً يحدد بموجبه ما إذا كانت الواقعة المرتكبة تشكل عدواناً من عدمه .
الاتجاه الثاني :- الذي تتبناه على وجه الخصوص غالبية الدول العربية ، وكذلك الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز ؛ فأنصار هذا الاتجاه يعارضون بشدة الإبقاء علي مسألة تكييف الواقعة المعروضة على المحكمة – من حيث كونها تشكل عدواناً من عدمه – ضمن دائرة السلطة الحصرية لمجلس الأمن ، وذلك لاعتبارات عدة يمكن إيجازها في نقاط محددة هي :-
1) أن ترك مسألة التكييف – في موضوع العدوان – للسلطة التقديرية المطلقة لمجلس الأمن ، من شأنه أن يؤدي إلى تسييس المحكمة الجنائية الدولية ، وربط حركتها وقيامها بأداء عملها بقرارات مجلس الأمن ، مع أنه كما هو معلوم ، المحكمة أنشأت بموجب اتفاقية دولية ، وذلك لضمان استقلاليتها .
2) من المقبول أن يكون مجلس الأمن بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية مصدرا للمعلومات ، ولكن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يكون هو الجهة الوحيدة المخولة بتحديد ما إذا كان ما ارتكب يعد عملاً عدوانياًً .
3) إن مجلس الأمن – بالنظر إلى طبيعته السياسية – قد يعجز أحياناً عن إثبات وجود عمل عدواني ، وذلك بسبب افتقاره في بعض الحالات إلى المهارات القانونية التي قد يحتاجها التحقق من وقوع العدوان ، الأمر الذي قد يعصف بعلاقة التوازن المطلوبة بين الاختصاص الجنائي للمحكمة الجنائية الدولية من جهة ، والطبيعة السياسية التي تميز تصرفات مجلس الأمن بموجب الميثاق من جهة أخرى .
4) أن ترك مسألة تحديد وقوع العدوان لمجلس الأمن في مجال ممارسة المحكمة الجنائية الدولية لاختصاصها بجريمة العدوان ، يعطى مجلس الأمن صكّاً على بياض ، قد يدفعه إلى أتباع سياسية الكيل بمكيالين التي تقوم على مبدأ العدالة الانتقائية .
وإذا حاولنا الترجيح بين الاتجاهين السابقين ، لوجدنا هنا أيضاً أن ترجيح هذا الاتجاه أو ذاك يتوقف على زاوية النظر التي ننطلق منها ؛ فلو انطلقنا من زاوية النظر القانونية لأمكن القول برجحان الاتجاه الأول الذي يؤيد احتكار مجلس الأمن سلطة الفصل فيما إذا كان موضوع الشكوى يعد عملاً عدوانياً ؛ فأساس هذا الاتجاه أمتن ، لأنه يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة المادة (39) ، ولأنه يتناغم أيضاً مع ما ورد في الفقرة الثانية من المادة (5) من نظام روما الأساسي ، التي أوجبت أن يكون تحديد الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بجريمة العدوان متسقاً مع الأحكام ذات الصلة في ميثاق الأمم المتحدة .
والواقع أن هذا هو نفسه موقف لجنة القانون الدولي حين قامت بوضع مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بتكليف من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1990 م .فقد نصت المادة (10) من المشروع المشار إليه آنفاً على أنه : ( لا يجوز تقديم شكوى عن عمل من أعمال العدوان .... بموجب هذا النظام الأساسي ما لم يقرر مجلس الأمن أولاً أن دولة ما قد ارتكبت العمل العدواني .
وأما إذا حاولنا الترجيح بين الاتجاهين ، منطلقين من زاوية التقييم السياسي ، لوجدنا أن الاتجاه الثاني الذي يرفض استئثار مجلس الأمن بسلطة تحديد ما إذا كانت الواقعة المعروضة على المحكمة تشكل عملاً عدوانياً من عدمه ، هو الأكثر رجحاناً . ذلك لأن واقع تصرفات مجلس الأمن في السنوات الأخيرة وخاصة بعد انهيار نظام القطبية الثنائية واعتماد المجلس بعد ذلك بشكل أساسي على سياسة العدالة المزدوجة المعايير في معالجته لكثير من القضايا الدولية تجعل مما يخشاه أنصار هذا الاتجاه احتمال وارد إن لم يكن حقيقة واقعة ( ) .
الفرع الثاني
جهود الفريق العامل المعنى بجريمة العدوان (WGCA)
بتاريخ 17/7/1998 ، اتخذ مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المعنى بإنشاء محكمة جنائية دولية عدة قرارات ، من بينها القرار (9) الذي بموجبه قام المؤتمر المذكور بإنشاء لجنة تحضيرية للمحكمة الجنائية الدولية مهمتها تقديم عدة مشاريع نصوص ، من بينها مشاريع نصوص تتعلق بتعريف العدوان ، وتحديد شروط ممارسة المحكمة الجنائية الدولية لاختصاصها على هذه الجريمة .
وبناء على ذلك قامت اللجنة التحضيرية في دورتها الثانية التي عقدت في الشهر الثاني من عام 1999 بتشكيل فريق عامل معنى بجريمة العدوان . وقد اجتمع هذا الفريق في الفترة ما بين 16/2/1999 إلى 1/7/2002 تاريخ انتهاء ولاية تلك اللجنة بدخول النظام الأساسي حيز النفاذ .
والواقع أن اقتراحات عديدة بشأن المشكلتين محل البحث قدمت من طرف وفود الدول التي شاركت في الدورات التي عقدتها اللجنة التحضيرية للمحكمة الجنائية الأولية ، ولكن بالنظر إلى أننا لسنا في مقام يسمح بعرض كافة تلك المقترحات ، عليه نكتفي بالإشارة فحسب إلى أن الفريق العامل المعنى بجريمة العدوان لم يتوصل خلال الفترة التي كانت فيها ولاية اللجنة التحضيرية قائمة إلى أي رأي حاسم ومتفق عليه فيما نحن بصدده .
ومع ذلك من الجدير بالذكر أن منسق الفريق المذكور قام في أخر جلسة عقدها فريقه بطرح ورقة مناقشة تتعلق بتعريف العدوان وشروط ممارسة الاختصاص .
والواقع أن منسق الفريق العامل المعنى بجريمة العدوان بطرحه لهذه الورقة لم يفعل أكثر من أنه حاول من خلالها أن يلخص في نقاط محددة الاتجاهات العامة لسير المفاوضات والمناقشات حول المشكلتين السابقتين .
وفيما يتعلق بمضمون تلك الورقة سنتوقف هنا فقط لاستقصاء الاتجاه العام في شأن المشكلة الثانية ، وهي المتعلقة بالدور المحتمل لمجلس الأمن في تكييف الواقعة ، أي في تحديد وجود أو عدم وجود عمل عدواني .
ويستفاد من ورقة النقاش محل الاهتمام هنا ، أن الرأي في الفريق العامل المعنى بجريمة العدوان ، كان يميل في المناقشات التي دارت في الفترة التي كانت فيها ولاية اللجنة التحضيرية للمحكمة الجنائية الدولية قائمة إلى تبنى فكرة أن مجلس الأمن هو المعنى وحده بتقرير ما إذا كانت الواقعة موضوع الشكوى تعد عملاً عدوانياً من عدمه ، ولكن بشرط أن يتخذ المجلس قراراً بهذا الشأن خلال فترة محددة هي (6) ستة أشهر.
ومع ذلك يلاحظ أن خلافاً برز بين أنصار الرأي السابق ، حول ما يجب عمله في حالة ما لم يتخذ مجلس الأمن قرارا بشأن وجود عمل عدواني خلال الفترة المحددة .
وهنا تصادفنا – كما هو واضح من خلال مضمون نص ورقة المنسق – عدة خيارات متباينة ، تؤكد في مجملها على أن الموضوع ما يزال محل جدل كبير ، وخلاف عميق . والواقع أن هذا الوضع ما يزال قائماً حتى في نطاق الفريق العامل (الجديد) المعنى بجريمة العدوان ، والذي ما يزال مستمر في العمل تحت مظلة جمعية الـدول الأطـراف .

المبحث الثالث
قرار مجلس الأمن رقم 1593(2005) بشأن دارفور
من الناحيتين التحليلية والتقييمية
تمهيد :-
انطلاقا من معطيات الواقع في إقليم دارفور / السودان ، التي تتلخص في أن نزاعا مسلحا غير ذي طابع دولي نشب منذ سنوات وما يزال قائما بين قوات المتمردين في دارفور من جهة ، والميلشيات المسلحة التي في مقدمتها ميليشيا الجنجاويد التي يُدَّعى بأن الحكومة السودانية تدعمها من جهة أخرى .
واعتمادا على التقرير النهائي الذي أعدته لجنة الخبراء الدولية ، التي كلفت بمهمة التحقيق في الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في دارفور ، والذي انتهى إلى أن هذا الصراع دفع جميع أطرافه إلى ارتكاب أعمال وحشية متبادلة تشكل جرائم دولية : كالإبادة الجماعية ، وجرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية .
وبالنظر إلى القناعة التي تولدت لدى مجلس الأمن ، في ضوء ما تقدم ، بأن الحالة في السودان تشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين .
وبموجب سلطاته التي يتمتع بها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، والتي تخوله اتخاذ إي تدبير يراه ملائما ومناسبا لحفظ السلام والأمن الدوليين ، اتخذ مجلس الأمن في جلسته (5158) المعقودة في 31/3/2005ف قراره رقم (1593) لسنة (2005ف) ، الذي جاء فيه – ضمن جملة أمور أخرى – ما يلي :-
( إن مجلس الأمن ،
..........................................
1 ) يقرر إحالة الوضع القائم في دارفور منذ 1 تموز / يولية 2002 إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية ؟
2 ) يقرر أن تتعاون حكومة السودان وجميع أطراف الصراع الأخرى في دارفور تعاونا كاملا مع المحكمة ومع المدعى العام ، وان تقدم إليهما كل ما يلزم من مساعدة ، عملا بهذا القرار ، وإذ يدرك أن الدول غير الأطراف في نظام روما الأساسي لا يقع عليها أي التزام بموجب النظام الأساسي ، يحث جميع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الأخرى المعنية على أن تتعاون تعاونا كاملا ،
3 )................................
4) ................................
5) ...............................
6) يقرر إخضاع مواطني أي دولة من الدول المساهمة من خارج السودان لا تكون طرفا في نظام روما الأساسي أو مسؤوليها أو أفرادها الحاليين أو السابقين ، للولاية الحصرية لتلك الدولة المساهمة عن كل ما يدعى ارتكابه أو الامتناع عن ارتكابه من أعمال نتيجة للعمليات التي أنشأها أو أذن بها المجلس أو الاتحاد الأفريقي ، أو فيما يتصل بهذه العمليات ، ما لم تتنازل تلك الدولة المساهمة عن هذه الولاية الحصرية تنازلا واضحا ،
7) يسلم بأنه لا يجوز أن تتحمل الأمم المتحدة أية نفقات متكبدة فيما يتصل بالإحالة ، بما فيها النفقات المتعلقة بالتحقيقات أو الملاحقات القضائية فيما يتصل بتلك الإحالة ، وأن تتحمل تلك التكاليف الأطراف في نظام روما الأساسي والدول التي ترغب في الإسهام فيها طواعية .
8) ......................
9) يقرر أن يبقي المسألة قيد نظره

ما تقدم اذن بعض من جوانب نص قرار مجلس الأمن رقم 1593 (2005ف) ، غير أن من يطلع على النص الكامل للقرار المذكور سيتضح له بجلاء أن مجلس الأمن اتخذ هذا القرار سعيا وراء معالجة عامة للوضع المتأزم في دارفور عن طريق اتخاذ كافة التدابير . الملائمة لتحقيق ذلك .
وبالتالي فإن قرار مجلس الأمن بإحالة الوضع في دارفور إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ما هو الا واحد فقط ، من بين عدة تدابير أخرى قرر المجلس اتخاذها بموجب القرار 1593 ، وخاصة الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة من أجل ضمان معالجة شاملة للوضع قدر الإمكان .
وخلاصة القول أن قرار مجلس الأمن رقم 1593 محل الدراسة قرار عام ، ولكنه تضمن في نفس الوقت عدة قرارات فرعية .
والواقع أن اهتمامنا في هذا الجانب من البحث سينصب على أربع فحسب من تلك القرارات وهي :-
1) – القرار الرئيسي ، المتمثل في إحالة الوضع القائم في دارفور إلى المدعى العام للمحكمة الجنائي الدولية .
2) – القرارات الفرعية الأخرى ذات الصلة بقرار الإحالة ، وهي :
أ – قرار مجلس الأمن بإلزام حكومة السودان – وجميع الجهات الدولية والأقليمية الأخرى المعنية – بالتعاون تعاونا كاملا مع المحكمة في هذا الشأن ، على الرغم من أن السودان ليس دولة طرف في نظام روما الأساسي .
ب – قرار مجلس الأمن بمنح الحصانة من المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية لمواطني أي دولة من الدول غير الأطراف في نظام روما ، التي تساهم في العمليات التي أذن بها مجلس الأمن أو الاتحاد الأفريقي في دارفور / السودان .
ج – قرار مجلس الأمن بالا تتحمل الأمم المتحدة أية نفقات تتعلق بهذه الإحالة من المجلس إلى المحكمة ، وأن تتحمل تلك التكاليف الدول الأطراف في نظام روما الأساسي .
ومن هذا المنطلق فإن أهم سؤالين يمكن أن يثورا في هذا الصدد هما :
أ ) ما هي الأسانيد القانونية التي اعتمد عليها مجلس الأمن في اتخاذه لقراره باحالة الوضع القائم في دارفور إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية ؟ .
ب ) هل تتفق تلك القرارات الأربع مع ضوابط الشرعية ومقتضيات المشروعية ؟.
مما لا جدال فيه أن الجواب عن السؤالين السابقين يقتضي نظره تحليلية للقرار من جهة وأخرى تقييمية له من جهة أخرى . وهذا ما سنحاول تحقيقه من خلال ما سيرد في المطلبين التاليين :-
المطلب الأول
الأسانيد القانونية التي اعتمد عليها مجلس الأمن في اتخاذه
لقراره 1593(2005)
تمهيد :
اعتمد مجلس الأمن في اتخاذه لقرار إحالة الوضع القائم في دارفور إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وخاصة لفقرات 1 و 2 منه على عدة أسانيد ( أي نصوص ) قانونية .
غير أن مصدر هذه النصوص ليس واحدا ؛ فبعضها يجد مصدره في ميثاق الأمم المتحدة ، والبعض الأخر يجد مصدره في نظام روما الأساسي .
وعليه سنحاول استعراض النصوص ذات الصلة بالقرار في ميثاق الأمم المتحدة في فرع أول والنصوص ذات العلاقة بنفس القرار في نظام روما الأساسي في فرع ثان . وفيما يلي تفصيل ذلك :-



الفرع الأول
نصوص ميثاق الأمم المتحدة ذات العلاقة بقرار مجلس الأمن 1593(2005)
سبق التنويه إلى أن اهتمامنا في هذا المقام سيكون منصبا على نصوص ميثاق الأمم المتحدة ذات العلاقة بقرار مجلس الأمن رقم 1593 ، ولكن فقط فيما يتعلق بشقيه المتعلقين بالمسألتين التاليتين :
1) إحالة الوضع القائم في دارفور إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ( الفقرة 1 من القرار )
2) طلب المجلس إلى حكومة السودان - وجميع أطراف الصراع الأخرى في دارفور - أن تتعاون تعاونا كاملا مع المحكمة والمدعي العام على الرغم من أن السودان ليس طرفا في نظام روما الأساسي ( الفقرة 2 من السؤال ) .

ويمكن القول بأن تلك النصوص تنحصر في مضمون المواد : (24/1 )و(25/1) و (39) و (41) و (42) من ميثاق الأمم المتحدة :-
وفيما يلي عرض لهذه النصوص :
- تنص المادة 24/1 على أنه : ( رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به الأمم المتحدة سريعا وفعالا ، يعهد أعضاء تلك الهيئة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدوليين ، ويوافقون على أن هذا المجلس يعمل نائباً عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات ) .
- وأما المادة 25/1فتنص على أن ( يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق ) .
- وأما المادة 39 فتنص على أن : ( يقرر مجلس الأمن ، ما إذا كان ما وقع تهديد للسلم أو إخلال به ، أو كان ما وقع عمل من أعمال العدوان ، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين (40، 42) لحفظ السلم أو الأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه )
- وأما المادة 41 فتنص على أن : للمجلس اتخاذ تدابير لا يستلزم تنفيذها استخدام القوات المسلحة ، ومن بينها : وقف الصلات الاقتصادية ، والمواصلات الحديدية والجوية والبحرية وفقاً جزئيا أو كليا ، قطع العلاقات الدبلوماسية ، ..... الخ .
- وأما المادة 42 فتنص على ما معناه ( أن مجلس الأمن له أن يتخذ تدابير ذات طابع حربي ( عسكري ) أذا تبين له أن التدابير غير العسكرية لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به ويتم اتخاذ هذه التدابير بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية ، وفي الحدود اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي ، أو لا عادته إلى نصابه .

ونستخلص من النصوص الآنف عرضها ما يلي :
1) أن الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة كلفت مجلس الأمن بحمل التبعات الرئيسية في حفظ السلم والأمن الدوليين ، كما أنها قبلت بأن يعمل نائبا عنها في هذا المجال .
2) أن مجلس الأمن يملك الحق وحده دون غيره في أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدى إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا ، وأنه يملك تبعا لذلك سلطة تقديرية واسعة وبدون معقب عليه في تقرير ما إذا كان ما وقع يشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين من عدمه .
3) إذا كيف مجلس الأمن الواقعة على أنها تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين ، فإن الميثاق يعطيه الحق في أن يقرر اتخاذ التدابير التي يراها ملائمة ومناسبة مع ظروف الواقع ، لوقف التهديد أو الحيلولة دون تكراره مستقبلاً .
4) لعل أهم التدابير التي يمكن لمجلس الأمن اتخاذها وفقا لأحكام الفصل السابع من الميثاق لغرض الحفاظ على السلم والأمن الدوليين هي التدابير القسرية التي تنقسم إلى نوعين :-
أ – الجزاءات غير العسكرية : وهي إجراءات جماعية يتم اتخاذها بموجب نص المادة 41 من الميثاق ، وهي لا تتطلب استخداما مباشرا للقوة . ومن قبيلها : العقوبات الاقتصادية ، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة المعنية ، وفرض الحظر الجوي .....الخ .
ب – الجزاءات العسكرية : وهي إجراءات جماعية يتم اتخاذها عن طريق مجلس الأمن بموجب المادة 4 من الميثاق ، وهي عكس العقوبات غير العسكرية ، تتطلب استخداما مباشرا للقوة لغرض حفظ السلم والأمن الدوليين .
5) لم ينص ميثاق الأمم المتحدة على سلم لترتيب الأولويات بين الجزاءات غير العسكرية والجزاءات العسكرية. ولهذا فإن تتابع المواد 41 و 42 من الميثاق لا يقيد مجلس الأمن في اتخاذ التدابير غير العسكرية أولا ثم بعد ذلك التدابير العسكرية ، بل أن للمجلس حرية اللجوء إلى اتخاذ التدابير العسكرية مباشرة دون المرور بالتدابير غير العسكرية ، طالما أن الموقف يستدعى ذلك .
6) أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تعهدت – مساهمة منها في إرساء دعائم السلم والأمن الدوليين – بقبول وتنفيذ القرارات التي يتخذها مجلس الأمن بمناسبة أدائه لواجباته التي تفرضها عليه تبعات الحفاظ على السلم والأمن الدوليين .
وفي ضوء ما تقدم يبدو أننا لا نحتاج إلى بذل جهد كبير لإثبات أن مجلس الأمن اعتمد في اتخاذ لقراره بإحالة الوضع القائم في دارفور إلى المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية ( الفقرة 1 من القرار 153 ( 2005 ) ، وكذلك قراره بإلزام حكومة السودان بالتعاون تعاوناً كاملاً مع المحكمة الجنائية الدولية على الرغم من أن السودان ليس طرفاً في نظام روما في الأساس..... ( الفقرة 2 من القرار 1593 ) اعتمد على نصوص صريحة وواضحة في ميثاق الأمم المتحدة .
وتفصيل ذلك ، أن مجلس الأمن عند اتخاذه القرار بإحالة الوضع القائم في دارفور إلى المحكمة الجنائية (الفقرة 1 من القرار 1593)، اعتمد على وجه التحديد على المواد: 24/1 و 39 و41 من ميثاق الأمم المتحدة التي أشرنا إلى مضامينها من قبل، وبالتالي فلا داعي للإطالة بشأنها تفاديا للتكرار. ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن أبلغ ما يعبر عن المعنى الذي نقصده هو مضمون الفقرتين الأخيرتين من ديباجة القرار 1593، فقد جاء فيها ما يلي : (أن مجلس الأمن،... إذ يقرران الحالة في السودان لا تزال تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين.
وإذ يتصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
يقرر .....)
وأما بخصوص قراره بإلزام حكومة السودان بالتعاون تعاوناً كاملاً مع المحكمة الجنائية الدولية على الرغم من أن السودان ليس دولة طرف في نظام روما الأساسي لحد الآن (الفقرة 2 من القرار 1593). فإن مجلس الأمن اعتمد في اتخاذه لذلك القرار على نصوص في ميثاق منظمة الأمم المتحدة (الذي يعد السودان أحد أعضائها)، وليس على نصوص نظام روما الأساسي؛(1) فمجلس الأمن عند اتخاذه للقرار المذكور، اعتمد تحديدا على المادة 25/1 من الميثاق التي نصت – كما أشرنا من قبل- على أن : (يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق).
وبالتالي لا يضيف جديداً القول بأن السودان ملزم بموجب حكم المادة المذكورة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية من أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن المتعلق بإحالة الوضع في دارفور إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.


_____________________
(1) انظر ما سيرد ذكره تفصيلا حول هذه المسألة في الفقرة الثانية من الفرع الأول من المطلب الأول في هذا البحث.

الفرع الثاني
نصوص نظام روما الأساسي ذات العلاقة بمجلس الأمن 1593 (2005)

ذكرنا من قبل أن قرار مجلس الأمن بأن تتعاون حكومة السودان – وجميع الأطراف الأخرى المعنية بالصراع في درافور – تعاوناً كاملاً مع المحكمة الجنائية والمدعي العام (الفقرة 2 من القرار 1593)، لا سند له في نظام روما الأساسي لسبب وجيه هو أن السودان لا يعد دولة طرف في تلك الإتفاقية، ورأينا كيف إن إلزام حكومة السودان بالتعاون في الفرض الذي نحن بصدده يجد مصدره في نصوص ميثاق الأمم المتحدة وخاصة المادة 25/1 التي أشرنا إليها من قبل في المطلب السابق.
وعليه فإن السؤال الآن يدور حول التالي : ماهي نصوص نظام روما الأساسي التي اعتمد عليها مجلس الأمن عند اتخاذه لقراره 1593 في شقه المتعلق بإحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية (الفقرة 1 من القرار).
الواقع أن تلك النصوص تنحصر في المواد: 5 و 6 و7 و8 و11 و 12 و13 و 24 و25 و27 و126 من نظام روما الأساسي.
وإذا حاولنا ضم المواد المذكورة أعلاه في إطار مجموعات محددة ، معتمدين في ذلك على معيار وحدة الموضوع، سنجد أنه من الممكن تصنيفها على النحو التالي:
المجموعة الأولى : النصوص ذات العلاقة بالشروط المسبقة لممارسة المحكمة لاختصاصها، وكذلك أحوال ممارستها لاختصاصها (المادتان 12 و 13).
المجموعة الثانية : النصوص ذات الصلة بنطاق الإختصاص الموضوعي للمحكمة (المواد 5 و 6 و 7 و 8).
المجموعة الثالثة : النصوص ذات العلاقة بنطاق اختصاص المحكمة من حيث الزمان،وكذلك بدء نفاذ نظامها الأساسي (المواد: 11 و 24 و 126).
المجموعة الرابعة : النصوص ذات الصلة باختصاص المحكمة من حيث الأشخاص (المواد : 25 و 27).
وبالنظر إلى أننا تناولنا من قبل بالشرح مضامين المواد المذكورة أعلاه، فإننا نفضل تفاديا للتكرار أن نحيل على ورد ذكره بالخصوص في موضعه المناسب في المبحث الأول من هذا البحث.
ولكن مع ذلك نرى من المفيد في هذا المقام أن نضرب مثلاً أو مثلين لإيضاح كيف أن مجلس الأمن انطلق واعتمد على بعض نصوص نظام روما الأساسي عند اتخاذه لقراره 1593(2005) في شقه المتعلق بالإحالة إلى المحكمة الدولية الجنائية.
وقد رأينا أن يكون ذلك من خلال تحليلنا لعبارتين وردتا في الفقرة (1) من القرار 1593 محل الدراسة. وهاتان العبارتان هما :
1. إحالة الوضع القائم في دافور ....
2. .... منذ 1 / تموز- يوليه /2002.
أولا: عبارة (إحالة الوضع القائم في دافور ....) :-
يلاحظ باديء ذي بدء أن مجلس الأمن استخدم هنا لفظ إحالة (أي بمعنى تقديم شكوى)، وبالتالي فهو لم يلزم المحكمة بقبول الدعوى، لأن المحكمة بإمكانها أن ترفض الدعوى ولو تمت الإحالة من مجلس الأمن ، إذا تبين أن موضوع الشكوى يخرج عن نطاق اختصاصها من حيث الموضوع أو الزمان أو المكان أو الأشخاص.
إذن مجلس الأمن اكتفى هنا بالإحالة ، وسبب ذلك يعود إلى تقيده بالفقرة (ب) من المادة (13) من نظام روما الأساسي التي تعطيه الحق فقط في أن يحيل متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (1) حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
ويلاحظ كذلك من خلال مطالعة الألفاظ التي استخدمها مجلس الأمن في صياغته لهذه العبارة أن موضوع الإحالة هو الوضع القائم في دافور (أي جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت هناك) على الرغم من أن السودان ليست دولة طرف في نظام روما الأساسي.
ويمكننا فهم هذا التصرف من جانب مجلس الأمن ، لو أخدنا في الاعتبار أن المادة 12 من نظام روما الأساسي التي اشترطت لكي تتمكن المحكمة الجنائية الدولية من ممارسة اختصاص أن يتم التحقق ابتداءا من أن الجريمة ارتكبت في إقليم دولة طرف أو من شخص متهم يحمل جنسية دولة طرف في نظام روما الأساسي. _________________________
(1) لاحظ الفقرة الأخيرة من ديباجة القرار 1953 (2005) محل الدراسة.
(2) لاحظ الربط هنا بين الإحالة وبين المواد 5 و 6 و 7 و 8 من نظام روما التي تتعلق بضوابط اختصاص المحكمة من حيث الموضوع.
هذه المادة استثنت بموجب فقرتها (2) الفرض الذي يكون فيه مجلس الأمن هو أحال الحالة. ففي هذا الفرض لا تتقـــــيد المحكمة بالشرط المذكور أعلاه، بل يمكنها قبول الشكوى بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة، وبغض النظر عن جنسية مرتكبها، طالما أم مجلس الأمن هو الذي أحال الحالة، لأنه يتصرف دائما بموجب ميثاق الأمم المتحدة لغرض الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وليس بموجب نصوص نظام روما الأساسي.
ثانيا: عبارة (منذ 1 / تموز- يوليه /2002)
الواقع أن الإشارة إلى تاريخ منذ 1 / تموز- يوليه /2002م في الفقرة (1) من قرار مجلس الأمن رقم 1593 (2005)، ليس من قبيل الترف الذهني، ولا هو بالأمر الفارغ من الأهمية تماما، بل العكس صحيح، فعبارة (منذ 1 / تموز- يوليه /2002م) تكتسي أهمية كبيرة ، ولها دلالة واضحة من الناحية القانونية.
وتفصيل ذلك ، أن ، مجلس الأمن كان يدرك تماما عند اتخاذه للقرار 1593 محل البحث أن النزاع في دارفور بدأ منذ عدة سنوات قبل دخول نظام روما الأساسي حيز النفاذ في منذ 1/ تموز- يوليه /2002م . وبالتالي فمن المحتمل أن تكون ثمة جرائم إبادة جماعية ، أو جرائم حرب ، أو جرائم ضد الإنسانية قد ارتكبت في الإقليم في الفترة السابقة على بدء نفاذ نظام روما الأساسي.
وفضلا عما تقدم كان المجلس يدرك تماما أيضا أن المواد 11 و 24 من نظام روما الأساسي توجب أن تكون فاعلية هذا النظام مستقبلية، أي بمعنى أن يكون سريانه بأثر فوري على الجرائم التي يتبين أنها ارتكبت بعد نفاذه فقط، الأمر الذي يستتبع بحسب مفهوم المخالفة عدم سريانه على الماضي.
وهذا ما يعرف في القوانين الوطنية بمبدأ انعدام الأثر الرجعي للقانون العقابي الجديد الأسوأ للمتهم.
وفضلا عما تقدم كان مجلس الأمن يدرك كذلك أن دخول النظام الأساسي حيز النفاذ تحقق فعليا وفقا للضوابط ذات الصلة المنصوص عليها في المادة 126 من نظام روما الأساسي في منذ 1 / تموز- يوليه /2002م .
وعلى هذا الأساس يمكن القول أن مجلس الأمن تعمد الإشارة إلى تاريخ منذ 1 / تموز-يوليه /2002م، تاريخ بدء نفاد نظام روما الأساسي، لكي يؤكد أنه تقيد في اتخاذه لقراره بإحالة الوضع في دارفور إلى المدعي العام للمحكمة بالمواد 11 و 24 و 126 من نظام روما الأساسي ، التي تحدد نطاق اختصاص المحكمة، أو حدود سريان نظام روما الأساسي من حيث الزمان.

























المطلب الثاني
نظرة تقييمية لقرار مجلس الأمن 1593 (2005) بشأن دارفور
تمهيد:
يبدو مما تقدم ذكره في المطلب السابق ، أن قرار مجلس الأمن المذكور أعلاه قد يصح القول بأنه قد يكون مقبولاً من الناحية الشكلية ، نظرا لصدوره من جهة مخولة باتخاذه، وبالآلية المقررة لذلك، فضلا عن كونه يجد ما يدعمه – خاصة فيما يتعلق بمضمون الفقرتين 1 و 2 من نفس القرار- في نصوص صريحة، مصدرها إما ميثاق الأمم المتحدة أو نظام روما الأساسي.
بيد أن السؤال الذي يثور الأن : ما مدى مشروعية القرار محل الدراسة؟.
في تقديرنا أن قرار مجلس الأمن رقم 1593(2005) غير مشروع لأسباب سنفصلها من خلال الفرعين التاليين:
الفرع الأول
قرار مجلس الأمن رقم 1593 (2005) ضرب من ضروب العدالة المزدوجة المعايير.
في السنوات الأخيرة ، فاجأت وسائل الإعلام المختلفة من قنوات فضائية ، وصحف يومية، وتقارير متخصصة ... إلخ الرأي العام بنشر صور ما اقترف من قبل جنود أمريكيين ضد سجناء تسري بشأنهم اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1999م، وذلك في معتقل غوانتامو (كوبا)، وسجن أبو غريب (بغداد)، وباغرام (أفغانستان).
وقد كشفت تلك الصور عن صنوف من المعاملة البشعة، والمهينة، وغير الإنسانية التي كان وقعها شديد الوطأة على النفوس، وعلى الضمير القانوني / الإنساني؛ لأنها تعكس محتوى فكريا ساديا من جهة ، ولأنها –أي تلك المعاملة- صدرت بشكل مبيت ومبرمج عن جنود يتبعون دولة تدّعي زوراً أنها راعية حقوق الإنسان في العالم من جهة أخرى.(1)
___________________
(1) في هذا المعنى، أنظر أكثر تفصيلا:- ميلود المهذبي، التعذيب، منشورات مجلة المؤتمر، الطبعة الأولى، طرابلس2006، ص22 ما بعدها.
و الواقع أننا لسنا في مقام يسمح بالدخول في سرد تفاصيل ما جرى في تلك السجون الخاضعة لإدارة السجون العسكرية الأمريكية. وعليه فإننا سنكتفي هنا بالإشارة كنموذج لذلك إلى بعض صور التعذيب الذي حصل في سجن أبو غريب (بغداد)، والتي كشفت عنها وسائل الإعلام العالمية في مطلع عام 2004م.
ونبدأ بصورة إحدى المجندات وهي تجر أحد الأسرى العراقيين من رقبته كالشاة. إضافة إلى تلك الصورة التي أظهرت معتقلين عراقيين مكدسين فوق بعضهم هرميا وهم عراة، وبجانبهم تقف مجندة أمريكية وهي تبتسم لآلة التصوير، وفي حضور مسئولين رسمين عن السجن، وكذلك أيضا صورة جنود أمريكيين وهم يجبرون معتقلين عراقيين على الاستمناء الجماعي أمام سجانات منحرفات سلوكيا، وكذلك صورة أحد أفراد الشرطة العسكرية الأمريكية وهو يعتدي جنسيا على سجين عراقي بإدخال جزء من عصاه التي يحملها في موضع يعد عورة في جسم السجين؛ ناهيك عن صور السجناء الذين وضعت القلنسوات ( أغطية الرأس) فوق رؤوسهم. وصور الجنود وهم يبصقون ضاحكين على السجناء ... إلخ (1)
وفي هذا السياق جدير بالذكر أن الصحفي الأمريكي سيمون هيرش كشف في مقالة له بمجلة (نيويوركر) الأمريكية في عددها الصادر بتاريخ 4/5/2004 م أن وزارة الدفاع الأمريكية تلقت صورا لممارسات التعذيب التي تمت في سجن أبو غريب من القيادة العسكرية في العراق بتاريخ 13/01/2004م ، وقام وزير الدفاع الأمريكي بإعلام رئيسه بذلك.
وبعد ذلك أصدر قائد القوات الأمريكية في العراق أوامره بإجراء تحقيق سرّي حول تلك الصور، وكلف أحد الجنرالات بالتحقيق،




________________
(1) أنظر أكثر تفصيلا في عرض تلك الصور ، مقالة الصحفي (مارك دانر) معاناة معتقل عراقي في سجن أبوغريب، صحيفة (واشنطن بوست) بتاريخ 21/01/2004 .مشار إلى ذلك في : ميلود المهذبي، المرجع السابق، ص24 .
وقدم الجنرال المكلف بالتحقيق في 26/02/2004 تقريره الذي كشف فيه عن حقيقة وصحة ممارسات التعذيب والمعاملة اللانسانية التي حصلت في سجن أبو غريب من قبل الجنود والشرطة الأمريكية (1)
ومادام الأمر كذلك ، فإنه مما لا جدال فيه أن ما حصل يشكل إما جرائم ضد الإنسانية وإما جرائم حرب، وهي في المحصلة تعد جميعها من الجرائم الداخلة ضمن دائرة الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية.
وهنا يثور سؤال : هل يجوز وفقا لأحكام نظام روما الأساسي – من الناحية النظرية على الأقل – تقديم شكوي إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية من قبل دولة طرف أو من قبل مجلس الأمن، أو أن يقوم المدعي العام للمحكمة من تلقاء نفسه بتحريك الدعوى بشأن جرائم التعذيب التي حصلت في سجن أبو غريب.
هنا ينبغي التمييز بين ثلاث فروض : أولها أن تكون الحالة قد أحيلت إلى المدعي العام للمحكمة من قبل دولة طرف (الفقرة أ من المادة 13 من نظام روما). والثاني أن يكون المدعي العام هو الذي حرك الدعوى بناءا على معلومات توفرت لديه (الفقرة ج من المادة 13). والثالث أن يكون مجلس الأمن هو الذي أحال الحالة إلى المحكمة متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (الفقرة ج من المادة 13 من نظام روما الأساسي).
ففي الفرضين الأول والثاني يمكن القول بأن المحكمة الجنائية الدولية غير مختصة بوقائع التعذيب التي حصلت في سجن أبو غريب. ذلك لأن المادة 12 من نظام روما الأساسي تشترط في حالة تقديم الشكوى من طرف دولة طرف ، وكذلك في حالة قيام المدعي العام من تلقاء نفسه بتحريك الدعوى، أن تتأكد أولا من توفر واحد من شرطين، وهما: إما أن تكون الجريمة محل الشكوى قد ارتكبت في إقليم دولة طرف،وأما أن يكون مرتكبها يحمل جنسية دولة طرف.
والواقع أنه في المسألة التي نحن بصددها (التعذيب في سجن أبو غريب) لا يتوافر أي من الشرطين السابقين؛ فا لأول غير متوافر لأن العراق مكان ارتكاب الجريمة ليست دولة طرف في نظام روما لحد الآن، وأما الثاني فهو أيضا غير متوفر لأن الجنود الأمريكيين الذين ثبت ارتكابهم لوقائع التعذيب تلك هم من مواطني دولة ليست طرف في نظام رومـــا الأساسي، أي الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإنه لا يجوز تقديم شكوى بخصوص وقائع التعذيب في أبو غريب من قبل دولة طرف، كما لا يمكن للمدعي العام للمحكمة أن يقوم من تلقاء نفسه بتحريك الدعوى بشأنها.
ويبقى السؤال: هل يجوز لمجلس الأمن أن يقدم شكوى أو أن يحيل وقائع التعذيب التي حصلت في سجن أبو غريب إلى المحكمة الجنائية الدولية.
من الناحية النظرية ، ذلك ممكن وفقا للأحكام الواردة في المادتين 12 و 13 من نظام روما الأساسي. فهاتين الماديتين تعطيان الحق لمجلس الأمن في أن يحيل – متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة- حالة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية بغض النظر عن مكان ارتكاب الجريمة، وبغض النظر أيضا عن جنسية مرتكبيها، طالما أن ما وقع يدخل ضمن دائرة الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك اختصاصها الزمني.
غير أن السؤال الأهم هو : لماذا اذن اتخذ مجلس الأمن قراره رقم 1593 بإحالة أولئك الذين يشتبه في ارتكابهم لجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وإبادة جماعية في درافور إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، في حين أنه ما يزال إلى حد الآن يتمسك بموقفه السلبي حيال ما حصل في سجن أبو غريب من وقائع تعذيب تشكل جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية حسب الأحوال ؟
لا نجد جوابا عن السؤال المطروح أبلغ من القول بأن موقف مجلس الأمن المتباين هذا إزاء وقائع متشابهة ما هو إلا دليل على سياسة العدالة مزدوجة المعايير، التي دأب مجلس الأمن على إتباعها في السنوات الأخيرة عند معالجته للقضايا الدولية. ومما لاشك فيه أن هذا الوضع يعد واحدا من التحديات الفعلية الكبرى التي تواجه المحكمة الجنائية الدولية في الوقت الراهن.





الفرع الثاني
قرار مجلس الأمن 1593 (2005) يخالف في جانب منه نصوصا صريحة في نظام روما الأساسي

تمهيد:
تنص المادة 27 من نظام روما الأساسي على أن :
) 1. يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية. وبوجه خاص ، فإن الصفة الرسمية للشخص سواء كان رئيسا لدولة أو حكومة أو عضو في حكومة أو برلمان أو ممثلا أو منتخبا أو موظفا حكوميا ؛ لا تعفيه بأي حال من الأحوال من المسئولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي، كما أنها لا تشكل في حد ذاتها سببا لتخفيف العقاب.
2. لا تحول الحصانات .. التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص، سواء كانت في إطار القانون الوطني أو الدولي، دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص.)
وتنص المادة 115 من نظام روما الأساسي على أن:
(تغطى نفقات المحكمة من المصادر التالية:
أ‌) الاشتراكات المقررة للدول الأطراف.
ب‌) الأموال المقدمة من الأمم المتحدة، رهنا بموافقة الجمعية العامة، وبخاصة فيما يتصل بالنفقات المتكبدة نتيجة للإحالات من مجلس الأمن)
وإذا القينا نظرة سريعة على مضمون النصين السابق عرضهما سنجد أنهما يؤكدان بشكل لا يقبل الرفض على أمرين غاية في الأهمية:
1.فالمادة 27 من نظام روما الأساسي تكرس مبدأ عدم الاعتداد بالصفة الرسمية، أي عدم فاعلية الحصانات أيا كان مصدرها أمام المحكمة الجنائية الدولية ، فهذه الأخيرة باستطاعتها ممارسة اختصاصها على أي شخص طبيعي متهم بارتكاب جريمة تدخل في دائرة اختصاصها الموضوعي بغض النظر عن كونه يتمتع بالحصانة من عدمه.
2.وأما المادة 115 من نفس نظام روما الأساسي فتكرس مبدأ تحميل نفقات المحكمة على ميزانية الأمم المتحدة، وذلك في حالة ما إذا كانت الشكوى قدمت إلى المدعي العام للمحكمة من طرف مجلس الأمن متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لغرض الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
والي هذا الحد يبدو أن الأمور تسير بشكل منطقي ومقبول، ولكن إذا حاولنا إلقاء نظرة سريعة أيضا ولكن هذه المرة على مضمون الفقرة 6 ، وكذلك مضمون الفقرة 7 من قرار مجلس الأمن رقم 1593 (2005) محل الدراسة في هذا المبحث، سنجد أن الأمور لا تسير على أحسن ما يرام، ذلك أن نص الفقرة 6 من القرار المذكور يتعارض تعارضا صارخا مع مبدأ عدم الاعتداد بالحصانات المرتبطة بالصفة الرسمية المنصوص عليه في المادة 27 من نظام روما الأساسي. وأما مضمون لفقرة 7 من نفس القرار فانه يخالف بشكل صريح نص المادة 115 من نظام روما الأساسي التي كرست مبدأ تحميل نفقات المحكمة على ميزانية الأمم المتحدة في حالة تقديم الشكوى للمدعي العام للمحكمة من طرف مجلس الأمن متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، وفيما يلي تفصيل ذلك.
أولا:- تعارض الفقرة 6 من قرار مجلس الامن 1593 (2005) مع نص المادة 27 من نظام روما الأساسي.
نصت الفقرة 6 من القرار المذكور أعلاه على أن مجلس الأمن يقرر ( إخضاع مواطني أي دولة من الدول المساهمة من خارج السودان لا تكونا طرفا في نظام روما الأساسي، أو مسؤوليها أو أفرادها الحاليين أو السابقين للولاية الحصرية لتلك الدولة المساهمة عن كل ما يدعي ارتكابه أو الامتناع عن ارتكابه من أعمال نتيجة للعمليات التي أنشاها أو إذن بها المجلس أو الاتحاد الأفريقي، او فيما يتصل بهذه العمليات ، مالم تتنازل تلك الدولة المساهمة عن هذه الولاية الحصرية تنازلا واضحا).
وإزاء دقة ووضوح الألفاظ التي استخدمت في صياغة النص السابق، يبدو من تحصيل الحاصل القول بأنه بموجب ذلك النص منح مجلس الأمن الحصانة من المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية لمواطني الدول غير الأطراف في نظام روما الأساسي التي تساهم في العمليات التي أنشاها أو إذن بها مجلس الأمن أو الاتحاد الأفريقي في دارفور/ السودان.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مجلس الأمن لم يقرر بموجب الفقرة 6 من القرار 1593 مجرد أرجاء التحقيق أو المحاكمة أعمالا لنص المادة 16 من نظام روما الأساسي، بل منح مواطني الدول غير الأطراف في نظام روما المساهمة في عمليات الأمم المتحدة في دارافور حصانة شاملة من المثول أمام المحكمة الجنائية. ويؤيد ذلك عبارة (الولاية الحصرية لتلك الدولة المساهمة) التي وردت في نفس الفقرة 6 من القرار محل التقييم. ومن نافلة القول التذكير بأن الحصانة أمر يختلف اختلافا جوهريا عن مجرد إيقاف التحقيق أو المحاكمة(1).
ومما تجدر الإشارة إليه أيضا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي كانت وراء حشر مضمون الفقرة 6 هذه ضمن قرار مجلس الأمن رقم 1593(2005) ذلك لأن أمريكا كانت تريد بذلك ضمان عدم مثول أي من مواطنيها العاملين ضمن العمليات التي أنشاها مجلس الأمن في درافور أمام المحكمة الجنائية الدولية في حال اتهام أي منهم بارتكاب جرائم تدخل ضمن اختصاص المحكمة الموضوعي. ولعل هذا ما يفسر عدم لجوء أمريكا إلى استعمال حق النقض (الفيتو) للحيلولة دون اتخاذ قرار إحالة الوضع في دارفور إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من ان الولايات المتحدة الأمريكية تعد من اشد المعارضين لممارسة المحكمة الجنائية لاختصاصاتها في الوقت الراهن للاعتبارات التي ذكرناها في المبحث الأول من هذا البحث.
خلاصة القول إذن أن المادة 27 من نظام روما الأساسي تكرس مبدأ عدم الاعتداد بالحصانات في مجال المسئولية أمام المحكمة الجنائية الدولية ، في حين أن مجلس الأمن أورد استثناء على هذا المبدأ بمنح الحصانة بموجب الفقرة 6 من قراره 1593 (2005)، لمواطني الدول غير الأطراف في نظام روما المساهمة في العمليات التي اذن بها نفس المجلس في السودان، بان حصر أمر النظر في الدعاوى الناشئة عن الجرائم التي قد يرتكبونها في دارفور في دائرة الولاية الحصرية للمحاكم الوطنية في دولهم، وبالتالي استبعاد إمكانية مثولهم أمام المحكمة الجنائية الدولية.
_____________________
(1) أشرنا في موضع سابق من هذا البحث إلى ان اول تطبيق عملي لسلطات مجلس الامن في ارجاء التحقيق او المحاكمة عملا بنص المادة 16 من نظام روما الاساسي، كان قراره رقم 1422(2002)، والذي اتخذه المجلس كما اشرنا فيما سبق بمناسبة اوضاع تتعلق بعمليات الاممم المتحدة في البوسنة والهرسك آنذاك.
وهنا يثور سؤال : ألا يعد هذا التصرف من مجلس الأمن مخالفا لصريح المادة 27 من نظام روما الأساسي ؟ ، وما هو أثر تكرار مثل هذه السابقة مستقبلا ؟ .
في وجهة نظرنا، الجواب عن السؤال المطروح لا يمكن أن يكون إلا بالإيجاب، فالمادة 6 من القرار 1593 تتناقض بشكل صارخ وجوهري مع المادة 27 من نظام روما الأساسي. وإذا تكررت هذه السابقة مستقبلا، فان ذلك من شانه أن يجعل قواعد القانون الدولي في مهب الريح حقا. لأن ذلك من شانه أن يجعل مجلس الأمن جهازا تشريعيا على المستوى الدولي يملك تعديل الاتفاقيات الدولية كيفما ومتى شاء، ومما لاشك فيه أن ذلك لا يتفق مع المقاصد التي من اجلها أنشأ مجلس الأمن.
ثانيا: تعارض الفقرة 7 من قرار مجلس الأمن 1593(2005) مع المادة 115 من نظام روما الأساسي.
تنص الفقرة (7) من القرار المذكور أعلاه على أن مجلس الأمن (يسلم بأنه لا يجوز أن تتحمل الأمم المتحدة أية نفقات متكبدة فيما يتصل بالإحالة(*) بما فيها النفقات المتعلقة بالتحقيقات أو الملاحقات القضائية فيما يتصل بتلك الإحالة، وان تتحمل تلك التكاليف الأطراف في نظام روما الأساسي والدول التي ترغب في الإسهام فيها طواعية).
هذا النص يستفاد منه أن مجلس الأمن يرى انه من الأمور البديهية أن نفقات إحالة الوضع في دارفور إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لا يصح تحميلها على ميزانية الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلم والأمن الدوليين. بل يجب أن تتحملها الدول الأطراف في نظام روما، والغريب أن مجلس الأمن يسلم بذلك على الرغم من انه أقدم - كما هم معلوم – على إحالة الوضع في دارفور إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بهدف الحفاظ على السلام والأمن الدوليين اللذين قرر المجلس نفسه أن الحالة في السودان تشكل تهديدا لهما.
وقد اشرنا في مقدمة هذا الفرع أن الفقرة (ب) من المادة115 من نظام روما الأساسي تنص على ان ( تغطى نفقات المحكمة (أيضا) من الأموال المقدمة من الأمم المتحدة، رهنا بموافقة الجمعية العامة، وبخاصة فيما يتصل بالنفقات المتكبدة نتيجة للإحالات من مجلس الأمن).
(*) المراد بالاحالة هنا: احالة الوضع القائم في دارفور الى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
ولما كان الأمر كذلك، فان السؤال الذي لابد ان يطرح يتعلق بمعرفة مدى انسياق وتناغم الفقرة 7 من قرار مجلس الأمن محل البحث مع الفقرة (ب)من المادة 115 من نظام روما الأساسي سابق الإشارة إليه أعلاه.
لعله مما لا يحتاج إلى كبير عناء للإثبات، الزعم بان الفقرة 7 من قرار مجلس الأمن 1593 (2005) تتعارض –شانها شان سابقتها الفقرة 6- تعارضا صارخا مع نظام روما الأساسي وتحديدا الفقرة (ب) من مادته (115).
والخلاصة أن ما تقدم يقودنا إلى القول بان لجوء مجلس الأمن إلى منح الحصانة من المثول أمام المحكمة الجنائية لمواطني الدول غير الأطراف المساهمة في العمليات التي اذن بها مجلس الأمن أو أنشاها في السودان (الفقرة 6 من القرار( ، وكذلك إجبار الدول الأطراف في نظام روما بتغطية نفقات التحقيقات او المحاكمات المتصلة بإحالة الوضع في دارفور إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (الفقرة 7 من القرار، أمور تتعارض مع ضوابط الشرعية من جهة ، ولا تستجيب لمقتضيات المشروعية من جهة أخري .














الخاتمــــــــــــــة


بهذا نكون قد وصلنا إلى نهاية مطاف دراستنا لموضوع المحكمة الجنائية الدولية وعلاقتها بمجلس الأمن، التي حاولنا من خلالها إعطاء فكرة عامة عن المحكمة المذكورة، وكذلك تحرّي وضع العلاقة بينها وبين مجلس الأمن ، وكذلك أيضا استقصاء التطبيقات العملية لتلك العلاقة.
وقد رأينا كيف ان الموضوع يكتسي أهمية بالغة على الصعيدين النظري والتطبيقي، ولعل ما زاد من تلك الأهمية ان الموضوع وثيق الصلة بالقانونين الدولي والجنائي معا.
وقد توصلنا من خلال هذه الدراسة إلى النتائج الآتية :-
1- إن فكرة القضاء الجنائي الدولي، ليست حديثة العهد بها ، بل هي فكرة قديمة تعود إلى الربع الأخير من القرن ما قبل الماضي ، أي القرن التاسع عشر.
2- التطبيق العملي لفكرة القضاء الجنائي الدولي ، بدأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وذلك بإنشاء محكمة نورمبرج عام 1945م ومحكمة طوكيو عام 1946م.
3- شهد العالم قبل – وكذلك بعد- إنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 1998 إنشاء محاكم جنائية دولية مؤقتة هي المحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة، والمحكمة الدولية لرواندا، والمحكمة الخاصة لسيراليون.
4- من المتوقع أن يشهد العالم خلال الأشهر القادمة إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة مؤقتة لمحاكمة من سيتهمون باغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق وآخرين. ومن المتوقع أيضا أن هذه المحكمة ستكون من حيث التنظيم على غرار المحكمة الخاصة لسيراليون.
5- المحاكم الجنائية الدولية الدائمة والمؤقتة تختلف فيما بينها من حيث: سند إنشائها، وطبيعة العلاقة بينها والأمم المتحدة بوجه عام ومجلس الأمن بوجه خاص، وكذلك أيضا من حيث العلاقة مع المحاكم الوطنية، ومن حيث نطاق اختصاصها في الزمان، ومن حيث الموضوع، وبالنظر إلى الأشخاص.
6- المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة) تواجه تحديات قانونية وفعلية كبيرة ، ولعل أهمها لجوء مجلس الأمن إلى الممارسة الخاطئة (أو الاستعمال التعسفي) للحقوق والسلطات المخولة له بموجب نصوص في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وخاصة في مجال الإحالة إلى المدعي العام للمحكمة، وكذلك إرجاء التحقيق أو المحاكمة طبقا للمادتين 13 و 16 من النظام المذكور أعلاه.
7- إن عدم التوصل لحد الآن لتعريف مقبول للعدوان، كذلك تباين مواقف الدول حول النظرة إلى مفهوم الإرهاب، من شانه أن يعطل لسنوات قادمة اختصاص المحكمة بشان جريمة العدوان، وان يعثّر الجهود المبذولة لإدراج جرائم الإرهاب ضمن دائرة الاختصاص الموضوعي للمحكمة في المؤتمر الاستعراضي المقرر عقده عام 2009م.
8- على الرغم من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة) عام 1998، ودخول نظامها الأساسي حيز النفاذ منذ 1/07/2002م، فان مجلس الأمن الدولي باستطاعته مستقبلا إنشاء المزيد من المحاكم الجنائية الدولية (المؤقتة)، إذا تبين أن الواقعة أو الوقائع التي تشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين تخرج عن نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية من حيث الموضوع، أو الزمان، أو الأشخاص.
9- يوجد قاسم مشترك بين المحاكم الجنائية الدولية كافة، ذلك هو وجود علاقة بين تلك المحاكم والأمم المتحدة، غيران طبيعة هذه العلاقة تختلف، فالعلاقة بين محكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا، والأمم المتحدة تتسم بأنها علاقة تبعية لانهما أنشئتا بقرارات صادرة مباشرة عن مجلس الأمن، في حين ان العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة) والأمم المتحدة تتسم بأنها علاقة تعاون فحسب.
10- توجد علاقة وطيدة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن ، وهذه العلاقة فرضتها في الوقائع حقيقة أن جهود الجهازين: السياسي (مجلس الأمن) والقضائي(المحكمة الجنائية الدولية) تصب كافة في مجرى واحد، وانهما يسعيان لتحقيق ذات الهدف وهو الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
11- عدد كبير من الدول يخشى ان تؤدي السلطات التي يتمتع بها مجلس الأمن في إطار علاقته بالمحكمة الجنائية الدولية إلي تسييس هذه الأخيرة، وربط حركتها بقرارات مجلس الأمن. في حين أن عدد آخر من الدول يرى على العكس من ذلك، أن ما يتمتع به مجلس الأمن من سلطات في الإحالة وإرجاء التحقيق والمحاكمة ما هو إلا تطبيق للسلطات الممنوحة له بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وتحديدا الفصل السابع منه.
12- اعتمد مجلس الأمن عند اتخاذه للقرارات الفرعية التي ورد النص عليها في الفقرة 1 والفقرة2 من قراره 1593 لسنة 2005، اعتمد على عدة نصوص (أسانيد قانونية)، بعضها يجد مصدره في نظام روما الأساسي ، وبعضها الآخر يجد مصدره في ميثاق الأمم المتحدة.
13- إذا سلمنا جدلا (بالقبول الشكلي) لقرار مجلس الأمن رقم 1593 (2005) في شقه المتعلق بالإحالة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وكذلك في شقه المتعلق بالطلب إلى حكومة السودان ان تتعاون تعاونا كاملا مع المحكمة بشان ما يتصل بتلك الإحالة، فانه من غير الممكن البتة القول (بمشروعية) ذلك القرار، لأنه يعد نموذجا لسياسة العدالة الانتقائية او العدالة المزدوجة المعايير.
14- الفقرة 6 من قرار مجلس الأمن 1593 (2005) ، والخاصة بتحصين (منح الحصانة) الأفراد العاملين ضمن العمليات التي أنشاها أو اذن بها مجلس الأمن أو الاتحاد الإفريقي في دارفور / السودان، تتعارض مع مضمون المادة 27 من نظام روما الأساسي، التي كرست مبدأ عدم الاعتداد بالصفة الرسمية (الحصانات).
وأما الفقرة 7 من نفس القرار المذكور أعلاه، فتتعارض مع نص المادة 115/ب من نظام روما الأساسي، التي نصت على ما مفاده ان تحمّل نفقات المحكمة الجنائية الدولية على ميزانية الأمم المتحدة الخاصة بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين، إذا كانت الشكوى قد قدمت للمدعي العام للمحكمة من قبل مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
15- إن قرار مجلس الأمن 1593 (2005) يكشف عن تناقض غريب في موقف أمريكا تجاه المحكمة الجنائية الدولية ونظامها الأساسي ، فأمريكا لم تستخدم حق النقض (الفيتو) ضد قرار إحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من أنها – أي أمريكا- بذلت وما تزال جهودا حثيثة، وقامت بمحاولات عديدة لعرقلة المحكمة الجنائية الدولية، وتقييد حركتها، وتعطيل اختصاصها. ومن قبيل هذه المحاولات أنها سعت من اجل إبرام ما يزيد على (70) اتفاقية ثنائية مع دول أخرى، بموجبها تعهدت هذه الدول – التي يعد بعض منها أطراف في نظام روما الأساسي – بعدم تقديم أي مواطن أمريكي يوجد في إقليمها إلى المحكمة الجنائية الدولية في حال طلبت هذه الأخيرة ذلك.

تم بعون الله وحمده
طرابلس / ليبيا
2007












الملاحـــــــــــــق

1. الدول العربية الموقعة والمصدقة على نظام روما الأساسي.
2. القائمة العامة بالتوقيعات والتصديقات على نظام روما الأساسي.
3. قرار مجلس الأمن رقم 1422 (2002) . وثائق الأمم المتحدة، الوثيقة:
((S\RES\1422.(2002))
4. قرار مجلس الأمن رقم 1593 (2005) . وثائق الأمم المتحدة، الوثيقة:
((S\RES\1593.(2005))
5. قرار مجلس الأمن رقم 1664 (2006) . وثائق الأمم المتحدة، الوثيقة:
((S\RES\1664.(2006))
6. ورقة مناقشة مقترحة – من منسق الفريق العامل المعني بجريمة العدوان ، في شان تعريف العدوان وشروط ممارسة الاختصاص. اللجنة التحضيرية للمحكمة الجنائية الدولية ، نيويورك 1-12 تموز / يوليه /2002. وثائق اللجنة التحضيرية للمحكمة الجنائية الدولية ، الوثيقة:
(PCNICC /2002/WGCA/RT.1)











المراجع العامة

أولا: الكتب
1) ابو الخير احمد عطية ، المحكمة الجنائية الدولية ، القاهرة ، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى،1999
2) حازم محمد عتلم ، المحكمة الجنائية الدولية ، القاهرة ، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الطبعة الأولى،2003
3) سعيد عبد اللطيف حسن، المحكمة الجنائية الدولية ، القاهرة ، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى،2004
4) عادل ماجد، المحكمة الجنائية الدولية والسيادة الوطنية ، القاهرة ، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ،الطبعة الأولى،2001
5) عبدالفتاح بيومي حجازي ، المحكمة الجنائية الدولية ، القاهرة ، دار الفكر العربي، الطبعة الاولى2004
6) عبد الفتاح محمد سراج، مبدأ التكامل في القضاء الدولي ، القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى 2001.
7) محمد يوسف صافي، الاطار العام للقانون الدولي الجنائي في ضوء أحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، القاهرة ، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى،2002
8) محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، القاهرة ، دار الشروق ، الطبعة الثالثة،2004
9) محمود شريف بسيوني ، مبدا التكامل في القضاء الجنائي الدولي، القاهرة ، دار الشروق ، الطبعة الأولى،2005.
10) ميلود المهذبي، التعذيب، طرابلس، مجلة المؤتمر ، الطبعة الأولى 2006
11) الطاهر منصور، القانون الدولي الجنائي، الجزاءات الدولية، طرابلس، مركز الدراسات والبحوث القانونية ، الطبعة الأولى 2001.

ثانيا: الرسائل العلمية (الماجستير والدكتوراة):
1) المختار عمر أشنان ، العلاقة بين الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية(الدائمة)، رسالة ماجستير ، أكاديمية الدراسات العليا ، طرابلس 2005
2) عبدالقادر احمد الحسناوي،المحكمة الجنائية الدولية / التحقيق والمحاكمة، أكاديمية الدارسات العليا ،طرابلس 2001.
3) علي محمد ابو غرارة ، المحكمة الجنائية الدولية، رسالة ماجستير، غير منشورة ، كلية القانون/ جامعة الفاتح ، طرابلس،2001.
4) كريمة الطاهر امشيري ، الجريمة المنظمة ، أحكامها الموضوعية وإجراءات ملاحقتها، رسالة ماجستير، غير منشورة ، كلية القانون/ جامعة الفاتح ، طرابلس، 2003.
5) هدى نور الدين ابو نوارة ، المسئولية الجنائية في اطار القانون الدولي الجنائي، رسالة ماجستير ، غير منشورة ، أكاديمية الدراسات العليا ، طرابلس، 2006ز
ثالثا : البحوث:-
1. محمد حسن القاسمي ، إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ، هل يعد خطوة حقيقة لتطوير النظام القانوني الدولي؟، الكويت، مجلس النشر العلمي، مجلة الحقوق ، العدد الأول ، السنة السابعة والعشرون ، مارس 2002.
رابعا: الوثائق:-
1) مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي الذي عنى بإنشاء محكمة جنائية دولية، وثائق الأمم المتحدة ، الوثيقة:
(A/CONF.183/2/Add.1)
2) النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، الذي اعتمده مؤتمر الأمم المتحدة للمفوضين الذين عني بإنشاء محكمة جنائية دولية ، روما / الفترة من 15/6 إلى 17/7/1998، وثائق الأمم المتحدة الوثيقة :
(PCN. /ICC/1999/INF/3)
3) النظام الأساسي للمحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة ، وثائق الأمم المتحدة الوثيقة:
(S/RES/740 (1993))
4) النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا ، وثائق الأمم المتحدة، الوثيقة: (S/RES/955(1994))
5) النظام الأساسي للمحكمة الخاصة لسيراليون ، وثائق الأمم المتحدة ، الوثيقة: (S/2002/146)
6) وثائق جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، الوثائق الرسمية ، الدورة الأولى، سبتمبر 2002،
الوثيقة / المجلد : (ICC – ASP /1/13)
7) قرار مجلس الأمن رقم 1422 (2002) بشان الطلب إلى المحكمة الجنائية الدولية ان توقف أي تحقيق او محاكمة تتعلق بمواطني الدول غير الأطراف المساهمة في العمليات التي تنشئها الأمم المتحدة. وثائق الأمم المتحدة ، الوثيقةS/RES/1422 (2002))
8) قرار مجلس الأمن رقم 1593 (2005) بشان إحالة الوضع القائم في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية الدائمة ، وثائق الأمم المتحدة ، الوثيقة: (S/RES/1593/(2005))
9) قرار مجلس الأمن رقم 1664 (2006) بشان الطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة التفاوض مع حكومة لبنان لابرام اتفاق بشان إنشاء محكمة جنائية دولية خاصة مؤقتة لمحاكمة من سيتهمون باغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان الأسبق وآخرين. وثائق الأمم المتحدة ، الوثيقة :
(S/RES/1664(2006))

خامسا : الموقع الالكترونية:
1. مجد (مركز معلومات المحكمة الجنائية الدولية) باللغة العربيةwww.iccarabic.com
2. المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.www.icc.cpi.int
3. مؤتمر روما للمحكمة الجنائية الدولية. www.un.org/icc/index.htm
4. الأمم المتحدة. www.un.org/icc
5. مكتبة حقوق الإنسان (جامعة مينسوتا) نصوص اتفاقيات دولية باللغة العربية:www1.umn.edu/hvmanrts/Arabic/subdoc.html
6. محكمة العدل الدولية. www.icj.cij.org
7. الأمم المتحدة- الموقع العربي www.un.org/arabic/law/
8. قرارات مجلس الأمن- بداية من 1994 www.un.org/docs/scres/
9. دليل الأبحاث – القانون الدولي www.un.org/depts/dh1/resguide/specil.html
10. المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة: www.un.org/icty/index.html
11. المحكمة الجنائية الدولية لرواندا: www.ictr.org
















الفهــــــــــــرس

الموضــــــــــوع رقم الصفحة
المقدمة
المبحث الأول / التعريف بالمحكمة الجنائية الدولية ICC
مقدمة
المطلب الأول /فكرة عامة عن المحكمة الجنائية الدولية
أولا: متى طرحت لأول مرة فكرة القضاء الجنائي الدولي
ثانيا : متى وأين ولماذا أنشأت المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة)
ثالثا : هل شهد العالم قبل وبعد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة) إنشاء محاكم جنائية دولية مؤقتة؟
رابعا: متى دخل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيز النفاذ ؟ وما هي الأثار المترتبة على ذلك؟
خامسا : ماهو حجم التأييد للمحكمة الجنائية الدولية ؟ وبعبارة أخرى كم عدد الدول التي وقعت وعدد تلك التي صدقت على نظام روما الأساسي لحد الأن؟
سادسا : لماذا اعترضت بعض الدول على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عند طرحه للتصويت عليه في مؤتمر روما الذي عنى بإنشاء المحكمة عام 1998م ؟
سابعا: ماهي الجرائم التي تدخل ضمن دائرة الاختصاص الموضوعي للمحكمة الجنائية الدولية ؟ وماذا عن جريمة العدوان؟
ثامنا : هل ستحاكم المحكمة الجنائية الدولية جميع الأشخاص بمن فيهم الأشخاص المعنوية ؟
تاسعا: ماهي حدود العلاقة بين القضاء الجنائي الوطني في الدول الأطراف في نظام روما ألاساسي والمحكمة الجنائية الدولية؟
عاشرا: هل ستطبق المحكمة الجنائية الدولية عقوبة الإعدام ؟
حادي عشر: ماهي الالتزامات التي يفرضها نظام روما الأساسي على الدول الأطراف فيه؟وهل ثمة التزامات تتحملها الدول غير الأطراف في الاتفاقية ؟ وإذا كانت الإجابة بالإيجاب فهل مصدر هذه الإلتزامات نظام روما الأساسي ذاته أم ميثاق الأمم المتحدة أم غيرهما ؟
اثنا عشر: ماهي الأهداف الرئيسية التي يسعى المجتمع الدولي لتحقيقها من وراء إنشاء المحكمة الجنائية الدولية (الدائمة)؟
ثلاثة عشر : ماهي التحديات القانونية و الواقعية التي تواجهها المحكمة الجنائية الدولية في الوقت الراهن؟
المطلب الثاني: مقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية الدائمة والمؤقتة
تمهيد
الفرع الأول : المقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية من حيث الإنشاء
1. تاريخ الإنشاء
2. الأداة القانونية للأنشاء.
3. أسباب إنشاء المحاكم الجنائية الدولية
4. المقر
5.تنظيم المحاكم الجنائية الدولية واشتراك قضاة وطنيين فيها
الفرع الثاني:المحاكم الجنائية الدولية من زاوية العلاقة مع جهات أخرى
أ. العلاقة بين المحاكم الجنائية الدولية والأمم المتحدة
ب. مقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية من زاوية العلاقة بينها والمحاكم الوطنية
الفرع الثالث: مقارنة بين المحاكم الجنائية الدولية من حيث الإختصاص
1. الإختصاص بالنظر للأشخاص
2. الإختصاص من حيث الزمان
3. الاختصاص من حيث المكان
4. الاختصاص من حيث الموضوع
المبحث الثاني : علاقة المحكمة الجنائية الدولية بمجلس الأمن
تمهيد
المطلب الأول : مظاهر العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن
تمهيد
الفرع الأول : حق المجلس الأمن في إحالة حالة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية
الفرع الثاني : حق المجلس الأمن في وقف إجراءات التحقيق والمحاكمة.
الفرع الثالث : الدور الرقابي لمجلس الأمن في حالة امتناع دولة من الدول عن التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية
المطلب الثاني : مشكلة علاقة مجلس الأمن بممارسة المحكمة لاختصاصها المستقبلي فيما يتعلق بجريمة العدوان
تمهيد
الفرع الأول : الإتجاهات المختلفة في شأن علاقة مجلس الأمن بممارسة المحكمة لإختصاصها بجريمة العدوان.
الفرع الثاني : جهود الفريق العامل المعني بجريمة العدوان (WGCA)

المبحث الثالث : قرار مجلس الأمن رقم 1593 (2005) في شأن دارفور من الناحيتين التحليلية والتقييمية
تمهيد
المطلب الأول: الأسانيد القانونية التي اعتمد عليها مجلس الأمن في اتخاذه لقراره 1593 (2005) (نظرة تحليلية)
الفرع الأول : نصوص ميثاق الأمم المتحدة ذات العلاقة بقرار مجلس الأمن 1593 (2005)
الفرع الثاني : نصوص نظام روما الأساسي ذات العلاقة بقرار مجلس الأمن 1593 (2005)
المطلب الثاني : نظرة تقييمية لقرار مجلس الأمن 1593 (2005)
تمهيد
الفرع الأول : قرار مجلس الأمن 1593 (2005) ضرب من ضروب العدالة المزدوجة المعايير (العدالة الإنتقائية)
الفرع الثاني : قرار مجلس الأمن 1593 (2005) يخالف في جانب منه نصوصا صريحة في نظام روما الأساسي
الخاتمة
الملاحق
المراجع العامة
الفهرس




ــــــــــــــــــ





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ









 


 

الكلمات الدلالية (Tags)
لمحكمة, الدولية, الدواودة

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 13:34

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc