الاتحاد العام للعمال الجزائريين ... ماضي تليد وحاضر مجيد ( الجزء الثاني) - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات إنشغالات الأسرة التربوية > منتدى الانشغالات النقابية واقوال الصحف

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الاتحاد العام للعمال الجزائريين ... ماضي تليد وحاضر مجيد ( الجزء الثاني)

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-12-19, 00:05   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
العابدالكنتي
خبير الشؤون الإدارية في منتدى انشغالات الأسرة التربوية
 
الصورة الرمزية العابدالكنتي
 

 

 
الأوسمة
وسام القلم المميّز وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي الاتحاد العام للعمال الجزائريين ... ماضي تليد وحاضر مجيد ( الجزء الثاني)

الإتحاد ع.ع.ج .. القوة التي يحسب معها:
بدأ الاتحاد ع.ع.ج يتشكل كقوة اجتماعية لها وزنها في المجتمع و تستقطب أنظار السلطات العمومية وقوة يراد التقرب إليها فيما يخص معالجة الإشكاليات التنموية كالتأميمات ( المناجم، النفط، التأمينات).. وقد بدأت القاعدة الواسعة من عمال ونقابيين تسهم أكثر فأكثر في مختلف التظاهرات والنشاطات على امتداد التراب الوطني. كما بدأ المد التسلطي و طرق " الفرض القسري" تتلاشى وتضمحل لفائدة الاتحاد.ع.ع.ج، واستقلالية قراره السيد مع الانطلاقة الواعدة في تنفيذ المخطط الرباعي، والشروع في حملات التطوع لفائدة الثروة الصناعية والزراعية، وبرامج التنمية المحلية التي شهدت انخراطا واسعا من جانب الطلبة الذين جابوا مناطق الوطن تطوعا بغية شرح أهداف الثورة الزراعية وغيرها من أهداف التنمية التي انطلقت مع التأميمات واسترجاع الثروات الوطنية. انخرط العمال في هذه الحركة لتلتحق بهم قيادة الاتحاد.ع.ع.ج.
أسهمت تأميمات المحروقات في تجنيد قوى التقدم في الوطن في ظل ظرف دولي صعب،الأمر الذي أدى إلى بناء روابط وعلاقات جديدة مبنية على الاحترام المتبادل، وتفضيل المصلحة الوطنية العليا للبلاد بين السلطة و المنظمات الاجتماعية آنذاك، وخاصة بمناسبة انعقاد قمة دول عدم الانحياز التي احتضنتها الجزائر، ووفرت لها شروط النجاح مما مكن من تعزيز دور بلادنا على الساحتين الإقليمية والدولية، وقد تعززت هذه الروابط طوال الحروب العربية الإسرائيلية ولاسيما بعد حرب أكتوبر 1973.
يحتل الاتحاد.ع.ع.ج مكانة متميزة على الصعيد الوطني. ولأدل على هذه المكانة المتميزة إعلان الرئيس هواري بومدين بتاريخ 24 فيفري 1971 بمقر دار الشعب، المقر المركزي للاتحاد.ع.ع.ج وأمام الرأي العام، عن تأميم الثروات المنجمية والبترولية في الجزائر، واستعادة العمال الجزائريين لثرواتهم النفطية.
يحمل اختيار المركزية النقابية كمكان للاعلان عن مثل هذا الإجراء الهام في حياة العمال والوطن الذي دخل الذاكرة الجماعية من الباب الواسع، ولوحده، أكثر من دلالة ، وقد يكون الظرف الزمني الوحيد التي تحقق في ظله الإنسجام التام بين القيادات السياسية و القاعدة النقابية الواسعة.
الاتحاد.ع.ع.ج و منعرج سنوات التسعينات (1990):
شكل المؤتمر الوطني الثامن المنعقد في شهر جوان 1990 منعرجا حاسما في تاريخ الاتحاد.ع.ع.ج، حيث وقع اجماع المشاركين في فعالياته بشأن تكريس الاستقلالية التامة للمنظمة النقابية من أي حزب ، أوتنظيم، أو جهة إدارية كانت، فقرروا قطع العلاقات مع كل الوصايات مهما كانت طبيعاتها ومن حيث أتت.
إنه المؤتمر الذي أسهم في تعزيز إرادة النقابيين التسجيل و بفعالية ابتعادهم من السلطة السياسية. وقد تحولت، بعد هذا القرار الجريء و الشجاع، إلى منظمة نقابية مستقلة من السلطات العمومية، والحكومة، ومن الأحزاب السياسية وأرباب العمل. وفرت الحرية التي تم تكريسها مبدئيا قاعدة لمتغيرات عميقة داخلية بالنسبة للمنظمة النقابية، سواء كان ذلك على صعيد تسيير الهياكل أو على مستوى العقليات وسلوكات المناضلين والنقابيين.
يعتبر النقابيون أنفسهم بأنه من حقهم إرساء منظمة نقابية قوية تكون قادرة على مقاومة حالات اللاعدل و التهميش و العمل من أجل تحسين ظروف حياة وعمل العمال.
إن الهدف المتمثل في جعل الاتحاد.ع.ع.ج وسيلة تكون لفائدة العمال كانت وستبقى انشغالا مشروعا.
أعرب أحد المندوبين عن مثل هذا الانشغال المشروع والدعوة إلى بناء وإرساء تمثيلية وطنية مستقلة بقوله: " إن الخريطة السياسية قد تبدلت، وبما أن لكل وضعية استثنائية سلوكا استثنائيا. يجب علينا أن نتكفل بمستقبلنا النقابي".
بعد عقد من الزمن، وبعد هذا الموقف، يجد المندوب الذي أعرب عن هذا الموقف نفسه على رأس هذه المركزية النقابية القوية، بعد أن أكد النقابيون ثقتهم فيه وزكوه أمينا عاما بالانتخاب المباشر.
إن الإستقلالية التي تم نزعها لفائدة المنظمة النقابية نجد تجسيدها ميدانيا عبر النضالات الاجتماعية والاقتصادية المتواصلة من أجل تحسين شروط حياة وعمل العمال، وحماية الاقتصاد الوطني، وتمكين المؤسسات العمومية من الاستمرارية في انتاج الخيرات، وتوفير مواطن الشغل.
استجابة لنداء وجهته القيادة الوطنية للاتحاد.ع.ع.ج المنبثقة عن المؤتمر الثامن نظم إضراب وطني احتجاجي يومي 12 و 13 مارس 1991 شارك فيه أكثر من 90% من عمال و عاملات مختلف قطاعات و فروع النشاط الاقتصادي والاجتماعي والخدمي والتربوي. اعتبرت الحكومة الحركة المطلبية للاتحاد.ع.ع.ج بمثابة محاولة المساس باستقرار النظام. امتدت الحركة لتشمل، فيما بعد هذا التاريخ، أي بعد أربعة أيام فقط، إلى احتلال العمال لأماكن العمل احتجاجا على "عدم احترام الحكومة للالتزامات التي تعهدت بها في شهر أكتوبر 1990".
شكل هذا الحدث العمالي الذي شل أكبر البنيات الاقتصادية الأساسية كالموانئ و المطارات ومختلف المراكز الاقتصادية الكبرى حدثا هاما تناولته وسائل الإعلام الوطنية والدولية بالمزيد من التوضيح والتحليل والتدقيق مبرزة قوة التجنيد التي يملكها الاتحاد. ع.ع.ج، وخدمت هذه الحركة العمالية المتواصلة ذات النتائج المشجعة الاتحاد.ع.ع.ج ورجحت الكفة لصالحه، إذ أن المفاوضات بين الاتحاد.ع.ع.ج بقيادة عبد الحق بن حمودة وبين الحكومة برئاسة مولود حمروش قد انطلقت في شهر أفريل الذي تلي الإضراب و الحركة الاحتجاجية.
تكللت هذه الجولة من المفاوضات بإعادة تثمين الأجر الوطني الأدنى المضمون، والرفع من المنح العائلية، والتطهير المالي للمؤسسات، ومد السوق بالمواد الاستهلاكية ذات الطلب الجماهيري الواسع، واستقرار الأسعار وتموين المؤسسات العمالية بالمواد الأولية. وقد تم تكريس هذه المكاسب الاجتماعية لفائدة الطبقة العاملة و الوطن عبر تثبيت آلية "الثلاثية" ولأول مرة، وهي الآلية التي أرست علاقات جديدة في مجال الحوار والتفاوض بين الشركاء الاجتماعيين حول المسائل الاقتصادية و الاجتماعية.
على الصعيد الاقتصادي : الوضعية الصعبة:
إن ارتفاع المديونية الخارجية و تجاوزها لحد الـ 26 مليا دولار، بالإضافة إلى السقوط الحر لسعر النفط الذي كان يشكل المصدر الوحيد للعملة الصعبة، تعتبر من بين العوامل الضاغطة التي أجبرت السلطات العمومية إلى إمضاء اتفاقيات مع صندوق النقد الدولي " الأفامي" والبنك العالمي.
الاتحاد.ع.ع.ج ندد بدوره بالإجراءات التي أقرتها مخططات التسوية الهيكلية التي ضحت، في المقام الأول، بالمؤسسات التابعة للبناء والأشغال العمومية، والمراكز التجارية ومساحات التوزيع الكبرى في البلاد.
إن الإجراءات التي فرضها صندوق النقد الدولي قد أسهمت بشكل واسع في تدني مستوى الحياة بالنسبة لشرائح واسعة من السكان وساعدت في توسيع دائرة البطالة : 400.000 عامل كانوا ضحية لهذه الإجراءات القصرية.. فوجدوا أنفسهم في نهاية المطاف في خانة البطالين. حتى المؤسسات والمراكز الصناعية الكبرى التي كانت مفخرة الصناعة الجزائرية أصبحت بدورها تحت رحمة الضربات الموجعة و يتهددها التفكيك الزاحف.
أعرب الاتحاد.ع.ع.ج علنا و بصريح العبارة عن رفضه التام للبرنامج الاقتصادي والاجتماعي المستمد والمفروض من طرف صندوق النقد والبنك الدوليين والآثار السلبية اقتصاديا واجتماعيا على الوضعية الاجتماعية للعمال و عائلاتهم.
كان من البديهي والمتوقع، بعد أن تجاوزت البلاد الظروف الصعبة دون رجعة، أن يغير الاتحاد.ع.ع.ج إستراتيجيته وطرق عمله و يحدد أولوياته من أجل تجميع قواه وتنظيمها أكثر فأكثر حتى يتمكن من خوض غمار معارك جديدة ومستقبلية.
الاتحاد.ع.ع.ج قاوم وواجه جميع السياسات الاقتصادية و الاجتماعية، سواء كان ذلك من حيث الشكل والمضمون، أو من حيث الأهداف التي كانت تتوخاها والتي هي في تناقض وتضاد مع الحقوق والمصالح المشروعة للعمال.
لقد كان على الاتحاد.ع.ع.ج أن يعيد تموقعه من جديد دون أن يعني ذلك أي تخل عن تاريخه القائم على الدفاع عن الجزائر و الدولة و الديمقراطية والجمهورية.
الاتحاد.ع.ع.ج والمؤسسات المالية الدولية: صندوق النقد الدولي ,البنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية:
دفعت سنوات 80 و90 التي تميزت بهشاشة الاقتصاديات الأفريقية وسعي المنظمات الدولية إلى تثبيت برامج للتسوية الهيكلية واسعة وطموحة تختلف من دولة إلى أخرى، إلا أنها تلتقي عموما على تقليص معتبر لحجم القطاع العمومي، وتحرير الأسواق وانفتاح الدول على التجارة الدولية، وهي الإجراءات التي لا يمكن تنفيذها دون صدامات وأزمات متعددة. فانفتاح الأسواق على المنافسة بشكل أوسع يؤدي بالضرورة إلى غلق العديد من المؤسسات وخاصة مؤسسات النسيج الذي كان محل حماية من الدولة.
كما أن القروض الممنوحة من طرف المؤسسات المالية الدولية لم تحقق الأهداف المرجوة منها. فالسلطات الحكومية التي كان عليها أن تستعمل هذه القروض بغية إعادة تقويم الاقتصاديات المحلية، فضلت وتحت ضغوطات اجتماعية وسياسة تمويل مصاريف التسيير العادي.
ومن جهة أخرى، فإن الشبكات الاجتماعية التي كان من المفروض أن تكون بمثابة دعم لفائدة الفئات المتضررة من الهيكلة طوال المرحلة الانتقالية لم تتمكن من تحقيق الغايات المحددة لها نظرا لشساعة واتساع فترة انكماش الاقتصادي.
وفيما يتعلق بالجزائر، فإن الاتحاد.ع.ع.ج يساند دوما الفكرة التي تقول بأنه يجب أن تولي التسوية الهيكلية أولوية الاستثمار الوطني المنتج وليس العمل من أجل تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات فقط. يجب إذن استبدال التسوية الهيكلية بالاستثمار خاصة وأن الهيكلة قد أكدت حدودها وتأكد للجميع آثارها السلبية.
على الصعيد الدولي، ينخرط الاتحاد.ع.ع.ج في الخيار المعتمد من جانب الاتحاد الدولي للنقابات الحرة والمتمثل في أن على البنك الدولي أن يذهب بعيدا في دعمه لمبدأ الحقوق الأساسية في العمل (أو معايير العمل الدولية)، بل عليه أن يتخذ إجراءات جدية يكون من شأنها أن تفرض احترام وتعزيز المعايير الأساسية في العمل وذلك من خلال نشاطاته اليومية على صعيد الدول التي غالبا ما تخرق حقوق العمال والنقابات.
يوافق الاتحاد.ع.ع.ج الاتحاد الدولي للنقابات الحرة عندما يصرح هذا الأخير: "إن العمل الوحيد الذي يمكننا من منع البنك الدولي من إغفال حقوق العمال والعاملات يمر حتما بالتزامه ضمان أن تكون الاستشارات السياسية التي يقدمها البنك على صعيد الدول واشتراطات القروض في تناسق مع معايير العمل الأساسية وباقي الاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية المصادق عليه من طرف الدول المعنية.
لقد أصبح من الواضح بمكان، وعلى امتداد العالم كله، أن نلاحظ امتداد الحركة النقابية نحو النشاط السياسي. وعليه، فإن الاتحاد.ع.ع.ج يرى بأنه من الضروري أن يشارك في بلورة القرارات السياسية التي يكون لها تأثير على حياة وظروف عمل العمال.
إن المفاوضات و خلاصات اتفاقيات الانخراط في منظمة التجارة الدولية لم تكن بالقدر الوافي محل مناقشات في المجتمع والهيئات الوطنية. الاتحاد.ع.ع.ج سيكثف نشاطه بغية تحفيز مثل هذا النقاش.
أما فيما يخص الانخراط في منظمة التجارة الدولية، فإنه من الواضح بما كان، أن يتم الكفاح من أجل تجديد كفاءات الحكومات في حماية مرافقها العمومية (الصحة، التربية والتعليم، الحماية الاجتماعية ، النقل...) وضمان تسييرها الأحسن ، الأمر الذي يمر حتما بفهم جيد للرهانات التي تتعلق باتفاقيات التبادل التجاري الحر.
بكلمة أخرى إن التحدي التي تفرضه العولمة على الحركة النقابية يجعلها أمام موقف لا رجعة فيه. فالحركة النقابية العالمية التي كانت تتفوق دوما نحو العالمية عبر نشاطاتها و إيديولوجياتها التضامنية والكفاحية يتضح لها اليوم أن العالمية ليست قادرة لمواجهة عولمة رأس المال إن كان ذلك على مستوى النظرة أو الهياكل.
وعليه يعتبر الاتحاد.ع.ع.ج أنه يجب على الحركة النقابية العالمية إن أرادت أن تواجه فعلا هذه التحديات أن تتعزز أكثر فأكثر وأن تحقق أعلى درجات التجنيد مع ما يتطلب ذلك من تكفل بطموحات من تمثلهم والعمل على إدارة مسار التجديد بواسطة مقاربات ومؤسسات وأشكال جديدة للتدخل.
قيادات الاتحاد.ع.ع.ج:
يسجل تاريخ الحركة النقابية الجزائرية وجود مناضلين وقيادات تداولوا المسؤولية وتعاقبوا على سدة القيادة لمواصلة المشوار النقابي بكل وطنية وإخلاص ونكران للذات. كان هدفهم جميعا الدفع إلى الأمام بالمسائل الاجتماعية حتى تفتح مجالات التقدم والمساهمة الفاعلة والناجعة في جميع القضايا الوطنية الكبرى. يتشرف الاتحاد.ع.ع.ج بهؤلاء القيادات والمناضلين الأشاوس الذين أثروا بوطنيتهم وعزمهم وتضحياتهم السجل الذهبي لهذه المنظمة الشريفة التي تحفظ ذاكرتهم بعد أن أدخلتهم في ذاكرتها الجماعية.
شهيد الثورة و النقابة المناضل عيسات إيدير:
ولد شهيد الثورة والنقابة المناضل عيسات إيدير أول سكرتير عام للاتحاد.ع.ع.ج بمنطقة جمعة صهاريج بولاية تيزي وزو بتاريخ 11 جوان 1915. انتقل إلى مدينة تيزي وزو لمزاولة دراسته الثانوية بعد أن استكمل دراسته الابتدائية وتحصله على منحة مدرسية بعد أن نجح في مسابقة في هذا الشأن.
لم يتمكن الشاب عيسات إيدير من الالتحاق بالمدرسة الوطنية لتكوين الأساتذة لأسباب قاهرة رغم التفوق المدرسي والتحصيل العلمي الذي كان يتميز به، ويقر به جميع من كانوا يرافقونه في الدراسة، فالتحق بـالأراضي التونسية أين كان يقيم عمه الذي مكنه من مواصلة دراسته هناك والتحضير لدخول الجامعة التونسية بغية تحضير إجازة في الحقوق والعلوم الاقتصادية.
أستدعي عيسات إيدير من طرف السلطة العسكرية الفرنسية لتأدية الخدمة العسكرية، وبعد الانتهاء منها والحصول على رتبة رقيب في الاحتياط الأمر الذي عكس تفوقه المعرفي، رجع إلى الجزائر ليشارك بنجاح في المسابقة التي نظمتها مصلحة الورشات الصناعية الجوية بكاف متيفو (برج البحري) وهي المسابقة التي نجح فيها والتحق بهذه الورشات إلى غاية أن جند مرة ثانية في الحرب العالمية الثانية وقد كانت من الصدف أن يؤدي عيسات إيدير طوال فترة هذا التجنيد في تونس.
بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها سرح عيسات إيدير من الخدمة العسكرية الإجبارية برتبة رقيب أول، فالتحق بوظيفته الأصلية بالورشات الصناعية الجوية أين تطورت وظائفه إلى غاية أن وصل إلى رتبة إطار سامي في المحاسبة وهذا بعد عشر سنوات من الحياة المهنية على مستوى هذه الورشات. مكنته هذه الوظيفة السامية والثقة التي كان يحوز عليها من قبل المجموعة العمالية الجزائرية التي كانت تشتغل بهذه الورشات من كسب ثقة الجميع والترقية إلى أن كلف بمراقبة فروع المؤسسة الموجودة في كل من الجزائر وتونس الأمر الذي فتح له مجال التعارف والالتقاء بالأطر النقابية التونسية و العديد من قيادات الحركة النقابية التونسية.
وبعد مطالبة الشعب الجزائري برمته الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وما أعقبها من حوادث دامية في 8 ماي 1945، بعد أن حقق الوطنيون نجاحات انتخابية وتزايد اتساع حجم ومكان حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، ردت السلطات الاستعمارية على مطامح الشعب الجزائري بالمزيد من القمع وإظهار مظاهر القلق والخوف تجاه المطامح المشروعة للشعب الجزائري.
وكم كانت السلطات الإدارية والسياسية الاستعمارية تتابع تحركات عيسات إيدير الذي بدأ يظهر الكثير من خصال الزعامة، ورفض الأمر الاستعماري وطرح تساؤلات تحرج النظام الكولونيالي المبني على تفوق العنصر الأوروبي على كل ما هو جزائري أصيل وجدت الإدارة الاستعمارية في الإضراب الذي قام به المناضل النقابي عيسات إيدير ذريعة تكفي لإدانته وتسريحه من العمل بحجة عرقلة العمل وزرع البلبلة في الورشات.
غير أن التضامن بين النقابيين قد مكنه من تجاوز هذا العزل الوظيفي الاستعماري ليلتحق فيما بعد بمؤسسة "cacobatp" كرئيس مصلحة وينخرط مجددا في الكنفيدرالية العامة للشغل على مستوى المؤسسة.
أولى عيسات إيدير اهتماماته بأداء وسير التنظيم النقابي وطور الخطاب النقابي المستعمل وكيفه وانشغالات الأكثر حرمانا واحتياجا من العمال والمستضعفين.
أستدعي عيسات إيدير من طرف هيئة تحرير "الأمة الجزائرية" السرية والتابعة لحزب الشعب الجزائري وقد كلف بركن "البروليتري الجزائري" كما ساهم بقسط وافر في "الجزائر الحرة". و أثناء الأزمة الداخلية التي مست الحركة الوطنية، كان مناهضا لمخاطر الانقسام المهدد لوحة الحزب.
دخل معركة الكفاح بقيادة جبهة وجيش التحرير الوطني وكان عمره لا يتجاوز 38 سنة، ناهيك عن خصال الاستقامة والوفاء والتمتع بالسلوك النضالي النظيف الذي يفتح له المجال واسعا في صفوف الثورة.
تجسدت الآمال التي كانت تراود عيسات إيدير وزملائه منذ أزيد من عشرية كاملة من النضال السري والعلني بالإعلان عن تأسيس الاتحاد.ع.ع.ج وبروز قيادات نضالية تسهم في تحرير الوطن، وتشارك في أشغال البناء، بعد الحصول على الاستقلال، وذلك من أجل بناء مجتمع تضامني ونام ومتقدم.
من خصال وتكوين هذا الرجل أنه كان يريد أن يعرف كل شيء، وأن يكون متابعا دقيقا للأحداث والمراسلات وتحرير العرائض والنداءات والبيانات والمقالات، كما كان حريصا على متابعة تحضير المادة الإعلامية والإخراج وكل ما يفرضه إصدار جريدة "العامل الجزائري"، بالإضافة إلى ضبط شعار الاتحاد.ع.ع.ج وتحضير بطاقات الانخراط والطابع النقابي وسعر العدد ، ناهيك عن التدقيق في المراسلات التي يتم توجيهها إلى الاتحاد الدولي للنقابات الحرة.
وكنتيجة لهذا الزخم الكفاحي الذي كرسه المناضل عيسات إيدير في الحركة العمالية الجزائرية، جاءت الإضرابات الوطنية لتؤكد دون شك وبكل وضوح التزام وانخراط الاتحاد.ع.ع.ج مع جبهة و جيش التحرير الوطني منذ اندلاع الثورة.
لم تتوان السلطات الاستعمارية في قمع قيادة المركزية النقابية و الزج بأطرها و مناضليها القاعديين في السجون ، و قد شمل القمع الاستعماري القيادات النقابية للمركزية النقابية ليلة 24 ماي 1956، حيث ألقت السلطات الإدارية بدعم من الجيش والشرطة ورجال المباحث الفرنسيين القبض على أعضاء الأمانة الوطنية للاتحاد.ع.ع.ج يتقدمهم المناضل عيسات إيدير. بلغ عدد الموقوفين الذين زج بهم في أتون الاستنطاق والتحقيق والتعذيب النفسي والجسدي حوالي (40) مناضلا نقابيا قياديا تم توجيههم بعد فترة التحقيق نحو المحتشدات والمعتقلات لمدد طويلة.
إن القمع الشديد الذي سلط على قيادة الاتحاد.ع.ع.ج لم يحل دون تواصل المشعل النقابي وتحمل المسئولية، بعد تاريخ 24 ماي 1956 ومواصلة المشوار الكفاحي ضد الاستعمار بشتى الوسائل المتاحة.
الحقيقة أن تشديد القمع وتواصل الاعتقالات دون توقف دفع بالمناضلين النقابيين على مستوى المنظمة إلى أن يختاروا العمل السري و الانصهار التام في جبهة التحرير الوطني.
الجدير بالذكر أن العدد الأول من جريدة "العامل الجزائري" صدر عن مطبعة" نلسن " الكائنة بالقرب من سينما "ماجستيك" حاليا "سينما الأطلس". وبالرغم من القمع والمتابعة البوليسية والمصادرات المتتالية للجريدة، تمكنت المنظمة النقابية من إصدار (13) عددا في الداخل وحتى الخارج، وكبرهان على مواصلة الكفاح النقابي، نصبت القيادة النقابية الجديدة التي أعقبت القبض على القيادة التي كانت برئاسة عيسات إيدير إلا أن السلطات الاستعمارية لم تمهلها طويلا، بل قامت بتفكيكها بتاريخ 30 جوان 1956 إثر الانفجار الكبير الذي دمر مقر القيادة نتيجة عبوة ناسفة وضعتها السلطة الاستعمارية مستهدفة القيادات النقابية.
دفع هذا الجو المعادي والمتواصل ضد الاتحاد.ع.ع,ج إلى اعتماد و تفضيل العمل السري والانتقال إلى تونس لمواصلة كفاحه وإصدار "العامل الجزائري".. ومن تونس تعاقبت العديد من القيادات النقابية، ومن جهته، مكن مؤتمر الصومام المنظم في 20 أوت 1956 من تأسيس هياكل لكل من جيش التحرير الوطني واللجنة الوطنية للثورة الجزائرية و cce.
عين المناضل النقابي عيسات إيدير ، باسم مستعار، كعضو دائم في اللجنة الوطنية للثورة الجزائرية، في حين عين السيد بن عيسى عطاء الله كعضو إضافي، و قد أثير موضوع تهريب المناضل عيسات إيدير من معتقل "بوسي" من طرف أعضاء لجنة التنسيق والمتابعة، حتى تستفيد الثورة من قيادته للاتحاد.ع.ع.ج خاصة بعد أن انخرطت المنظمة في الاتحاد الدولي للنقابات الحرة ومقره بروكسل العاصمة البلجيكية. تم إلغاء مشروع تهريب عيسات إيدير من المعتقل، بعد أن اشتدت معركة الجزائر وتزايد الاعتقالات والزج بمئات الآلاف من الجزائريين في المحتشدات، ناهيك عن عمليات الاستنطاق الذي مارسه المظليون بقيادة السفاح الجنرال" ماسو".
علم الجيش الاستعماري بخير عضوية المناضل عيسات إيدير في اللجنة الوطنية للثورة الجزائرية، فقام باستنطاقه في محتشد" بوسي" وفي المركز التابع للمباحث بوهران، قبل أن يحول إلى وحدة عسكرية تابعة للمظليين بقيادة العقيد " بيجار" . بعد أن أعيد إلى محتشد"بوسي" وتنظيم المعتقلين لحركة احتجاجية ضد الأوضاع المزرية للاعتقال بتاريخ 13 مارس 1958، قامت إدارة المحتشد باستدعاء عيسات إيدير وجعله تحت أمر بالتوقيف وتم توجيهه نحو سجن " سركاجي" بالجزائر.
لم تتأخر كل من الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في تونس والاتحاد الدولي للنقابات الحرة في بروكسل في الدفاع عن قضية عيسات إيدير وتعيين محامين للدفاع عنه.
لم يخف عيسات إيدير، وبكل شجاعة، انتماءه إلى النقابة الحرة، وهذا أمام المحكمة الاستعمارية، وقد فضلت المحكمة أن لا تثير قضية الانتماء إلى اللجنة الوطنية للثورة الجزائرية طوال المحاكمة ولم يسأل الشهيد عيسات إيدير عن هذا الانتماء من عدمه.
حكمت المحكمة ببراءة عيسات إيدير، في حين حكمت على عبد القادر علالو بـ (03) سنوات سجن نافذة ونور الدين اسكندر بـ (02) سنتين، في حين برأت المحكمة كل من ساحة كل من الشيخ مصطفى ومراكشي و سحنون.
بالرغم من حكم البراءة، وجد عيسات إيدير عند خروجه من سجن سركاجي دركيين في انتظاره كان قد تحصلا على أمر من العقيد " قودار" لاقتياده مسلسل اليدين نحو مركز التعذيب الكائن ببئر دراريا ، وهو المكان الذي كان يتم فيه التعذيب بشكل علني من جانب "المظليين ذوي القبعات الزرقاء" طوال معركة الجزائر.
وبعد أربع 04 أيام من التعذيب المتواصل، حول عيسات إيدير نحو المستشفى العسكري "مايو" الكائن بباب الوادي لأسباب "حدوث جروح بليغة" نتيجة اشتعال سيجارة في فراش نوم المعتقل، وهو الذي لم يدخن يوما!.
حاولت الاتحادية الدولية للنقابات الحرة الحصول على تسريح بنقل عيسات إيدير نحو الخارج للتداوي من الجروح في مركز متخصص بسويسرا، إلا أن هذا الطلب قد رفض رفضا قاطعا من قبل " دولوفري" ممثل الحكومة الفرنسية في الجزائر.
توفي الشهيد عيسات إيدير، بعد معاناة طويلة ومريرة نتيجة الحروق التي أصابته، يوم 27 جويلية 1959 وهي الوفاة التي أحدثت تأثيرا عالميا في الأوساط النقابية والمحافل الدولية المحبة للحرية والسلام التي نددت جلها بهذا الاغتيال الهمجي. وقد تصاعدت أصوات متعددة في كل من أوروبا وأفريقيا وآسيا وأمريكا منددة بالجريمة ومطالبة بالتحقيق في ملابساتها و تسليط العقوبة على مقترفيها مهما كانت مستوياتهم ورتبهم العسكرية.
عكست الجرائد والمجلات الصادرة آنذاك الصدى الإعلامي المندد بالجريمة والحكومة الفرنسية عن صمتها وتواطئها.
شهيد الجمهورية: عبد الحق بن حمودة
ولد عبد الحق بن حمودة بقسنطينة المعروفة بتاريخها الضارب في أعماق التاريخ والمقاومة،وفي وسط عائلة جزائرية عريقة ومرتبطة بالقيم الوطنية ومحبة للخير والتضامن ، وقد كان والده إماما ورعا ومؤمنا صدوقا محبا للخير وداعية محترما.
مكنت ظروف العائلة عبد الحق بن حمودة من التمتع بحس وطني وفهم دقيق لحقيقة الأمور وتفطن مبكر، فانخرط في سلك التعليم مبكرا، بعد أن تحصل على إجازة في التعليم، ليصل، في وقت قصير نتيجة خصاله القيادية، إلى مدير مدرسة في بداية الثمانينات. وقد كان واعيا بمتطلبات الكفاح الاجتماعي، ورافضا لمختلف صور الاستغلال و الحقرة والتهميش والتمييز والبيروقراطية والتسويف الإداري، وهو ما مكنه من الالتحاق بالكفاح الاجتماعي والنقابي واقتناعه بأن العمل النقابي هو الوحيد الذي يكفل له المساهمة في الدفع بالأمور إلى الأمام، والسعي إلى تحسين شروط العمل والحياة للمواطنين.
برهن عبد الحق بن حمودة عن تحليه بخصال القيادة والقدرة العالية على مواجهة التحديات التي بدأت تلقي بثقلها على عالم الشغل و النقابة، الأمر الذي أسهم في تقلده للعديد من المسئوليات النقابية، في إطار اتحادية التربية، ثم زعيما محترما ومقدرا ومبجلا من قبل زملائه، كما كان محبذا للحوار والتشاور و مفاوضا عنيدا .
تقلد المسئوليات النقابية داخل المنظمة إلى أن أنتخب، في جوان 1990، كأمين عام للاتحاد.ع.ع.ج ، وفي ظل ظرف اقتصادي عسير ميزته المتغيرات النوعية والعميقة التي شهدتها الساحة الوطنية والتي مست مختلف مجالات النشاط الوطني. تميز عبد الحق بن حمودة بانخراط واسع من أجل الدفاع عن أسس الجمهورية للدولة الجزائرية التي واجهت منذ 1991، تهديدا خطيرا من جانب الحركة الإسلاموية والعنف الإرهابي الأصولي.
إنه الإرهاب الذي ارتكب المجازر البشعة في حق الشعب الجزائري، و قد كان يعتبر ما يحدث في الجزائر بمثابة حرب قذرة ضد الشعب وليست حربا أهلية كما كانت تروج له بعض الأصوات المعادية . وكم كان الظرف يتطلب الشجاعة والإقدام للتعبير عن الموقف ضد هذا الإرهاب المدمر والتأكيد على ضرورة الديمقراطية والحرية، ورفض أي نظام يتناقض مع الدولة الوطنية.
وقف عبد الحق بن حمودة ضد الإرهاب علنا وجهرا، وقد ذهبت بعض الأبواق إلى حد اتهامه ظلما وبهتانا بأنه يستعمل الاتحاد.ع.ع.ج كأداة سياسية. وقد كان رده على هذه الأبواق بأنه مقتنع تمام الاقتناع بضرورة الدفاع عن مستقبل الجزائر مهما كلفه ذلك من ثمن و تضحيات.
مكنت هذه الرزانة في الموافق الزعيم عبد الحق بن حمودة من تحديد إستراتيجية كفاحية مطلبيه للمنظمة النقابية تأكدت ضرورتها وإيجابيتها، بعد أن قررت السلطات العمومية التحضير للاتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن برامج التسوية الهيكلية في النصف الأول من التسعينات. وبتحكمه الجيد والتام في إدارة وتوجيه المنظمة النقابة تمكن عبد الحق بن حمودة من إعطاء نفس جديد للحركة النقابية الجزائرية التي كان حريصا على حماية استقلاليتها من أي سلطة كانت.
عرف عن عبد الحق بن حمودة رغبته وقناعته القوية في الفصل واتخاذ القرارات الواضحة عندما يتعلق الأمر بالقضايا المصيرية، وقد ساعده في ذلك تحليه بصفة القيادة، وفن الخطابة والتحدث مع الناس وكيفية تناول الانشغالات والمستجدات على الساحتين الوطنية والدولية.
كان يعتبر أن المركزية النقابية وما تمثله من قوة اجتماعية وتنظيم هي في المرتبة التي تلي مرتبة الجيش الوطني الشعبي الذي يحتل مكانة مرموقة في قلب جميع الجزائريين. فالاتحاد.ع.ع.ج له من القوة ودرجات التجنيد والتعبئة و التحسيس ما يؤهله إلى حماية الحقوق الاجتماعية للعمال.
وكم كان اغتياله مفاجئة للجميع واعتبرته الحركة النقابية الجزائرية خسارة لها وللحركة النقابية الدولية برمتها التي لم تتأخر في تكريمه وتثمين خصاله الوطنية والقيادية وتحليه بالشجاعة التي تميز بها طوال حياته.
والى اللقاء مع الجزء الثالث








 


 

الكلمات الدلالية (Tags)
الاتحاد, العظيمة, النقابة, انجازات, تتنكروا, ugta

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 04:20

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc