اشتهر لدى الكثيرين اليوم -بسبب وسائل الاعلام وحديثها عن الأمازيغية ونحوها- أن هناك "عرب" و "بربر" , والصواب أن البربر ليسوا جنساً خارج العرب مطلقاً, بل فيهم خلاف شديد: هل هم من العرب أم لا؟
والبربر بعضهم بمصر وأكثرهم بالمغرب, وجمهور النسابين على أنهم من العرب, وإنما اختلفوا في الى أي العرب يدلون بنسبهم, وقد لخص العلامة القلقشندي خلاف النسابين في أي العرب هم؟ وذلك في كتابيه الشهيرين:
"نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب"
وكتابه الآخر المختصر :
"قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان"
وهما من عمد هذا الفن.
حيث يقول القلقشندي:
(البربر: ببائين موحدتين بينهما راء ثانية في الآخر، جيل عظيم من الناس ببلاد المغرب، وبعضهم بمصر، وقد اختلف في نسبهم اختلافاً كثيراً:
1.فذهبت طائفة من النسابين إلى أنهم من العرب، ثم اختلف في ذلك:
أ. فقيل أوزاع من اليمن.
ب. وقيل من غسان، وغيرهم تفرقوا عند سيل العرم، قاله المسعودي.
ج.وقيل خلفهم إبرهة ذو المنار أجلُّ تبابعة اليمن حين غزا المغرب.
د.وقيل من ولد لقمان بن حمير بن سبا، بعث سرية من بنيه إلى المغرب ليعمروه فنزلوه وتناسلوا فيه.
هـ.وقيل من لخم وجذام كانوا نازلين بفلسطين من الشام إلى أن أحرجهم منها بعض ملوك فارس فلجأوا إلى مصر، فمنعهم ملوكها من نزولها فذهبوا إلى المغرب فنزلوه.
2.وذهب قوم إلى أنهم من ولد لقشان بن إبراهيم الخليل عليه السلام.
3.وذكر الحمداني: أنهم من ولد برا بن قيدار بن أسماعيل ابن إبراهيم عليه السلام وأنه كان قد ارتكب معصية فطرده أبوه، وقال له البرابر، "إذهب يابر، فما أنت بر".
4. وقيل هم من ولد بربر بن ثملا بن مازيغ بن كنعان بن حام بن نوح عليه السلام.
5. وقيل من ولد بربر بن كسلاجم بن حام بن نوح.
6. وقيل من ولد ثميلاً بن ماراب بن عمرو بن عملاق بن لاود بن ارم ابن سام بن نوح.
7. وقيل من ولد قبط بن حام بن نوح.
8. وقيل اخلاط من كنعان، والعماليق.
9.وقيل من حمير ونصر والقبط.
10. وقيل من ولد جالوت ملك بني اسرائيل، وأنه لما قتل داوود عليه السلام جالوت تفرقوا في البلاد، فلما غزا افريقيس المغرب نقلهم من سواحل الشام وأسكنهم المغرب وسماهم البربر, وقيل أخرجهم داود عليه السلام من الشام فصاروا إلى المغرب) نهاية الأرب باختصار
هذه خلاصة ماقاله النسابون في نسبهم, وقد شنع ابن حزم على من رفع نسبهم الى آباء متقدمين غابرين بقوله في كتابه "جمهرة أنساب العرب" :
(قال قوم: إنهم من بقايا ولد حام بن نوح, وادعت طوائف منهم إلى اليمن، إلى حمير، وبعضهم إلى بر بن قيس عيلان: وهذا باطل لا شك فيه. وما علم النسابون لقيس عيلان ابناً اسمه بر أصلاً, ولا كان لحمير طريق إلى بلاد البربر، إلا في تكاذيب مؤرخي اليمن) جمهرة أنساب العرب.
وفي سبب تسميتهم بالبربر اختلاف, وقد ذكر العلامة ابن خلدون أن ذلك عائد إلى "نطقهم" كما يقول في تاريخه:
(ولغتهم من الرطانة الاعجمية متميزة بنوعها وهى التى اختصوا من أجلها بهذا الاسم يقال ان افريقش ابن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة لما غزا المغرب وافريقية وقتل الملك جرجيس وبنى المدن والامصار وباسمه زعموا سميت افريقية لما رأى هذا الجيل من الاعاجم وسمع رطانتهم ووعى اختلافها وتنوعها تعجب من ذلك وقال ما أكثر بربرتكم فسموا بالبربر والبربرة بلسان العرب هي اختلاط الاصوات غير المفهومة ومنه يقال بربر الاسد إذا زأر بأصوات غير مفهومة)
ويذكر النسابون أنهم بطون كثيرة وشعوب متفرقة, ولكن يجمعها كما ذكر ابن خلدون -وعنه نقل القلقشندي- أنهم يرجعون إلى أصلين عظيمين, كما يقول ابن خلدون:
( وأما شعوب هذا الجيل وبطونهم فان علماء النسب متفقون على أنهم يجمعهم جذمان عظيمان: وهما برنس ومادغيس, ويلقب ماد غيس بالابتر, فلذلك يقال لشعوبه البتر, ويقال لشعوب برنس البرانس)
أما كثرة فروعهم فلاتطعن في عروبتهم, ذلك أنه من المقرر في "أصول علم النسب" قاعدة التفرع إذا تباعد الزمن كما قال الماوردي: (إذا تباعدت الأنساب صارت القبائل شعوباً، والعمائر قبائل، يعني: وتصير البطون عمائر، والأفخاذ بطوناً، والفصائل أفخاذاً، والحادث بعد ذلك فصائل).
أما من ذكر أن قبح اسمهم وأنه خارج عن المعهود في أسماء العرب فليس بصحيح, فقد قال القلقشندي وهو يقرر أصول علم النسب:
(الغالب على العرب تسمية أبنائهم بمكروه الأسماء، ككلب وحنظلة وضِرار وحرب، وما أشبه ذلك، وتسمية عبيدهم بمحبوب الأسماء، كفلاح ونجاح، ونحو ذلك. والمعنى فيه ما حُكي: أنه قيل لأبي الدُّقيش الكلابي: لِمَ تسمون أبناءكم بشرّ الأسماء، نحو كلب وذئب، وعبيدكم بأحسن الأسماء، نحو مرزوق ورَباح، فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا، وعبيدنا لأنفسنا)