السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
وددت اليوم أن أطل عليكم بتعريف شخصية تاريخية لطالما كنت معجبا به و بمآثره ..
هو سلطان بني زيان و حجة بلاد المغرب على سلاطين الأقاليم و البلدان و سيد زناتة الكرّار من الزّيبان و رافع أمجاد تلمسان السّلطان الفارس الأديب الشاعر النبهان أبو حمّو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحي بن يغمراسن بن زيان ولد بغرناطة سنة 723 هـ /1323 م حين كان أبوه يوسف أبو يعقوب منفيا إليها ثم عاد به أبوه إلى تلمسان و نشأ بها أديبا كيّسا ينظم الشعر و شهد أفول دولة بني عبد الواد الأولى سنة 737 هـ / 1336 م على يد المرينين و خرجت أسرته إلى ندرومة و اعتزلت النزاع على الملك ثم ارتحلت إلى تونس عاصمة المغرب الأدنى و كانت قاعدته للانطلاق لاسترداد ملك آباءه.
وكان بنو عبد الواد من أقوى فروع زناتة ولّاهم الموحّون أمر تلمسان و بعد ضعف بني عبد المؤمن قاموا بالدعوة لأنفسهم و بويع ليغمراسن بن زيان سنة 633 هـ / 1235 م بعد هلاك أخيه فكان مؤسس الدولة و مثبت دعائمها. و كان بنو عبد الواد بدوا رحّلا يجوبون المغرب و كان نزوحهم إلى الغرب تدريجيا حتى استوطنوا جنوب وهران وصولا إلى تلمسان وهم في الأصل من الزاب أي من نواحي بسكرة و يثبت ذلك قول أبي حمّو :
" و جئت لأرض الزّاب تذرف أدمعي *** لتذكار أطلال الرسوم الطواسم "
إذ يؤكد ان الزاب موطنه الأصلي و قد رجع إلى الزاب الأمير أبوزيان آخر عهد الدولة الزيانية و يعرف أبناءه بعائلة البوزياني .
ترك الترحال آثاره على صاحبنا فنشأ غزير العلم وافي الأدب واسع الفكر عارفا بأحوال تلمسان و ندرومة و فاس و تونس و مطلعا على طبائع أهلها و كان خبيرا ببلاد المغرب و مسالكها و قبائلها فلما استقر بتونس و ظفر بدعم صاحبها الحفصي عزم على استرداد تلمسان عاصمة أجداده و مرتع شبابه و لم يكن أبوه ملكا و لا جده و لا جد أبيه و إنما جد جده يغمراسن . فجمع الجيوش و استمال القبائل فبايعه الذواودة و بنو عامر و نصروه و في هذا يقول:
"فطوبى لعبد الواد عند ازدحامهم *** لقد جدلوا في الحرب كل مزاحم"
" و جالت خيول العامرية فوقها *** أسود الشّرا في موجها المتلاطم"
فدخل تلمسان منتصرا سنة 760 هـ/ 1359 م و أرسلت له المدن و البوادي بيعتها إذ كان أكثر أهل المغرب الأوسط موالين للبيت الزياني و في هذا يقول :
"دخلت تلمسان التي كنت أرتجي *** كما ذكرت في الجفر أهل الملاحم"
و لكن ما سلمت مدة ملكه الطويلة من الكدر فقد كان بنو مرين لا يفترون عن مهاجمة تلمسان و محاولة الاستيلاء عليها طمعا منهم في إخضاع بلاد المغرب ووراثة الدولة الموحّدية و لا يتم لهم ذلك إلا بإخضاع بابه و هي تلمسان . و قد أتعبهم أبو حمّو الثاني و أنهكهم فكان كثيرا ما ينسحب إلى الصحراء ثم يعود ليميل عليهم ميلة واحدة و في هذا قال :
"و خضت الفيافي فدفدا بعد فدفد *** لنيل العلى و الصبر إذ ذاك لازمي"
"و كم ليلة بتنا على الجدب و الطوى *** نراقب نجم الصبح في ليل عاتم"
مما جعله ألد أعداء بني مرين و يصفه ابن الأحمر الغرناطي كاتب بني مرين في مخطوطه "تاريخ الدولة الزيانية" بأقبح الصفات و أخبثها من الغدر و الجبن و الخيانة و البخل و إن دل هذا فإنما يدل على عمق حقد و كره سلاطين بني مرين لأبي حمّو و الدولة الزيّانية و وصل به الأمر أن فر إلى الزّاب موطن أجداده الأولين ثم استجمع أمره و عاد و في هذا يقول :
"أنا الملك الزّابي و لست بزابي *** و لكنّني مفني الطغاة الطماطم "
وقد جعل أبو حمّو من تلمسان منارة بلاد المغرب فحصن بناءها و أكرم أهلها و جعلها محجّة للعلم و العلماء فكان الرجل إذا نبغ ابنه في العلم رحل به إلى تلمسان مثل ابن مرزوق القيرواني و المغيلي و التنسي و الونشريسي و غيرهم كثير من العلماء و الأدباء كما كانت قبلة للكثير من أهل الأندلس المهاجرين للمغرب مثل الإمام العقباني و الشاعر القيسي و ظهر من أبناءها ثلة من أهل العلم مثل أبي عبد الله الشريف التّلمساني الذي شيّد له أبو حمّو المدرسة اليعقوبية و عينه مدرسا بها و حضر بنفسه أول درس للشريف التّلمساني و كان يوقره و يجله و يفتخر به على الأمصار و قد زوجه ابنته الأميرة و يوم وفاة الشريف قال لابنه أبي محمد عبد الله الغريق " ما مات من خلفك و إنما مات أبوك لي ، لأنني أباهي به الملوك " . و كان المشور في عهده من أعاجيب بلاد المغرب في العمران و الحسن و كان يحتفل بليلة المولد النبوي احتفالا باهرا بالغا يدهش كل من حضره و يلقي فيها قصائده من المولديات و كانت ساعة المنجانة التي وصفها يحي بن خلدون في بغية الرواد من أروع مخترعات عهد أبي حمّو . و هو الذي يقول في تلمسان :
"أهل تلمسان في دولتنا *** كالشمس لدى برج الحمل "
"و لقد بذلوا في خدمتنا *** أقصى الغايات بلا كسل"
"فلهم منا عدل و ندى *** ولنا منهم أقـصى الأمل"
توفي أبو حمّو موسى الثاني سنة 791 هـ/ 1389 م بعدما تحالف ابنه أبو تاشفين مع بني مرين ضده . و كانت نهاية أكبر رجل من آل زيان بعد يغمراسن بعد حياة مليئة بالفروسية و الأدب و الشعر و السياسة و الملاحم و قد خلف الكثير من القصائد و المولديات و من آثاره كتاب "واسطة السلوك في سياسة الملوك" و هو كتاب قيم يعبر عن تجربة حياة و يتجلى في هذا الكتاب علمه الغزير و أدبه الوفير و حكمته البليغة و قد تركه كوصية لابنه .