د. طارق بن محمد بن عبدالله الخويطر
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلا يخفى على المسلم ما للعلم من فضل، وما للعلماء من مكانة، فهم خلفاء الله في عباده بعد الرسل، قال تعالى : {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].
وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة يُعرف بها فضلُ العلم وأجره، وشموخ أهله، ورفعة طلابه، من ذلك: قول الله تعالى: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ } [العنكبوت:43]، قال ابن كثير: «أي: وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم، المتضلعون فيه» [1].
وقوله -جل وعلا-: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]. وقوله -عز وجل-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:11].وقوله -جل شأنه-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر:28]. قال ابن كثير: «أي: إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر» [2].
وأما من السنة فأحاديث كثيرة، منها حديث معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ» [3]. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلْمًا، سَهَّلَ الله له بِهِ طَرِيقًا إلى الجَنَّةِ» [4]. وحديث أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فَضْلُ الْعَالِمِ على الْعَابِدِ كَفَضْلِي على أَدْنَاكُمْ»، ثُمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السموات وَالأَرَضِينَ، حتى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا، وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ على مُعَلِّمِ الناس الخَيْرَ» [5]. وما رواه أبوالدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فيه عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا من طُرُقِ الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ له من في السموات وَمَنْ في الأرض وَالْحِيتَانُ في جَوْفِ المَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ على الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ على سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لم يُوَرِّثُوا دِينَارًا ولا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» [6].
والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة، وإذا عرف المسلم فضل العلم والعلماء، وعظم منزلتهم، وسمو مكانتهم، أدرك خطورة فقدهم، وخلو المجتمع منهم، فإن العلم يُنْتَقص بموت العلماء، وبذلك جاء الحديث الصحيح، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ اللهَ لا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ من الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حتى إذا لم يبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ الناس رؤوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» [7].
قال النووي: «هذا الحديث يبين أن المراد بقبض العلماء في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه، ولكن معناه أن يموت حملته، ويتخذ الناس جهالًا يحكمون بجهالاتهم، فيَضِلُّون ويُضِلُّون» [8].
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ من العلم قبل أن يُرفع، وذلك فيما رواه أبوالدرداء رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إلى السَّمَاءِ، ثُمَّ قال: «هذا أَوَانُ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ من الناس حَتَّى لا يَقْدِرُوا منه على شَيْءٍ»، فقال زِيَادُ بن لَبِيدٍ الأَنْصَارِيُّ: كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وقد قَرَأْنَا الْقُرْآنَ، فَوَاللَّـهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فقال: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا زِيَادُ، إن كنت لأَعُدُّكَ من فُقَهَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ، هذه التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ؟» [9]. وفي هذا رد على من زعم أن وجود الكتب يغني عن العلماء، وأن موت العلماء ليس بتلك المصيبة؛ لأنه -كما يتوهم- يستطيع أن يبين الحكم، ويستنبط المسائل، ويرجح عن طريق الكتب.
إن فقد العلماء مصيبة عظيمة، تكوي القلوب، وتسعّر الأجساد، وتقطع الأجلاد، وتفتّت الأكباد، وإذا ما خلت بلادٌ منهم، حسبتها خاوية من كل شيء، ما بها صافر ولا زافر ولا أنيس، ولا عين تطرف، ولا جفن يذرف.
إن أمة بلا علماء لهي أمة حائرة، يُخَافُ عليها الضلالُ، ويُنْتَظرُ فيها الشقاءُ والفناءُ. وأدم البكاء على أناس لا يرون للعلماء حقًا، ولا يقيمون لأقوالهم وزنًا، فكيف يطلبون السعادة والهناء، فالهم لا يزال ضجيعهم، والأسف أليفهم.
إن من نعمة الله على العلماء أن يسمو ذكرهم في حياتهم ويبقى بعد مماتهم، وهاهم الأئمة الأعلام يعيشون بعد مماتهم في كل حديث ومناسبة، ويفرضون أنفسهم في كل رسالة كتاب وتحقيق، واختيار وتارجيح، وتصحيح وتضعيف، وقد فاضت أرواحهم الطاهرة منذ قرون عديدة.
منَ الناسِ مَيْتٌ وهوَ حيٌّ بذكرِهِ
وحيٌّ سليمٌ وهْوَ فِي النَّاسِ مَيتُ [10]
ومن العلماء الذين فُجِعنا بفراقهم شيخنا العلامة عبدالله بن عبدالعزيز العقيل رحمه الله تعالى، وهذه أسطر في التعريف بشيخنا، وأداء لجزء يسير من حقه علينا، وإلا فحقه كبير يحتاج إلى كتب كثيرة تتحدث عن سيرته العلمية والعملية، وعن صفاته الحميدة:
إسمه ونسبه:
هو: سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل بن عبدالله بن عبدالكريم آل عقيل.
مولده:
ولد -رحمه الله- سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف في مدينة عنيزة، ونشأ في كنف والده عبدالعزيز العقيل رحمه الله، وكان يُعتبر من أعيان عنيزة ومن أدبائها وشعرائها، ومن المفكرين فيها.
نشأته العلمية:
تلقى -رحمه الله- مبادئ العلوم على والده، والذي كان يصحبه -أحيانًا- إلى حلقات المشايخ، منهم: الشيخ صالح بن عثمان -رحمه الله- قاضي عنيزة، الذي تولى القضاء فيها سبعًا وثلاثين سنة، وكذلك حلقات الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله.
ثم التحق بحلقة الشيخ عبدالعزيز بن محمد الدامغ فتعلم فيها الحروف، ثم التحق بمدرسة ابن صالح أول ما فُتحت في سنة ثماني وأربعين، ولما فُتحت مدرسة الشيخ عبدالله القرعاوي -رحمه الله- الذي رجع من الهند بعد أن تعلم علومًا جديدة في مصطلح الحديث، والنحو والصرف، وأشياء أخرى، التحق بها الشيخ رحمه الله، وحفظ عليه القرآن، ودرس الرحبية والألفية والآجرومية، والأربعين النووية، وغير ذلك، ومكث على هذا مدة من سنة ثماني وأربعين، وفي سنة تسع وأربعين التحق بحلقات الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، وفي أثناء ذلك جلس -أيضًا- يطلب العلم على الشيخ عبدالله بن محمد المانع، فقرأ عليه مع قراءته على الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله، قراءة تحصيل وفقه وتدقيق في المسائل، وحفظ ودراسة لبعض المتون.
وكان والده -رحمه الله- لا يزال يتابعه في البيت، وفي المجالس الأخرى عند الدعوات، وكان يدعو بعض المشايخ إلى بيته، ويُدعى أيضًا، فيحضرها الشيخ عبدالله مع والده، واستمر على هذا مدة خمس سنوات تقريبًا.
حياته العملية ورحلاته في طلب العلم:
في آخر سنة ثلاث وخمسين جاءت أوامر من الملك عبدالعزيز-رحمه الله- إلى علامة القصيم الشيخ عمر بن محمد بن سليم -رحمه الله- بأن ينتخب عددًا من الدعاة والمشايخ؛ لأجل أن يُبتعثوا إلى منطقة جازان دعاة وقضاة ومرشدين، فاختير الشيخ -رحمه الله- مع عمه الشيخ عبدالرحمن بن عقيل، وعبدالرحمن الجمعي من عنيزة، والشيخ صالح من المذنب، ومحمد المنصور من الرس، وصالح السلطان من البكيرية، والبقية من بريدة: الشيخ عبدالله بن عودة، وأبوه الشيخ محمد بن عودة، والشيخ عثمان الحمد ، وعبدالله بن عامر، وصالح سليمان الحميد، وعبدالرحمن بن طرباق.
ولما دخلت سنة ألف وثلاثمائة وأربع وخمسين جاء الأمر الملكي بأن يمكث في جازان داعيًا، فجلس فيها ثلاث سنين، ثم ترخص أن يرجع إلى عنيزة فأُذن له، وجاء إلى عنيزة سنة ألف وثلاثمائة وسبع وخمسين، ولازم دروس الشيخ عبدالرحمن بن سعدي في تلك السنة.
وفي سنة ثمان وخمسين صدر الأمر الملكي بتعيينه قاضيًا في أبو عريش، فسافر إلى الطائف أولاً، ثم قابل الأمير فيصل، وكذلك ابن سليمان، وكذلك الشيخ عبدالله بن حسن، ووصل إلى جازان، وباشر العمل في أبو عريش في أوائل رمضان سنة ثمان وخمسين، فكان هو القاضي، والهيئة، والإمام، والخطيب، وقاضي الأنكحة، يوثق الطلاق والمكاتبات، ويقوم بمهام كثيرة، لم يكل منها ولم يتعب، وكان أول راتب تقاضاه سماحته أربعين ريالاً فضة.
ثم رجع إلى عنيزة، ومكث فيها مدة، وبعد ذلك جاءت برقية من الملك: في الحال توجه، فاستعان بالله وسافر عن طريق الرياض، والتقى فيها بعدد من المشايخ كان منهم الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- رئيس المشايخ والقضاة في ذلك الوقت، وعمل معه على بعض المخطوطات من كتب التراث.
وفي سنة ألف وثلاثمائة وخمس وستين صدر الأمر الملكي بتعيينه على قضاء الخرج، فذهب إلى الخرج وجلس فيها ما شاء الله، ثم استأذن في الرجوع إلى أبو عريش، فأذن له ولي العهد، ثم عاد إلى الرياض وعين قاضيًا فيها، وصار هو والشيخ إبراهيم بن سليمان قضاة للحاضرة، وسعود بن رشود قاضيًا للبادية، وبعد ذلك أُعفي الشيخ إبراهيم بن سليمان، وحولوا الشيخ سعود بن رشود من البادية معه في الحاضرة، وعينوا بدل ابن رشود في البادية الشيخ محمد بن مهيزع، ومكث على هذا خمس سنين.
وفي سنة سبعين صدر الأمر الملكي بتعيينه قاضيًا في عنيزة، فذهب إليها وجلس فيها خمس سنين إلى سنة خمس وسبعين، وفي هذه الأثناء استمرت علاقته بشيخه عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله، فكان يحضر درسه في الصباح قبل أن يفتح الباب؛ لأن دار القاضي هي المحكمة، وكان هو القاضي والكاتب ومدير الأوقاف والمسؤول عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولما فُتحت دار الإفتاء برئاسة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، اختير الشيخ -رحمه الله- عضوًا في دار الإفتاء،وذلك في رمضان سنة ألف وثلاثمائة وخمس وسبعين.
وبعد ذلك جاء الأمر الملكي بتعيين الشيخ -رحمه الله- عضوًا في هيئة التمييز، وباشر القضاء في التمييز نحو سنة في الرياض، ثم نقل إلى الهيئة القضائية العليا، ثم أُحدث مجلس القضاء الأعلى، فنقل الشيخ ومعه أعضاء الهيئة القضائية العليا -الشيخ محمد بن جبير، والشيخ غنيم المبارك، والشيخ عبدالمجيد بن حسن، والشيخ صالح اللحيدان- إلى مجلس القضاء الأعلى في الهيئة الدائمة.
منهجه مع طلابه:
كانت دروسه -رحمه الله- تبدأ من بعد صلاة الفجر، حيث يأتي بعض الأخوان ويقرؤون عليه إلى ارتفاع الشمس، ثم يذهب الشيخ ليرتاح قليلاً، ثم يعود إلى مجلسه في حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحًا، ويفد إليه بعض الطلاب ويقرؤون عليه في كتب متعددة في الفقه والعقيدة والتفسير والأصول والنحو والأدب، إلى أذان الظهر، ثم يخرجون جميعًا إلى المسجد، وبعد أداء صلاة الظهر والنافلة يعود الشيخ قليلاً، ويُقرأ عليه أيضًا في بعض الكتب يرتاح حتى الساعة الواحدة والنصف تقريبًا، ثم يرتاح قليلاً، وبعد صلاة العصر يبدأ بالقراءة عليه إلى أذان المغرب، ثم بعد المغرب إلى أذان العشاء، ثم بعد العشاء أيضًا يجلسون إلى قريب من الساعة العاشرة مساءً، وهذا الجلوس للدروس المتواصل هو في كل يوم من أيام الأسبوع وعلى مدار العام.
وكان من عادة الشيخ -رحمه الله- أنه يتابع مع القارئ في كتابه، وأيضًا يؤرخ القراءات، ولذلك تجد جل الكتب التي تُقرأ عليه قد قرأها الشيخ ثلاث أو أربع، وأحيانًا أكثر من ذلك، وكان من نتاج هذه القراءة من الشيخ المتكررة رسوخ هذا العلم عنده.
إضافة إلى هذه الدروس كان -رحمه الله- يلقي بعض المحاضرات في بعض المساجد، وأيضًا يطلب منه بعض المؤلفين أن يقدم لكتبهم، فيقرأها رحمه الله، ثم يكتب تقديمًا لها.
مؤلفاته:
الشيخ -رحمه الله- كان منشغلاً بالقضاء لاسيما أنه تنقل في بلاد كثيرة فلم يتفرغ للتأليف، لكن خرجت له بعض المؤلفات، ومنها:
1- فتاوى ابن عقيل، في مجلدين.
2- كشكول ابن عقيل، وهو مجموعة من الفوائد التي قيدها -رحمه الله- أثناء قراءاته.
3- الشيخ عبدالرحمن السعدي كما عرفته.
4- تحفة القافلة في حكم الصلاة على الراحلة.
5- إحياء التراث فيما جاء في عدد السبع والثلاث.
6- الأجوبة النافحة على المسائل الواضحة.
7- فتح الجليل، وأصله أوراق كتبها الشيخ رحمه الله عن حياته وسيرته الذاتية.
وقد جُمعت مؤلفات الشيخ رحمه الله، وستطبع -إن شاء الله- في مجموعة واحدة ليستفيد منها الناس.
أهم صفاته:
الشيخ -رحمه الله- منذ سنين طويلة وهو يفتح باب منزله لجميع الناس، فمنهم من يحضر عنده بعد صلاة الفجر، وبعضهم الضحى، وبعضهم بعد صلاة العصر، وبعد المغرب، وبعد العشاء، وأثناء هذه الدروس يقوم تجاههم بواجب الضيافة، وفي كثير من الليالي يقدم سماحته العشاء للحضور، وكانت له أيضًا جلسة أسبوعية ليلة الخميس استمرت أكثر من خمس وأربعين سنة، يُفتح الباب فيها للجميع، فيحضر المشايخ وطلبة العلم وبعض المحبين للشيخ، ويُقرأ على الشيخ من بعض الكتب، ويعلق عليه، ثم يتفضل الجميع على مائدة يظهر فيها الكرم ومحبة الناس والفرح بقدومهم.
وكان من أهم ما يميز سماحة الشيخ -رحمه الله- صلته بالمشايخ من الزملاء، بل وطلابه الذين هم في أسنان أحفاده، فكان دائم الزيارة لمشايخه، ودائم الدعوة لهم، وإذا تأخر بعض طلابه عليه اتصل بهم يسأل عن سبب تأخرهم، ويحثهم على الحضور ومواصلة القراءة، وكان هذا من أكثر الدوافع لدى طلابه للحرص على القراءة والاستفادة من علمه وأخلاقه.
ودأب الشيخ -رحمه الله- على صيام الأيام البيض من كل شهر، وفوق ذلك كان لا يصومها إلا في مكة، وكان -أيضًا- حريصًا على حج بيت الله الحرام، فكان يحج في كل عام، ويصوم -أيضًا- رمضان كاملاً في مكة، ويداوم على الصلاة في المسجد الحرام، سواء صلاة الفريضة أو النوافل، ومع صفة العبادة الظاهرة على شيخنا كذلك يظهر عليه صفة الإنفاق، فقد احتسب في بناء مسجد الجامع أمام منزله، وأيضًا بنى دارًا لتحفيظ القرآن الكريم، وهو دائم الإنفاق أيضًا على جمعيات تحفيظ القرآن وبعض المشاريع الخيرية.
مرضه ووفاته:
تعرض الشيخ -رحمه الله- قبل سنة تقريبًا لوعكة صحية شديدة، دخل على إثرها المستشفى، وجلس فترة ثم خرج منها متعبًا مرهقًا، لكن مع راحته في البيت عادت صحته، وعاد الناس يقرؤون عليه.
ثم سقط -رحمه الله- في بيته أثناء وضوئه، وأصيب بجلطة تأثر بها الشيخ كثيرًا، وكان في أول الأمر يحس بمن حوله، ثم أجريت له عملية ودخل في غيبوبة، وانتكست حاله ودخل العناية المركزة، وجلس فيها طويلاً إلى أن اشتدت حالته في يوم الثلاثاء الثامن من شهر شوال، وفاضت روحه الطاهرة عند الساعة الثانية وعشر دقائق ظهرًا، وصُلي عليه في جامع الملك خالد في أم الحمام، وسار به محبوه إلى مقبرة أم الحمام ودُفن هناك، وحضر جنازته خلق كثير غص بهم المسجد وساحته والشوارع المحيطة به والمقبرة.
غفر الله لشيخنا وتجاوز عن سيئاته، ورأف به، وأكرم منقلبه ومأواه ومثواه، ورضي عنه وأرضاه، وطيب تربته وثراه، وعفا عنه وزكاه، ولقاه من رحمته أوسعها، ومن مرضاته أفضلها، ومن مغفرته أكملها، ومن كرامته أجلها.
وختامًا ندعو المولى -جل وعلا- أن يرفع درجات شيخنا في عليين، وأن يجعل ما أصابه نورًا وطهورًا وتكفيرًا ورفعة في الدرجات، ونسأل الله -جل وعلا- أن يبدله أهلاً خيرًا من أهله، وولدًا خيرًا من ولده، وأن يجمعنا به في جنات النعيم، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
[1] تفسير ابن كثير (3/414).
[2] تفسير ابن كثير (3/553).
[3] أخرجه البخاري (71) ، ومسلم (1037).
[4] أخرجه مسلم (2699).
[5] أخرجه الترمذي (2685).
[6] أخرجه أبوداود (3641) ، والترمذي (2682) ، وابن ماجه (223).
([7]) أخرجه البخاري (100) ، ومسلم (2673).
[8] شرح النووي على مسلم (16/223).
[9] أخرجه الترمذي (2653) ، وابن ماجه (4048) ، وأحمد (4/160)، (6/26).
[10] البيت لأبي العتاهية. يُنظر: ديوانه (ص28).
المصدر: موقع مجلة البيان