الغرور وعدم تقدير العواقب
الغرور والاعجاب بالنفس حالة مرضية تعتري الانسان بسبب الشعور بالتفوّق على الآخرين، والاعتداد بما عنده من قوة، أو مال، أو جمال، أو سلطة، أو موقع اجتماعي، أو مستوى علمي.
وتلك الظاهرة المرضية هي من أخطر ما يصيب الانسان، ويقوده الى المهالك، ويورطه في مواقف، قد تنتهي به الى مأساة مفجعة، صوّرها القرآن بقوله: (إنّ الانسان لَيطغى * أن رآه استغنى).(العلق / 6 ـ 7)
وحذر من تلك الظاهرة في ايراده لوصية لقمان لابنه: (ولا تُصَعِّر خدّك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إنّ الله لا يحبّ كلّ مُختال فخور). (لقمان / 18)
(انك لن تخرِقَ الارضَ ولن تبلغَ الجبالَ طولاً). (الاسراء / 37)
وتعتبر مرحلة الشباب، لاسيما مرحلة المراهقة، من أكثر مراحل حياة الانسان شعوراً بالغرور، والاعجاب بالنفس، والاستهانة بالآخرين، أو بالمخاطر والاحتمالات، والدخول في المغامرات.
وكم كان لهذا الشعور المرضي أثره السيّئ على سلوك الشباب بما يجلبه عليهم من مآسي.
فكم يكون للغرور مثلاً عند الفتى والفتاة من آثار سلبية على اختيار الزوج، أو الزوجة، أو التعامل من قبل أحدهما مع الآخر، أو مع أسرته، فالشاب المعجب بنفسه، لا يرى زوجاً مناسباً له الاّ نوادر، وكم من الشابات بقيت عانساً لم تتزوج بسبب الغرور حتى فقدت شبابها، وتتحول الحياة الاسرية الى جحيم، وربما تنتهي الى الفراق، عندما يفشل المرء في الاقتران بمختار أحلامه، فيتعامل معه باستخفاف وتعال وغرور.
والشاب المغرور بقوته الجسدية يتعامل بتحدّ واستهتار مع الآخرين، وكم انتهى الغرور به الى السجن، أو النبذ الاجتماعي، أو الى أن يكون ضحية الغرور. بل كم هي حوادث السير التي يذهب ضحيتها عشرات الآلاف في كل عام من الشباب، وانما تحدث بسبب الطيش والمجازفات.
وجدير ذكره أن الاحصاءات تفيد بأن عدد من تقضي عليه حوادث السير يزيد على عدد من يقضي عليه مرض الايدز والسل وأمراض اخرى، وأن ثلاثة وخمسين مليار دولار تفقدها دول العالم الثالث بسبب حوادث السير، وهي تساوي مجموع المساعدات المقدّمة اليها من الدول الغنية.
بل قد يستولي الغرور على البعض من الشباب فيخجل من الانتساب الى أسرته، أو ذويه، أو مدينته، أو قريته عندما يتوهم أنّ ذلك لا يناسب موقعه المغرور به، بل ويتعالى على والديه عندما يرى نفسه أصبح بوضع اجتماعي غير الوضع الذي ينتسب اليه ويعيش فيه والداه.
بل ويُكّون الشعور بالتفوق العلمي لديه حالة من الاستخفاف بفكر الآخرين وآرائهم، ولقد قاد الغرور العلمي قطاعات واسعة الى الاستخفاف بالايمان بالله وبما جاء به النبيون.
ان ظاهرة الغرور والاعجاب بما لدى الشباب من قوة، أو جمال، أو مال، أو شعور بالتفوق الاجتماعي، أو العلمي على الآخرين، هي احدى المشاكل الكبرى في المجتمع، يجب علاجها، وتثقيف جيل الشباب ثقافة أخلاقية وتربوية، تجنبهم مخاطر الغرور، والاعجاب بالنفس، عن طريق المدرسة، والاعلام، والاسرة، والضبط القانوني، لاسيما بتعريفهم بالنتائج المأساوية التي انتهى اليها المغرورون والمعجبون بأنفسهم.