عنوان هذه المذكرة النظـام القـانـوني لحمايــة البيئـة في ظل التشريـع الجــزائري
الفصل التمهيدي
ماهية قانون حماية البيئة
إن دراسة موضوع البيئة من الناحية القانونية يتطلب تحديد بعض المصطلحات نظرا لأهميتها و ارتباطها بمجال الحماية ، فحينما نحدد مفهوم البيئة هناك مصطلحات أخرى تقترب منها في الفهم كمصطلح الطبيعة ، التلوث و التنمية المستدامة ، و تظهر أهمية ذلك لاسيما فيما يخص وصف الضرر البيئي من جهة و من جهة أخرى فإن الإجراءات القانونية التي تضمنها قانون اليبئة لها علاقة وثيقة بهذه المفاهيم هذا من ناحية .
و من ناحية ثانية فإن اشكالية بحثنا لها علاقة بتحديد مفهوم قانون حماية البيئة الذي يحدد لنا مكانة قانون البيئة من فروع القانون .
و من ناحية أخيرة فمن الأولى أن نتعرض إلى التطور التشريعي الذي مر به قانون البيئة الجزائري بغرض معرفة تطور مجالات الحماية .
و ستتم معالجة النقاط الثلاث السالفة الذكر في مباحث ثلاثة :
المبحث الأول
مفهـــوم البيــئة
إن موضوع البيئة يعد موضوعا متشعبا لا يمكن اعتباره موضوعا مستوفيا لجميع الجوانب كما لا يمكن تجسيد مفهومه بمعزل عن جملة الجوانب المتعلقة به،نظرا لطبيعة المشاكل المطروحة في هذا السياق من جهة و من جهة أخرى بالنظر إلى طبيعة الدراسة التي تتناول هذا الموضوع ،فنظرة البيولوجي للبيئة ترتكز على الجانب الصحي فيما تقتصر نظرة الإقتصادي على الجانب المالي وحتى نتفادى وجود إلتباس في مفهوم البيئة تعين تحديده وفقا للمفاهيم الأخرى المرتبطة به .
المطلب الأول
تعريف البيـئة
لأجل البحث في موضوع البيئة و كافة الإشكالات التي يثيرها يستوجب إعطاء تعريف دقيق للبيئة و نستهل ذلك بتعريفها لغة و اصطلاحا لنصل في الأخير إلى وضع تعريف قانوني لها .
الفرع الأول
التعريف اللغوي و الإصطلاحي
إن كلمة بيئة ، كلمة مشتقة من الفعل "بوأ" و هذا ما يستشف من الآية الكريمة بعد قوله تعالى : " و اذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد و بوّّأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا و تنحتون من الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله و لا تعثوا في الأرض مفسدين "(1).
و يقال لغة :تبوّأت منزلا بمعنى هيأته و اتخذته محل إقامة لي (2) ، و قد يعنى لغويا بالبيئة الوسط و الاكتناف و الإحاطة .(3)
فيما يرى البعض الآخر أن البيئة لفظ شائع يرتبط مدلولها بنمط العلاقة بينها و بين مستخدميها حيث نجد أن بيئة الإنسان الأولى هي رحم أمه ثم بيته فمدرسته (4).
أما فيما يخص علم البيئة فهو مصطلح إغريقي مركب من كلمتين :"oikos" بمعنى منزل و"logos" بمعنى العلم ، و بذلك فعلم البيئة هو العلم الذي يهتم بدراسة الكائن في منزله حيث يتأثر الكائن الحي بمجموعة من العوامل الحية و البيولوجية و غير الحية الكيميائية و الفيزيائية (5).
أما التعريف الإصطلاحي فمن الصعوبة بما كان وضع تعريف جامع مانع للبيئة نظرا لوجود عدة مفاهيـم لها صلة وثيقـة بها،لذا فهناك من يرى أن مفهوم البيئة يعكـس كل شيء يرتبـط
1- سورة الأعراف الآية رقم 74 .
2- د.إحسان علي محاسنه،البيئة والصحة العامة،دار الشروق ،1991 ص 17.
3-د.سهيل إدريس ،د.جبور عبد النور ،قاموس المنهل الوسيط ،فرنسي عربي،دار الأدب ص 934 .
4-د.عبد الحكم عبد اللطيف الصغيري ،البيئة في الفكر الإنساني والواقع الإيماني،الدار المصرية اللبنانية،1994 ص17 .
5-د.إحسان علي محاسنه ،المرجع السابق، ص17 .أنظر كذلك :
P/Prieur Michel ,Droit de l’environnement,Presise Dalloz, 2eme édition 1991,page2
بالكائنات الحية (1)، و هناك من يعتبر البيئة جميع العوامل الحية و غير الحية التي تؤثر على الكائن الحي بطريق مباشر أو غير مباشر و في أي فترة من فترات حياته (2).
فيما نجد تعريفا آخر يتجه إلى أن البيئة هي المحيط الذي يعيش فيه الإنسان بما يشمله من ماء ، هواء فضاء ، تربة ، كائنات حية و منشآت أقامها الإنسان لإشباع حاجاته (3)¬.
وبالنظر إلى هذا التعريف نجده وعلى خلاف التعاريف السابقة قد أضاف عنصرا جديدا إلى جانب العناصر الحية وغير الحية ، ويتمثل في جملة المنشآت التي أقامها الإنسان كجزء هام من مكونات الموارد البيئية.
ومن جملة التعاريف السابقة، يمكننا وضع تعريف تقريبي للبيئة قوامه أنها مجموعة من العوامل الطبيعية الحية منها و غير الحية من جهة ، و مجموعة من العوامل الوضعية المتمثلة في كل ما أقامه الإنسان من منشآت لسد حاجياته من جهة أخرى.
الفرع الثاني
التعريف القانوني
بالرجوع إلى القانون رقم 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة(4) ، نجد أن المشرع الجزائري لم يعط تعريفا دقيقا للبيئة ، حيث نجد المادة 2 منه تنص على أهداف حماية البيئة فيما تضمنت المادة 3 منه مكونات البيئة .
ولئن كان المشرع الجزائري لم يفرد البيئة بتعريف خاص إلا أنه و بالرجوع إلى القانون رقم 03/10 السالف الذكر، يمكن اعتبار البيئة ذلك المحيط الذي يعيش فيه الإنسان بما يشمله من ماء هواء ، تربة ، كائنات حية و غير حية و منشآت مختلفة ، و بذلك فالبيئة تضم كلاّ من البيئة الطبيعية و الاصطناعية .
1- د.منى قاسم ،التلوث البيئي والتنمية الاقتصادية ،الدار المصرية ،الطبعة الثانية ،1994 ص 35
2- نفس المرجع ،نفس الصفحة.
3-د.ماجد راغب الحلو،قانون حماية البيئة ،دار المطبوعات الجامعية ،الإسكندرية ،الطبعة 1994 ص 21 أنظر كذلك ا الموسوعة العربية العالمية ، الجزء الخامس ، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع ص 350 .
4-Prieur Michel , Droit de l’environnement , op cit , page2
و بخلاف التشريع الجزائري نجد تشريعات بعض الدول قد خصت البيئة بتعاريف مضبوطة منها التشريع المصري الذي عرّف البيئة بأنها المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية و ما تحتويه من مواد و ما يحيط بها من هواء ، ماء ، تربة و ما يقيمه الإنسان من منشآت (1).
أما التشريع الفرنسي فقد تبنى تعريف مصطلح البيئة لأول مرة في القانون الصادر بتاريخ 10/07/1976 المتعلق بحماية الطبيعة ، فجاء في المادة الأولى منه بأن البيئة مجموعة من العناصر هي: الطبيعة، الفصائل الحيوانية والنباتية ، الهواء ،الأرض ، الثروة المنجمية والمظاهر الطبيعية المختلفة .(2)
من خلال التعاريف السابقة، يتضح لنا أن مدلول البيئة لا يخرج عن مجموعة من العناصر يمكن حصرها في صنفين :
الصنف الأول : و يشمل مجموعة من العوامل الطبيعية من ماء ، هواء ، تربة و كائنات حيوانية و نباتية .
الصنف الثاني : و يشمل كل مااستحدثه الإنسان من منشآت .
المطلب الثاني
علاقة البيئة ببعض المفاهيم
تبعا للتعاريف المشار إليها سابقا، لاحظنا أنها ترتكز على الطبيعة ، إذ تشكل هذه الأخيرة الجزء الأكبر من مفهوم البيئة ،كما يظهر مصطلح التلوث كلما أثيرت مسألة حماية البيئة، بالإضافة إلى الترابط الوثيق بين البيئة و الفكرة التي جاء بها مؤتمر ريودي جانيرو(3) , المتمثلة في التنمية المستدامة .
لأجل ذلك تعين إبراز علاقة البيئة بالمفاهيم المذكورة أعلاه ، كي نتمكن من التوصل إلى مدى
1- القانون رقم 03/10 المؤرخ في 20/07/2003 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة ،الجريدة الرسمية العدد 43
لسنة 2003.
2- المادة 1 من القانون المصري الجديد رقم 04 الصادر في 02/02/1994 الجريدة الرسمية العدد 5 الصادرة في
03 /02/1994 أنظر كذلك :
د.عبد الفتاح مراد ،شرح تشريعات البيئة في مصر وفي الدول العربية محليا ودوليا ،دار نشر الكتب والوثائق المصرية1996
ص 359 -397 .
-3مؤتمر ريودي جانيرو :هو ثاني مؤتمر دولي حول البيئة ،انعقد في مدينة ريودي جانيرو البرازيلية في جوان 1992 وهو ما يعرف بقمة الأرض وقد ركز هذا الأخير على علاقة البيئة بالتنمية المستدامة .
الانسجام الذي يمكن ملاحظته بين كل من الواقع و النصوص القانونية .
الفرع الأول
علاقة البيئة بالطبيعة
تعتبر الطبيعة كل ما يحيط بالإنسان من موارد الحياة المختلفة ، و الفصائل الحيوانية و النباتية و الموارد الطبيعية و ما يترتب على استغلالها من آثار سلبية أو إيجابية.
إن الكلام على البيئة هو الكلام على حماية الموارد الطبيعية، باعتبار أن الطبيعة هي عامل من عوامل التكيف بين الإنسان و البيئة ،و لعل تطور حياة الإنسان زامن زيادة رغبته و حاجته في استغلال الطبيعة،وعليه فإن المحافظة على البيئة يعني صيانة كل ماهو مصدر من مصادر الطبيعة (1).
كما تظهر علاقة البيئة بالطبيعة من خلال المشاكل التي تواجهها الطبيعة و التي لها علاقة باستنـزاف الموارد البيئية ، منها مشكلة التصحر ، مشكلة انقراض الكائنات الحيوانية و النباتية اختلاف العناصر الطبيعية ، تدهور السواحل ...إلخ .
و في هذا الإطار ستقتصر دراستنا على التطرق لبعض المشاكل على سبيل المثال لا الحصر
1/ مشكلة التصحر : عرفته منظمة الثقافة و العلوم و التربية "اليونيسكو" بأنه :" تحطيم القدرات البيولوجية للأرض و الذي قد يؤدي في النهاية إلى ظهور ظروف قاحلة من شأنها أن تؤدي إلى الإتلاف الشامل للأنظمة البيئية من بينها فقدان الأراضي لخصوبتها و التدهور النوعي للغطاء النباتي و هجرة الحيوانات و الطيور و تقليص عددها" (2).
2/ تدهور السواحل : تشهد السواحل وضعية مزرية، بسبب تراكم المواد السامة الملوثة الناتجة عن عمليات تفريغ الملوثات الصناعية و النفايات الحضرية و نهب الرمال .
3/ خطر يهدد التنوع البيولوجي : يعرّف التنوع البيولوجي بأنه رصيد البيئة الطبيعية من الأنواع النباتية و الحيوانية المرئية المتفاعلة مع بعضها البعض من ناحية و مع العناصر غير الحية من غذاء وكساء و راحة نفسية و معرفة و ثقافة و ابتكار (3).
1- د.يسري دعبس ،الموارد الإقتصادية ،ماهيتها ،أنواعها ،اقتصاديتها ،سلسلة المعارف الاقتصادية 1996 ص 13-18 .
2 - ندوات مشروع الحزام الأخضر لدول شمال إفريقيا بعنوان وقف التصحر لدول الشمال الإفريقي ،من إعداد المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ،مراكش ،المملكة المغربية ،أيام دراسية دامت من 7 إلى 11 أكتوبر 1985 ص 49.
3- أنظر المقال بعنوان :التنوع البيولوجي في خطر ،منشور في جريدة الجامعة ،الصادرة في 16/06/1998 العدد 94 ص 14 .
و يبرز الخطر الذي يهدد التنوع البيولوجي مثلا من خلال انقراض بعض الأنواع من النباتات أو الحيوانات مما يؤدي إلى خسائر عديدة أبرزها :
1- فقدان مصادر المعرفة العلمية ،ذلك أن معظم الإبتكارات مستوحاة من العالم الحي .
2- خسارة مصادر معتبرة من الأدوية التي تنقذ الكائن البشري من الأمراض والأوبئة .
و أمام هذا الوضع المستعصي، يتعين الإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة كإجراء عملية المسح لمعرفة الكائنات الحية و تحديد أماكن انتشارها، بالإضافة إلى ضرورة إنشاء المحميات الطبيعية في مختلف المواقع الجزائرية، بغية الحفاظ على الأصناف المتواجدة و كذلك إجراء دراسات معمقة للأماكن التي ستقام عليها المصانع و المنشآت مستقبلا.
لكن بالرجوع إلى نص المادتين : 10و11 من القانون رقم 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة يتضح أن المشرع الجزائري لم يقف موقفا سلبيا اتجاه الاستنـزاف الخطير للموارد الطبيعية ، إذ اعتبر أن الدولة ملزمة بضمان حراسة مختلف مكونات البيئة، كما أنها تسهر على حماية الطبيعة .
الفرع الثاني
علاقة البيئة بالتلوث
يعرّف البعض التلوث على أنه مجموعة التغيرات غير المرغوبة التي تحيط بالإنسان من خلال حدوث تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة من شأنها التغيير في المكونات الطبيعية، الكيمائية و البيولوجية للبيئة مما يؤثر على الإنسان و نوعية الحياة (1).
و لقد ورد في تقرير المجلس الاقتصادي و الاجتماعي التابع للأمم المتحدة لسنة 1956 حول تلوث الوسط و التدابير المتخذة لمكافحته تعريف لمصطلح التلوث بأنه: " التغيير الذي يحدث بفعل التأثير المباشر أو غير المباشر للأنشطة الإنسانية في تكوين أو في حالة الوسط على نحو يخل ببعض
1- د.معوض عبد الثواب ،جرائم التلوث من الناحية القانونية والفنية،الإسكندرية ،منشأة المعارف 1968 ص 9 -10.
الاستعلامات أو الأنشطة التي كانت من المستطاع القيام بها في الحالة الطبيعية لذلك الوسط ".(1)
من خلال استعراض بعض التعاريف المعطاة لمصطلح التلوث و كذا التعاريف التي خص بها مصطلح البيئة ، يمكن ملاحظة العلاقة الموجودة بين هذين المفهومين :
فإذا كانت البيئة هي مجموعة من العوامل الطبيعية الحية و غير الحية من جهة و كل ما وضعه الإنسان من منشآت بمختلف أشكالها من جهة أخرى ، فإن التلوث هو ذلك التغيير الذي يؤثر في تلك العناصر المكونة للبيئة ، و هو تغيير يؤثر سلبا على هذه المكونات ، فهو بذلك يعد أهم العوامل بل و يكاد يكون العامل الوحيد المؤثر على البيئة و عليه فحينما نتكلم على حماية البيئة فإن هذه الحماية مرتكزة حول الوقاية من مضار التلوث لذلك ذهب البعض إلى القول أن الثلوث هو مفتاح قانون حماية البيئة (2).
الفرع الثالث
علاقة البيئة بالتنمية المستدامة
جاء في أحد تقارير المهتمين بحماية البيئة: "لقد نجح مؤتمر قمة الأرض الذي عقد عام 1992 في أن يستنهض ضمير العالم إلى تحقيق تنمية مستدامة بيئيا". (3)
و يعنى بالتنمية المستدامة : " التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون أن تعرض للخطر احتياجات جيل المستقبل ."(4)
و بالرجوع إلى نص المادة 4 من القانون رقم : 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة نجد أن هذه الأخيرة : " مفهوم يعني التوفيق بين تنمية اجتماعية و اقتصادية قابلة للاستمرار و حماية البيئة أي إدراج البعد البيئي في إطار تنمية تضمن تلبية حاجات الأجيال الحاضرة و الأجيال المستقبلية".
1- د.أحمد عبد الكريم سلامة ،التلوث النفطي وحماية البيئة البحرية ،الجمعية المصرية للقانون الدولي ص 95-127 .
2- العبارة مستمدة من تعريف د.أحمد عبد الكريم سلامة ،المرجع السابق ص 96.
3-د. اسماعيل سراج ،"حتى تصبح التنمية المستدامة" ،مجلة التمويل والتنمية ، صندوق النقد الدولي ،ديسمبر 1993 ص 6.
4- د. اسماعيل سراج ،المرجع السابق ص 7.
و هذا التعريف يقارب التعريف الذي جاء به القانون المتضمن السياحة (1).
من التعاريف السابقة للتنمية المستدامة يتبين أنه توجد ضرورة للتوفيق بين التنمية الإقتصادية و متطلباتها من جهة ،و ضرورة حماية الموارد البيئية من جهة أخرى ، و بذلك فإن المشكل المثار اليوم هو أن تحقيق النمو الإقتصادي قد تم على حساب الموارد البيئية كالمياه و الغابات و الهواء لذا قرّرت معظم القوانين و التنظيمات استحالة الفصل بين قضايا التنمية و مشكلة البيئة .
كما أن التنمية المستدامة تعد بمثابة إحدى الثوابت الجوهرية في سياسة الدولة، كون أن البيئة و التنمية يشكلان وجهان لعملة واحدة و هي الإستمرارية و البقاء و المحافظة على حقوق الأجيال المقبلة و أي إخلال بهما يؤدي حتما إلى تدهور الحياة الطبيعية و الإقتصادية .
و الملاحظ على التنمية الإقتصادية في الجزائر أنها تمت على حساب البيئة و هذا بالرغم من وجود جملة من النصوص القانونية التي تؤكد ضرورة مراعاة البيئة .
المبحث الثاني
مفهوم قانون حماية البيئة
إنّ التعرض إلى الوسائل القانونية الكفيلة بحماية البيئة، يقتضي بالضرورة التعريف بالقانون المتضمن حماية البيئة و تبيان خصائصه و علاقته بقواعد القانون العام باعتباره فرعا من فروعه .
المطلب الأول
تعريف قانون حماية البيئة و خصائصه
وفي هذا الإطار نتناول بالدراسة أولا تعريف قانون حماية البيئة وثانيا خصائصه
الفرع الأول
تعريف قانون حماية البيئة
نظرا لظهور مشاكل بيئية و ازدياد حدّتها ، تطلب الأمر وضع قانون يضمن حماية للبيئة
1- أنظر المادة 3 من القانون 03/01 المؤرخ في 17/02/2003 المتضمن التنمية المستدامة للسياحة،الجريدة الرسمية عدد 11 ص 4 .
لذلك ارتأى المشرع الجزائري سن قواعد تنظم البيئة و تحميها رغم تشعب مشاكل البيئة و كثرتها
و انطلاقا من التعريف الذي أعطي لمصطلح البيئة ، و أمام صمت المشرع عن وضع تعريف لقانون حماية البيئة ، يمكننا تعريفه على أنه مجموعة القواعد التشريعية و التنظيمية المهتمة بتنظيم المحيط الذي يعيش فيه الكائن الحي بمختلف مشتملا ته (الماء ، الهواء ، الفضاء ، التربة ) و كذا المنشآت التي وضعها الإنسان سواء كانت مرافق صناعية أو اجتماعية أو اقتصادية .
و بذلك فإن قواعد قانون حماية البيئة تهتم بحماية الطبيعة بكل مشتملاتها من جهة ،و من جهة أخرى فهي قواعد تهتم بحماية البيئة الوضعية .
كما أن هناك من عرف قانون حماية البيئة بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تسعى من أجل احترام و حماية كل ما تحمله من الطبيعة ،وتمنع أي اعتداء عليها .(1)
و تجدر الإشارة إلى أن تعريف قانون حماية البيئة يشمل جميع القواعد القانونية التي يعتمدها المشرع ، قاصدا بها تنظيم أي مجال من المجالات المتعلقة بحماية البيئة ، سواء ما تعلق منها بحماية الأوساط الطبيعية أو الصحة العمومية أو السكن أو الأراضي الفلاحية أو الصناعية ...
فالمقصود إذن بالحماية هي الحماية بمفهومها الواسع، لكونها ليست وليدة تشريع عاد، إنما هي مجسدة في المواثيق الدولية (2) و القواعد الدستورية، حيث نجد غالبية دساتير العالم و إن لم تضع حماية خاصة للبيئة، فإنها على الأقل تضمن حق الحياة في ظروف بيئية لائقة و منها الدستور الجزائري في مادته 54 بنصّها على حق المواطنين في الرعاية الصحية (3).
و بالرجوع إلى نص المادة الأولى ، الثانية و الثالثة من القانون 03/10 نجد أنه حدد الآفاق التي يصبو إلى تحقيقها و المبادئ التي يتأسس عليها ، حيث نصت المادة الأولى على مايلي : " يحدد هذا القانون قواعد حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة ".
1- Dr . Prieur Michel .Op cit .p4.
2- المرصد الوطني لحقوق الإنسان ،الجزائر :الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المعتمد والمنشور على الملأ بقرار الجمعية العامة المؤرخ في 10/12/1948 ،1996 ،المادة 3:"لكل فرد الحق في الحياة وفي الأمان وعلى شخصه".
3- دستور 1996 المؤرخ في 28/11/1996 ،مطبوعات الديوان الوطني للأشغال التربوية ،الطبعة الثانية ،1998 .
كما تضمنت المادة الثانية جملة من الأهداف التي يرجى تجسيدها من وراء سن قواعد حماية البيئة ومن هذه الأهداف نجد ترقية تنمية وطنية مستدامة و العمل على ضمان إطار معيشي سليم و الوقاية من كل أشكال التلوث و الأضرار الملحقة بالبيئة و ذلك بضمان الحفاظ على مكوناتها وإصلاح الأوساط المتضررة ، و ترقية الإستعمال الإيكولوجي العقلاني للموارد الطبيعية و كذلك استعمال التكنولوجيات الأكثر نقاء و تدعيم الإعلام و تحسيس الجمهور لضمان مشاركته في تدابير حماية البيئة كما احتوت المادة 3 من القانون السالف الذكر على مبادئ عامة و أساسية ينبغي احترامها والعمل بها كمبدأ المحافظة على التنوع البيولوجي الذي بمقتضاه يجب مراعاة عند القيام بأي نشاط، تجنب إلحاق ضرر بالتنوع البيولوجي .
و تضمنت ذات المادة مبدأ يتحمل من خلاله كل شخص يتسبب بنشاطه في إلحاق ضرر بالبيئة نفقات كل تدابير الوقاية من التلوث و التقليص منه(1).
الفرع الثاني
خصائص قانون حماية البيئة
من قراءتنا لقواعد قانون حماية البيئة الجزائري، توصلنا إلى استخلاص جملة من الخصائص التي يتسم بها و تتلخص أساسا فيما يأتي :
أولا : قانون حماية البيئة هو قانون ذو طابع إداري : و ذلك ما يتجلى بوضوح من السلطات و الامتيازات الممنوحة للدولة لتحقيق المنفعة العامة ، كما يظهر ذلك أيضا في الوسائل الإدارية التي خوّلها المشرع للإدارة للتدخل من أجل حماية النظام العام البيئي مثل سلطة الدولة في منح التراخيص ، الأوامر ، الحظر ...
ثانيا : قانون حماية البيئة هو فرع من فروع القانون العام : كونه ينظّم العلاقة بين الإدارة و الأفراد كما أن حماية البيئة تدخل في إطار المصلحة العامة .
ثالثا : قواعد قانون حماية البيئة تتسم بالطابع الإلزامي : ذلك لأنها قواعد آمرة، لا يجوز للأفراد الإتفاق على مخالفتها لكونه قد تضمن نصوصا قمعية و جزاءات ضد كل مخالف لأحكامه ، بل
1- للمزيد من الإيضاحات بشأن المبادئ ارجع إلى المادة 3 من القانون 03/10 المتضمن قانون حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة .
وتعدى الأمر ذلك ، حيث تلزم السلطات الإدارية المكلفة بتطبيق قانون حماية البيئة باحترام قواعده إعمالا لمبدأ المشروعية .(1)
رابعا : قانون حماية البيئة قانون متعدد المجالات : و هذا نظرا لكونه يعالج موضوع البيئة ، هذا الأخير الذي يتسم بتشعبه و كثرة مجالاته و المشاكل البيئية المثارة في الواقع .
خامسا : قواعد قانون حماية البيئة تتسم بالجمع بين الجانب التشريعي والجانب المؤسساتي: ذلك لأنه يحدد بعض الإجراءات الكفيلة بحماية البيئة وفي المقابل يرصد جملة من الأجهزة من وزارات و جماعات إقليمية و هيئات(2) تعمل على ضمان حماية البيئة .
سادسا : قانون حماية البيئة يتسم بالحداثة ؛ ذلك أن سن قواعده كان كرد فعل للتطورات الصناعية و التكنولوجية و البيئية التي عاشتها الجزائر كغيرها من الدول الأخرى .
1
المطلب الثاني
علاقة قانون حماية البيئة بالقانون العام
إن أهمية قانون حماية البيئة تتجلى في كونه يهتم بالحفاظ على النظام العام، وهذا ما يجعله ذا صلة بالقانون العام ،ولعل ما يبرر هذا الطرح هو أن هذا القانون ينظم العلاقة بين الإدارة والأفراد أكثر مما ينظمها فيما بين الأفراد، لأن حماية البيئة تندرج في إطار المصلحة الوطنية ،ومن ثمة فإن مهمة حماية البيئة تضطلع بها السلطة العامة ،وبالنظر إلى الأهداف التي سن من أجلها قانون حماية البيئة بصفته فرع من فروع القانون العام نجده يتكيف مع بعض القوانين العامة منها ما هو داخلي ومنها ما هو دولي .
1- د.سامي جمال الدين ،اللوائح الإدارية وضمانة الرقابة الإدارية ،الإسكندرية ،منشأة المعارف ،1982 ،ص52-53.
2- Dr. Prieur Michel . Op cit .page 143-145.
الفرع الأول
علاقة قانون حماية البيئة بالقانون العام الداخلي
يتبين من نصوص قانون حماية البيئة، أنها تستمد مبادئها من أحكام القانون الإداري كما أنه في المقابل تضمن ذات القانون جزاءات تطبق ضد كل من خالف أحكامه وبذلك نستشف نشوء علاقة بين قانون حماية البيئة والقانون الإداري من جهة ومن جهة أخرى بينه وبين القانون الجزائي .
أولا: علاقة قانون حماية البيئة بالقانون الإداري :
من بين المواضيع الهامة التي يتناولها القانون الإداري ما يعرف بنشاط الضبط الإداري الذي يهدف إلى المحافظة على النظام العام بمشتملاته الثلاث : الأمن ،الصحة والسكينة،وينشئ لهذا الغرض هيئات ومؤسسات تسهر على ذلك وتتولى مهام الضبط الإداري.
والسلطات الإدارية المنوطة بتطبيق وتنفيذ قانون حماية البيئة قد منحها هذا القانون سلطة إصدار اللوائح، لاسيما تلك المتعلقة بمكافحة التلوث والمحافظة على الموارد الطبيعية والبيئية وهذا لن يتأتى لها إلا باستعمال وسائل الضبط الإداري من أجل الحفاظ على النظام العام البيئي والجدير بالذكر أن الضبط الإداري في مجال حماية البيئة يتضمن ثلاثة أنظمة قانونية هي: نظام الإباحة الترخيص والحظر.
وبناء على ما تقدم يمكن القول، أن ثمة ارتباط وثيق بين كل من القانون الإداري وقانون حماية البيئة ،لذلك يمكن اعتبار هذا الأخير فرعا من فروع القانون الإداري، كون أن غالبية نصوصه ذات طابع إداري .
ثانيا : علاقة قانون حماية البيئة بالقانون الجزائي :
لقد تضمنت بعض القوانين جزاءات رتبها المشرع في حالة التجاوزات والاعتداءات المرتكبة في حق البيئة ، ومن ذلك نجد قانون العقوبات(1) ،قانون الصحة(2)،قانون الغابات(3) و قانون حماية المستهلك(4).
ومن جهته كذلك فإن قانون حماية البيئة تضمن جزاءات عقابية ضد كل من لم يحترم قواعده وهذا بالرغم مما قيل بشأن هذا الإتجاه لكون أن ما تضمنه القانون الجزائي من عقوبات غير قادر على تحقيق الردع للتصرفات المخلة بالأنظمة البيئية إذ أن الردع - حسب هؤلاء – إنما يأتي في مرحلة لاحقة بعد ارتكاب السلوك الضار بالبيئة (5).
ولكن في رأينا فإن هذا الرأي وإن كان سليما في بعض جوانبه إلا أنه يمكن القول أن تشريعات البيئة حاولت انتهاج سياسة ترجح من خلالها أسلوب الوقاية على أسلوب العقاب وبالتالي فهي تبين القواعد التي يتعين احترامها مسبقا وذلك بضرورة المرور على طلب الترخيص أو الحصول على الموافقة من قبل المصالح المعنية،تحت طائلة المتابعة الجزائية والعقوبة المكرسة لها.
الفرع الثاني
علاقة قانون حماية البيئة بالقانون العام الدولي
تتجلى علاقة قانون حماية البيئة بالقانون الدولي،كون أن الأول قواعده تجسد ظهورها لأول وهلة في القواعد الدولية التي ظهرت في شكل إتفاقيات بين الدول،لحماية البيئة البحرية من الثلوث الناتج عن إلقاء الزيوت والمواد البترولية ، لذلك يمكن القول بأن القانون الدولي هو الذي كرس العناية الخاصة للبيئة البحرية.
ولقد طرح موضوع حماية البيئة لأول مرة ، على الساحة الدولية من خلال ندوة الأمم المتحدة المنعقدة بستوكهولم سنة :1972 ولقد لقي هذا الطرح تجاوبا متباينا من قبل الدول الغربية
1- أنظر المواد 464،463،462،461،460،459،458،457،455 من القانون رقم 82/04 المؤرخ في 13/02/1982 المعدل والمتمم للأمر رقم 66/156 المؤرخ في 8 يونيو 1966 المتضمن قانون العقوبات.
2- القانون رقم 85/05 المؤرخ في 16/02/1985 المتعلق بحماية الصحة وترقيتها،الجريدة الرسمية ،العدد8 في17/02/1985ص176 .
3-القانون رقم 84/12 المؤرخ في 23 يونيو 1984 المتضمن النظام العام للغابات .
4-القانون رقم 89/02 المؤرخ في 07/02/1989 المتعلق بالقواعد العامة لحماية المستهلك .
5-د.ماجد راغب الحلو ،قانون حماية البيئة ،المرجع السابق ص 12و13
والدول النامية،كما توالت النداءات الدولية الداعية للموازنة بين التنمية وحماية البيئة ،وقد عبرت
الجزائر عن رأيها في مسألة حماية البيئة من خلال ندوة ستوكهولم وقمة الجزائر لدول عدم الانحياز.
فبالنسبة للندوة الأولى فلقد أشار ممثل الجزائر في مداخلته عن ربط الانشغال البيئي بالوضعية السياسية والاجتماعية المتردية التي تعيشها الأغلبية الساحقة لشعوب العالم المستعمرة ،وكذا تطور الرأسمالية والثورة الصناعية...(1)
أما خلال قمة الجزائر لدول عدم الانحياز ،في ندوتها الرابعة المنعقدة من : 5 إلى 9 سبتمبر 1973 وطبقا للإتفاقية المكرسة لها فقد أعربت الدول النامية عن عدم استعدادها لإدماج الانشغال البيئي ضمن الخيارات الاقتصادية واعتبرت أن هذه المناورة تشكل عائقا إضافيا لتحقيق التنمية، التي تسعى إليها هذه الدول لأنها لا ترغب في تخصيص نفقات إضافية لحماية البيئة،وأنها تفضل توجيه هذه النفقات لتلبية الحاجات الملحة لشعوبها (2).
من خلال ما تقدم، يتبين أن الجزائر وسعيا منها لضمان حماية أفضل للبيئة شاركت في عدة ندوات دولية تناقش الموضوع ،بل وتعدى الأمر ذلك حينما صارت تدمج بنود اتفاقيات دولية تعالج مسألة حماية البيئة في القانون الداخلي ،وبذلك فلقد صادقت الجزائر على اتفاقية ريودي جانيرو المتعلقة بحماية البيئة و المنعقدة من 3 إلى 14 جوان 1992 وذلك بموجب الأمر رقم :03/95 المؤرخ في: 21 جانفي 1995 (3) إذ كرست هذه الإتفاقية الإعلان الذي تم اعتماده في ندوة ستوكهولم وحاولت ضمان استمراريته ونصت على الإعتراف بسيادة الدول على مصادرها الطبيعية طبقا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي العام، وعلى أن ممارسة الحق في التنمية يخضع لمقتضيات التنمية المستديمة وضمان حاجيات الأجيال الحاضرة والمستقبلة في التنمية والبيئة (4).إضافة إلى ما سبق، فقد صادقت الجزائر بموجب المرسوم رقم 63/344 المؤرخ في 11/09/1963 على الاتفاقية الدولية الخاصة بمكافحة تلوث مياه البحر بالمواد البترولية.
1- أ.وناس يحي،تبلور التنمية المستديمة من خلال التجربة الجزائرية ،مجلة العلوم القانونية والإدارية،كلية الحقوق جامعة تلمسان، ، عدد 2003 ص 34-35 .
2- أ.وناس يحي ،المقال السابق،المرجع السابق ص 36 .
3-الجريدة الرسمية رقم 32 مؤرخة في 14/06/1995 ص 3.
4-أ.وناس يحي ،المقال السابق ،المرجع السابق ص 39-40.
إذن يستخلص مما سلف، أنه ثمة علاقة وثيقة بين قانون حماية البيئة والقانون الدولي العام إذ لا نتصور أن يستغني أحدهما عن الآخر، فكثيرا ما تطرح مشكلة بيئية على المستوى الدولي تعاني منها دولة أو أكثر و ذلك ربما يرجع إلى طبيعة المشاكل التي تهدد البيئة و التي هي مشاكل عامة تمس بسلامة العالم البيئية بأسرها .
المبحث الثالث
التطور التشريعي لقانون حماية البيئة
كان لظهور الثورة الصناعية إلى الوجود تدهورا تدريجيا في البيئة، بسبب الاستغلال المفرط للثروات الطبيعية و قد برزت عوامل التسمم في مختلف دول العالم ، مما أدى بالدول إلى التفكير في ضرورة إيجاد الصيغ القانونية التي يمكنها أن تضع حدّا للإنتهاكات الخطيرة للبيئة .
و يعود إصدار النصوص الخاصة بحماية البيئة إلى ما قبل القرن 19 إذ قام عدد من الحكام بسن تشريعات و أوامر في عدة دول، انحصرت في البداية في منع إلقاء القاذورات و الفضلات البشرية في الأنهار و البحيرات حفاظا على الصحة العمومية ، كما اهتم البعض بإصدار تنظيمات تتعلق بتحديد أصناف معينة من الطيور و الحيوانات بنية المحافظة على هذه الفصائل لخدمة الإنسان (1).
ومع التطور الصناعي و التكنولوجي اللذين عرفتهما البشرية تزايد اهتمام الإنسان بالمشاكل البيئية بالقدر الذي تزايد معه صدور تشريعات منظمة لهذا الجانب، إضافة إلى ظاهرة التمدن التي تمت على حساب البيئة ، كل هذه الإشكاليات تبين لنا الأوضاع المساهمة في استمرارية الثلوث التي هي مرتبطة بالنماذج المختلفة للنمو الإقتصادي .
و مما تقدم ارتأينا التعرض بالدراسة إلى التطور التشريعي لقانون حماية البيئة سواء في التشريعات المقارنة أو في التشريع الجزائري.
المطلب الأول
التطور التشريعي لقانون حماية البيئة في التشريعات المقارنة
و نخص بالدراسة في هذا المجال النموذجين الفرنسي و المصري.
1- د.معوض عبد الثواب ،المرجع السابق ص 12 .
الفرع الأول
التطور التشريعي لقانون حماية البيئة في فرنسا
لقد ظهرت بوادر قانون حماية البيئة في فرنسا لأول مرة إثر صدور قانون خاص بتنظيم صيد الأسماك سنة 1829 حيث نص في المادة 25 على حظر إلقاء أي نوع من المخلفات التي من شأنها أن تؤدي إلى هلاك الثروة السمكية ، تحت طائلة عقوبة مالية قدرها 30فرنك و الحبس من شهر إلى 3 أشهر ،كما صدر قانون حماية الثروة المائية بتاريخ 08/04/1898 و قانون الصحة العامة في15/02/1902 ومع ظهور الثورة الصناعية عمد المشرع الفرنسي إلى سن قانون خاص بالمنشآت المصنفة سنة1917 و بذلك تعد هذه الترسانة القانونية المرحلة الأولى من التشريع في هذا الباب .
و لقد صدر منشور سنة 1951 وضع بموجبه قانون الصحة العامة السالف الذكر حيز التنفيذ وأشار هذا المنشور إلى إنشاء محطات تنقية و تصفية مياه الصرف الحضري من كافة المخلفات والنفايات المؤثرة على الصحة العامة ، و قد صدرت التعليمة الوزارية رقم :97/1954المؤرخة في10/06/1954 ألغت من خلاله المنشور السابق و ألزمت الولاة باتخاذ كافة التدابير الخاصة بمعالجة النفايات الصناعية و هذا في إطار برامج التطهير الحضري (1).
و بمقتضى الأمر الصادر في 23 أكتوبر 1958 ، تم تعديل قانون الصحة الذي ألزم ربط العقارات بقنوات الصرف(2)؛ أما في مطلع الستينات فأول قانون ظهر في فرنسا هو القانون رقم 64/1331 المؤرخ في 26/12/1964 المتعلق بحماية المياه من الثلوث بالمواد البترولية و من المسائل التي تضمنها هذا القانون حظر إلقاء المواد الخطرة في الأوساط المائية (3) و ضرورة وضع جرد خاص بالموارد المائية .
كما صدرت مجموعة من القوانين الخاصة بحماية البيئة و المراسيم التنفيذية في السبعينات كالمرسوم التنفيذي رقم 73/438 الصادر بتاريخ 22 مارس 1973 المتعلق بالمنشآت المصنفة و يعد
1- Colas Rence , la pollution des eaux,France : presse universitaire de France ,1962 p48.
2- د.مراد عبد الفتاح ،المرجع السابق ص 10.
3-Colas Rence, IBID p66.
القانون الصادر سنة 1976 و المرسوم المطبق له رقم 77/1141 و المتعلق بحماية الطبيعة والذي نص في مادته الثانية على ما يسمى بدراسة مدى التأثير في البيئة ، أهم قانون خاص بحماية البيئة .
أمّا عند حلول الثمانينات، صدرت بعض التشريعات الخاصة بحماية البيئة كقوانين التهيئة العمرانية ومنح رخص البناء و التجزئة و الهدم ، و من أهم هذه القوانين ؛ القانون الصادر بتاريخ 07/01/1983 تحت رقم 83/ 08 (1) و المرسوم المؤرخ في 9/09/1983 المعدل له و المتعلق بمخطط شغل الأراضي ، و كذلك المرسوم رقم 83/1262 المتعلق بشهادة التعمير .
و في التسعينات صدرت عدة تشريعات متعلقة بحماية البيئة ، نخص بالذكر القانون رقم 92/646 المؤرخ في 13/07/1992 المتعلق بالتخلص من النفايات الناجمة عن نشاطات المنشآت المصنفة .
و يبقى أهم قانون صدر لتدعيم حماية البيئة في فرنسا هو القانون المسمى بقانون بارني نسبة إلى وزير البيئة آنذاك « BARNIER MICHEL » و لقد صدر سنة 1995 و أهم ما تضمنه هذا القانون الوقاية من التلوث و تسيير النفايات ، و من الأخطار الطبيعية ...إلخ.
ويمكن تلخيص التطور التشريعي لقانون حماية البيئة الفرنسي في مراحل ثلاث:
المرحلة الأولى : تبدأ من صدور قانون الصيد سنة 1829 إلى غاية 1951 .
المرحلة الثانية : وتبدأ من صدور المنشور رقم 51/110 إلى غاية صدور قانون التهيئة والتعمير .
المرحلة الثالثة : وهي المرحلة التي تبنى فيها المشرع الفرنسي مبادئ مؤتمر ستوكهولم إلى غاية صدور القانون رقم 95/108 المعزز بمبادئ مؤتمر قمة الأرض المنعقد بمدينة ريودي جانيرو البرازيلية سنة 1992 .
الفرع الثاني
التطور التشريعي لقانون حماية البيئة في مصر
لقد خص المشرع المصري للبيئة أول حماية قانونية بموجب القانون رقم 35 لسنة 1946 والمتعلق بصرف المياه من المحلات والمصانع في المجاري العامة ،وقد تم تعديل هذا القانون بموجب
1- يتعلق هذا القانون بتوزيع الإختصاص بين البلديات ومقاطعات الدولة في منح التراخيص الخاصة بعمليات البناء.
القانون رقم 47 لسنة 1948 والملاحظ على هذه النصوص أنها تضمنت قواعد مختصرة وإجراءات وقائية لحماية البيئة ،وبمقتضى القانون رقم 137 لسنة 1958 صدر قرار رئاسي بشأن الإحتياطات والوقاية من الأمراض المعدية ،وأهم ما تضمنه أنه نص على إمكانية وزير الصحة من إصدار القرارات اللازمة لمراقبة الأشخاص والحيوانات القادمة من الخارج وكذلك السلع المستوردة(1).
وفي سنة 1974 صدر القرار رقم 291 تضمن أحكاما تتعلق بالمرور ،حيث نص على ضرورة أن يكون محرك المركبات في حالة جيدة لا يخرج منه دخان مكثف يؤدي إلى الإضرار بالصحة العمومية ، وفي سنة 1982 صدر القانون رقم 48 ولائحته التنفيذية رقم 08،المتعلق بحماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث بحيث يمنع معه رمي المخلفات الصلبة أو السائلة أو الغازية من العقارات والمحال والمنشآت الصناعية والسياحية في مجاري المياه إلا بالحصول على ترخيص.
وفي سنة 1994 صدر القانون رقم 04 الذي دخل حيز النفاذ في 04/02/1994 والذي يعتبر أول قانون يصدر في مجال حماية البيئة جامعا لكل محتويات ومكونات البيئة .
المطلب الثاني
التطور التشريعي لقانون حماية البيئة في الجزائر
لقد كان موضوع البيئة الشغل الشاغل للدول وهذا نظرا للأهمية البالغة التي يكتسيها وكثرة المشاكل التي تطرحها البيئة ،وعلى هذا الأساس ارتأينا البحث حول أهم المراحل التي مر بها تشريع حماية البيئة الجزائري وذلك خلال الحقبة الاستعمارية التي عاشتها الجزائر وبعد أن نالت استقلالها.
الفرع الأول
تطور قانون حماية البيئة أثناء الفترة الاستعمارية
تعد الجزائر من الدول التي خضعت لفترة طويلة من الاستعمار ،وبذلك فإن مصيرها كان هو مصير أية دولة مستعمرة ،تتداول عليها القوانين والأنظمة الاستعمارية ،لكن لما يتعلق الأمر بقواعد حماية البيئة فإن المستعمر الفرنسي يأبى تطبيقها في الأراضي الجزائريـة لأن هذا يتعـارض
1- د. عبد الفتاح مراد ،المرجع السابق ص 339 .
ومصالحه الاستعمارية ،فالجزائر بالنظر لما تتمتع به من ثروات وموارد طبيعية مهدت للمستعمر باستغلالها فأدى هذا الطمع إلى استنـزاف الموارد البيئية ، ومن ذلك الثروة الغابية حيث تعرضت لقطع الأشجار وحرق الغابات ،كما قام المعمر بعمليات الحفر الهمجية رغبة منه في الحصول على الثروات المعدنية مما أدى إلى تعكير طبقات المياه الجوفية وتشويه سطح الأرض كما قام المستعمر بإنشاء المستوطنات على حساب الأراضي الفلاحية .
ومما تقدم يمكن القول أن القوانين التي طبقتها فرنسا في الجزائر خلال الفترة الإستعمارية لعبت الدور الكبير في استنـزاف الموارد البيئية وتقليصها.
الفرع الثاني
تطور قانون حماية البيئة بعد الإستقلال
بعد الاستقلال مباشرة ،انصب اهتمام الجزائر على إعادة بناء ما خلفه المستعمر وبذلك فقد أهملت إلى حد بعيد الجانب البيئي ،لكن بمرور الزمن أخذت الجزائر العناية بالبيئة، وهذا بدليل صدور عدة تشريعات تناهض فكرة حماية البيئة وكان ذلك في شكل مراسيم تنظيمية منها مــا
يتعلق بحماية السواحل (1) ومنها ما يتعلق بالحماية الساحلية للمدن(2) ،كما تم إنشاء لجنة المياه(3).
وقد صدر أول تشريع يتعلق بتنظيم الجماعات الإقليمية وصلاحياتها وهو قانون البلدية الصادر سنة 1967 إلا أنه لم يبين صراحة الحماية القانونية للبيئة واكتفى فقط بتبيان صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي باعتباره يسعى إلى حماية النظام العام(4).
أما قانون الولاية الصادر سنة 1969 فإنه يمكن القول بشأنه أنه تضمن شيئا عن حماية البيئة وهذا من خلال نصه على التزام السلطات العمومية، بالتدخل لمكافحة الأمراض المعدية والوبائية.
1- المرسوم رقم 63/73 المتعلق بحماية السواحل ،الجريدة الرسمية ،العدد 13 في 04/03/1963 .
2- المرسوم رقم 63/478 المتعلق بالحماية الساحلية للمدن ،الجريدة الرسمية ،العدد 98 في 20/12/1963.
3-المرسوم رقم 67/38 المتعلق بإنشاء لجنة المياه ،الجريدة الرسمية العدد 52 في 24/07/1963.
4- الأمر رقم 67/73 المتضمن قانون البلدية ،الجريدة الرسمية ،عدد 6 في 18/01/1967 .
وفي مطلع السبعينات وغداة دخول الجزائر مرحلة التصنيع ،بدأت تظهر بوادر تشريعية تجسد اهتمام الدولة بحماية البيئة وهذا ما نجده مبررا بإنشاء المجلس الوطني للبيئة كهيئة استشارية تقدم اقتراحاتها في مجال حماية البيئة (1).
وفي سنة 1983 صدر قانون حماية البيئة الذي تضمن المبادئ العامة لمختلف جوانب حماية البيئة ،ويعد هذا القانون نهضة قانونية في سبيل حماية البيئة والطبيعة من جميع أشكال الاستنـزاف وقد فتح ذات القانون كذلك المجال واسعا للاهتمام بالبيئة، مما أدى إلى صدور عدة قوانين وتنظيمات أهمها القانون المتعلق بحماية الصحة وترقيتها(2)، الذي عبر من خلاله المشرع على العلاقة بين حماية الصحة وحماية البيئة تحت عنوان "تدابير حماية المحيط والبيئة" (3).
كما صدر سنة 1987 القانون المتعلق بالتهيئة العمرانية ،وهذا ما يعني اتجاه الدولة إلى انتهاج سياسة التوزيع المحكم والأمثل للأنشطة الإقتصادية والموارد البيئية والطبيعية (4).
وإلى جانب ما سبق ذكره ،نجد أن المشرع لم يورد مسألة حماية البيئة في القانون العادي والقوانين الفرعية فحسب ،بل تعدى اهتماهه وخصها بالدراسة في دستور 1989 حينما كرس الحماية القانونية للبيئية معتبرا إياها مصلحة عامة تجب حمايتها كما أضاف ضرورة الاعتناء بصحة المواطن ووقايته من الأمراض المعدية وذلك من خلال إلزام الدولة بالتكفل بهذا المجال(5).
وفي بداية التسعينات صدر قانونا البلدية والولاية (6)،حيث نصت المادة 58 من قانون الولاية على اختصاص المجلس الشعبي الولائي في أعمال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وكذا تهيئة الإقليم الولائي ،وحماية البيئة وترقيتها.
وأضافت المادة 78 أنه ملزم كذلك بالسهر على أعمال الوقاية الصحية واتخاذ الإجراءات المشجعة
1- المرسوم رقم 74/156 المتضمن إنشاء المجلس الوطني للبيئة ،الجريدة الرسمية ،عدد 59 في 23/07/1974.
2-القانون رقم 85/05 المتعلق بحماية الصحة وترقيتها ،الجريدة الرسمية العدد 8 في 17/02/1985 ص 176.
3-المواد من 32إلى 51 من القانون رقم 85/05.
4-المرسوم رقم 87/03 المتعلق بالتهيئة العمرانية ،الجريدة الرسمية ،العدد 5 في 27/11/1987.
5-دستور 1989 ،المادة 51 .
6-القانون رقم 90/09 المتضمن قانون الولاية ،الجريدة الرسمية ،عدد 15 في 11/04/1990 والقانون رقم 90/08 المتضمن قانون
البلدية ،الجريدة الرسمية،عدد 15 في 11/04/1990 .
لإنشاء هياكل مرتبطة بمراقبة وحفظ الصحة ،كما أكدت المادة 66 من جهتها على ضرورة المبادرة بحماية الأراضي الفلاحية.
وفيما يخص قانون البلدية ،فالبرجوع إلى نص المادة 107 منه نجد أنه تضمن عدة أحكام تنصب مجملها حول حماية البيئة منها ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الأوبئة.
وقصدا من المشرع لإحداث الموازنة بين قواعد العمران وقواعد حماية البيئة ،صدر قانون التهيئة والتعمير ¬(1)الذي يهدف إلى إحداث التوازن في تسيير الأراضي بين وظيفة السكن،الفلاحة الصناعة والمحافظة على البيئة والأوساط الطبيعية .
ورغبة منه في إفراد حماية خاصة بالموارد المائية خصها المشرع بالتنظيم في الأمر رقم 96/13، وهذا بغرض وضع سياسة محكمة من أجل تلبية متطلبات الري ، القطاع الصناعي واحتياجات الأفراد.
ويتجلى لنا بوضوح تأثر المشرع الجزائري بموضوع البيئة والإشكالات التي يطرحها من خلال صدور القانون رقم 03/10 المتضمن حماية البيئة في إطار التنمية المستدامة والذي يمكن القول بشأنه أنه جاء ثمرة مشاركة الدولة الجزائرية في عدة محافل دولية تخص هذا الموضوع منها ندوة ستوكهولم وقمة الجزائر لدول عدم الإنحياز وكذا مصادقة الجزائر على العديد من الإتفاقيات التي تصب في نفس الإطار وأهمها إتفاقية ريودي جانيرو المنعقدة بالبرازيل التي تعتبر نقطة التحول الكبرى في السياسة البيئية الدولية بصفة عامة والجزائرية بصفة خاصة، وخير دليل على النهضة البيئية التي جاء بها القانون السالف الذكر، تضمنه على مجموعة من المبادئ والأهداف التي تجسد حماية أفضل للبيئة، بما يتناسب ومتطلبات التنمية المستدامة ومبادئها.
إضافة إلى ما سبق نجد أنه وفي كل سنة مالية يصدر قانون يتضمن بنودا تتعلق بالبيئة(2)، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حرص المشرع على مواكبة متطلبات العصرنة بما تفرزه من مشاكل
1-القانون رقم 90/29 المتعلق بالتهيئة والتعمير،الجريدة الرسمية،العدد 52 في01/12/1990 المعدل بالأمر 04/50في 14/08/2004.
2-أنظر المادة 263 مكرر 3 من القانون 01/21 المتضمن قانون المالية لسنة 2002 والذي جاء به المشرع ليجسد مبدأ الملوث الدافع برفع نسب رسوم رفع النفايات وهذا لمعالجة مشكلة النفايات الحضرية والتي كان مقدارها في ظل قانون المالية لسنة 1993 زهيدا ،مما شكل صعوبة للبلديات في تطوير أساليب معالجة النفايات .
بيئية متعددة، وفي المقابل على متابعته عن كثب لمختلف الحلول المقترحة لها سواء على المستوى الدولي بمناسبة المؤتمرات المنعقدة في هذا الخصوص أو من خلال الندوات الدراسية الوطنية الخاصة بالبيئة .
من خلال هذا الفصل التمهيدي ،حاولنا إزالة اللبس والغموض حول بعض المفاهيم والمصطلحات المقترنة بموضوع البيئة ،وهذا لكي يتسنى لنا الخوض في كافة الجوانب التي يتطلبها هذا الموضوع.
وفي هذا الصدد شرعنا في استنباط مفهوم البيئة، وعلاقته ببعض المفاهيم المرتبطة به ،ثم سعينا إلى إيجاد تعريف قانوني جامع مانع لقانون حماية البيئة وحددنا خصائصه ووصلنا إلى إيجاد العلاقة التي تربطه بباقي فروع القانون وانتهينا في الأخير إلى البحث في التطور التشريعي الذي مر به قانون حماية البيئة سواء في التشريعات المقارنة أو في التشريع الجزائري .
الفصل الأول
الإجراءات الإدارية الكفيلة بحماية البيئة
ينتهج المشرع الجزائري في وصفه للقواعد القانونية المتعلقة بحماية البيئة الطابع الإزدواجي في الصياغة، فهو يحدد الإجراءات الوقائية التي تحول دون وقوع الاعتداء على البيئة من جهة،ومن جهة أخرى يحدد الجزاءات المترتبة عن مخالفتها ، و حينما نتكلم عن الإجراءات الوقائية التي يضعها المشرع بصفة عامة فإننا نقصد بذلك تلك القواعد القانونية التي تمنع وقوع السلوك المخالف لإرادة المشرع و هي تعد بمثابة الوقاية السابقة المخولة للمؤسسات التنفيذية لضبط كافة الاعتداءات التي تنتهك القواعد القانونية .
و بالمقابل هناك ما يعرف بالقواعد الجزائية هذه الأخيرة عبارة عن وسائل ردعية تضمنها المشرع كجزاء قانوني وليد الاعتداءات و المخالفات و عليه فهي تعد بمثابة رقابة لاحقة لسلوكات الأفراد تجاه القواعد القانونية .
لقد وضع المشرع الجزائري مجموعة من الإجراءات الوقائية لحماية البيئة في مختلف جوانبها سواء فيما تعلق منها بحماية الموارد المائية أو المجال الطبيعي أو الإطار المعيشي ، من خلال الإجراءات القانونية التي تناولتها القوانين التي تصب في الإطار العام لحماية البيئة و تتمثل أهم هذه الوسائل في التراخيص ، المنع (الحظر) دراسات التأثير و التصريح أو نظام التقارير .
و نظرا لاعتبار الترخيص أهم هذه الأساليب كونه الأسلوب الأكثر تحكما و نجاعة لما يحققه من حماية مسبقة على وقوع الاعتداء كما أنه يرتبط بالمشاريع ذات الأهمية و الخطورة على البيئة سيما المشاريع الصناعية و أشغال البناء و كذلك المركبات و المنقولات الأخرى التي يؤدي في الغالب استعمالها إلى استنزاف الموارد الطبيعية و المساس بالتنوع البيولوجي ، و عليه خصصنا له مجالا واسعا مقارنة بالأساليب الأخرى إلا أن هذا لا يعني التقليل من أهمية الوسائل الأخرى إذ أن البعض منها يتداخل و من ذلك علاقة الترخيص بدراسة التأثير، إذ أن الحصول على الأولى يستدعي استيفاء الثانية ، غير أن مجال تطبيق أسلوب الترخيص ينصب حول المشاريع ذات الخطورة مقارنة مع نظام التقارير الذي يتطلبه المشرع في بعض النشاطات التي لا تصل فيها الخطورة إلى الدرجة التي تتطلبها المشاريع الخاضعة للترخيص.
يتبين انطلاقا من النصوص القانونية المتعلقة بحماية البيئة أنها تكتسي طابع المصلحة العامة(1) ،إذ من خلالها نرى أن ثمة إلزام عام يجبر كل شخص مهما كان مركزه سواء أعتبر شخصا طبيعيا أو معنويا أن يساهم بسلوكه في حماية الموارد البيئية إذ نصت المادة 08من القانون المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة على أنه يتعين على كل شخص طبيعي أو معنوي بحوزته معلومات متعلقة بالعناصر البيئية التي يمكنها التأثير بصفة مباشرة أو غير مباشرة على الصحة العمومية ، تبليغ هذه المعلومات إلى السلطات المحلية أو السلطات المكلفة بالبيئة .
كذلك إن القواعد البيئية المتعلقة بحماية البيئة جلها قواعد آمرة (2) ،بما أنها تهدف إلى حماية الصالح العام ،و لا يكون أدنى اختيار للأشخاص المكلفين بها ، إلا احترامها في حدود ما ينص عليه القانون .
إن مكافحة كل أشكال الاستنزاف للموارد البيئية يتطلب من الإدارة فرض بعض الالتزامات والقيود على الحريات الفردية عن طريق وسائل محددة كالتراخيص ،الأوامر، الدراسات المسبقة لبعض المشاريع لتفادي الأضرار التي من شأنها المساس بالبيئة (3) ، و هي تعد إجراءات إدارية لأن الإدارة هي التي تتدخل في تطبيقها و مراقبتها وفق الشروط القانونية ، و عليه سنتطرق إلى هذه الإجراءات بالتفصيل .
1-أنظر المواد 08 ،09 ،10 ،11 ،و12 من القانون03 /10 المتعلق بحماية البيئة ،وكذا المادة 03 من القانون 03 /03 المتعلق بمناطق التوسع والمواقع السياحية والتي تنص علي مايلي "ًيكتسي تحديد وتصنيف وحماية وتهيئة وترقية مناطق التوسع والمواقع السياحية وإعادة الاعتبار لهل طابع المنفعة العمومية"ً
2-من خلال قراءتنا لقانون حماية البيئة نجد أن المشرع يستعمل مصطلحات توحي بإلزامية هذه القواعد من"ذلكً
"يتعينً"،"ًيجبً" ،"يتخذ"،"يحظـرً"،ً "يمنـع"،...الخ.
-4Aliscandre Kiss et ****ton Dinach ,Traité de droit Europein de l environnement ,p18,19
المبحث الأول
الترخيص
يقصد بالترخيص باعتباره عملا من الأعمال القانونية ، ذلك الإذن الصادر عن الإدارة لممارسة نشاط معين ، وبالتالي فإن ممارسة النشاط الإداري هنا مرهون بمنح الترخيص ،فلا بد من الحصول على الإذن المسبق من طرف السلطات المعنية وهي السلطة الضابطة (1) ،والرخصة الإدارية من حيث طبيعتها تعد قرارا إداريا أي تصرف إداري إنفرادي (2) ،و الترخيص من حيث الأصل يكون دائما مالم بنص القانون على خلاف ذلك ، ومن حيث السلطة المختصة بإصداره فقد يصدر من السلطات المركزية ،كما في حالة إقامة مشاريع ذات أهمية ، وقد يصدر من السلطات المحلية كرئيس البلدية أو الوالي كرخصة البناء مثل.
والتشريع الجزائري و على غرار تشريعات العالم يتضمن الكثير من الأمثلة في مجال الضبط الإداري المتعلق بحماية البيئة وسنقتصر على بعض الأمثلة فقط ، فأسلوب الترخيص نجده في قانون المياه، قانون المناجم ،القانون المتعلق بحماية الساحل وتثمينه ، القانون المحدد لمناطق التوسع والمواقع السياحية ، كما نجده أيضا في التشريع الأساسي للبيئة بالإضافة إلى قانون التهيئة والتعمير وقانون المنشآت المصنفة...الخ ، وعليه سنقتصر على أهم تطبيقات أسلوب الترخيص .
المطلب الأول
رخصة البناء وعلاقتها بحماية المجال الطبيعي
قد يتبادر في الذهن أن قانون التعمير و مايؤديه من دور استهلاكي للأراضي يجعله يتجاوز القواعد التي تبناها قانون حماية البيئة ،لكن في حقيقة الأمر نرى أن القواعد التي جاء بها المشرع في قانون التهيئة و التعمير تهدف إلى سد الفراغ القانوني و ذلك بتكريسها للصلة الموجودة بين عملية التهيئة
1- د . عبد الغاني بسيوني عبد الله ،القانون الإداري ،دراسة مقارنة لأسس ومبادئ القانون الإداري وتطبيقاتها في مصر ،الإسكندرية ،منشأة المعارف بالإسكندرية،1991 ص385
2- د.عمار عوابدي القانون الإداري،الجزائر ديوان المطبوعات الجامعية،1990،ص407
و حماية البيئة (1).
ونفس الشيئ يقال عن القانون 03/ 03المتعلق بمناطق التوسع و المواقع السياحية الذي أخضع منح رخصة البناء داخل مناطق التوسع و المواقع السياحية إلى الرأي المسبق من الوزارة المكلفة بالسياحة و بالتنسيق مع الإدارة المكلفة بالثقافة عندما تحتوي هذه المناطق على معالم ثقافية مصنفة (2) وقد أحالت المادة 10 من نفس القانون على قانون التهيئة و التعمير بنصها على أن شغل و استغلال الأراضي الموجودة داخل مناطق التوسع و المواقع السياحية يكون في ظل احترام قواعد التهيئة والتعمير .
من خلال هذا العرض تتضح الصلة الموجودة بين القانونين باعتبارهما ميدانين متكاملين ومترابطين ، و تتجسد هذه العلاقة أكثر فيما يتطلبه المشرع من إجراءات بغرض الحصول على رخصة البناء ، و من خلال التمعن في نصوص القانونين المذكورين أعلاه يتضح أن المشرع حاول إقرار وسائل تعمير مشجعة و بالمقابل حاول وضع قواعد للتصدي لكل التجاوزات التي لا تحترم القواعد و الشروط المنصوص عليها قانونا من جهة، و من جهة أخرى لحماية الأراضي الفلاحية والمناطق التي تحتوي على مناظر أرضية و بحرية محمية (3) .
الفرع الأول
مجال الحصول على رخصة البناء
كما سبق القول فإن رخصة البناء تشكل جانبا هاما من جوانب الرقابة الممارسة على الاستهلاك العشوائي للمحيط ، و إذا كانت الرخص المتعلقة بتنظيم شغل الأراضي و استعمالاتها متعددة منها شهادة المطابقة رخصة التجزئة ،رخصة الهدم ، الرخصة الخاصة بالأشغال العامة المختلفة،ورخص الوقف تعد كلها ذات أهمية في استهلاك المجال الطبيعي، فإن رخصة البناء تعد أهم هذه الرخص(4)
1- تنص المادة الأولي من القانون 90 /29 المتعلق بالتهيئة والتعمير علي ما يلي:"يهدف هذا القانون إلي ...وأيضا وقاية المحيط والأوساط الطبيعية والمناظر والتراث الثقافي والتاريخي علي أساس احترام مبادئ وأهداف السياسة الوطنية للتهيئة العمرانية".
2- أنظر المادة 24 من القانون 03 /03 المذكور أعلاه.
3- أنظر المادة 05 من القانون 03 /03، وكذا المادة 29 وما بعدها من القانون 03 /10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة.
-4 Dr : Delabdere André et les autres ,Droit administratif 15éme édition,Librirairie générale et de droit et de jurisprudence ,1995,p388 .
فقد نص القانون المتعلق برخصة البناء و رخصة تجزئة الأراضي للبناء (1) ،على ضرورة الحصول على رخصة البناء في حالة تشيد بنايات جديدة مهما كان استعمالها ،أو تغير البناء الذي يمس الجدران الضخمة أو الواجهات أو هيكل البناية أو الزيادات في العلو التي ينجر عنها تغير في التوزيع الخارجي.
من خلال هذا النص فالمشروع لم يقتصر على شرط الرخصة في إقامة البناءات الجديدة فحسب وإنها في حالة تغير جوهري في المبنى وهو التغير الذي يمس بالجدران الضخمة، ويشترط المشرع بعض المقاييس في مشاريع البناء الخاضعة للترخيص من ذلك ضرورة وضعها من قبل مهندس معمـاري بالإضافة إلى بعض الوثائق التي تشير إلى موقع البناية وتكوينها وتنظيمها ومظهر واجهتها (2) .
وبهذا يكون القانون المتعلق برخصة البناء في مادته الخامسة قد تبنى ثقافة واسعة في مجال البناء والتعمير والترخيص المتعلق بالبناء وحماية البيئة ،حيث يقضى بأن رخصة البناء إجبارية في عملية البناء التي تتعلق بالمنشآت الصناعية أو النقل المدني والجوي والبحري أوتصفية المياه ومعالجتها أو تصفية المياه المستعملة و صرفها أو معالجة النفايات المنزلية و إعادة استعمالها ،والملاحظ من خلال هذا النص أن المشرع قد جعل الحصول على رخصة البناء شرطا إجباريا لإقامة هذه المشاريع المشار إليها من خلال نص المادة ،و قد يطرح السؤال مالهدف من وراء ذلك .
للإجابة عن هذا السؤال نرى أن مثل هذه المشاريع لها علاقة بالصحة العمومية و قد سبق أن بينا أن حماية الصحة العمومية يعد عنصر من عناصر النظام العام الذي تسعى إجراءات الضبط لحمايته، و عليه فإن النصوص المتعلقة برخصة البناء لها علاقة تكميلية مع قوانين حماية الصحة العمومية، ففي حالة مخالفة الشروط المتعلقة بحماية البيئة فإن السلطات الإدارية ملزمة برفض تسليم رخصة البناء.
1- القانون رقم 82/ 02 المتعلق برخصة البناء و رخصة تجزئة الأراضي للبناء ،( الجريدة الرسميــة العـدد 06 المؤرخ في 06 /02 /1982 ).
2- المادة 55 من القانون 90 /29 .
وهناك بعض المجالات المتعلقة بمنح رخصة البناء نصت عليها بعض القوانين الخاصة مثل القانون 02/02 المتعلق بحماية الساحل و تثمينه الذي نص في مادته الثالثة عشر و الرابعة عشر على انه يجب أن يراعى في علو المجمعات السكنية والبناءات الأخرى المبرمجة على مرتفعات المدن الساحلية التقاطيع الطبيعية .
ونصت المادة 45 من القانون المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، على وجوب أن تخضع عمليات بناء واستعمال واستغلال البنايات و المؤسسات الصناعية و التجارية و الحرفية والزراعية إلي مقتضيات حماية البيئة و تفادي إحداث التلوث الجوي و الحد منه .
لكن السؤال الأهم الذي يطرح هو هل أن سلطة الإدارة مقيدة بما هو منصوص عليه في مادة 15 من القانون 82/02 والتي تقضي بوجوب مراعاة الأحكام التشريعية و التنظيمية،لاسيما في مجال البناء والنظافة و الأمن و حماية الأراضي الفلاحية ،أم أنه يمكن لها رفض تسليم التراخيص في حالات أخرى ؟
لقد نص المشرع على حالات معنية تتعلق بالنظافة و الأمن وحماية الأراضي الفلاحية وهذه المفاهيم لها مدلولات مرنة ومجالات واسعة ،و بالتالي يكون للإدارة السلطة التقديرية الواسعة في مجال منح رخص البناء ، وبالتالي فإن الإدارة ليست مقيدة بما نص عليه المشرع فقط،إذ أن النص التشريعي جاء عاما.
ثم جاء القانون 90/ 29 المتعلق بالتهيئة و التعمير الذي نص صراحة في المادة 52 على ضرورة الحصول على رخصة البناء ،ومن هنا يظهر التوفيق بين قواعد العمران وحماية البيئة بصفة جد واضحة وهذا ليس من خلال المواد التي ذكرناها سابقا فحسب وإنما نجد أن المادة الأولى منه تؤكد هذه الحماية (1) ،ونفس الشيء قد أكدته المادة الأولى من القانون 03/03 المتعلق بمناطق التوسع والمواقع السياحية التي نصت على أن تهيئة وترقية مناطق التوسع يتم في إطار الاستعمال العقلاني والمنسجم للفضاءات والموارد السياحية قصد ضمان التنمية المستدامة للسياحة(2).
1-تنص المادة الأولي من القانون 90 /29 علي ما يلي: "يهدف هذا القانون ... حماية المحيط والأوساط الطبيعية والمناظر والتراث الثقافي ...".
2-أنظر أيضا في هذا الإطار نص المادة 05 من القانون 03 /01 المتعلق بالتنمية المستدامة للسياحة وكذا نص المادة 03 من القانون 02 /02 المتعلق بحماية الساحل وتثمينه.
ومن خلال ما سبق فإن السلطة التقديرية للإدارة في منح رخصة البناء تمتاز بالمرونة والمراقبة التشريعية الصارمة سيما إدا تعلق الأمر بالمناطق المحمية .
الفـرع الثـاني
الشروط القانونية للحصول على رخصة البناء
نصت المادة السابعة و الثامنة من قانون التهيئة و التعمير على ضرورة أن تكون المباني ذات الاستعمال السكني مجهزة بجهاز لصرف المياه يحول دون تدفقها على سطح الأرض.
وقد جاء المرسوم التنفيذي لهذا القانون (1) ،حيث نص على ضرورة الموازنة بين تسليم رخصة البناء وحماية البيئة (2) ،كما شمل النص على جميع الوثائق التي تتطلبها رخصة البناء و تتمثل في مـــايلي :
أولاـ مذكرة بالنسبة للمباني الصناعية : في هذا المجال وجب تحديد جميع المواد السائلة وكميتها ودرجة إضرارها بالصحة العمومية ، و انبعاث الغازات و تراتيب المعالجة و التخزين والتصفية ، و كذا مستوى الضجيج المنبعث بالنسبة للبنايات ذات الاستعمال الصناعي و التجاري و مؤسسات استقبال الجمهور .
ثانيا ـ قرار من الوالي يتضمن الترخيص بإنشاء المؤسسات الخطرة و غير الصحية و المزعجة :
و عليه فلا يكتفي بتحضير مذكرة تحديد المباني ذات التأثير على البيئة و حسب و إنما يجب زيادة على ذلك الحصول على ترخيص ولائي لإقامة المنشآت .
ثالثاـ إحضار وثيقة دراسة مدى التأثير: و هي دراسة تقام بغرض التعرف على عمليات الاستثمار في المجال البيئي، و قد ظهر أول نص قانوني يتعلق بدراسة مدى التأثير في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1969 عرف ب National environment policy act ،حيث تطلب القانون من الوكالات الفدرالية إعـداد دراسة بيئية لكل النشاطات الفيدرالية التي يمكن أن تلحــق
(1) المرسوم التنفيذي رقم 91 /176 المتعلق بتحديد كيفيات تحضير شهادة التعمير ورخصة التجزئة وشهادة التقسيم (الجريدة الرسمية العدد 26 المؤرخ في 28/05/1991 ).
(2) المادة 35 من المرسوم التنفيذي رقم 91/176.
أضرار كبرى بالبيئة البشرية (1) ، كما أعلنت عن قيمة هذه الدراسة أيضا وثيقة برنامج الأمم المتحدة للبيئة تحت رقم 07/14 Unep – GC بتاريخ 02/02/1987 المتعلق بحماية أهداف ومبادئ تقييم الآثار على البيئة، لذلك أقرت التشريعات سواء الداخلية أو الدولية دراسة التأثير و استعملت كمصطلح تقني وضيفي في وثائق دولية (2).
أما المشرع الجزائري فقد أدرج هذا الإجراء ضمن قانون حمايةالبيئة لسنة 1983 في الباب الخامس ثم جاء النص التطبيقي له في التسعينات (3) ، و تم إدراجه في القانون الجديد رقم 03/10 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة في الفصل الرابع من الباب الثاني و يبقى النص التطبيقي السابق قابل للتطبيق لحين صدور نصوص تنظيمية جديدة(4) .
و قد نصت المادة 15 من القانون المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة على أن تخضع مسبقا و حسب الحالة لدراسة التأثير على البيئة أو لموجز التأثير على البيئة مشاريع التنمية والهياكل و المنشآت الثابتة و برامج البناء و التهيئة التي تؤثر بصفة مباشرة أو غير مباشرة فورا أولاحقا على البيئة .
إن الملاحظ من خلال النصوص أنه ليس من السهولة بمكان الحصول على رخصة البناء لإقامة مشاريع مهما كان نوعها لاسيما التي ذكرتها المادة 15 من القانون 82/02 ، بل نجد أن المشرع قد اشترط عدة إجراءات قانونية و آليات و ضوابط تقنية بهدف الحصول على التراخيص بالبناء .
كما يشترط الاختصاص الإداري في منح الترخيص ، فلا يمكن تسليم رخصة البناء إلا من طرف الهيئة الإدارية المختصة و إلا اعتبر قرار الإدارة في هذا المجال معيبا بعيب عدم الاختصاص الإداري و عليه نكون بصدد الخروج عن مبدأ المشروعية الإدارية .
و تجدر الإشارة أن التشريع الفرنسي يربط تسليم رخصة البناء بضرورة أن تكون البلدية المعينة
1- أنظر الدكتور :طه طيار ،دراسة التأثير علي البيئة في التشريع الجزائري ،مجلة الإدارة الصادرة عن المدرسة الوطنية للإدارة
ص 03 ،13 العدد الأول سنة 1991 .
2- د.طه طيار ،المقال المذكور سابقا،ص 04.
3- المرسوم التنفيذي رقم 90/78 المتعلق بدراسة مدي التأثير (الجريدة الرسمية العدد 10 المؤرخ في 27/02/1990 .
4- المادة 113 من القانون 03/10.
مغطاة بمخطط شغل الأراضي، وعليه فان رئيس البلدية يمكن له رفض تسليم البناء بقرار غير مسبب لأن الأمر يتعلق بضرورة وجود مخطط شغل الأراضي و هذا الحكم تضمنه المرسوم الصادر في 07/07/1977 و عليه تكون سلطة رئيس البلدية سلطة تقديرية واسعة (1) ، أما بالنسبة للبلديات التي تم تغطيتها بمخطط شغل الأراضي فإن رئيس البلدية ملزم بمنح رخصة البناء ( المادة 59 من قانون 07/07/1983 المتعلق بالتهيئة و التعمير الفرنسي ) .
كما أن القانون الفرنسي يستثني بعض الأشغال من الخضوع لرخصة البناء منها الأشغال التي يكون لها انعكاس ضعيف على البيئة و بالتالي فليس من المهم إخضاعها لرخصة البناء و إنما يكتفي فيها المشرع بمجرد التصريح السابق Déclaration préalable و هذا بمقتضى القانون الصادر في 06/01/1986(2).
وبمقارنة هذا النص الأخير بنص المادة 62 من قانون التهيئة و التعمير الجزائري التي لم تحدد لنا طبيعة البناءات الخاضعة لرخصة البناء فهل يمكن القول بأن المشرع الجزائري جاء مطلقا في طلب رخصة البناء و بالتالي فكل بناية مهما كان استعمالها من الضروري أن تخضع لرخصة البناء ؟ المشرع الجزائري استثنى فقط المشاريع التي تحتمي بسرية الدفاع الوطني (3) ، و ماعدا هذا الاستثناء فكل البنايات يجب أن تخضع للترخيص .
وإذا كان نص المادة 55 من قانون التهيئة والتعمير قبل التعديل الأخير(4) يعفي من اللجوء إلي مهندس معماري في البناءات القليلة الأهمية،فان النص الجديد المعدل لأحكام المادة والمستحدث اثر زلزال بومرداس قد جاء مطلقا دون استثناء .
لكن ثمة مناطق و نظرا لأهميتها مثل الأراضي الفلاحيـة و السواحـل (5)، فقـد أخضعهــا
1 Prieur Michel .op cit .p607.
-2 De Lanbadre André et les autres .op.cit.p389.
3- المادة 53 من القانون 90/29 .
4- القانون 04/05 المؤرخ في 14/08/2004 المعدل والمتمم للقانون 90/29 (الجريدة الرسمية 51 لسنة 2004).
5- فقد نصت المادة 24 من القانون 03/03 المتعلق بمناطق التوسع والمواقع السياحية على أن يخضع منح رخصة البناء داخل مناطق التوسع والمواقع السياحية إلى الرأي المسبق من الوزارة المكلفة بالسياحة و بالتنسيق مع الإدارة المكلفة بالثقافة عندما تحتوي هذه عل معالم ثقافية مصنفة.
المشرع الجزائري إلى بعض الإجراءات الخاصة و هي وضع تصاميم من قبل مهنــدس معماري معتمد ، هذا الأخير يلتزم بضمان التصاميم و المستندات المكتوبة التي تعرف بموقع البنايات وتكوينها و تنظيمها و حجمها و مظهرها و أهميتها (1).
إن الحكمة من الاستناد إلى تصميم مهندس معماري دليل على أن المشرع يعتبر هذه المناطق أقاليم ذات أهمية خاصة في مجال حماية البيئة و المحافظة عليها (2).
في الأخير نشير إلى أن رخصة البناء تعتبر من أهم التراخيص التي تعبر عن الرقابة السابقة على المحيط البيئي و الوسط الطبيعي ، و بالنظر إلى ما جاءت به النصوص القانونية يمكن القول أن المشرع الجزائري رغبة منه في حماية المحيط قد وضع إجراءات صارمة تستطيع من خلالها السلطات الإدارية ممارسة رقابة واسعة و اتخاذ القرارات المناسبة و المشرع من وراء هذا يهدف إلى ضبط المحافظة على الطابع الجمالي للعمران في إطار احترام متطلبات البيئة و التوازن الإيكولوجي و هي نفس الأهداف التي نرى أن القانون 01/20(3) المتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة يرمي إلى تحقيقها من خلال المخططات سواء الوطنية أو الجهوية (4) ،إلا انه ومع ذلك يلاحظ أن هناك اعتداءات خطيرة على المحيط الطبيعي بسبب انتشار البناءات الفوضوية لعدم وجود رقابة مشددة من جهة و من جهة أخرى عدم وعي المواطن الذي يرغب في إقامة مشروع دون أهمية الحصول على رخصة البناء ظنا منه أن هذا الإجراء يعد بمثابة قيد على ممارسة حقه في الملكية .
1- المادة 55الفقرة الأولى من القانون90/29 .
2- حميدة جميلة ، الوسائل القانونية لحماية البيئة ، دراسة على ضوء التشريع الجزائري ، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير
جامعة البليدة ، 2001 .
3- القانون 01/20 المتعلق بتهيئة الإقليم وتنميته المستدامة الصادر بتاريخ 15/12/2001 (الجريدة الرسمية عدد 77 سنة 2001).
4- أنظر المادة 04 من نفس القانون.
المطلب الثاني
رخصة الصب و علاقتها بحماية الموارد المائية
تعتبر الموارد المائية من أكبر الأوساط المستقبلة و الأشد تعرضا لمختلف الملوثات التي تؤدي إلى الإصابة بالأمراض المتنقلة عن طريق المياه هذه الأمراض ناتجة بلا شك عن الملوثات التي تتعرض لها الموارد المائية يوميا ، و التي يبقي الإنسان هو المسؤول الأول و الأخير عنها نظرا لكثافة النشاطات الصناعية التي يمارسها و ما ينتج عنها من أضرار و عليه حاول المشرع وضع حد لمختلف أشكال هذه التجاوزات و ذلك بوضع النصوص و الإجراءات القانونية الكفيلة بحماية الموارد المائية من عمليات الصب و التصريف و الغمر والترميد (1) المخالفة للمقاييس القانونية، هذه الإجراءات كثيرة أهمها التراخيص ، و قد تناول المشرع هذا الإجراء في نصوص عديدة و اعتبرها إجراء وقائي يهدف إلى الحد من النشاطات التي تعد خطرا على الموارد المائية ، و عليه فقد تدارك المشرع خطورة الموقف الناتج عن عملية التصريف أو الصب ووضع مجموعة من النصوص القانونية الكفيلة بحماية الموارد المائية من خطر التلوث .
الفرع الأول
طبيعة التصريف و مجاله
يعتبر قانون المياه الصادر في سنة 1983 التشريع الأساسي الخاص بحماية الموارد المائية حيث وضع المقاييس الضرورية للمحافظة على استمرارية هذه الموارد كما و نوعا (2) ، و إلي جانب قانون المياه نجد أن القانون 03/10 قد خص الفصل الثالث من الباب الثالث لحماية المياه والأوساط المائية .
و بموجب قانون المياه يمنع المشرع كل عملية تتعلق بتصريف أو قذف أو صب أية مادة في عقارات الملكية العامة للمياه، خاصة منها إفرازات المدن و المصانع التي تحتوي على مواد صلبة
1- جاء القانون المتعلق بالنفايات بمصطلح الغمر ،وعرفه بأنه كل عمليات رمي النفايات في الوسط المائي ،كما استعملت مصطلحات أخري في المرسوم 02/01 المتعلق بالنظام العام لاستغلال الموانئ وأمنها ،مثل الطرح ،الرمي،الإلقاء...الخ ،كما تضمنت المادة 52 من القانون 03/10 مصطلح الترميد.
2- أنظر المادة 48 وما بعدها من القانون المتعلق بحماية البيئة.
أو سائلة أو غازية أو على عوامل مولدة لأضرار قد تمس من حيث كميتها و درجة سميتها بالصحة العمومية والثروة الحيوانية والنباتية أو تضر بالتنمية الاقتصادية (1) ،وهو نفس المنع الذي تضمنته المادة 51 من القانون المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة بنصها على مايلي: "يمنع كل صب أو طرح للمياه المستعملة أو رمي للنفايات أيا كانت طبيعتها في المياه المخصصة لإعادة تزويد طبقات المياه الجوفية و في الآبار والحفر و سراديب جذب المياه التي غير تخصيصها .
من خلال قراءتنا للمادتين نلاحظ أن المشرع استعمل أسلوب الحظر المطلق بالنسبة لتصريف المواد التي لها انعكاسات سلبية على الصحة العمومية والموارد الطبيعية الحيوية أو التنمية الاقتصادية.
كما أن التصريف الذي يقصده المشرع في نص المادة هو التصريف أو الصب أو القذف الذي يتم في الملكية العامة للمياه سواء كانت سطحية أو جوفية أو مجاري المياه و البحيرات و البرك و المياه الساحلية (2).
و المقصود بالملكية العامة للمياه على حــد تعبير المشرع الجزائري هي تلك الموارد المائية التي تملكها المجموعة الوطنية (3) ،و تتكون الملكية العامة للمياه طبقا للتشريع الجزائري مما يلي (4):
- المياه الجوفية و مياه الينابيع والمياه المعدنية و مياه الحمامات و المياه السطحية .
- مياه البحار التي أزيلت منها المعدنيان من طرف الدولة و لحسابها من أجل المنفعة العامة.
- مجاري المياه و البحيرات و البرك و السياخ و الشطوط و كذلك الأراضي و النباتات الموجودة ضمن حدودها .
-منشآت تعبئة المياه و تحويلها و تخزينها و معالجتها أو توزيعها أو تطهيرها و بصفة عامة كل منشأة مائية و ملحقاتها منجزة من قبل الدولة أو لحسابها من أجل المنفعة العامة، و إلى جانب هذا النص يوجد نص المادة 52 من القانون 03/10 المتعلقة بحماية المياه البحرية إذ بموجبه يمنع داخل
1- المادة 99 من القانون 83/17.
2- أنظر المادة 49 من القانون03/10.
3- المادة 17 من دستور 1996.
4- المادة 02 من القانون 83/17.
المياه البحرية الخاضعة للقضاء الجزائري كل صب أو غمر أو ترميد لمواد من نشأنها الأضرار بالصحة العمومية و الأنظمة البيئية البحرية ،و قد أحال المشرع بشأن قائمة المواد المذكورة في نص المادة على التنظيم لضبط القائمة، كما تضمنت المادة 56 من المرسوم 02/01(1) حظرا مطلقا على كل طرح في أحواض الميناء و المرسى لمياه قد تحتوي على المحروقات أو مواد خطرة أو نفايات سامة أو مواد عالقة و بصفة عامة كل مادة مضرة بالمحيط البحري .
و بعد إن استعمل المشرع وسيلة المنع بالنسبة للمواد التي لها خطر على المجالات المذكورة سابقا ، فإنه بالمقابل أخضع المواد التي لا تشكل خطرا على تلك المجالات إلى الترخيص أو ما سماه المشرع برخصة الصب هذه الأخيرة تعد وسيلة من أهم وسائل الضبط الإداري الخاص بحماية الموارد المائية من خطر التلوث باعتبارها إجراء وقائي يحول دون وصول الملوثات للموارد المائية .
غير أن دارستنا لرخصة الصب كوسيلة من الوسائل المتاحة لحماية الموارد المائية ، هو على سبيل المثال ، إذ توجد طرق أخرى تتعلق بالنفايات الصلبة نذكر منها طريقة الغمر و الترميد السالفتا الذكر و التي لها إجراءات خاصة لم تكتمل من الناحية التنظيمية .
وإذا كان المشرع قد أحاط بمخاطر النفايات السائلة فإن النفايات الصلبة و رغم خطورتها سيما منها بقايا النشاطات الصناعية و العلاجية لم تحظ بالعناية اللازمة إلا منذ صدور القانون 01/19 المتعلق بتسيير النفايات و مراقبتها و إزالتها ، و كذا المرسوم 02/01 المتعلق باستغلال الموانئ و أمنها .
و قبل أن نتعرض إلى شروط تسليم الترخيص و إجراءاته ارتأينا الوقوف على المقصود بالصب .
لقد عرف المرسوم 93/160 (2) مفهوم الصب بقوله كل تصريف أو تدفق أو إيداع مباشر أو غير مباشر لنفاية صناعية في وسط طبيعي، و الملاحظ من خلال التعريف الذي ورد في نص المادة أن المشرع قد ذكر عبارة "وسط طبيعي" هذه العبارة لها مفهوم واسع فهي تشمل مياه الملكية العامة
كما تشمل التصريف في الوسط البحري، أما المادة 53 من قانون حماية البيئة(3) ، فهي تتعلــق
1- المرسوم 02/01 الصادر بتاريخ 06/01/2002 المحدد للنظام العام لاستغلال الموانئ وأمنها ،(الجريدة الرسمية العدد الأول لسنة2001).
2- المرسوم 93/160 المتعلق بتنظيم النفايات الصناعية السائلة (الجريدة الرسمية عدد 46 لسنة 1993 ).
3- لقد أخضعت المادة 55 من القانون 03/10 عمليات غمر النفايات في البحر إلى الترخيص المسبق من الوزير المكلف بحماية البيئة .
بحماية مياه البحر فقط و عليه ستقتصر دراستنا على الترخيص المشار إليه في المادة 100 من قانون
المياه و المتعلق بالصب الذي يتم في الملكية العامة للمياه، للنفايات الصناعية السائلة كنموذج من نماذج الترخيص الخاص بحماية الموارد المائية .
إن المشرع من خلال نص المادة 02 من المرسوم 93/160 قد حصر طلب رخصة الصب في النفايات الصناعية السائلة في حين أن المشرع المصري اشترط رخصة التصريف في العديد من المخلفات سواء الصلبة ،أو السائلة أو الغازية، غير أن المشرع الجزائري تدارك هذا النقص بموجب القانون 01/19 السالف الذكر الذي جاء بغرض سد الفراغ ،وقد تناول في مواده مجموعة تعار يف لمختلف النفايات الصلبة نذكر منها ، النفايات المنزلية ، النفايات الخاصة النفايات الهامدة ونفايات النشاطات الفلاحية (1).
أما المقصود بالمخلفات السائلة فهي كل مخلفات صادرة عن المجال الصناعي أو الآدمي أو الحيواني الناتجة عن عمليات الصرف الصحي أو المخلفات الناتجة عن مزارع الدواجن و الحظائر(2).
ولقد حدد المرسوم 93/160 الشروط الخاصة بتسليم رخصة الصب بقوله " لا يمكن الترخيص بتصريف النفايات الصناعية السائلة إلا بتوافر شرطين ضروريين:
أولا:ألا يتعدى في المصدر القيم القصوى و المحددة في المرسوم .
ثانيا:ضرورة تحديد الشروط التقنية التي يكون تحديدها موضوع قرار من الوزير المكلف بحماية البيئة (3) .
إن هذه الشروط التقنية التي وضعها المشرع تعبر عن تداركه لخطورة المخلفات الصناعية السائلة نظرا لما تحتوي عليه من مواد كيميائية ضارة يصعب تحليلها أو التخلص من آثارها الضارة و هذا ما حاول المشرع تأكيده بموجب القانون 01/19 و ذلك في إطار سياسة تشريعية، إدراكا منه لما أصبحت تشكله من تهديد على الصحة و البيئة إذ خص المشرع إنجاز منشآت معالجــة
1- أنظر نص المادة 03 من القانون 01/19 ، وكذا نص المادة 05 التي أحالت علي التنظيم لتحديد قائمة النفايات بما في ذالك النفايات الخاصة و الخطرة.
2- د.معوض عبد التواب ،الحماية الجنائية الخاصة بحماية البيئة ،منشأة المعارف ،الإسكندرية ،1990 ،ص 25 .
3- المرسوم 93/160 المادة 04.
النفايات بتدابير خاصة (1) ، و فيما يتعلق بالشواطئ باعتبارها أكثر عرضة للتلوث لسهولة رمي النفايات بها لقربها في غالب الأحيان من المجمعات الصناعية ، فقد خصها المشرع هي الأخرى بحماية خاصة بموجب القانون 03/02 (2) إذ نصت المادتين 10و12 منه على أنه يمنع رمي النفايات المنزلية و الصناعية و الفلاحية في الشواطئ أو بمحاذاتها أو القيام بكل عمل يمس بالصحة العمومية كما أن المرسوم 02/01 المتعلق باستغلال الموانئ و أمنها نص على المنع من طرح نفايات السفن في الميناء إلا بعد التحقق بمساعدة خبير معين من السلطة المينائية من أن مياه الصابورة نظيفة(3) .
الفرع الثاني
إجراءات الحصول على رخصة الصب
فيما يخص إجراء الحصول على رخصة الصب فإنها تتم عن طريق تقديم المعني سواء كان شخصا معنويا أو طبيعيا ، ملف طلب رخصة الصب، هذا الأخير يشمل على مايلي :
أولا: أسماء و ألقاب الطالب و صفته ، فإن كانت مؤسسة عمومية ففي هذه الحالة لابد من تقديم البيانات الخاصة بالطبيعة و المقر و الهدف و الأسماء و الألقاب و الممثل و المتعامل مع الإدارة المعنية بالترخيص .
ثانيا:وصف موقع العملية المزمع القيام بها، و عند الاقتضاء عمقها و المستويات الباطنية التي تتم فيها
ثالثا: طبيعة التصريف و أهميته، و شروطه، و التدابير المقترحة لمعالجة شكل تلوث المياه.
رابعا: طبيعة العناصر الملوثة التي يمكن أن تفسد حالة المياه.
خامسا: الوصف التقني للأجهزة ،بغرض تجنب إفساد نوعية المياه أو المساس بالسلامة العمومية .
إن هذه الشروط تطرح عدة أسئلة خاصة من ناحية صحتها فغالبا ما يتجنب صاحب الطلب ذكر
1- المادة 41 وما بعدها من القانون 01 /19.
2- القانون 03/02 المؤرخ في 17/02/2003 ،المحدد للقواعد العامة لاستعمال واستغلال الشواطئ،(الجريدة الرسمية العدد 11،2003).
3- المادة 58 من المرسوم 02/01.
العناصر الملوثة أو التقليل من مخاطرها ، و عليه كان من الأجدر اعتماد خبراء تقنيين في مجال الري للقيام بالتحاليل و تقديم النتائج عن طريق وثائق ، تضم لملف طلب الرخصة .
و في حالة عدم مطابقة التصريف لما تضمنته رخصة الصب فإن المشرع يخول لمفتشي البيئة بعد إعذار الوالي المختص لصاحب الجهاز أن يتخذ التدابير التي تجعل التصريف مطابق لمضمون الرخصة إلا أنه لم يحدد لنا تلك الآجال (1) ، و لا ندري لماذا أغفل المشرع تحديد الآجال فهل هي متروكة للسلطة التقديرية للإدارة ؟
ردا على تساؤلنا نرى أنه من الأفضل لو حدد المشرع هذه المواعيد بدقة حتى لا تتهاون الإدارة في اتخاذ الجزاء المنصوص عنه قانونا من جهة ، و لإلزام الأفراد على اتخاذ التدابير الضرورية للقيام بعملية المعالجة حتى يتطابق التصريف مع مضمون الرخصة إذ بقدر ما تكون النصوص القانونية مضبوطة بقدر ما يؤدي ذلك إلى الالتزام بتطبيقها سواء من طرف السلطات الإدارية المعنية أو من طرف الأفراد الملزمين بها (2) .
غير أن الملاحظ في هذا الشأن أن المشرع تداركا منه لهذا الوضع نص بموجب القانون 03/02 في مادته 45 على أنه في حالة عدم استجابة المخالف للإعذار الأول الموجه إليه من الوالي و المنصوص عليه في المادة 44 خلال أسبوع من تاريخ تبليغ الإعذار ، يعذر المخالف للمرة الثانية و إذا لم يفي بالتزاماته المحددة في دفتر الشروط و التي من بينها حسب نص المادة 10 الامتناع عن القيام بأي عمل من شأنه إفساد نوعية مياه البحر ، يتم سحب الامتياز من صاحبه دون الإخلال بالمتابعات القضائية، و بهذا يكون المشرع قد تدارك نسبيا ما سها عنه قانون المياه و ذلك بمنح مدة من تاريخ الإعذار من أجل الكف عن المخالفة و إعادة الأماكن إلى حالتها .
غير أن الشرط المهم الذي نجده في التشريع المصري هو شرط إجراء المعاينة اللازمة لإصدار الترخيص ، يتولاها مهندس الري الذي تقع في دائرة عمله المنشأة عن طريق تقديم الدراسات الفنية
1- المادة 11 من المرسوم 93/160.
2- نجد أيضا أن المشرع قد سها عن تحديد آجال إصلاح الأوضاع في نص المادة 48 من القانون 01/19 بعد أمر السلطات بذالك.
اللازمة ، و على مهندس الري المختص استطلاع رأي وزارة الصحة عن نتيجة التحاليل (1) ، أما المشرع الجزائري محاولة منه لفرض تدابير لاحقة وتداركا للنقص مقارنة بالتشريع المصري قضى بموجب نص المادة 49 من القانون 01/19 على إمكانية طلب إجراء خبرة للقيام بالتحاليل اللازمة لتقييم الأضرار و آثارها على الصحة العمومية و البيئة .
و الجهة المختصة بتسليم رخصة التصريف حسب المرسوم 93/160 هو الوزير المكلف بالبيئة بعد أخذ رأي الوزير المكلف بالري (2) ، إلا أن المشرع لم يحدد مدى إلزامية رأي الوزير المكلف بالري في هذه الحالة .
و في حالة ما إذا لم يقم صاحب الشأن بالمعالجة إذا ثبت عدم مطابقة التصريف لمضمون الرخصة فإن الوالي يقرر الإيقاف المؤقت لسير التجهيزات في نهاية الآجال المحددة (3) .
والملاحظ على التشريع الجزائري هو غياب نص قانوني موحد للإجراءات سواء منها المتعلق بالمعاينات و إثبات المخالفات أو تلك المتعلقة بإجراءات سحب الرخصة ، إذ أن النصوص المتوفرة حاليا موزعة بين عدة قوانين و حتى مراسيم و هذا ما يصعب الجمع بينها ، فمثلا في حالة وجود مخالفة فإنه يستلزم الرجوع إلى القانون 01/19 في مادته 49 لمعرفة إجراءات إثبات المخالفة عن طريق الخبرة ، و بالنسبة لإلزامية إصلاح الضرر في حالة ثبوت المخالفة فإنه يجب الرجوع إلى المرسوم 02/01 في مادته 57 التي تنص على أن يلزم المسئول بالرمي بالقيام أو التكليف بالقيام على نفقته بتنظيف المساحات المائية ، و في حالة العجز يباشر في الأشغال على نفقة مرتكب المخالفة ،و هي نفس الأحكام التي تضمنتها المادة 100 من القانون 03/10 في فقرتها الثالثة بنصها أنه يمكن للمحكمة أن تفرض على المحكوم عليه بإصلاح الوسط المائي و هذه المادة أشمل من المادة 57 المذكورة أعلاه ، فإذا كانت هذه الأخيرة تتعلق بالأوساط البحرية فإن نص المادة 100 قابل للتطبيق على كل صب في المياه سواء السطحية أو الجوفية أومياه البحر الخاضعة للقضاء الجزائري .
1- د. معوض عبد التواب،مرجع سابق ، ص 29.
2- المادة 10 من المرسوم 93/160.
3- المادة 11 من المرسوم 93/163.
وفي الأخير نشير إلى أن التلوث المائي يعد أهم أخطار التلوث التي لها انعكاسات على البيئة الصحية للمواطن ، لذلك فقد سعت مختلف التشريعات لاتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بوضع حد لهذه الأخطار ، كما أن الأوساط المائية تعد أكثر المجالات الطبيعية استقبالا للملوثات لأن أغلب النشاطات البشرية تحتاج إلى إقامتها بالقرب من الموارد المائية ، مما يسبب ضررا لصحة الإنسان.
خلاصة القول أن رخصة الصب التي أشار إليها المشرع ما هي إلا صورة من صور الترخص الخاص بحماية الموارد المائية من التلوث ، و هي وسيلة قانونية تهدف إلى محاربة مصدر من مصادر التلوث و هو التلوث الناجم عن النفايات الصناعية السائلة بتوافر شروط قانونية ذات طابع تقني يجب مراعاتها قبل تسليم الترخيص للمعني بالمشروع ، و تبقى النفايات الصلبة في حاجة إلى نصوص تنظيمية من أجل تفعيل تطبيق القانون 01/19 .
المطلب الثالث
رخصة استغلال المنشآت المصنفة و علاقتها بحماية الأمن الصناعي
لم يظهر الاهتمام بمشكل المؤسسات الصناعية و التجارية التي تسبب مساوئ للجوار وأخطار على البيئة إلا منذ سنة 1976 ، من خلال صدور المرسوم 76/34(1)المتعلق بالعمارات والمؤسسات الخطيرة الغير صحية والمزعجة التي تفتقر إلى عنصر النظافة أو الغير اللائقة،وهذا المرسوم هو أول تشريع تناول حماية البيئة من أخطار التلوث الصناعي في الجزائر، والذي عدل بجملة من القوانين والمراسيم أهمها القانون 83/03 المتعلق بحماية البيئة والذي نظم هذه المؤسسات
الخطرة في الباب الرابع منه تحت عنوان الحماية من المضار و الذي أطلق على هذه المؤسسات اسم المنشآت المصنفة،هذا القانون الذي ألغي بموجب القانون المؤرخ في 20/07/2003 والذي تناول المنشأة المصنفة في الفصل الخامس،والتنظيم المعمول به حاليا في مجال المنشأة المصنفة هو المرسوم التنفيذي رقم 98/339 الذي يضبط المنشأة المصنفة ويحدد قائمتها (2) .
1- المرسوم 76/34 المؤرخ في 20/02/1976 المتعلق بالعمارات الخطيرة واللاصحية أو المزعجة.
2- المرسوم التنفيذي رقم 98/339 المؤرخ في 03/11/1998 الخاص بالتنظيم المطبق علي المنشأة المصنفة والمحدد لقائمتها (الجريدة الرسمية العدد 82لسنة 1998 ) .
الفرع الأول
المقصود بالمنشآت المصنفة
نصت المادة الأولى من المرسوم 76/34 على مايلي :" تخضع المعامل اليدوية و المعامل والمصانع والمخازن و الورشات و جميع المؤسسات الصناعية أو التجارية التي تتعرض لأسباب الأخطار والأضرار سواء بالنسبة للأمن و سلامة الجوار و الصحة العمومية أو البيئة أيضا لمراقبة السلطة الإدارية ضمن الشروط المنصوص عليها في هذا المرسوم " ، كما نصت المادة 18 من القانون المتعلق بحماية البيئة لسنة 2003 على مايلي : " تخضع لأحكام هذا القانون المصانع والورشات والمشاغل و مقالع الحجارة و المناجم، و بصفة عامة المنشآت التي يشغلها أو يملكها كل شخص طبيعي أو معنوي ، عمومي أو خاص ، و التي قد تتسبب في أخطار على الصحة العمومية والنظافة و الأمن و الفلاحة و الأنظمة البيئية و الموارد الطبيعية و المواقع و المعالم و المناطق السياحية أو قد تتسبب في مساس براحة الجوار ".
وانطلاقا من هاتين المادتين يمكن تعريف المنشأة بأنها منشأة صناعية أو تجارية تسبب مخاطر أو مضايقات في ما يتعلق بالأمن العام و الصحة و النظافة العمومية أو البيئة مما يستدعي خضوعها لرقابة خاصة بهدف منع مخاطرها أو مضايقاتها و التي أهمها خطر الانفجار و الدخان و الروائح (2)
و المشرع الجزائري تأثر تأثيرا واضحا بالمشرع الفرنسي الذي قسم المنشآت إلى درجتين منشآت خاضعة للترخيص و منشآت خاضعة للتصريح، حيث تمثل المنشآت الخاضعة للترخيص الصنف الأكثر خطورة على المصالح من تلك الخاضعة للتصريح.
وبالنظر إلى التنظيم الجديد الخاص بالمنشآت المنصفة فقد رتب المشرع المنشآت الخاضعة للترخيص حسب درجة الأخطار أو المساوئ التي تنجم عن استغلالها إلى ثلاثة أصناف، حيث تخضع المنشآت من الصنف الأول إلى ترخيص الوزير المكلف بالبيئة ويخضع الصنف الثاني إلى ترخيص الوالي المختص إقليميا في حين يخضع الصنف الثالث إلى ترخيص رئيس المجلس الشعبي البلدي (2)، و من هذا القبيل أيضا خضوع منشآت معالجة النفايات إلى هذا التقسيم فقـد نصت
1- د. ماجد راغب الحلو، مرجع سابق ،ص 91.
2- المادة 55 من المرسوم 98/339 .
المادة 42 من القانون 01/19 على أن تخضع كل منشآت لمعالجة النفايات قبل الشروع في عملها إلى مايأتى:
-رخصة الوزير المكلف بالبيئة بالنسبة للنفايات الخاصة .
-رخصة من الوالي المختص إقليميا بالنسبة للنفايات المنزلية وما شابهها .
-رخصة من رئيس المجلس الشعبي البلدي المختص إقليميا بالنسبة للنفايات الهامدة.
و هذا النص يتماشى ونص المادة 76 من المرسوم 89/339 التي أشارت إلى خضوع المنشآت التي تشكل أخطار أو مساوئ على المصالح المنصوص عليها في مادة 74 لترخيص من الوزير المكلف بحماية البيئة أو الوالي أو الرئيس المجلس الشعبي البلدي.
في حين أن المنشآت الخاضعة للتصريح هي تلك المنشآت التي لا تسبب أي خطر أو مساوئ للمصالح المنصوص عليها في المادة 74 (1).
وبشأن صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي في هذا المجال فقد نص قانون البلدية الصادر سنة 1990 على اختصاص رئيس المجلس الشعبي البلدي في الموافقة على إقامة أي مشروع على تراب بلديته من شأنه أن يتضمن مخاطر مضرة بالبيئة (2).
ولعل عبارة المخاطر المضرة بالبيئة على حد تعبير النص هي عبارة واسعة تحمل في طياتها العديد من المفاهيم و من ذلك المخاطر التي تنجم عن النشاطات الصناعية .
الفـرع الثاني
الإجراءات الخاصة بإقامة المنشآت المصنفة
فيما يتعلق بإجراءات الحصول على الترخيص فإن القانون يتطلب شروط قانونية، و هي طبقا للمرسوم الجديد تتمثل في ضرورة إيداع طلب الترخيص لدى السلطة المانحة، يشمل كافة المعلومات الخاصة بصاحب المنشأة سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا (3) ، أما المعلومات الخاصة بالمنشـأة فهي ترتكز على الموقع بالدرجة الأولى ، وتركيز المشرع على الموقع يعد تداركا لإقامة
1- المادة 21 من المرسوم 98/339 .
2- المادة 92 من القانون 90/08.
3- المادة 06 من المرسوم 98/339 .
المنشآت المنصوص عنها في الملحق في المناطق الفلاحية أو الساحلية أو ذات الأهمية التاريخية و هذه الأخيرة نظرا لأهميتها فقد خصها المشرع بعناية خاصة نص عنها صراحة في قانون التهيئة و التعمير فبالنسبة للأقاليم ذات الميزة الطبيعية و الثقافية البارزة كتلك التي تتميز بموقعها المناخي أوالجيولوجي فإنه لابد من تدخل النصوص التشريعية و التنظيمية لتحديد لالتزامات الخاصة التي تطبق عليها وكل ما يتعلق بالموقع و تهيئة محيط التراث الطبيعي الثقافي و حمايته و تنميته (1) ، أما فيما يخص الأراضي الفلاحية، فإن حقوق البناء لا بد أن تنحصر في البناءات الضرورية و الحيوية للإستغلالات الفلاحية أما بالنسبة للسواحل فقد أولاها هي الأخرى حماية خاصة باعتبارها مصدرا من مصادر النشاطات الساحلية (2) ،و عليه فإنه بموجب نص المادة 12من القانون المتعلق بحماية الساحل و تثمينه يمنع التوسع الطولي للمحيط العمراني للمجمعات السكانية الموجودة على الشريط الساحلي على مسافة تزيد عن ثلاثة كيلومترات من الشريط الساحلي ، و فيما يتعلق بالأنشطة الصناعية فإن القانون 02/02 (3) ،جاء بحظر مطلق على إقامة أي نشاط صناعي جديد على الساحل (4) .
لكن المشرع رغم استعماله للحظر المطلق من خلال النص المذكور أعلاه كأصل، فإنه كاستثناء يرخص بالأنشطة الصناعية والمرفئية ذات الأهمية الوطنية التي تنص عليها أدوات تهيئة الإقليم، وهذا النص ينطبق مع النص الذي تضمنه قانون حماية البيئة الذي يقضي بإخضاع المنشآت المصنفة حسب أهميتها و حسب الأخطار أو المضار التي تنجر عن استغلالها ، للترخيص أوالتصريح حسب جسامة الأخطار الناجمة عن عمليات الاستغلال(5).
1- المادتين 46و47 من القانون 90/29.
2- اعتبر المشرع أعمال التنمية في الساحل على أنها أعمال تندرج ضمن بعد وطني لتهيئة الإقليم والبيئة (أنظر المادة 03 من القانون 03/03 ).
3- المادة 15 من القانون 02/02.
4- يشمل الساحل حسب نص المادة 07 من نفس القانون على جميع الجزر و الجزيرات و الجرف القاري .
5- المادة 19 من القانون 03/10.
وبالإضافة إلى شرط الموقع ثمة شروط قانونية أخرى منها تحديد طبيعة الأعمال التي يعتزم القيام بها و حجمها و كذا أساليب الصنع التي ينتجها المعني و المواد التي يستخدمها، مما يسمح بتقدير الأخطار التي تتسبب فيها المنشأة (1) .
وفرق المشرع بين ما إذا تعلق طلب الترخيص بإنشاء منشأة من الصنفين الأول و الثاني التي تتطلب وثائق تتعلق أساسا بخريطة مقاييس التصميم و بين المنشآت من الصنف الثالث (2) وهذا بالنظر إلى خطورة المساوئ الناجمة عنها مما يجعل الاختصاص بمنح الترخيص يختلف حسب هذه المقاييس .
كما يتطلب إضافة إلى ذلك دراسة التأثير المنصوص عنها في قانون حماية البيئة، إذ يسبق تسليم رخصة استغلال المنشآت المصنفة تقديم دراسة التأثير أو موجز التأثير ، و تحقيق عمومي ودراسة تتعلق بالأخطار و الانعكاسات المحتملة للمشروع على المصالح المذكورة في المادة 18 والملاحظ على نص المادة أن :
1- المشرع استحدث ما يسمى بالتحقيـق العمومي غير أنه لم يبين ماهيته و الجهة التي تقوم به أو إجراءاته .
2- كما نص على ما سماه "دارسة تتعلق بالأخطار و الانعكاسات المحتملة " فهل هذه الدراسة هي نفسها دارسة التأثير أم أنها تختلف عنها ؟ لقد نصت المادة 21 علي أن الدراسة المتعلقة بالأخطـار و الانعكاسات المحتملة تكون بغرض معرفة تأثير المنشأة على الساحة العمومية و النظافة و الأمـن و الفلاحة و الأنظمة البيئية ، و هي في رأينا نفس النتائج التي تسعى إلى تحقيقها دراسة التأثير حسب نص المادة 16 ، و عليه فإن المشرع إذا وفق في استحداث إجراء التحقيق العمومي لما يحققه نتائج لصالح الإدارة المانحة في بسط رقابة أشد ، فإن الدراسة المتعلقة بالأخطار والانعكاسات تعد من باب الحشو و التزيد .
إن الملاحظ من خلال هذه الشروط أن المشرع ركز على أهم المقاييس التقنية التي تسمح للإدارة المختصة سواء مركزية أو محلية برفض أو منح الرخصة بالنظر إلى مدى توافرها أوإغفالها للشروط.
1- المادة 06 فقرة 3 و 4 من المرسوم التنفيذي رقم 98/339.
2- المادة 07 من المرسوم 98/339.
أما فيما يخص إجراءات الحصول على الرخصة في التشريع الجزائري،فقد رأينا أن هذه المنشآت محددة عن طريق قائمة و عليه فإنه في حالة عدم ورود المنشأة ضمن قائمة المنشآت، تقوم السلطة التي تم إيداع الملف لديها بإشعار صاحب الطلب خلال مدة 15 يوما التي تلي تاريخ الإيداع ، ثم يعاد المـــلف إلى المعني (1) .
لكن السؤال الذي يطرح ماذا لو كانت هذه المنشأة ذات تأثير علي البيئة، و غير مدرجة في قائمة المنشآت المصنفة ؟
لقد وضع المشرع حلول من اجل تجنب مثل هذا الوضع ، إذ نصت المادة 25 من القانون 03/10 على أنه عندما ينجم عن استغلال منشأة غير واردة في قائمة المنشآت المصنفة أخطار أو أضرار تمس بالمصالح المذكورة في المادة 18 ، و بناءا على تقرير من مصالح البيئة يعذر الوالي المستغــل و يحدد له أجلا لاتخاذ التدابير الضرورية لإزالة الأخطار أو الأضرار المثبتة ، و إذا لم يمتثل المستغل في الأجل المحدد يوقف سير المنشأة إلى حين تنفيذ الشروط المفروضة .
وفي حالة ما إذا كانت المنشأة ضمن المنشآت المنصوص عليها في الصنف الثالث (2) ، ففي هذه الحالة يقرر الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي بمقتضى قرار الشروع في تحقيق علني بمجرد تسلم الملف المتعلق بالمنشأة المصنفة مبينا فيه موضوع التحقيق و تاريخه و كذلك الأوقات و المكان الذي يمكن للجمهور الإطلاع فيه على الملف و فتح سجل تجمع فيه آراء الجمهور على مستوى مقرات المجالس الشعبية التي تقام فيها المنشأة و الموقع الذي ستقام فيه ، و تقع مسؤولية الالتزام بنشر هذا الإعلان على عاتق الولاة المختصين إقليميا (3) ، غير أن رؤساء المجالس الشعبية البلدية الذين يمس المحيط المذكور جزء من إقليمها ملزمون بتعليق الإعلان للجمهور على نفقة صاحب الطلب (4) .
1- المادة 08 من المرسوم 98/339.
2- الماة 05 فقرة 4 من المرسوم 98/339 الخاصة بالصنف الثالث للمنشآت التي تخضع لترخيص رئيس المجلس الشعبي البلدي.
3- المادة 09 من المرسوم 98/339.
4- المادة 10 من المرسوم 89/339.
و يتم هذا التعليق في مقر البلدية المعنية قبل ثمانية أيام على الأقل من الشروع في التحـقيق العلني(1) .
و يتطلب الأمر تقديم نسخة من طلب الرخصة للمصالح المحلية المكلفة بالبيئة و الري والفلاحة والصحة و الشؤون الاجتماعية و الحماية المدنية و مفتشية العمل و التعمير و البناء والصناعة والسياحة من أجل إبداء رأيها مع إلزامها بتقديم أرائها في آجال 60 يوما و إلا فصل في الأمر من دونها (2).
لكن ما يلاحظ أن المشرع أشار إلى ضرورة الاستشارة لكنه لم يبين هل يعتبر رأيها ملزما أم لا ؟.
و بعد ذلك يتم استدعاء صاحب الطلب خلال ثمانية أيام للقيام بتقديم مذكرة إجابة خلال مدة حددها المشرع باثنين و عشرين يوما ، ثم يتم إرسال ملف التحقيق إلى الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي ، و يمكن لأي شخص طبيعي أو معنوي أن يطلع في الولاية أو البلدية على مذكرة صاحب الطلب و على استنتاجات المندوب المحقق (3) .
من خلال هذه الإجراءات التي تضمنها المرسوم، نلاحظ أن المشرع أعطى ضمانة للمجهول للمساهمة في إعداد القرارات لاسيما في مثل هذه المشاريع التي ينجم عن إنجازها أثر مهم على حياة المواطنين، و على حد تعبير البعض فإن هذا يعد صورة حقيقية لتجسيد الديمقراطية الإيكولوجية (4) .
أما بالنسبة للمجالس الشعبية البلدية التي يعتزم أن تقام فيها المنشأة فعليها أن تبدي برأيها في طلب الرخصة بمجرد افتتاح التحقيق، إلا أنه لا يمكن أن تأخذ بعين الاعتبار إلا الآراء المعللة التي يجب التعبير عنها في مهلة تقدر ب 15 يوما الموالية لإغلاق سجل التحقيق ، و قد فرق المشرع بين المنشآت من الصنف الثالث و المنشآت من الصنف الأول، فإذا كان قد أخضع المنشآت من الصنف الثالث إلى هذه الإجراءات، فإنه بالنسبة للمنشآت من الصنف الأول جعلها
1- المادة 11 فقرة 2 من المرسوم 98/339.
2- المادة 12 من المرسوم 98/339.
3- المادة 13 من المرسوم 98/339.
4- د.طه طيار، مرجع سابق ، ص 24 و 25.
تتم تحت مسؤولية الوالي المختص إقليميا(1).
وفي حالة رفض الطلب يجب تبليغ المعني بالرفض مع ضرورة تبرير موقف الإدارة و يقوم بالتبليغ الجهة المختصة حسب الحالة ، و يمكن للمعني في هذه الحالة أن يتقدم بالطعن في هذا الرفض .
هذا و قد أعطى المشرع فضلا عن كل الصلاحيات حق اتخاذ قرار يمنح الترخيص لمدة مؤقتة بناءا على طلب المعني و هذا في حالتين(2):
الحالة الأولى :حالة تطبيق أساليب جديدة للعمل في المنشأة .
الحالة الثانية : حالة توقع تحويل في الأراضي المجاورة التي تعتزم إنشاء المنشأة عليها ، أن يمس ظروف الإسكان أو طريقة استعمال الأراضي .
من خلال الشروط السالفة الذكر يمكن القول أن المشرع خطى من خلال هذه النصوص خطوات إيجابية في مجال حماية البيئة ، كما أنه تدارك طبيعة الخطورة الناجمة عن ممارسة النشاط ويتضح لنا ذلك من خلال إدخال المشرع نوعين من الوثائق يجب إرفاقها في الملف وهي كل من وثيقة المخاطر ودراسة التأثير المشار إليهما سابقا ،وفي حالة غياب مثل هذه الوثائق يعتبر إغفالا جوهريا في ملف طلب منح الترخيص .
نصل في النهاية إلى أن هذه النماذج التي ذكرناها بشأن الترخيص ما هي إلا صور قليلة للتراخيص التي تهدف إلى حماية البيئة و وقايتها من الأضرار التي يصعب تحديد مجالاتها أو تقدير التعويض بشأنها (3) .
(1) المادة 14 من المرسوم 981/339.
(2) المادة 18 من المرسوم 98/339.
(3) أنظر في اطار التراخيص الأخري المنصوص عليها قانونا المواد:24 و26 من القانون 01/ 19 ، والماد 20 و40 من القانون 02/02 ، والماد 24،30 من القانون 03/03 ،والماد 84 ،94،102،118 ،128 ،1314 ،156 من القانون 01/10 وكذا المادة 28 من المرسوم 2000/73 المتعلق بافراز الدخان والغبار في الجو.
المبحث الثاني
الحظر و الإلزام و نظام التقارير
كون أن موضوع حماية البيئة يتعلق في الغالب بحماية الصحة العامة ، فإن قواعده القانونية تأتي في الغالب في شكل قواعد آمرة ، هذه الأخيرة تأتي في أسلوبين ، إما أسلوب الحظر أو الإلزام و يتبنى المشرع أسلوب الإلزام حينما يأمر الأفراد بإتيان سلوك معين توجبه القاعدة القانونية ، أما أسلوب الحظر فالمشرع يتبناه حينما يأمر الأفراد بالابتعاد عن سلوك تحظره القاعدة القانونية ومن خلال دراستنا لنصوص قانون حماية البيئة نجد أن هناك من الإجراءات ما يأتي في شكل أوامر هذه الأخيرة تتخذ صورتين إما الأمر بإلزام أو الأمر بالحظر ، و منها ما يأتي في شكل إلزام بتصريحات أو تقارير .
المطلب الأول
الحظر
يقصد بالحظر الوسيلة التي تلجأ إليها سلطات الضبط الإداري ، تهدف من خلالها منع إتيان بعض التصرفات بسبب الخطورة التي تنجم عن ممارستها كحالة حظر المرور في اتجاه معين أومنع وقوف السيارات في أماكن معينة (1) .
والحظر وسيلة قانونية تقوم الإدارة بتطبيقه عن طريق القرارات الإدارية ، و هذه الأخيرة من الأعمال الانفرادية شأنها شأن الترخيص الإداري تصدرها الإدارة لما لها من امتيازات السلطة العامة.
ولكي يكون أسلوب الحظر قانونيا لابد أن يكون نهائيا و مطلقا و ألا تتعسف الإدارة إلى درجة المساس بحقوق الأفراد و حرياتهم الأساسية و ألا يتحول إلى عمل غير مشروع فيصبح مجرد اعتداء مادي أو عمل من أعمال الغصب كما يسميه رجال القانون الإداري (2) ، و للحظر الإداري صورتان : حظر مطلق و حظر نسبي أو مؤقت .
الحظر المطلق هو الغالب في قوانين حماية البيئة ،حيث ينظم المشرع بعض القوانين التي من خلالهـا
1- د.عمار عوابدي ،مرجع سابق ،ص 407.
2- د. عبد الغاني بسيو ني ،مرجع سابق ،ص384.
يمنع إتيان بعض التصرفات التي لها خطورة كبيرة من شأنها أن تسبب ضررا جسيما للبيئة وللمحيط الطبيعي ، و بالتالي هذا المنع يكون منعا باتا لا ترد عليه أية استثناءات ، و لا يخضع للإجراءات التي يخضع لها الترخيص الإداري (1) .
أما بالنسبة للحظر النسبي فهو حينما ينص المشرع على منع إتيان بعض الأعمال من شأنها الإضرار بالبيئة و في هذه الحالة يكون الحظر مرهونا بشروط و هي ضرورة استفاء إجراءات الترخيص الإداري ، ففي هذه الحالة يربط المشرع إتيان التصرف بشرط الحصول على ترخيص إداري بشأنه.
إذن ما نلاحظه هو أن هناك علاقة وثيقة بين كل من الحظر النسبي و الترخيص الإداري تكمن هذه العلاقة في كونهما أسلوبين قانونيين متكاملين ذلك أن المشرع في الحظر النسبي لا يجعل التصرف مبدئيا محظورا ، لكن هذا الحظر يزول إذا استوفى طلب المعني شروط الترخيص الإداري ،بعدها يمكن له مزاولة نشاطه .
الفرع الأول
الحظر المطلق
إن قواعد قانون حماية البيئة أغلبها عبارة عن قواعد آمرة لا يمكن للأفراد مخالفتها باعتبارها تتصل بالنظام العام ، و الحظر المطلق صورة من صور القواعد الآمرة لا يضع فيه المشرع استثناءات .
و لاشك أن الحظر المطلق هو نصيب محتجز للمشرع لا يمكن للإدارة الخيار فيه و لا يمكنها فتح المجال لسلطاتها التقديرية فيه ، لأنها قواعد آمرة لا يمكن للإدارة مخالفتها .
هذا و برجوعنا إلى قوانين حماية البيئة نجد الكثير من هذه القواعد التي تقيد كل من الإدارة والأشخاص الذين يزاولون نشاطات مضرة بالبيئة ومن ذلك ما نص عنه المشرع الجزائري في بعض المجالات مثل إلقاء النفايات في غير الأماكن التي تحددها السلطات الإدارية المعنية أواستعمال بعض المواد الكيميائية في الصناعات الغذائية التي من شأنها المساس بالصحة العمومية .
و بصدد حديثنا على الحظر المطلق يقضي المشرع الجزائري في قانون حماية البيئة بحظر كل صـب
1- حميدة جميلة ،مرجع سابق ،ص 103.
أو طرح للمياه المستعملة أو رمي للنفايات أيا كانت طبيعتها في المياه المخصصة لإعادة تزويد طبقات المياه الجوفية و في الآبار و الحفر و سراديب جذب المياه التي غير تخصيصها (1) ، والملاحظ من خلال هذا النص أن المشرع احتجز كل سلطاته بشأن الصب الذي يتسبب في الإضرار بالطبيعة طبقا للمادة 51 من قانون حماية البيئة و في الواقع و بقراءتنا للمادة ونصوص القانون لانجد أية إشارة لهذه المواد أو النفايات ،غير أنه يتعين في هذه الحالة الرجوع إلى قانون المياه لتحديد مفهوم المياه المستعملة و إلى القانون 01/19 المتعلق بتسيير النفايات لتحديد قائمة النفايات(2) .
ونص المادة 51 من القانون الجديد 03/10 يقابل نص المادة 48 من قانون 1983، هذا الأخير الذي كان يحمل عبارات عامة ، فقد كان الحظر الوارد في المادة 48 يتعلق بالمواد التي من شأنها المساس بالصحة العامة ، و الصحة العامة لها مفهوم واسع لهذا تجنب المشرع في التعديل الجديد هذا التوسع في المعاني الذي قد يؤدي إلى أضرار و ذلك لعدم دقة المصطلحات ، إذ جاء نص المادة 51 بحظر مطلق لأي صب دون أن يربط بين المواد المفرزة و الصحة العمومية .
و قد أحال المشرع بموجب نص المادة 50 على التنظيم لتحديد شروط منع التدفقات و السيلان والطرح و الترسيب المباشر أو غير المباشر للمياه و المواد .
وفي ظل نص المادة 48 من القانون 83/03 صدرت نصوص تطبيقية تبقى قابلة للتطبيق حاليا إلى حين صدور نصوص تنظيمية جديدة ، و قد صدرت تلك النصوص التطبيقية سنة 1993 سيما منها المرسوم 93/161 الذي نجده يحظر الصب في الوسط الطبيعي لبعض المواد الزيتية، ثم تناول ذكر أنواع هذه المواد و المتمثلة خصوصا فيما يلي :
- زيوت المحركات وزيوت التشحيم و الزيوت السوداء المسماة مازوت التشحيم و زيوت المسقى و الزيوت العازلة ...الخ .
1- المادة 51 من القانون 03/10 .
2- المادة 03 من القانون 01/19.
و ما يلاحظ على هذا المرسوم أنه أشار فقط إلى مادة واحدة وهي الزيـوت في حين أن نـص المادة 50 أشار إلى مصطلح "مواد" بصفة مطلقة ، و بالتالي الزيوت هي جزء فقط من المواد الملوثة للبيئة و عليه وجب علينا الرجوع إلى القانون 01/19 الذي يمكن الإستناد إليه في معرفة قائمة النفايات(1) ، التي نصت عليها المادة 50 في انتظار نصوص تنظيمية لتطبيق القانون 03/10 .
كما نلمس هذا الحظر أيضا في مواد أخرى من المرسوم التنفيذي 93/161 (2) ، حيث يحظر زيادة على الصب في الأوساط الطبيعية ، تفريغ الشحوم الزيتية في شبكات التطهير و إن كانت مجهزة بمحطات التصفية .
وإذا كان القانون الأساسي المتعلق بحماية البيئة لا يتضمن تطبيقات كثيرة في مجال الحظر فإن القوانين الأخرى المكملة له تأخذ في موادها جانبا كبيرا من أسلوب الحظر ، و من ذلك القانون المتعلق بحماية الساحل و تثمينه،الذي نص على أنه يمنع المساس بوضعية الساحل و بكل نشاط على مستوى المناطق المحمية و المواقع الإيكولوجية و كذا كل إقامة لنشاط صناعي جديد أوبناءات أو منشآت أو طرق أو حظائر توقف السيارات على الساحل (3).
و في مجال حماية الفضاءات المشجرة تضمن القانون حظرا مطلقا لكل قطع أو اقتلاع للفصائل النباتية .
أما قانون المناجم فنجده ينص على عدم إمكانية منح الترخيص بأي نشاط منجمي في المواقع المحمية بالقانون والاتفاقيات الدولية ، و يبدو أن المشرع هنا يخاطب الإدارة المختصة بمنح التراخيص المنصوص عليها في المادة 156 .
و بغرض حماية و تثمين الشواطئ نص القانون 03/02 المحدد للقواعد العامة للاستعمال والاستغلال السياحيين للشواطئ على منع كل مستغل للشواطئ القيام بأي عمل يمس بالصحة العمومية أو يتسبب في إفساد نوعية مياه البحر أو إتلاف قيمتها النوعية،و إذا كان القانون الأساسي لحماية البيئة قد أغفل تحديد و تفصيل المواد المضرة بالأوساط المائية فإن المادة 12 مـن
1- المادة 03 من القانون 01/19.
2- المادة 03 من المرسوم 93/161.
3- المادة 09و11 فقرة 2 و15 و30 من القانون 02/02.
القانون 03/02 قد جاءت بحظر مطلق على كل رمي للنفايات المنزلية أو الصناعية أو الفلاحية في الشواطئ أو بمحاذاتها .
ونظرا لما أصبحت تشكله ظاهرة استنـزاف رمال البحر من مساس بالمظهر الجمالي للشواطئ وتقدم لمياه البحر اتجاه البر ، نصت المادة 32 من نفس القانون على أنه يمنع استخراج الرمل و الحصى والحجارة ، و أحالت المادة 50 منه بشأن مخالفة هذا الحظر على نص المادة 40 من القانون 02/02 و التي تعاقب على هذا الفعل بالحبس من 06 أشهر إلى سنتين و بغرامة مالية من 200.000 دج إلى 2000.000 دج مع إمكانية مصادرة الآلات و الأجهزة و المعدات التي استعملت في ارتكاب المخالفات .
و بهدف منع التعامل العشوائي و اللاعقلاني مع النفايات فإنه يمنع على كل منتج للنفايات الخاصة و الخطرة أو الحائز عليها من تسليمها إلى شخص آخر غير مستغل لمنشأة معالجة النفايات أوالمستغل لمنشأة غير مرخص بها (1) .
و قد نصت المادة 08-3 من المرسوم 200/37 المنظم لإفراز الدخان و الغبار و الروائح والجسيمات الصلبة في الجو (2) ، على أنه يحظر استيراد و تصدير المواد المستعملة و كذا المواد المحددة المذكورة في الملحق الأول من المرسوم ، و قد جاء الملحق بقائمة كاملة للمواد مع رقم تعريفتها الجمركية .
كما تضمن تشريع الصحة الجزائري بعض الأحكام لها علاقة بحماية صحة المستهلك و لعل هذا يتماشى مع اعتبار الصحة بمفهومها القانوني مجموعة التدابير الوقائية و الفلاحية و التربوية والاجتماعية التي تستهدف المحافظة على صحة الفرد و الجماعة و تجسيدهما (3) .
و من هذه التدابير هناك بعض منها له علاقة بحماية صحة المستهلك مثل منع المشرع استعمال مواد التغليف و التعليب التي تثبت خطورتها على صحة المستهلك (4) .
1- المادة 19 من القانون 01/19.
2- المرسوم 2000/37 المتعلق بإفراز الدخان والغبار والروائح و الجسيمات الصلبة في الجو،المؤرخ في 01/04/200 (الجريدة الرسمية عدد 18 سنة 2000 ).
3- المادة 01 من القانون 85/05.
4- المادة 36 من القانون 85/05 وكذا المادة 09 من القانون 01/19 .
وهناك العديد من النصوص القانونية الأخرى التي تبنت أسلوب الحظر في مجال الحماية القانونية للبيئة ففي مجال حماية الثروة الغابية يحظر المشرع تفريغ الأوساخ و الردوم في الأملاك الغابية أووضع أو إهمال كل شيء آخر من شأنه أن يتسبب في الحرائق (1) .
من خلال النصوص القانونية التي أشرنا إليها على سبيل المثال أن المشرع الجزائري يستعين بأسلوب الحظر كلما توقع وجود خطر يهدد التوازن البيئي، مقررا بذلك جزاءات على كل إتيان لسلوك مخالف فقد تكون هذه الجزاءات إدارية أو جنائية هذه الأخيرة تتمثل في العقوبات الرادعة المنصوص عنها في قانون العقوبات و القوانين الخاصة بحماية البيئة .
.