هل وقع ابن قدامة والنووي في الشرك؟!
406731
السؤال
أحترم وأحبُّ ابن قدامة والنووي. أعلم أنّ النووي وقع في تأويل الأسماء والصفات، وأشار العلماء إلى خطأه، لكن سمعت مؤخرًا أنّ هناك شركًا أكبر في كتب النووي وابن قدامة، قرأت أيضًا في الويكيبيديا أنّ ابن قدامة روّج للتوسُّل بالنبي بعد وفاته كما يفعل الصوفية، فهل وجد أيّ من كبار علماء الإسلام أيّ شرك من هذا القبيل في كتب النووي وابن قدامة، أم أنّ هذه الأكاذيب لفّقها الناس؛ من أجل تشويه سُمعة هذين الإمامين النبيلين؟
الجواب
الحمد لله.
النووي وابن قدامة رحمهما الله إمامان كبيران، وفقيهان عظيمان من فقهاء الملة، أطبقت الأمة على الثناء عليهما، والإفادة من علمهما، وللنووي رحمه الله كما ذكرت مخالفات في باب الأسماء والصفات، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم: (107645).
لكنهما لم يقعا في شيء من الشرك، وحاشاهما من ذلك.
وما ذكراه من التوسل وحكاية قصة العتبي، فجوابه أن التوسل ليس شركا وإنما هو بدعة، والشرك هو الطلب من الميت، والاستغاثة به؛ وهما لم يقولا ذلك.
على أن ابن قدامة أيضا لم يصرح بالتوسل، وإنما أورد الحكاية بصيغة التضعيف.
قال رحمه الله: "فصل: ويستحب زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم...، ويروى عن العُتبي، قال: كنت جالسا عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاء أعرابي، فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما، وقد جئتك مستغفرا لذنبي، مستشفعا بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابي، فحملتني عيني، فنمت، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم، فقال: يا عتبي، الحق الأعرابي، فبشره أن الله قد غفر له" انتهى من "المغني" (3/ 478).
وأما النووي رحمه الله فقال: " ثم يرجع إلى موقفه الأول، قبال وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويتوسل به في حق نفسه، ويتشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى.
ومن أحسن ما يقول ما حكاه أصحابنا عن العتبي مستحسنين له" وساق الحكاية، انتهى من الإيضاح في مناسك الحج والعمرة، ص454. وينظر: "المجموع شرح المهذب" (8/274).
وحكاية العتبي باطلة لا إسناد لها، وليس فيها استغاثة أو طلب منه صلى الله عليه وسلم، وإنما فيها الاستغفار من الله، والتشفع بنبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا هو التوسل بالذات، أي أن يقول: يا الله أستشفع لك بنبيك أو أتوسل إليك بنبيك، ولم يدل دليل على جواز التوسل بالذوات، فكان بدعة، ولكنه ليس شركا.
وينظر: جواب السؤال رقم: (179363)، ورقم: (316791).
على أننا نقول هنا: إن العلماء الذين لهم لسان صدق في الأمة، قد يجتهد الواحد منهم اجتهادا فيخطئ فيه خطأ مغفورا له، ولا يقضى عليه فيه بالتأثيم، فضلا عن التبديع، فضلا عن التكفير؛ فمثل هذا لا يقدم عليه إلا جاهل أو مجازف.