المقالة 11:
كان غير عادياً لي...
كانت عقارب الساعة تشير إلى الثامنة صباحاً، الجو ممطر و بارد في الخارج... فتحت أنا عيناي للتو و مازلت أحاول استغلال لحظاتي الأخيرة في أحضان وسادتي و لحافي الدافئ...نهضت بمزاج معكر كالعادة و ككل يوم ، "هاه! بسم اللّه ها قد بدأنا مجددا منذ الصباح الباكر، بالصراع مع الأفكار يا للهول اخرسي!"
اغتسلت و توجهت مباشرة للمطبخ لتحضير الشاي، كان المفضل عندي، على غرار معظم الناس الآخرين الذين يفضلون القهوة و يتغنون بحبهم الكبير لها و أن اليوم لا يحلو بدونها، أما انا فكان للشاي ذوقا آخر عندي ، بالإضافة إلى أنني اعتبره وقودا لي للاستيقاظ... فلدي يوم حافل و طويل أخوضه مع نفسي قبل كل شيء، و مع الجامعة و الناس الآخرين...
انتهيت من تحضيره و جلست استمتع به مع قطعة خبز محمص بمربى المشمش، كنت افكر و أتساءل كيف سيكون يومي يا ترى ، انتظرته منذ اسبوع و ها هو قد وصل بسرعة ، "تشجعي لا يهم ما سيحدث بعدها سافعلها عل كل حال!" قلت ذلك بحزم محاولة التركيز على الهدف، لإقناع نفسي قدر المستطاع حتى لا تتنكر لي بعد قليل عندما أخرج و أذهب للجامعة!
ارتديت ملابسي الرياضية المفضلة رغم أنني اعتقدت لوهلة أنها تجعلني ابدو سمينة، إلا أنني لم أكترث! قررت أن ألبس اليوم ما أحبه و أفضله! وضعت ساعتي رغم انزعاجي لوجودها بمعصمي لكني قلت" و اللّه سترتدينها اليوم لا اريد سماع أي شيء بخصوصها"، حملت حقيبتي، مظلتي، و هاتفي ودّعت أمي و أبي و خرجت أتمشى بهدوء على حافة الرصيف، لاتجنب أكبر قدر من الناس و نظراتهم المريبة. أحب المشي صباحاً إلى الجامعة فهو يجعلني مرتاحة بالانشغال لحالي مع أفكاري،
و التعمق معها أكثر من أن أصعد على متن الحافلة، فمحور اهتمامي سيكون ردة فعل الناس و مراقبتي لهم و البدأ بوضع الافتراضات...
وضعت سماعتي و شغلت فيديو تحفيزي، و بدأت بالإستماع لكل كلمة يقولها ، كان بالانجليزية و هذا ما جعلني أعجب به أكثر ، حاولت أن أكون أكثر من مجرد مستمعة لهذا الفيديو فكنت آخذ أفكارا منه و اكتبها في مدونتي الخاصة و أرددها على نفسي محاولة الاقتناع بها و لو قليلا لكن ذلك لم ينفع! ، أكملت ما كنت أفعله لغاية أن وصلت لمدخل الجامعة، نزعت السماعات و بدأت أراقب أن كانت صديقاتي هناك حتى اضع في الحسبان التظاهر بعدم رؤيتهم و تجاهلهم...سمعت صوت احداهن! "نعم إنها هي أستطيع تمييز صوتها جيدا! ، أكملت طريقي دون ادارة ظهري للخلف،" الحمد لله أنهم لم يلاحظوا وجودي كم هن مزعجات و سلبيات ، كل احاديثهن تتمحور حول الشكاوي المملة و المضجرة التي لا تنتهي، ينتابني إحساس أنني في مجلس العجائز و أنا برفقتهن!'
ذهبت إلى قاعة قريبة من قاعة الأساتذة و انشغلت بهاتفي ،و كنت أحاول من حين لآخر أن اصطاد أحد الأساتذة لأقول له "صباح الخير" حتى اتدرب قليلا على المواقف المحرجة و المخيفة بالنسبة لي، و فعلا مرّ أستاذ لي من أمامي و ترددت للحظة في مخاطبته لكني دفعت نفسي على القيام بذلك و ألقيت التحية، انتابني القليل من الخوف و التوتر و نقص الثقة و عدم الراحة فقط بمجرد قولي "صباح الخير" له! " يا إلهي كم أنا مضخمة للأمور!"
نظرت إلى ساعتي كانت تشير إلى التاسعة و أربعين دقيقة، حان وقت محاضرتي... تعمدت النزول متأخرة حتى لا ألتقي باحدى صديقاتي ، و ذلك لأنني قمت بحل معادلة فشل الجميع في إيجاد الاجابة الصحيحة لها، و قالت الأستاذة أنها ستمنح نقطتين اضافيتين في الاختبار لمن قام بحلها، و بالتأكيد لن اعطيها لأحد! دخلت القاعة و نكرت كل من كان أمامي ، حتى أنني غيرت مقعدي تماما حتى لا تتبعني أي من صديقاتي و تجلس معي لتصدعني بهراءها أياً كان موضوعه!
بدأت المحاضرة و لم أستطع التركيز جيدا كما كنت أفعل سابقاً، لأن جل تفكيري كان عن السيناريو الذي سيحدث عندما أذهب للأستاذة أمام الآخرين، و أسلم لها ورقتي لتصححها، و ما ستكون ردة فعلهم و التساؤلات التي سأتلقاها منهم...
بالإضافة إلى موقف آخر رفع مستوى ضغط دمي لأقصاه، و هو أن إحدى صديقاتي كانت تقوم بالإجابة على الأسئلة رغم أن شخصيتها أضعف مني في المواقف المحرجة فهي كانت متوترة و تتكلم بصوت منخفض و غارقة في خوفها و يديها ترتعشان ، لكن ذلك لم يمنعها من المخاطرة من أجل إثبات ذاتها ، بينما فشلت أنا في مواقف أتفه منها انتابتني موجة من الغضب على نفسي و الانزعاج الشديد لسماع صوتها كل مرة بينما أنا أحس أن الكلمات تصل لحلقي لتستقر فجأة هناك و لا تستطيع الخروج حتى أنني أردت البكاء أو الصراخ ، تبعثرت أحاسيسي في تلك الساعة التي حضرتها و انتهت الحصة أخيرا ، كاد قلبي يخرج من مكانه من الغيظة و الغضب من نفسي!
لم أرد أن أتحمل أكثر من هذا، فقمت بحزم اغراضي بسرعة و حاولت نفسي أن تبعث فكرة ما لتعيقني فاوقفتها حتى قبل أن تنطق بها! و ذهبت مباشرة للأستاذة أمام الجميع ، مخاطبة نفسي:
"لا يهمني، لا اكترث، اخرسي!" تعجبت صديقاتي من رؤيتي هناك، و كان باستطاعتي تمييز نظرات الغيرة نحوي بوضوح و التي كانت تخترقني ، و جاءت احداهن و صاحت هل وجدتي الحل ؟؟! "نعم وجدته" توردت خدودي قليلا لكني حاولت التماسك قدر المستطاع ، سلمته للأستاذة أخيراً و خرجت و شعرت بالانتصار ، تابعت صديقتي التحقيق معي و اغرقتني بتساؤلاتها متى و كيف وجدتي الحل و لماذا لم تعطيني إياه و كل أنواع الهراء الذي يخطر ببالها، حافظت على ابتسامتي و اجبتها على كل تساؤلاتها، و ارتسمت على وجهها كل علامات الغيظ و الغيرة و الحسد و الدهشة و انقلب مزاجها تماما لكنني تظاهرت بعدم ملاحظة شيء...
ودعتها و ذهبت للمنزل لاتركها ورائي تتنابز عليّ مع صديقتها ، تحسن مزاجي و ارتفعت معنوياتي حقا!
و بينما أنا أمشي مررت أمام محل بيع البيتزا و كنت أريد حقا أكلها بشدة لكن صديقاتي انصرفن إلى المنزل و كنت وحدي، "ماذا لو ذهبت لاتناولها وحدي هاه؟ شيء عادي"طبعا هذه كانت ذاتي الحقيقية... لتجيب بعدها ذاتي المزيفة:" ماذا؟ تذهبين وحدك! لا يمكنك ذلك ، لا لن تموتي إذا لم تأكليها اليوم انتظري غدا و ستتناولينها مع صديقاتك هيا إلى المنزل ستأكلين هناك" ، لكني لم أكن أشعر بالراحة أردت الذهاب بشدة ليس لأنني جائعة بل لأنني أردت مخالفة أمرها و كسر قيدها حتى ارتاح لأنني أن لم افعل ساقضي بقية اليوم أشعر بالذنب و الضعف! غيرت طريقي و قمت بالالتفاف نحو اليسار لاقصد محل البيتزا! ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهي: " إنه يوم رائع! لا شيء سيعكر صفوه سأفعل ما أريد و ما هو مناسب و فقط!'
دخلت المحل و لم يكن مكتضا بالزبائن، " آه هذا مريح لي" ، جلست في إحدى الطاولات بهدوء و استرخاء و جاء النادل ، تكلمت معه بشكل عادي و طلبت ما أريد و استمتعت بها، و خرجت بسلام
فلم تخطر لي أي فكرة مزعجة خلال ذلك...
وضعت سماعاتي و تابعت المشي بهدوء و تجاهل الشباب المزعجين في طريقي ، كانو يبدون مثيرين للشفقة و هم يحركون أفواههم فلم يكن باستطاعتي سماع كلماتهم و بامكانهم ملاحظة السماعات بوضوح لكن من منهم سيمتنع عن تلك التصرفات إنها تسري في عروقهم!
أوشكت على الوصول إلى المنزل و كنت قد أخذت نقودا إضافية في الصباح الباكر لاشتري بها اغراضا من محل بيع العطور فترددت كالعادة في الذهاب و كنت أفكر بتأجيلها ليوم آخر و أنها ليست حقا بتلك الضرورة... "و اللّه ستذهبين لشراءها لن أجعلك تقومين باغراقي في الإحساس بالذنب عندما أصل للمنزل، هيا امشي لن يعكر شيء هذا اليوم الجميل"
ذهبت للمحل و اشتريت ما أردته و خرجت مرتاحة بانتصار آخر رغم أنه ليس بالشيء الكثير!
دخلت المنزل بمعنويات مرتفعة و أنا استرجع أحداث اليوم بفرحة عارمة..."كان حقا يوما رائعا"
استرخيت في فراشي و أنا اعيد شريط يومي مجدداً فتذكرت صديقتي و بدأت أتخيل ماذا تكلمت عني يا ترى ؟ هل اكتفت ام ليس بعد!
لكن رغم ذلك جعلتني اتورد خجلا " آه تلك المزعجة 😒😑"... "هل نجحت في الإجابة على تساؤلاتها؟"، "هل اكتشفت يا ترى أنني لم أقم بإعطائها الورقة عن قصد ؟"... "أظن أنه كان من الأفضل أن أقول...كذا! أو ربما...كذا!" " الآن سيظنون أنني أدرس صباحاً ومساء و أنا في الحقيقة لا أفتح حتى الكراسي!"... " يا إلهي ماذا لو لم أتغير و حصلت على علامات ضعيفة كعادتي! سيظنني الجميع أنني غبية أدرس طول الوقت و بعدها أحصل على علامات متدنية!" " إنها تحضر كل الدروس و تجلس وحدها هي حقا مصممة هذه المرة"... و عند ظهور النتائج سيموتون من الضحك على علاماتي! 😱"
"أووف لقد انقلب يومي فجأة و بدون أن أشعر!"
"هل ستتجنبني الآن؟ هل ستبخل على مساعدتي إن طلبت منها ؟" "هل ستغير طريقتها في التعامل معي؟" غرقت مجدداً في بحر التساؤلات و مهما حاولت أن اشغل نفسي بمشاهدته الفيديوهات المنوعة إلا أن ذلك الإحساس بقي ينغص علي يومي💔... لم عليه أن يكون يوماً غير عادي في كل مرة ؟ أين أخطأت أنا؟!