السؤال:
قد سألني أحد الزملاء من فترة سؤال وهو هل يصح الأستغناء عن المضمضة والأستنشاق في الوضوء حيث أن الأية القرانية لم تفصل في الأمر وإنما كانت على العموم وهو غسل الوجه ؟
فهل يصح وضوئي ناسيا أو متعمدا أن أكتفي بغسل الوجه فقط دون التمضمض والأستنشاق وهل لي أن أستحممت اليوم ونويت الوضوء غير أني لم أتمضمض أو أستنشق هل يصح ذلك كوضوء ؟ جزاكم الله خيرا
الجواب :
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل ، والصحيح من أقوالهما أنهما واجبتان ، لا يصح الوضوء ولا الغسل إلا بهما ، لأنهما داخلان في غسل الوجه المأمور به في الآية الكريمة .
قال الحجاوي في "الزاد" في "باب فروض الوضوء وصفته" (ص 29) :
" فروضه ستة : غسل الوجه - والفم والأنف منه - وغسل اليدين ومسح الرأس - ومنه الأذنان - وغسل الرجلين ( وأرجلكم إلى الكعبين )
والترتيب والموالاة - وهي أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله – " انتهى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه :
" قوله: « والفم والأنف منه »
أي : من الوجه ؛ لوجودهما فيه فيدخلان في حده ، وعلى هذا فالمضمضة والاستنشاق من فروض الوضوء ، لكنهما غير مستقلين ، فهما يشبهان قوله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم
على الجبهة ، وأشار بيده على أنفه ) ، وإن كانت المشابهة ليست من كل وجه " انتهى .
"الشرح الممتع" (1 /119) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" ثبتت المضمضة والاستنشاق في الوضوء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله ، وهما داخلان في غسل الوجه ، فلا يصح وضوء من تركهما أو ترك واحدا منهما " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (4 /78) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" من غسل وجهه وترك المضمضة والاستنشاق أو أحدهما لم يصح وضوؤه ؛ لأن الفم والأنف من الوجه ، والله تعالى يقول : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ )
فأمر بغسل الوجه كله ، فمن ترك شيئا منه لم يكن ممتثلاً أمر الله تعالى ، والنبي صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق " انتهى .
"الملخص الفقهي" (1 /41) .
وكون الآية لم تفصل بذكر المضمضة والاستنشاق لا يعني عدم الوجوب ؛ لأن السنة مبينة للقرآن ، وقد جاءت السنة بالمضمضة والاستنشاق
ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخلّ بهما أو أحدهما في وضوء ، فكان هذا بيانا للأمر الوارد في القرآن بغسل الوجه في الطهارة .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/83) :
" كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْصِيًا ذَكَرَ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ , وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِمَا ; لِأَنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا وَتَفْصِيلًا لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ " انتهى .
فمن ترك المضمضة أو الاستنشاق في طهارة لم تصح طهارته ، سواء كان عامدا أو ناسيا .
قال المرداوي في "الإنصاف" (1/153) :
" قَوْلُهُ ( وَهُمَا وَاجِبَانِ فِي الطَّهَارَتَيْنِ ) يَعْنِي الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا . وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ , ... وَهَلْ يَسْقُطَانِ سَهْوًا أَمْ لَا ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ...
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : حَيْثُ قِيلَ بِالْوُجُوبِ , فَتَرْكُهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا , وَلَوْ سَهْوًا : لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ .
قَالَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى :
وَلَا يَسْقُطَانِ سَهْوًا عَلَى الْأَشْهَرِ , وَقَدَّمَهُ فِي الصُّغْرَى " انتهى .
وقال علماء اللجنة للإفتاء :
" إذا نسي الإنسان غسل عضو من أعضاء الوضوء أو جزء منه ولو صغيرا :
فإن كان في أثناء الوضوء أو بعده مباشرة ولا زالت آثار الماء على أعضائه لم تجف من الماء - فإنه يغسل ما نسيه من أعضائه وما بعده فقط
أما إن ذكر أنه نسي غسل عضو من أعضاء الوضوء أو جزء منه بعد أن جفت أعضاؤه من الماء ، أو في أثناء الصلاة أو بعد أداء الصلاة -
فإنه يستأنف الوضوء من جديد ، كما شرع الله ويعيد الصلاة كاملة لانتفاء الموالاة في هذه الحالة وطول الفصل ، والله سبحانه أوجب غسل جميع أعضاء الوضوء
فمن ترك جزءا ولو يسيرا من أعضاء الوضوء فكأنما ترك غسله كله ، ويدل لذلك ما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا توضأ فترك موضع الظفر على قدمه ، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة . قال : فرجع فصلى)
أخرجه مسلم (243) وابن ماجه (666) " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (4 /92) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الترتيب في الوضوء واجب ، لذلك إذا توضأ ثم بعد أن خرج من المتوضأ رأى أن مرفقه لم يصله الماء ، فيرجع فيغسله ثم يمسح رأسه ويغسل رجليه ، أما إذا وجد أن رجليه لم تصبها الماء ، فيغسل رجليه فقط ؛ لأن الرجلين آخر الأعضاء في الوضوء .
إذا نسي المضمضة والاستنشاق فيفعلهما ثم يغسل يديه إلى المرافق ويمسح رأسه ويغسل رجليه . إذاً : فهو يعيد العضو الذي حدث فيه الخلل وما بعده
إلا إذا طال الوقت فيعيد الوضوء كاملاً "
انتهى من "الشرح المختصر على بلوغ المرام" (2/73) –
والله أعلم .