لبياسي صاحب الحماسة
573- 653 هـ
أبو الحجاج يوسف بن محمد بن إبراهيم الأنصاري البياسي، أحد فضلاء الأندلس وحفاظها المتقنين؛ كان أديباً بارعاً فاضلاً، مطلعاً على أقسام كلام العرب من النظم والنثر، وراوياً لوقائعها وحروبها وأيامها، كان يحفظ كتاب “الحماسة” تأليف أبي تمام الطائي، والأشعار الستة، وديوان أبي تمام المذكور، وديوان أبي الطيب المتنبي، و”سقط الزند ” ديوان أبي العلاء المعري، إلى غير ذلك من الأشعار من شعراء الجاهلية والإسلام.
تنقل في بلاد الأندلس وطاف بأكثرها. ولما قدم من جزيرة الأندلس إلى مدينة تونس، جمع للأمير أبي زكريا يحيى بن أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص عمر، صاحب إفريقية، كتاباً سماه “الإعلام بالحروب الواقعة في صدر الإسلام ” ابتدأ فيه بمقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وختمه بخروج الوليد بن طريف الشاري على هارون الرشيد ببلاد الجزيرة الفراتية.
له كتاب “الحماسة” في مجلدين، كتبه في أواخر شهر ربيع الآخر سنة خمسين وستمائة، وقال في آخر الكتاب: وكان الفراغ من تأليفه وترتيبه بمدينة تونس، حرسها الله تعالى، في شوال سنة ست وأربعين وستمائة؛ ونقلت من أوله بعد الحمدلة ما مثاله: أما بعد فإني قد كنت في أوان حداثتي وزمان شبيبتي، ذا ولوع بالأدب ومحبة في كلام العرب، ولم أزل متتبعاً لمعانيه، ومفتشاً عن قواعده ومبانيه، إلى أن حصلت لي جملة منه لا يسع الطالب المجتهد جهلها، ولا يصلح بالناظر في هذا العلم إلا أن يكون عنده مثلها، وحملتني المحبة في ذلك العلم والولوع به على أن جمعت مما اخترته واستحسنته من أشعار العرب: جاهليها ومخضرميها وإسلاميها ومولدها، ومن أشعار المحدثين من أهل المشرق والأندلس وغيرهم، ما تحسن به المحاضرة وتجمل عليه المناظرة. ثم إني رأيت أن بقاءها دون أن تدخل تحت قانون يجمعها، وديوان يؤلفها، مؤذن بذهابها ومؤدٍ إلى فسادها، فرأيت أن أضم مختارها وأجمع مستحسنها، تحت أبواب تقيد نافرها وتضم نادرها، ونظرت في ذلك، فلم أجد أقرب تبويبٍ، ولا أحسن ترتيبٍ، مما بوبه ورتبه أبو تمام حبيب بن أوس رحمه الله تعالى في كتابه المعروف بكتاب “الحماسة” وحسن الإقتداء به والتوخي لمذهبه، لتقدمه في هذه الصناعة، وانفراده منها بأوفر حظ وأنفس بضاعة، فاتبعت في ذلك مذهبه ونزعت منزعه، وقرنت الشعر بما يجانسه، ووصلته بما يناسبه ونقحت ذلك، واخترته على قدر استطاعتي، وبلوغ جهدي وطاقتي.
كان مولده يوم الخميس الرابع عشر من شهر ربيع الأول. وتوفي يوم الأحد الرابع من ذي القعدة بمدينة تونس.
والبياسي: بفتح الباء الموحدة والياء المشددة المثناة من تحتها، هذه النسبة إلى بياسة، وهي مدينة كبيرة بالأندلس معدودة في كورة جيان، هكذا قاله ياقوت الحموي في كتابه ” المشترك وضعا “.
المرجع: وفيات الأعيان