كان هنالك اختان .. الكبرى متزوجة من تاجر في المدينة، والصغرى من فلاح في الريف.
ذات يوم جاءت ساكنة المدينة تزور ساكنة الريف، اثنت الكبرى على حياة المدينة،
فردت اختها ساكنة الريف بأن حطت من حياة التاجرة وعظمت حياة الفلاحة وختمت قولها :
صحيح اننا لسنا أغنياء، لكن هناك دائما ما نقتات عليه .. اجابت الكبرى : حياتكم ان تعيشوا مع البقر والحمير ، ولدتم بين الاقذار وسيعيش ابناؤكم ويموتون هكذا .. اجابت الصغرى : حياتنا في الريف اكثر استقرارا خاصة عندما نملك الارض .. وقد يغري الشيطان زوجك بالشراب والقمار .. فاذا انتم مفلسون.
كان باكوم زوج الصغرى قرب المدفأة .. علق قائلا : همنا في الريف ان نملك الارض ، اه لو كان عندي منها ما يكفي .. لما أخافني الشيطان بذاته.
سمع الشيطان كل شيء من خلف المدفأة حيث كان كامنا .. وسَعد ان امرأة الفلاح دفعت زوجها الى تحدي الشيطان . فكر الشيطان وقال :
النزال بيننا نحن الاثنين ، سأعطيك ما تشاء من الارض ، وبهذه الارض ساتغلب عليك .
كان لباكوم الفلاح جارة .. سيدة قصر .. تملك مائتين وخمسين فدانا من الارض .. ارادت بيعها .. لسكان البلدة .. اشترى باكوم خمسة وعشرين فدانا بعد ان باع فرسه وماشيته .. وفرح فرحا جنونيا بهذه الارض .. لكنه بعد مدة بدأ يتشاجر مع الفلاحين ، لدخول دوابهم الى ارضه واكل محاصيله .
باع ارضه ثم ذهب الى منطقة ابعد والارض رخيصة ، واشترى بثمن الارض خمسمائة فدان بمبلغ الف وخمسمائة روبل .. دفع نصف الثمن وقسط الباقي ..
وبقي مدة الى ان جاء تاجر عابر سبيل .. حين اخبره انه اشترى مساحات من الاراضي الخصبة في ارض شعب البشكير بمبلغ زهيد .. وعرض عليه الهجرة الى تلك المنطقة .
باع باكوم ارضه وذهب الى الارض الجديدة .. وكل ما يفكر به المزيد من ملكية الارض .
وصل باكوم الارض الجديدة ، التقى بزعيم القبيلة .. اخبره ان الارض لها سعر واحد .. الف روبل لمسيرة يوم واحد .. فالارض التي تدور حولها في يوم واحد هي ملك لك .. لكن حاذر عليك ان تعود للنقطة التي تبدأ منها .. قبل غياب الشمس وإلا خسرت أموالك.
أستيقظ باكوم صبيحة اليوم التالي باكرا أصحب معه خادمه .. ثم بعث الزعيم معه رجاله ليدقوا الاوتاد .
ستنطلق من هنا ، قال الزعيم ، ضع أموالك في القبعة واترك خادمك يحرسها حتى تعود قبل غياب الشمس .. نزع باكوم معطفه ، شد ازاره وتزود بقليل من الخبز وعلق بوسطه زجاجة ماء .. قرر ان يمشي باتجاه الشرق حيث طلوع الشمس ، مشى مشية معتدلة في البداية .. قطع ما يعادل خمسة اميال ، ثم اتجه للشمال وسار خمسة اميال اخرى .. اخذ العرق يتصبب على وجهه ، تناول زجاجته وشرب ثم غرس وتدا جديدا وانعطف لليسار .. الوقت الظهيرة .. سوف استريح لحظة ، تناول قطعة خبز واكلها واقفا .. رأى تلة جميلة وقال : يجب ان اضمها الى ارضي ، ثم دار حولها وغرس وتدا .. نظر الى المكان الذي ابتدأ منه واحس ان المسافة اصبحت كبيرة .
راح باكوم يركض .. لصق قميصه وسرواله بجلده من شدة العرق .. تشققت قدماه .. اخذ قلبه يهبط ويرتفع وخارت قواه .. لكن التوقف محظور عليه .. لن يبلغ نقطة البداية قبل مغيب الشمس .. جف حلقه ، لم يعد يحس بقدميه .. لم يعد يفكر بالارض .. كل ما يفكر به ان لا يسقط ميتا .. لكنه لم يتوقف عن الركض .. واخيرا شاهد القبعة، انه النصر .. لامست يداه القبعة وهو يسقط .. لكنه تدحرج على الارض .. قال له الزعيم :
لقد ربحت ملكا كبيرا .. ابارك لك .
هرع الخادم ليرفع سيده .. لكن الدم كان يسيل من فمه ، لقد مات باكوم .
جلس الزعيم على الارض ويداه على بطنه وأنفجر ضاحكا .. ثم نهض ، تناول معولا ، رمى به الى الخادم قائلا :
خذ المعول واحفر له حفرة ..
ذهب الجميع وتركوا الخادم مع جثة باكوم .. حفر الخادم حفرة بطول ثلاثة اذرع، ودفن بها باكوم .
وكانت هذه الارض التي احتاجها باكوم..