البحـث العلمـي و مناهجـه
لا علم إلا بالبحث، فالبحث العلمي يتطور اعتمادا على تقديم المنهج و تطويره، و بالتالي فلا علم بغير منهج... و إن المنهج العلمي قوامه الاستقراء الذي يمكن العلم من الوصول إلى وضع القوانين العامة المفسرة للحقائق... و بمعرفة قوانين العلم يمكن للإنسان أن يتخلص من أن الوهم و يتحرر من قيود الخرافة. وأن تطبيق قوانين العلم يمكن الإنسان كذلك من السيطرة على قوى الطبيعة و التحكم أي توجيه ظواهرها خدمة للإنسانية و يصنف " برتراند راسل" تطور التفكير العلمي فيما معناه أو يقول" أن العلم خلال قرون تاريخية القليلة، قد نما نموا داخليا لعله لم يكتمل بعد، و هذا النمو في أوجز عبارة هو الانتقال من التأمل إلى التحكم .
و لتفسير هذه الفكرة لابد من معرفة ماذا نعني بالعلم ؟ و هو يمكن تمييزه عن المعرفة بصفة عامة ؟ و ما المقصود بالبحث؟ و ماهي أنواعه و مستوياته؟ ثم ماذا نعني بالمنهج و كيف نفرق بين منهج البحث و آداة البحث؟ و ماهي خطوات البحث العلمي؟...
على الرغم من أن المشتغلين في علم مناهج البحث قد أختلفوا حول تصميم البحوث و تنظيمها إلا أن هناك فيما بينهم خطوطا عريضة عامة تكاد تكون شبه إتفاق حولها، و من هذا المنطلق يمكن القول إلى أن عملية البحث في مجال العلوم الإنسانية تمر بمراحل ثلاثة رئيسية هي:
المرحلة التحضيرية و المرحلة الميدانية و المرحلة النهائية و كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث تتضمن مجموعة من الخطوات الإجرائية، ففي المرحلة التحضيرية يقوم الباحث بإختبار شكل البحث و صياغتها و تحديد المفاهيم و الفروض العلمية و تحديد نوع الدراسة التي يقوم بها و كذا نوع المنهج المستخدم في البحث و الأدوات اللازمة لجمع البيانات كما يقوم بتحديد مجالات البحث الثلاثة البشري و المعاني و الزمني .
و في المرحلة الميدانية يقدم الباحث بجمع البيانات إما بنفسه أو عن طريق مجموع من الباحثين المبدائيين الذين يستمعان بهم في غالب الأحيان في البحوث الكثيرة، وتتضمن هذه المرحلة مجموع من الخطوات أهمها:
عمل الإتصالات اللازمة بالمبحوثين وتهيئتهم لعملية البحث، وإعداد الباحثين الميدانيين وتدريبهم والإشراف عليهم أثناء جمع البيانات، ثم مراجعة البيانات الميدانية لاستكمال نواحي النقص فيها والتأكد من صحتها ومسجلة بطريقة سليمة.
وفي المرحلة النهائية يقوم الباحث بتصنيف البيانات وتعريفها وجدولتها وتحليلها وتفسيرها، ثم يقوم بكتابة تقرير مفصل يشتمل على كل الخطوات التي مرت بها عملية البحث..
مع العلم أن مراحل البحث وخطواته مترابطة فيما بينها ترابطا وظيفيا بحيث يصعب وضع الحدود والفواصل فيما بينها، ولذا فإن الباحث حينما يصمم بحثه يفكر في كل المراحل والخطوات باعتبارها وحدة متكاملة، إلا أنه يقوم بابراز الخطوات واحدة بعد الأخرى كلما تقدم في دراسته..
وليس ترتيب خطوات البحث واحدا من حيث الأولوية وإنما تقتضي طبيعة كل بحث تقديم أو تأخير بعضها على بعض.
وتعرض فيما يلي هذه الخطوات بشيئ من الإيجاز:
الخطوات المنهجية للبحث الإجتماعي:
إن تحديد الخطوات الرئيسية التي يجب على الباحث الاستناد اليها تستلزم طرح مجموعة من الأسئلة على الباحث نفسه وهي على النحو الآتي :
- ماهو الموضوع الذي يشغلني بالضبط ؟
- لماذا يشغلني هذا الموضوع ؟
- ماهي عناصر هذا المشكل ؟
- هل دراسته هذا الموضوع ضرورة اجتماعية ؟
- هل أن دراسته هذا الموضوع ممكنة أم غير ممكنة ؟
- ماهو نوع الدراسة المطلوبة أو الممكنة ؟
- ماهي الأهداف المتوحاة في هذه الدراسة ؟
- ماهي المتغيرات الأساسية ؟
- ماهي الفرضية المحتملة ؟
- ماهي المعلومات المطلوب توفرها لاختيار الفرضية ؟
- ماهو المنهج الذي يجب أن يعتمد في البحث ؟
- ماهي الأدوات المعتمدة في هذه الأسئلة كانت دقيقة وكافية وصحيحة ؟
إن الأسئلة السالفة تجرنا إلى تقديم جملة من الخطوات الرئيسية وهي كمايلي:
1- إختيار مشكلة البحث وصياغاتها:
تعد هذه الخطوة من أهم خطوات البحث لأنها تؤثر في الخطوات التي تليها .. فمن دون تحديد دقيق لمشكلة البحث يصعب على الباحث تنفيذ بحثه.. إن مشكلة البحث هي جملة من التساؤلات التي يحاول الباحث الإجابة عنها من خلال ماهو متوفر لديه من معارف حولها من جهة، ومن خلال مايحصل عليه من معارف جديدة عنها من جهة أخرى.
ومن الضروري عند اختيار مشكلة البحث تحديد النقاط الرئيسية والفرعية التي تشتمل عليها وصياغتها في مصطلحات واضحة محدودة حتى يسهل وضع تصميم منهجي دقيق لدراستها وبحث الجوانب المختلفة لها.
2-تحديد المفاهيم والفروض العلمية:
بعد أن يحدد الباحث مشكلة الدراسة واطارها العام يلجأ إلى ضبط المفاهيم الرئيسية المرتبطة بموضوع الدراسة وتحديدها بشكل دقيق حتى يمكن إدراك المعاني والأفكار التي يريد الباحث التعبير عنها دون شعور القارئ بالغموض في فهم عناصر الموضوع والمفاهيم الأساسية.
و بعد ذلك ينتقل الباحث إلى وضع القروض التي تعد بمثابة صياغة تخمين معقول أو حل ممكن يطرح نفسه على الباحث، و هذا القرض قد تثبت صحته حيث يتفق مع جميع الحقائق المتوفرة، و قد يكون خاطئا ومن ثم ينبغي اهماله و البحث عن قرض جديد.
3 – تحديد نوع الدراسة أو نمط البحث:
يتحدد نوع الدراسة وفقا لمستوى المعلومات المتوفرة لدى الباحث و كذلك على أساس الهدف المتوفر و ان وضع القروض يرتبط بنوع الدراسة، فالدراسات الإستطلاعية لا تستلزم وضع قروض، بينما الدراسات الوضعية قد تتضمن قروضا إذا كانت المعلومات المتوفرة لدى الباحث تمكنه من ذلك، أما الدراسات التجريبية فإنها تستلزم وضع قروض دقيقة و محددة لاختيارها ميدانيا.
3- تحديد المنهج الملائم للبحث:
إن طبيعة الموضوع هي التي تحدد نوع المنهج، و أن مفهوم المنهج يشير إلى الكيفية التي يتبعها الباحث لدراسة المشكلة موضوع البحث، و هو يجيب على المشكلة لإستفسارها فيه " كيف"؟ ولإجابة تستلزم تحديد نوع المنهج .
و من المناهج المستخرجة في البحوث الإجتماعية ، المنهج الإجتماعي ، المنهج التاريخي، منهج دراسة الحالة، المنهج التجريبي،...إلخ
4- تحديد الإدارة اللازمة للبحث :
إن مفهوم الأداة هو الوسيلة التي يجمع بها الباحث البيانات التي تلزمه و بهذا المعنى فهو يجيب على المشكلة الإستفهامية بمن أو بماذا؟ وبالتالي فإنه يجيب على هذا الإستفهام بتحديد نوع الوسيلة أو الأدوات اللازمة لجمع المعطيات.
و من الوسائل التي يلجأ اليها الباحث الملاحظة على اختلاف أنواعها، الإ ، المقابلة، السجلات، تحليل المضمون إلخ....
و الأدوات تتوقف على نوعية الموضوع و المب
5- تحديد مجالات الدراسة:
و نقصد بهذه الخطوات أن يقوم الباحث بتحديد المجال البشري للدراسة بهذه الخطوة لتجمع البحث و من ثم أخذ عينة عن هذا المجمتع إذا كان ا لأمر يصعب إجراء دراسة شاملة على هذا المجتمع ، أما المجال المعاني فيقصد به تحديد المنطقة أو البيئة التي تجرى فيها الدراسة و التعريف بها..
كما أن تحديد المجال الزمني للدراسة بعد خطوة هاته أو يلي الباحث إلى تحديد الوقت الذي تجمع فيه البيانات..
6- جمع البيانات في الميدان:
و هي خطوة تمكن الباحث من جمع المعطيات بنفسه أو عن طريق من
يجب أن تتوافر لديهم الخبرة و الدراية الكافية بالبحوث الميدانية لأن صحة النتائج و دقتها تتوقف على عملية جمع المعطيات و من يقوم بها.
7- تصنيف البيانات و تعريفها و
بعد مراجعة البيانات يقوم الباحث بتصنيفها في ، معين ينتج للخصائص الرئيسية أن تبدو واضحة و جلية، كما أن عملية التموين و التفريغ تتم في جداول بسيطة أو تركية و بطريقة يدوية أو آلية.
8- تحليل البيانات و تفسيرها:
من الضروري بعد جدولة البيانات يتم تحليلها احصائيا لإعطاء صورة وصفية دقيقة حتى تمكن أن تصمم بها نتائج البحث على المنهج الذي اخذت فيه الهيئة و على غيره من المجتمعات المشبهة . و بعد الإنتهاء من عملية التحليل الإحصائي تأتي مرحلة التفسير للنتائج المحصل عليها حتى عملية اكتشاف العوامل المؤثرة في الظاهرة المدروسة و العلاقة الترابطية بين المتغيرات .
9- كتابة التقرير النهائي:
عن طريق هذه الخطوة يستطيع الباحث نقل ما توصل إليه من نتائج إلى القرار، و تقديم المقترحات والتوصيات التي خرج بها من البحث.
إن كل بحث يسير وفقا لحدود معينة من الوقت و التكاليف، و ينبغي على الباحث وضع الخطوات الخاصة بكل مهلة في برنامج زمن يتضمن توقيت دقيقا لتنفيذ كل منها في المواعيد المحددة . و لضمان هذا الإجراء يمكن إعداد بطاقة أو جدول يتضمن خطوات البحث و يقوم الباحث بملئه أثناء تنفيذ البحث..