رتب كل شيء في حقائبه التي تبدو من زمن والده كانت آثار الغبار عليها
ذلك لأنه لم يسافر سفر مثل هذا السفر من قبل كان سفره الوحيد إلى الدراسة الجامعية
حيث لم يكن وحيدا حينها دائما برفقة جيرانه و أصداقه .
درس كثيرا و عمل كذلك كثيرا في حقل والده الفلاح المتواضع الذي كد و اجتهد ليصل ابنه إلى هذه الدرجة من الثقافة و الأخلاق و التربية و الخجل و الحشمة و الحياء .
عندما يراه والده ينسى كل تعب السنين فقط قلبه يفرح لأنه يتفاخر به دائما بين أصدقائه الفلاحين البسطاء.
لكنه رغم هذا ألح عليه أن يذهب لعناق هواء المدينة يريد أن يتمتع بصخبها يريد أن يحسن أنها هي التجربة التي لم يخضها بعد .
له شغف كتشف الخبايا التي تحت الأضواء يرغب بإضافة لتجربته حياته شيئا مميزا .
يعرف أنها ليست سهلة و أن بها ذئابا بشرية .
لكنه رغم ذلك أصر أن يخوض غمار التجربة بحلوها ومرها .
كذلك له رغبة مكبوتة أن يعطي شبابه وعنفوانه بعض الانطلاق وسط المدية رغم انه يعرف أن هذا ليس من دينه في شيء .
استقل القطار وودع والديه و حقله وحصانه وكل أهل الريف البسطاء .
وصل أخيرا إلى المدينة والتعب يدق أركانه نام مباشرة في شقة قد استأجرها و قلبه ينضب شوقا للمدينة
و الأحلام تراوده بكل ما فيها .
بزغ الصباح ليذهب لأحد الأصدقاء قضى معه كل النهار في التجوال و الفرح و السرور كان سعيدا جدا بهذه التجربة الرائعة .
ولكن شوقه أكثر لليلها الذي يحرك الحيوانية فيه
و أضوائها و ضوضائها و ما تحمله تحت أجنحتها .
قال لصديقة إذا كان نهارها هكذا كيف سيكون ليلها
. ذهبا إلى الشقة في المساء و جلسا يرتشفان القهوة التى تغذي الروح قبل الجسد
أسدل الليل ستاره العجيب استعد له ببذلته الخاصة و عطره المميز
كان شابا وسيما تبدو عليه ملاح التربية و له شعر اسود و عينين بنيتين .
خرجا إلى مكان الذي يريد أن يكتشفه بنفسه إلى المكان الذي كان يريد أن يتحرر من كل شيء فيه الذي يريد أن يشبع غريزته فيه وحسب .
و عند الباب انصرف صديقه لان ظرفا قاهرا قد حل به.
دخل إلى ذلك المكان و اتمم كل بروتوكولات و فتح عينيه على فتاة كان لا يبدو عليها ملاح هذا الليل البهيم .
انفجرت بكاءا و قهرا لم يعرف ماذا يفعل اختلط عليه الأمر طلب منها الخروج قليلا للهواء الطلق و الابتعاد عن هذا المكان لان فطرته قد جزعت .
جلسا على كرسي حديدي كان المطر ينزل بهدوء و لم يكن الجو باردا .
و لكن كان وقت الصلاة الأخيرة الجهرية جلسا و لم يقولا شيء لأنها غريبان عن بعضها .
بصوت شجي يحرك الكيان ويطير بروح إلى عالم آخر غير الذي هما فيه سمعا تراتيل القران من مسجد قريب انطلقت .
انفجرت هي ببكاء هستيري متواااصل غير مقطوع .
اختلطت دموعها بحبات المطر تحت ضوء المدينة التي لا ترحم .
انتظر حتى خرجت من حالتها لتحدثه عن سبب وجودها في ذلك المكان .
بعد أن انتفخت عينها من البكاء ولم تتبقى دمعة واحدة في عينها قالت بكل حسرة أن هذا أول يوم لها في هذا المكان و انك أول شخص أقابله .
انها فتاة جامعية دفعها الفقر لتفعل هذا بعدما مات والدها في حادث و تخلى عنها الجميع وقالت كدت أن أتخلى عن إيماني و عن كل شيء لو لم يبعثك الله إلي.