السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أصل هذا الموضوع ما كتبه الأخ أبو عبد الرحمن علي المالكي في منتديات الإمام الآجري. و كنت شاركت في موضوعه بنقل بعض الأمثال مع قصصها فها أنا ذا أعيد نقل ما وضعته هناك راجيا من الأعضاء الفاضلين المشاركة بما عندهم.
أبدى الصريح عن الرغوة:
هذا المثل لعبيد الله بن زياد، قاله لهانئ بن مروة المراوي، و كان سليم بن عقيل بن أبي طالب قد استخفى عنده أيام بعثه الحسين بن عليّ، فلما بلغ مكانه عبيد الله أرسل لهانئ فسأله فكتمه، فتوعده و خوفه، فقال هانئ حينئذ: فإنّه عندي. عند ذلك قال عبيد الله: أبدى الصريح عن الرغوة.
أَتْبِعْ الفرس لجامها و الناقة زمامها:
قاد ضرار بن عمرو ضبّة إلى الشام، فأغار على كلب بن وبرة، فأصاب فيهم و غنم و سبى، فكانت في السبي الرائعة و هي قينة كانت لعمرو بن ثعلبة، و بنت لها تدعى سلمى. فسار ضرار بالغنائم و السبي إلى أرض نجد.
و لما قدم عمرو بن ثعلبة على قومه، و لم يكن قد شهد غارة ضرار عليهم، قيل له: إنّ ضرار بن عمرو قد أغار على الحي، فأخذ الأموال و سبى الذراري، فطلب عمرو بن ثعلبة ضرارا و بني ضبة فلحقهم قبل أن يصلوا إلى أرض نجد. فقال عمرو بن ثعلبة لضرار: ردّ عليّ مالي و أهلي، فردّ عليه ماله و أهله، ثمّ قال: ردّ عليّ قيناتي، فردّ عليه قينته الرائعة، و حبس ابنتها سلمى، فقال له عمرو: " يا أبا قبيصة، أتبع الفرس لجامها ".
إذا عزّ أخوك فهن:
أغار رجل يسمى هزيل بن هبيرة التغلبي على قبيلة بني ضبة فغنم، ثمّ أقبل بالغنائم على أصحابه، فقالوا اقسمها بيننا الساعة، فقال: " إنّي أخاف إن تشاغلتم باقتسامها أن يدرككم القوم فلا تستطيعوا الهرب."
رفض أصحابه هذا الاقتراح، و صمموا على اقتسام الغنيمة غير مقدرين نصحه، فوقف الرجل حائرا: أيقسم بينهم الغنيمة فيتعرض للشر إذا لحقهم بنو ضبة، أم يخالف أصحابه فيتعرض لغضبهم؟، ثم فضّل الإبقاء على صداقة إخوانه، فلان أمام شدتهم، و نزل فقسم بينهم الغنائم و هو يقول: " إذا عزّ أخوك فهن."
أساء سمعا فأساء جابة:
كان لسهيل بن عمرو ابن مضعوف، فقال له الأخنش بن شريف يوما: أين أَمُّك؟ - يريد: أين تؤم - فظنّه يقول: أين أُمُّك؟ فقال: ذهبت تشتري دقيقا. فقال سهيل: " أساء سمعا فأساء جابة "
أشرى الشرِّ صغارُه:
قدم صياد قرية و معه وعاء مملوء بالعسل، و كلب صيد، فدخل على صاحب دكان و عرض عليه العسل ليشتريه، فقطر من العسل قطرة، فأقبل زنبار عليها، و كان لصاحب الدكان ابن عرس، فوثب ابن عرس على الزنبار فالتهمه، فوثب كلب الصيد على ابن عرس فقتله، فوثب صاحب الدكان على الكلب فضربه بعصاه فقتله.
رأى الصياد ذلك كله، فوثب على الصياد فقتله، و لمّا علم أهل القرية بما حدث لصاحب الدكان اجتمعوا و هجموا على الصياد صاحب الكلب فقتلوه.
و بلغ أهل قرية الصياد ما حدث له و لكلبه، فاجتمعوا و هاجموا أهل قرية صاحب الدكان، و اقتتلوا حتى أفنى بعضهم بعضا. فكان سبب هذا الشر الكبير ذلك الشر الصغير الذي بدأ بنقطة العسل.
أغيرة و جبنا؟:
أغار بعض العرب على بعض، فهبّ المغار عليهم يدفعون أعداءهم، و كان رجل منهم قد قعد في بيته، و لم ينهض للحرب كما نهض الشجعان.
و دارت المعركة حامية و ذلك الرجل لا يتحرك، فغضبت زوجته من موقفه، و أخذت تنظر إلى المقاتلين ثمّ تنظر إليه، فغاظه ذلك منها، فقام إليها فضربها، فصاحت و هي تبكي و تعنّفه: " أغيرة و جبنا؟ "
أي: أتغار عليّ من الناس و من نظري إليهم، و تجبن عن لقاء الأعداء؟، و الغيرة لا تكون إلا للأبيّ الشجاع؟!.
أكثر من الصديق فإنّك على العدوّ قادر:
كان لأبجر بن جابر ولد رغب في الإسلام، فأتى أباه فقال: يا أبت، إني رأيت قوما دخلوا في هذا الدين، ليس لهم مثل قومي، و لا مثل آبائي، فشرفوا، و أحبّ أن تأذن لي فيه.
قال: " يا بني إذا أزمعت على هذا فلا تعجل حتى أقدم معك على عمر فأوصيه بك، و إن كنت لا بدّ فاعلا، فخذ مني ما أقول لك: إياك أن تكون لك همة دون الغاية القصوى، و إياك و السآمة، فإن سئمت قذفتك الرجال خلف أعقابها، و إذا دخلت بلدا، فأكثر من الصديق، فإنّك على العدو قادر."
ألا من يشتري سهرا بنوم:
كان في ملوك حمير ملك اسمه حسّان، اختلفت عليه رعيته لسوء سيرته فمالوا إلى أخيه و زينوا له قتله. و خالفهم في ذلك رجل اسمه ذو رعين، رأى في القتل غدرا و سوء عاقبة، و ندما من القاتل قد ينفّر النوم من عينيه، فلمّا أدرك أنّ عمرا لا يقبل نصحه، و خشي من العواقب كتب بيتين من الشعر في صحيفة، و أودعها عمرا، و رجاه أن يحفظها وديعة حتى يطلبها منه.
فأخذها عمرو و وضعها في خزانته دون أن يقرأ الشعر، ثمّ قتل أخاه الملك و جلس مكانه، و هنا طار نومه و استحال سهرا دائما. فاستشار الأطباء و المنجمين فأخبروه أنّ هذا شأن قاتل أخيه، لا يذوق طعم النوم، و يبقى ليله ساهرا. فغضب ممن أشار عليه بالقتل أو ساعده فيه، و قتلهم جميعا، فلمّا جاء دور ذي رعين، قال له: " أيّها الملك، إنّ لي عندك براءة مما تريد أن تصنعه بي و هو تلك الصحيفة التي أودعتك إياها". فاستدعى خازنه ليحضرها فإذا فيها هذان البيتان:
ألا من يشتري سهرا بنوم
سعيد من يبيت قرير عين
فإمّا حمير غدرت و خانت
فمعذرة الإله لذي رعين
أمرَ مبكياتك لا أمرَ مضحكاتك:
كان لفتاة من العرب عمات و خالات، و كانت تزورهنّ، فإذا زارت خالاتها عاملنها برقة و أضحكنها، و لم ينبهنها إلى خطأ أو عيب فتسرّ لذلك، و إذا زارت عماتها أدبنها و حاسبنها و نبهنها إلى الأخطاء و العيوب، فكانت تألف خالاتها و تحبهنّ، و تنفر من عماتها.
و لمّا رأى أبوها ميلها إلى خالاتها و انصرافها إليهنّ، و نفورها من عماتها و إعراضها عنهنّ، ناقشها في ذلك، فقالت:" إنّ خالاتي يضحكنني، أمّا عماتي فيبكينني " فقال أبوها: " أمر مبكياتك، لا أمر مضحكاتك " أي: اقبلي أمر مبكياتك فإنّه أنفع لك، أمّا أمر مضحكاتك فإنّه إذا سرّك اليوم فسوف يسوؤك غدا.
إنّ العصا قرعت لذي الحلم:
كان عامر بن الظرب العدواني من حكماء العرب، لا تعدل بفهمه فهما، و لا بحكمه حكما، و أطلقت عليه لقب (ذي الحلم).
فلمّا كبر و طعن في السنّ، أنكر من عقله شيئا، فقال لبنيه: " لقد كبرت سني، و عرض لي سهو، فإذا رأيتموني خرجت من كلامي، و أخذت في غيره، فاقرعوا لي المجنّ (الترس) بالعصا."
فكان أولاده يقرعون له العصا كلما خرج من كلامه أو سها، فينتبه.
[معجم الأمثال العربية لمحمود إسماعيل صيني ص: 149-151 ]