طال ما سمعنا عن قصص النجاح التي كانت بدايتها بسيطة لأشخاص نجحوا في تجاوز الصعوبات والثبات عند العقبات واستطاعوا بفضل عزيمتهم وصمودهم أن ينقشوا أسمائهم على لائحة النجاح بأحرف من ذهب وصمود واحدة منهم
صمود فتاة مؤمنة بنفسها واثقة بقدراتها وشامخة في خطواتها لكن عكر صوف هاته المياه النقية ذلك اليوم الذي زعزع كيانها وقلب مجرى حياتها فأنى لها أن تنسى يوم العاصفة الذي غلق لها فيه باب من أبواب الجنة إثرموت أمها
كان عيبها الوحيد والذي لم يكن ذنبها كونها فتاة غير شرعية وبالرغم من هذا استطاعت بفضل زوج أمها أو أبيها إن صح القول تجاوز كلام الناس اللاذع ولسعاتهم الجارحة ونعتهم لها باللقيطة
كانت وأباها يعيشان في بيت مزري الأوضاع يفتقد لأبسط وسائل الحياة ملؤه الحب لكن ابتسامة الوالد الحنون أنارت الظلام الدامس بالمنزل و أصوات ضحكاته عوضتها عن صوت التلفاز الذي لم يكن في وسعها أن تشتريه فكان سندها في حياتها ’غافر زلاتها ’ماسح دمعاتها وبلسم جروحها عمل ليل نهار كي تستطيع أن تلتحق بمدرسة خاصة وفعلا التحقت بها بل وكانت جد متميزة ومجتهدة هذا ما جعل لها أعداء يتربصون خطاها ليوقعوا بها
توالت الايام وراء بعضها وصارت صمود في السابعة عشر من عمرها أين فتح باب معاناة جديد في حياتها فقد تدهورت حالة والدها الصحية وبات لا يبرح الفراش شعرت صمود أن الزمن يعاقبها من جديد كان كابوس تمنت ان ينتهي فوالدها كان الملاذ الوحيد وسندها والسراج الوهاج الذي يضيء دربها أما الآن فابصاره في الفراش وسماع صوت أنينه قطع نفسها وارهقها الى جانب ذلك جدها الذي كان يذلها كلما لمحها ويشبعها كلاما يهز البدن عنها وعن امهاويعتبرها العاصفة الذي حصدتها امها بعدما كانت قد زرعت الريح وللاسف لم يكن أمامها سوى قبر أمها الذي ترتوي اليه لتشكو صدى جروحها وشوك الايام التي فرض عليها ان تعيشها لمن غادرت الحياة تاركة زهرة لم تتفتح بعد
بحر الألم يسد كل الطرق و إذا برفقة سوء تلتمس يدي صمود وتجعلها تغرق في المياه العكرة لتلوث طموحها وتفقدها الإرادة والعزيمة والأشرعة التي كانت تقودها إذ تراجعت علاماتها الدراسية وباتت فتاة لا مبالية عديمة المسؤولية تائهة
في يوم ممطر من أيام الشتاء تأخرت صمود في العودة إلى البيت كان والدها يضيء شمعة نورها طفيف إثرانقطاع الكهرباء بسبب العاصفة منتظر عودة ابنته وكلما عصف البرق أضاء ذلك المنزل الذي آل إلى بيت موحش مليء بالحزن والتعاسة لم يتمالك والد صمود نفسه وأحس بوجع في صدره وخوف من مكروه قد يصيب ابنته استجمع قواه وعزم على الخروج للبحث عنها فارتدى معطفا رثا وانطلق يبحث عن ابنته .كان المطر يهطل بغزارة ولم يتوقف صوت الرعد ولا وهج البرق فاتجه نحو المدرسة لكنهم اخبروه أنها لم تأتي اليوم .ضاق قلب الأب المسكين وراح يبحث عنها في كل مكان وأخيرا وجدها وافقه على حافة الوادي نعم كانت صمود تفكر في الإنتحار وما كادت أن تخطو رجلها خارج الحافة حتى أمسك بها والدها وضمها قائلا بصوت عال:هل أنت مجنونة ؟ما الذي تحاولين فعله بتهورك؟ هل هذا ما تريدينه فعلا أن تتخلي عن كل شيء هل سوف تهربين؟ماذا عن كل ما علمتك إياه، أين هي صمود ابنتي القوية أين؟...
لم يكد ينهي كلامه حتى خارت قواه ، تحرك شيء داخل صمود وأخيرا عادت لتسمع صوت رقص قطرات المطر على أنغام الرعد أعانت والدها وعادا إلى المنزل واهتمت به وفي الصباح فتح عينيه فوجدها نائمة على صدره الحنون ففتحت عيناها وقالت: أبي هل أنت بخير هل تشكو من شيء هل احضر الطبيب؟ أجاب الأب:لم تسأليني عن صحتي منذ أشهر سعيد لأنك عدتي لرشدك و الآن أترين تلك العلبة أعلى الخزانة ؟ فلتحضريها لي"
صمود:"حاضرة"فتح والد صمود العلبة وكان في داخلها ظرف مغلق بدت لصمود وكأنها رسالة .
الأب:خذي إنها لكي هاته الرسالة كتبتها والدتك خصيصا لكِ فلتقرئيها بتمعن...
كانت يدا صمود ترتجف عندما حاولت إمساك الظرف الذي كان مكتوبا على غلافه " إلى رائدة فضاء المستقبل" ،ترددت الفتاة في فتح الظرف وتراكمت الأفكار في عقلها وإذا بيد أبيها الحنونة تلامس يدها ثم ردد قائلا:هيا افتحي الظرف واقرئي مضمون الرسالة
ابتسمت صمود وفتحت الظرف وكان محتوى الرسالة :ابنتي الغالية نور عيني وروحي الحاضرة في غيابي أتذكرين الوعد الذي قطعته عليك بأني سأكون إلى جانبك يوم دخولك الجامعة ويوم تحققين حلمك يبدو إنني لم أتمكن من ذلك هذه مشيئة القدر ولا اعتراض على قضاء الله ،عزيزتي أعلم انكي ستواجهين الكثير من العقبات في طريقك وتتحملين أخطائي التي ارتكبتها في الماضي والتي ندمت عليها طول ما قدر لي ربي أن أعيش. الحياة ستكون ظالمة تجاهك وقاسية معك ولكن سيدفعك إلى الاستمرار الحب الذي يكنه والدك لك انه أقصى ما استطعت أن أقدمه لابنتي طالما حلمت أن أراكي وأنتي تذهلين العالم بذكائك و تفوقك أنا واثقة بأنك ستصلين إلى ذلك القدر من التميز و الإبداع فأنتي تمتلكين مالا يمتلكه أحد آخر الموهبة وانأ واثقة انكي لن تخيبي ظن أمك بكي سأشتاق اليكي جليا ..
أمك التي تحبك .
انهمرت الدموع من عيني صمود كالمطر وأخذت تقبل الرسالة ثم مسح والدها الدمع من جفونها ...
بعدها عادت صمود لمزاولة دراستها و إكمال حياتها من النقطة التي توقفت عندها وتوالت سنوات التميز والتفوق والنجاح وقد تحصلت على أعلى معدل بالبكالوريا
كانت ثمرة نجاحها قد أثارت صدى في جميع أنحاء الوطن وقد أظهرت عبقرية فده في إجاباتها حيث اعترف بها جميع المصححون بعدها قدمت طلبا للرئيس حتى يسمح لها بالحصول على منحة لدراسة الفلك في جامعة أمريكية
انتظرت و انتظرت دون جدوى كل رسالاتها ضربت عرض الحائط لكنها لم تيأس وكانت مؤمنة بأنها ستنجح و وضعت ثقتها بربها الذي أنقذ يونس من بطن الحوت واخرج إبراهيم من النار سالما وساعد محمد على نشر الدعوة كفيل بإيصالها إلى مرادها وقررت أن تغير طريقتها في محاولة الوصول إلى هدفها
ففتحت مخبرها الخاص وأخذت تتعلم المبادئ و الأساسيات وذات مرة جاء صحفي أمريكي لمدينتهم وبالصدفة أخد صورا لمختبرها ووضعها في مجلة لاقت إعجابا شديدا بل أعجب رئيس وكالة النازا بعملها المتقن واستدعاها للعمل معه..
طبعا فرصة من ذهب ولن يضيعها إلا المغفل لكنها رفضت أرادت أن تفيد بلدها حتى ولو أن هناك مسؤولين ينهبون خيراتها وآخرون يستغلونها وكانت تدرك أن هذه الطريقة هي الوحيدة لتفيد بها أمتها وإعلاء كلمة اسلامها بل عزمت خلال ذلك بأن تجعل أكبر عدد ممكن من الأجانب أن يسلموا وعاشت بعد ذلك حياة مليئة بالانجازات وتعلمت انه دائما هناك خيط ولو كان رقيقا يربطنا بالمستقبل فقط علينا التمسك به بقوة فمهما طال الظلام لابد للشمس أن تشرق فقد قال تعالى:"فإن مع العسر يسرا, إن مع العسر يسرا"صدق الله العظيم