بدأ شبح العنوسة يزحف تدريجيا على فئات واسعة من الجزائريات وأصبحت ظاهرةً أكدتها الدراسات والإحصائيات، حيث إن عدد العازبات على المستوى الوطني يبلغ حاولي 11 مليون عازبة من بينهن 5 ملايين فوق سن الـ35 سنة، وهو رقم مرتفع جدا بالنظر إلى عدد سكان الجزائر البالغ 35,7 مليون نسمة .
تشير الدراسات التي قام بها المعهد الوطني للإحصاء إلى وجود ارتفاع مهول في العنوسة لدى النساء الجزائريات بسبب عزوف الشباب المتواصل عن الزواج نتيجة تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد وهذه الأرقام الكبيرة جعلت البعض يطلق عليها ''دولة العوانس''؛ فعدد العوانس في الجزائر، وحسب الإحصائيات الرسمية يفوق عدد د سكان ليبيا، ويفوق أيضا عدد 5 دول خليجية مجتمعة.
ترفض فئة عريضة من المجتمع الجزائري منح حق الاختلاف بأن يعيش الإنسان حياة العزوبية حرا على سجيته، ويظل الأمر مرفوضا لديها، وتعتبر المرأة التي لم تدخل بعد مؤسسة الزواج منبوذة كأنها اختارت بإرادتها ألا تتزوج، رغم أنها ترفض داخليا الوضعية التي تعيشها.
قطار الزواج
تقول فتحية "41 عاما" أنها لم تجد وسيلة للهروب من واقع التفكير في مستقبل تكوين الأسرة المفقودة، وتعويض نقص الشعور بالأمومة، إلا افتتاح حضانة أطفال في منزلها تمضي بها وقت فراغها، وتحقق لها شيئا من إحساس الأمومة الذي حلمت به دائما، وفتحية التي فقدت الأمل في تحقق زواجها، وبخاصة بعد آخر خطيب تقدم لها الذي لم يكن كفؤا لها، فـ"هو لا يعمل وثقافته ضعيفة جدا كما أنه لم ينه تعليمه الابتدائي.
وأكثر ما يضايق فتحية هو نظرة الآخرين، إذ تقول "أرى الشفقة في أعينهم، وأسمع همسات صديقاتي السلبية"، مشيرة إلى أنهن يصفنها بين بعضهن بـ"العانس". وتتابع "كأنهن لا يعرفن بأني لم أختر أن أكون عانسا باختياري، بل كان قدري".
وليس بعيدا عن مأساة فتحية تقف حكاية منى "37 عاما" التي تسببت في عنوستها بنفسها من خلال رفضها للخاطبين حين كانت في سن الـ25، وتقول "رفضتهم من أجل إكمال دراستي الجامعية"، مشيرة إلى أنها تشعر بالندم وتعتبر الدراسة سبب توقف حياتها، مضيفة "رفضت كل من تقدم لخطبتي وكان لدي مبررات، ولكن هدفي الرئيس كان إكمال دراستي فقد كنت أظن بأن الزواج لن يطير وسأجد من يتزوجني بعد انتهاء دراستي، وأن الزواج سيشغلني عن الدراسة، بينما أخذت السنوات تمضي وأكملت دراستي وبقيت في المنزل بدون وظيفة، ولم يطرق بابي أحد طالبا يدي".
وفي اتصال لـ"الشاهد"مع الشيخ شمس الدين بوروبي مؤسس جمعية تزويج الشباب سنوات التسعينيات التي تم إغلاقها -حسبه- من طرف السلطة فإن نسبة العنوسة في الجزائر مرتفعة بشكل كبير وأرجعها إلى عدة عوامل أهمها عوامل سياسية، حيث إن الحكومات العربية عملت على محاربة النمو الديمغرافي، حيث تمت -حسبه- على أعلى مستويات، كما أن الدولة لم تول أهمية لمشكل العنوسة وانشغلت بمشاكل أخرى، إلى جانب الأسباب الاجتماعية التي تعد السبب الرئيس وراء ارتفاع هذه الظاهرة كالبطالة ومشكل السكن التي يعاني منها أغلب الشباب. كما أشار محدثنا إلى نقطة رئيسة وهي أن نسبة الفتيات اللواتي يمتن دون أن يتزوجن هي 3 ملايين وهو رقم مرشح للارتفاع.
إلى جانب أسباب أخرى منها الخوف من تحمل المسؤولية، النظر إلى الزواج على أنه التزام وتقييد لحريتهم، وكذلك ارتفاع تكاليف الزواج، كما أن الشاب إذا بلغ 35 سنة ﻻ يتزوج بمن تماثله سنا ولكنه يتجه إلى الصغيرة، ومادام عدد العوانس الﻼئي يفوق سنهن الــ35 يبلغ خمسة مﻼيين، فهؤﻻء اللواتي كان يتقدم إليهن الرجال من فئة اﻷرامل ومعددي الزواج، فقدن هذا الحظ بسبب الفائض في النساء، حيث أصبح اﻷرمل والمعدد يبحثان عن الصغيرة أيضا.