السلام عليكم
المبحث الأول: ماهية العقد.
لقد وضع الفقهاء و الشراح موسوعات عديدة تناولت تفسير و شرح هذا النظام المحكم الذي يعرف باسم "العقد" لما له من أهمية في خلق معادلة متوازنة بين أطرافه على اعتباره الضابط الرئيس لأسس المعاملات التي تجري في مختلف الميادين، و سنحاول قدر الإمكان تسليط الضوء عليه من خلال إعطاء مفهوم له و كذا أسسه و أركانه.
المطلب الأول: مفهوم العقد.
من الناحية النظرية، وقبل إعطاء مفهوم للعقد لابد من معرفة معنى الالتزام، فيعرف بأنه "سلطة لشخص على آخر محلها عمل أو الامتناع عن عمل ذي قيمة مالية أو أدبية، بمقتضاها يلتزم شخص نحو شخص آخر موجود أو سيوجد.
و تتبلور هذه السلطة في شكل عقد يبرمه الدائن و المدين فيصبح الطرفان متعاقدان و العقد شريعتهما.
الفرع الأول: تعريف العقد.
تطلق تسمية العقد في اللغة على الجمع بين أطراف الشيء وربطها، وضده الحل، وتستعمل أيضاً بمعنى إحكام الشيء وتقويته. ومن معنى الربط الحسي بين طرفي الحبل أخذت الكلمة للربط المعنوي للكلام أو بين الكلامين، ومن معنى الإحكام والتقوية الحسيّة للشيء أُخذت اللفظة وأُريد بها العهد، ولذا صار العقد بمعنى العهد الموثّق، والضمان، وكل ما يُنشئ التزاما.وعلى ذلك يكون عقداً في اللغة، كل ما يفيد الالتزام بشيء عملاً كان أو تركاً، من جانبٍ واحد أو من جانبين، بما يتصل بمعنى الربط والتوثيق[2] (والعقد اصطلاحا هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث أثر قانوني[3] (سواء كان هذا الأثر هو إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهاءه. و عرّفه المشرع الجزائري في المادة 54 من القانون المدني بقوله "العقد اتفاق يلتزم بموجبه شخص، أو عدة أشخاص نحو شخص أو عدة أشخاص آخرين، بمنح، أو فعل، أو عدم فعل شيء ما"، من هذا التعريف، يتضح لنا بأن القانون المدنـي الجزائري قد سار مسار القانـون المدني الفرنسي في تعريف العقد بترجمة حرفية لنص المادة 1101، حيث جمع بين تعريف العقد والالتزام.
الفرع الثاني: مجال العقد و نطاقه.
يتحدد مجال العقد بالاتفاقات المنشئة للالتزامات بين أشخاص القانون الخاص، فتخرج من مجاله الاتفاقات المتعلقة بفروع القانون العام كالمعاهدة وهي اتفاق بين دولة ودولة أخرى وتحكمها قواعد القانون الدولي، والنيابة البرلمانية وهي اتفاق بين النائب وناخبيه وتحكمها قواعد القانون الدستوري، والوظيفة وهي اتفاق بين الحكومة والموظف وتحكمها قواعد القانون الإداري.
غير أنه حتى في مجال القانون الخاص تقتصر منطقة العقد على الاتفاقات المتعلقة بالذمة المالية، فنستبعد من مجاله الاتفاقات المتعلقة بروابط الأحوال الشخصية كالزواج، لأن الزواج ولو أنه، اتفاق بين الزوجين، إلاّ أن القانون وحده هو الذي يحدد آثاره، ولذا لا يعتبر عقداً بالمعنى الصحيح[4]
الفرع الثالث: مبدأ سلطان الإرادة.
إذا كان العقد، عبارة عن توافق أو اتفاق يقوم بين شخصين أو أكثر فهذا يعني أن إرادة أطراف العقد هي صاحبة السلطان الأكبر في تكوين العقد وفي تحديد الآثار التي تترتب عليه، لكن إلى أي مدى تعتبر هذه المقدمة صحيحة ؟
يذهب أنصار مبدأ سلطان الإرادة، إلى أن الإرادة الحرة الواعية هي أساس كل اتفاق، فهي العنصر الجوهري في تكوين العقد، وهي العنصر الجوهري في تحديد الآثار التي تترتب عليه كيفما يريد أطـراف العقد، مادامت هذه الإرادة لم تخرج في ذلك عن أوامر القانون ونواهيه. و أساس ذلك يرجع إلى منطلق أصحاب مبدأ سلطان الإرادة. و الذين يرون أن النظام الاجتماعي لا يقوم إلا على أساس الفرد ومدى حريته في إبرام التصرفات القانونية وتحديد مضمونها و بالتالي لابد أن يستمر الجميع لخدمة هذا الفرد فالفرد هو غاية القانون وهو الذي يجب حمايته لا العكس. و يترتب على هذا الاتجاه المبدآن الآتيان:
المبدأ الأول: أن كل الالتزامات، بل جميع النظم القانونية ترجع في مصدرها إلى الإرادة الحرة دون حاجة لأي إجراء أو شكل خاص يفرضه القانون وهذا عكس ما كان عليـه الحال في القانون الروماني، الذي كان يشترط لينتج التعبير عن الإرادة أثره القانوني أن ينصب في قالب معين من الأشكال والألفاظ التي يحـددها القانـون وإلا كان التصـرف القانوني باطلا بطلانا مطلقا .
المبدأ الثاني: إن الإرادة وحدها التي تحـدد جميع الآثار التي تترتب على كافة العلاقات والروابط القانونية التي تنشأ بين الأفراد. إلا أن هذا المبدأ سرعان ما بدأ يختفي بَريقه أمـام التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي أصابت المجتمعات والتي أدت إلى ظهور المذاهب الاشتراكية والتي تنظر إلى العقد كنظرتها إلى أي نظـام اجتماعي غايته تحقيق التضامن الاجتماعي وتوجيه الإرادة إلى تحقيق ذلك، فغاية القانون ليست حمايـة الفرد، وإنما حماية المجموعة، وحماية الفرد تأتي من خـلال حماية المجموعة ويترتب على ذلك، أن الإرادة وان كانت تلعب دورا في إبرام التصرفات القانونية و تحديد آثارها، إلا أنها ليست كل شيء. و لو أمعنا النظر في جميع الروابط والعلاقات القانونية، لوجدنا صحة ما ذهبت إليه بعض المذاهب في تحديد الإرادة في إنشاء وتحديد آثار الروابط والاتفاقات القانونية في علاقات القانون العام و هي المصلحة العامة وليست مصلحـة الفرد بنفسه،ومن ثم يستقل القانون في تنظيمها دون تدخل الإرادة
أما في نطاق علاقات القانون الخاص، فان سلطان الإرادة يكون له دور كبير في تكوين عقد الزواج، إلا أن هذا السلطان لا يرتقي إلى تحديد الآثار القانونية التي تترتب على عقد الزواج، ويستقل القانون في ذلك ابتغاء حماية المصلحة العامة.
وفي مجال العلاقات المالية، نفرق بين الحقوق الشخصية والحقوق العينية فالإرادة في مجال الحقوق الشخصية يكون لها الدور الأساسي والجوهري في تكوينها وتحديد آثارها بل تعتبر الإرادة المصدر الأساسي لها، أما في مجال الحقوق العينية وان كانت الإرادة مصدرها في معظمها، إلا أن القانون هو الذي يحدد الآثار التي تترتب عليها، بالإضافة إلى ذلك، فان الإرادة لا تستطيع وحدها إنشاء الحقوق العينية والتي لم يذكرها القانون، فالحقوق العينية وردت على سبيل الحصر لا على سبيل المثال.
و الإرادة تتقيد كذلك في نطاق الالتزامات التعاقدية -على الرغم من حريتها الواسعة- بالقيود الناشئة عن فكرة النظام العام والآداب العامة، فأي اتفاق يخالف النظام العام أو الآداب العامة يعتبر باطلا بطلانا مطلقا. و الإرادة كذلك تتقيد بالأشكال التي يحددها القانون لبعض التصرفات القانونية كعقد البيـع وعقد الهبة والرهن الرسمي وبالأشكال التي يحددها أطراف العقد.
هكذا نرى أن دور الإرادة في القوانين المعاصرة،لم يعد كما كان يذهب إليه أنصار مبدأ سلطان الإرادة، فلم تعد هي صاحبة السلطان الأكبر لا في مجال تكوين العقد ولا في مجال تحديد آثاره
ﻨﺘﺎﺌﺞ ﺘﻁﺒﻴﻕ ﻤﺒﺩﺃ ﺴﻠﻁﺎﻥ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ
ﺘﺘﺭﺘﺏ ﻋﻠﻰ ﺘﻁﺒﻴﻕ ﻤﺒﺩﺃ ﺴﻠﻁﺎﻥ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻨﺘﻴﺠﺘﺎﻥ ﻫﺎﻤﺘﺎﻥ:
١- ﺤﺭﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺩ : ﻓﺎﻻﻓﺭﺍﺩ ﺍﺤﺭﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻥ ﻴﻨﺸﺌﻭﺍ ﻤﺎ ﺸﺎﺀﻭﺍ ﻤﻥ ﺍﻨﻭﺍﻉ ﺍﻟﻌﻘﻭﺩ ﻭﺍﻥ
ﻴﻀﻤﻨﻭﻫﺎ ﺍﻟﺸﺭﻭﻁ ﺍﻟﺘﻲ ﻴﺭﺘﻀﻭﻨﻬﺎ ﻓﻼ ﻴﺠﻭﺯ ﻟﻠﻘﺎﻨﻭﻥ ﺍﻥ ﻴﻔﺭﺽ ﻗﻴﻭﺩﺍ ﻋﻠﻰ ﺤﺭﻴﺔ
ﺍﻟﺘﻌﺎﻗﺩ ﺍﻻ ﺍﺴﺘﺜﻨﺎﺀ ﻟﺤﻤﺎﻴﺔ ﺍﻟﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﺍﻻﺩﺍﺏ.
٢- ﺍﺤﺘﺭﺍﻡ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺘﻌﺎﻗﺩﻴﺔ:ﻓﻤﺎ ﺍﺘﻔﻕ ﻋﻠﻴﻪ ﻁﺭﻓﺎﻥ ﻴﺠﺏ ﺍﻥ ﻴﻨﻔﺫ ﻜﻤﺎ ﻫﻭ ﻭﺒﺎﻟﺼﻭﺭﺓ
ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺭﺍﺩﻫﺎ ﻓﻼ ﻴﺠﻭﺯ ﺍﻥ ﻴﻌﺩل ﻭ ﻴﻭﻗﻑ ﺘﻨﻔﻴﺫ ﺍﻻﻟﺘﺯﺍﻡ ﺍﻻ ﺒﺎﺘﻔﺎﻕ ﺠﺩﻴﺩ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻁﺭﻓﻴﻥ ﻓﻼ
ﻴﺠﻭﺯ ﻟﻠﻘﺎﻨﻭﻥ ﻭﻻ ﻟﻠﻘﺎﻀﻲ ﺍﻥ ﻴﺘﺩﺨﻼ ﻓﻲ ﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﻘﺩ ﺒﺎﻟﺘﻌﺩﻴل ﺍﻭ ﺒﺎﻴﻘﺎﻑ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺫ ﻭﻫﻜﺫﺍ
ﻓﺎﻥ ﻤﺒﺩﺃ ﺴﻠﻁﺎﻥ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ ﻴﺴﻴﻁﺭ ﻋﻠﻰ ﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﻘﺩ ﻤﻨﺫ ﺘﻜﻭﻴﻨﻪ ﺤﺘﻰ ﺘﻨﻔﻴﺫﻩ.
ملاحظة : منقول اطلب منك الدعاء لصاخبهوالسلام