|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2021-01-09, 05:07 | رقم المشاركة : 166 | ||||
|
اخوة الاسلام
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ التوكل: هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المنافع ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة والاعتقاد بأنه لا يعطى ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه سبحانه وتعالى. قال سعيد بن جبير: " التوكل جماع الإيمان " قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 22] فهو حال المؤمن في جميع الأحوال والأحيان. • ففي مقام العبادة: قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 123]. • وفي مقام الدعوة: قال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129]. • وفي مقام الرزق قال الله: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]. • وفي مقام الحكم والقضاء قال الله: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10]. • وفي مقام الجهاد: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 159]. • وفي مقام الهجرة والسفر: ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 41، 42] • وفي مقام العهود والمواثيق: ﴿ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ [يوسف: 66]. • وفي كل ما يقوله الإنسان ويفعله ويعزم عليه يتوكل فيه عليه: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159] وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3] قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لو أنَّكم كنتُم توَكلونَ علَى اللهِ حقَّ توَكلِه لرزقتُم كما يرزقُ الطَّيرُ تغدو خماصًا وتروحُ بطانًا أخرجه الترمذي (2344) واللفظ له حَثَّ الشَّرعُ على التوكُّلِ على اللهِ تعالى والأخْذِ بالأسبابِ وأنْ يكونَ المسلِمُ مُستعينًا باللهِ تعالى معترِفًا بأنَّ الله بيدِه كلُّ شيءٍ، وأنَّه هو الَّذي يقدِّرُ الأشياءَ. وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم : "لو أنَّكم كُنتم تَوَكَّلون على اللهِ حقَّ توكُّلِه" أي: لو حقَّقتُم معنى التَّوكُّلِ على اللهِ واعتمَدتُم عليه بصِدقٍ، وأخَذتُم بما تيَسَّر لكم مِن أسبابٍ، وعَلِمتم أنَّ اللهَ بيَدِه العطاءُ والمنعُ وأنَّ تَكَسُّبَكم وسعيَكم مِن أسبابِ اللهِ وليسَت قوَّتُكم هي الرَّازِقةَ لكم، "لَرُزِقتُم" أي: لرزَقَكم اللهُ ويسَّر لكم الأسبابَ، "كما يرزُقُ الطَّيرَ" أي: كما يَأتي بالرِّزقِ إلى الطَّيرِ عندما "تَغدو" أي: تذهَبُ بُكرةً في أوَّلِ نَهارِها، "خِماصًا" أي: جِياعًا وبطونُها فارِغةٌ، "وتروحُ" أي: وتأتي في آخِرِ النَّهارِ إلى بَياتِها "بِطانًا" أي: وقد مُلِئَتْ بُطونُها بالطَّعامِ وهذا نوعٌ مِن أنواعِ الأسبابِ في السَّعيِ لطلَبِ الرِّزقِ دون التَّواكُلِ والتَّكاسُلِ، والجلوسِ والزُّهدِ الكاذِبِ في الدُّنيا لكنْ يَنبَغي على العبدِ الأخذُ بأسبابِ الرِّزقِ مع اليَقينِ في اللهِ وعدَمِ الانشغالِ بالدُّنيا عن الآخرَةِ. https://dorar.net/hadith/sharh/35570 الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله ثم على العبد أن يتوسط في أمره بين الأمرين : فلا هو بالذي يهمل الأسباب مطلقاً ولا هو بالذي يتعلَّق قلبه بها ، إنما يتوسل بها كما يتوسل الناس ، في عاداتهم ، وأمور حياتهم ثم لا يتعلق قلبه بالسبب بل بالخالق جل جلاله ، مالك الملك ، ومدبر الأمر كله . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " الِالْتِفَاتَ إلَى السَّبَبِ : هُوَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَيْهِ وَرَجَاؤُهُ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ ، وَلَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا يَسْتَحِقُّ هَذَا ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَقِلًّا وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ شُرَكَاءَ وَأَضْدَادٍ ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ : فَإِنْ لَمْ يُسَخِّرْهُ مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ ، لَمْ يُسَخَّرْ " . انتهى من "مجموع الفتاوى" (8/169) . فالتوكل يجمع شيئين : أحدهما : الاعتماد على الله والإيمان بأنه مسبب الأسباب وأن قَدَره نافذ ، وأنه قَدَّر الأمور وأحصاها وكتبها سبحانه وتعالى . الشيء الثاني : تعاطي الأسباب فليس من التوكل تعطيل الأسباب بل من التوكل الأخذ بالأسباب ، والعمل بالأسباب ومن عَطَّلها فقد خالف شرع الله وقَدَرَه فالله أمر بالأسباب وحث عليها سبحانه وتعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك . فلا يجوز للمؤمن أن يعطل الأسباب بل لا يكون متوكلاً على الحقيقة إلا بتعاطي الأسباب ولهذا شُرِعَ النكاح لحصول الولد ، وأمر بالجماع فلو قال أحد من الناس : أنا لا أتزوج وأنتظر ولداً من دون زواج ، لعُد من المجانين فليس هذا أمر العقلاء وكذلك لا يجلس في البيت أو في المسجد يتحرى الصدقات ويتحرى الأرزاق تأتيه ، بل يجب عليه أن يسعى ويعمل ويجتهد في طلب الرزق الحلال . سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى نور على الدرب" (1/364) . اخوة الاسلام و لنا عودة ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء من اجل استكمال الموضوع
|
||||
2021-01-10, 04:56 | رقم المشاركة : 167 | |||
|
اخوة الاسلام
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ترك الأخذ بالأسباب بحجة التوكل على الله هذا الأمر مما عمت به البلوى واشتدت به المحنة ، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الأمة . فأمة الإسلام مرت بأزمات كثيرة وفترات عسيرة ، وكانت تخرج منها بالتفكير المستنير والنظرة الثاقبة ، والتصور الصحيح فتبحث في الأسباب والمسببات وتنظر في العواقب والمقدمات ثم بعد ذلك تأخذ بالأسباب وتلج البيوت من الأبواب فتجتاز - بأمر الله - تلك الأزمات وتخرج من تلك النكبات ، فتعود لها عزتها ويرجع لها سالف مجدها هكذا كانت أمة الإسلام في عصورها الزاهية . أما في هذه العصور المتأخرة التي غشت فيها غواشي الجهل وعصفت فيها أعاصير الإلحاد والتغريب وشاعت فيها البدع والضلالات فقد اختلط هذا الأمر على كثير من المسلمين فجعلوا من الإيمان بالقضاء والقدر تكأة للإخلاد في الأرض ومسوغاً لترك الحزم والجد والتفكير في معالي الأمور وسبل العزة والفلاح فآثروا ركوب السهل الوطيء الوبيء على ركوب الصعب الأشق المريء . فكان المخرج لهم أن يتكل المرء على القدر وأن الله هو الفعال لما يريد وأن ما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن فلتمض إرادته ، ولتكن مشيئئته وليجر قضاءه وقدره فلا حول لنا ولا طول ولا يد لنا في ذلك كله . هكذا بكل يسر وسهولة استسلام للأقدار دون منازعة لها في فعل الأسباب المشروعة والمباحة . فلا أمر بالمعروف ، ولا نهي عن المنكر ولا جهاد لأعداء الله ولا حرص على نشر العلم ورفع الجهل ولا محاربة للأفكار الهدامة والمبادئ المضللة كل ذلك بحجة أن الله شاء ذلك ! والحقيقة أن هذه مصيبة كبرى ، وضلالة عظمى أدت بالأمة إلى هوة سحيقة من التخلف والانحطاط وسببت لها تسلط الأعداء وجرت عليها ويلات إثر ويلات . وإلا فالأخذ بالأسباب لا ينافي الإيمان بالقدر بل إنه من تمامه ، فالله عز وجل أراد بنا أشياء وأراد منا أشياء ، فما أراده بنا طواه عنا وما أراده منا أمرنا بالقيام به فقد أراد منا حمل الدعوة إلى الكفار وإن كان يعلم أنهم لن يؤمنوا وأراد منا قتالهم وإن كان يعلم أننا سُنهزم أمامهم وأراد منا أن نكون أمة واحدة وإن كان يعلم أننا سنتفرق ونختلف وأراد منا أن نكون أشداء على الكفار رحماء بيننا وإن كان يعلم أن بأسنا سيكون بيننا شديداً وهكذا ... فالخلط بين ما أريد بنا وما أريد منا هو الذي يُلبس الأمر ويوقع في المحذور . صحيح أن الله عز وجل هو الفعال لما يريد الخالق لكل شيء ، الذي بيده ملكوت كل شيء الذي له مقاليد السموات والأرض ولكنه تبارك وتعلى جعل لهذا الكون نواميس يسير عليها ، وقوانين ينتظم بها وإن كان هو عز وجل قادراًَ على خرق هذه النواميس وتلك القوانين ، وإن كان أيضاً لا يخرقها لكل أحد . فالإيمان بأن الله قادر على نصر المؤمنين على الكافرين - لا يعني أنه سينصر المؤمنين وهم قاعدون عن الأخذ بالأسباب لأن النصر بدون الأخذ بالأسباب مستحيل وقدرة الله لا تتعلق بالمستحيل ولأنه منافٍ لحكمة الله وقدرته عز وجل متعلقة بحكمته . فكون الله قادراً على الشيء لا يعني أن الفرد أو الجماعة أو الأمة قادرة عليه فقدرة الله صفة خاصة به وقدرة العبد صفة خاصة به فالخلط بين قدرة الله والإيمان بها وقدرة العبد وقيامه بما أمره الله به هو الذي يحمل على القعود وهو الذي يخدر الأمم والشعوب . وهذا ما لاحظه وألمح إليه أحد المستشرقين الألمان فقال وهو يؤرخ لحال المسلمين في عصورهم المتأخرة : ( طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله والرضا بقضائه وقدره والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار ) وكان لهذه الطاعة أُثران مختلفان ففي العصر الإسلامي الأول لعبت دوراً كبيراً في الحروب وحققت نصراً متواصلاً لأنها دفعت في الجندي روح الفداء . وفي العصور المتأخرة كانت سبباً في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي فقذف به إلى الإنحدار وعزله وطواه عن تيار الأحداث العالمية من كتاب الإيمان بالقضاء والقدر لـ محمد بن إبراهيم الحمد ص 144 |
|||
2021-01-10, 04:59 | رقم المشاركة : 168 | |||
|
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته اخوة الاسلام والان وصلنا الي نهايه الجزء الاول من مواضيع الدال علي الخير كفاعله و جاري تحضير الجزء الثاني أسألكم الدعاء بالتوفيق علي امل اللقاء بكم مرة اخري اترككم في امان الله و حفظه وآخر دعوانا أَنِ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين |
|||
2021-02-03, 15:54 | رقم المشاركة : 169 | |||
|
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
اخوة الاسلام يسعدني اعود لكم بالجزء الثاني أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( قيلوا فإن الشياطين لا تقيل ) رواه أبو نعيم (حسَّنه الألباني في صحيح الجامع، برقم: [4431]). إذا كان النوم بالليل يُجدِّد وينشط ويُحافِظ على خلايا الجسم والدماغ فإن نوم القيلولة يُساهِم أيضًا في إراحة الدماغ والاسترخاء البدني، وإزالة التشنج العضلي وتعزيز قدرة الإدراك والتلقي. فقد أكد العلماء أن فترات القيلولة القصيرة في منتصف النهار لمدة نصف ساعة، تُلغي تأثير التعب وتُعيد الاستقرار والحيوية والنشاط للذهن والجسم. كما أكدت البحوث العلمية الحديثة أن أخذ غفوةٌ قصيرة أثناء العمل يُجدِّد الطاقات الفكرية والجسدية للعاملين ويزيد إنتاجيتهم وقدرتهم على تحمل ظروف العمل بصورة أفضل. ويؤكد الخبراء أيضًا أن القيلولة أهم مضاد للتوتر والقلق وذلك عبر تقليص مُعدَّل هرمون الكورتيزون المسئول عن التوتر. لا تقتصِر فوائد القيلولة على تلك المزايا قصيرة المدى من اعتدال المزاج وغيره وإنما تفيد على المدى الطويل أيضًا حيث تُقلِّل من فرص الإصابة بالأزمات القلبية والجلطات والسبب المؤدى لهما وهي الضغوط.. فلقد أظهرت إحدى نتائج الدراسات هذا الفارق بحوالي 30% نتيجة أن القيلولة تساعد على انتظام النبض ومعدلات التنفس التي لها تأثيرًا مباشرًا وغير مباشر على القلب. كما أن القيلولة مفيدة جدًا للأولاد ففي خلالها يُفرِز الجسم هرمونات النمو وتتنشط اليقظة الجسدية والتوازن النفسي. القيلولة في الإسلام قال الفيومي في (المصباح المنير): "قال يقيل قيلًا وقيلولة: نام نصف النهار والقائلة وقت القيلولة". وقال الصنعاني في (سُبل السلام): "المقيل والقيلولة: الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم". ونومة القيلولة مستحبة شرعًا لما فيها من الأثر الإيجابي في حياة الإنسان المادي والمعنوي على حدٍ سواء. وقد جاء ذكر القيلولة في القرآن الكريم في موضعين هما: 1 ـ قول الله تعالى : أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا سورة الفرقان : 24 وأَحْسَنُ مَقِيلًا أي موضع قائلة قال الأزهري القيلولة عند العرب الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر و إن لم يكن مع ذلك نوم و الدليل على ذلك أن الجنة لا نوم فيها و قال ابن عباس و ابن مسعود لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة و أهل النار في النار. قال ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى: ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا ) . قال الضحاك:عن ابن عباس:إنما هي ضحوة فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين ويَقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين. وقال سعيد بن جبير:يفرغ الله من الحساب نصف النهار فيقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار قال الله تعالى: ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا ) . وقال عكرمة:إني لأعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة وأهل النار النار:هي الساعة التي تكون في الدنيا عند ارتفاع الضحى الأكبر إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة فينصرف أهل النار إلى النار وأما أهل [ الجنة فيُنطلق بهم إلى ] الجنة، فكانت قيلولتهم [ في الجنة ] وأطعموا كبد حوت، فأشبعهم [ ذلك ] كلهم، وذلك قوله: ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا ) . وقال سفيان، عن مَيسَرة، عن المِنْهَال عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود أنه قال:لا ينتصف النهار حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرأ: ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا ) 2 ـ قول الله عزَّ و جلَّ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ سورة الأعراف : 4 . قال القرطبي في تفسيره : وَ " قَائِلُونَ " مِنْ الْقَائِلَة وَهِيَ الْقَيْلُولَة ; وَهِيَ نَوْم نِصْف النَّهَار . وَقِيلَ : الِاسْتِرَاحَة نِصْف النَّهَار إِذَا اِشْتَدَّ الْحَرّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَوْم . وَالْمَعْنَى جَاءَهُمْ عَذَابُنَا وَهُمْ غَافِلُونَ إِمَّا لَيْلًا وَإِمَّا نَهَارًا . وقال البغوي في تفسيره : ( أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ) من القيلولة, تقديره: فجاءها بأسنا ليلاً وهم نائمون أو نهاراً وهم قائلون, أي نائمون ظهيرة, والقيلولة الاستراحة نصف النهار, وإن لم يكن معها نوم . ومعنى الآية: أنهم جاءهم بأسنا وهم غير متوقعين له إما ليلاً أو نهاراً. وقد اختلفت عبارات الفقهاء في تحديد وقت نصف النهار المقصود بالقيلولة فذهب بعضهم إلى أنها قبل الزوال وذهب آخرون إلى أنها بعده قال الشربيني الخطيب: "هي النوم قبل الزوال". وقال المناوي: "القيلولة: النوم وسط النهار عند الزوال وما قاربه من قبل أو بعد". وقال البدر العيني: "القيلولة معناها النوم في الظهيرة". والذي يُرجح أن القيلولة هي الراحة بعد الزوال -يعني بعد الظهر - ما (رواه البخاري ومسلم) عن سهل بن سعد رضي الله عنه- قال: "ما كُنَّا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم" (واللفظ لمسلم). ونومة القيلولة مستحبة عند جمهور العلماء قال الإمام الغزالي: "وإنما تطلب القيلولة لمن يقوم الليل ويسهر في الخير، فإن فيها معونة على التهجد كما أن في السحور معونة على صيام النهار فالقيلولة من غير قيام الليل كالسحور من غير صيام النهار". وقال الخطيب الشربيني: "يسن للمتهجد القيلولة وهي النوم قبل الزوال، وهي بمنزلة السحور للصائم". وقالوا في الفتاوى الهندية: "ويستحب التنعُّم بنوم القيلولة" وقال في كشاف القناع: "ويستحب النوم نصف النهار قال عبد الله: كان أبي ينام نصف النهار شتاءً كان أو صيفًا لا يدعها ويأخذني بها". وروى الخَلَّال عن أنس رضي الله عنه قال: "ثلاث من ضبطهن ضبط الصوم من قال وتسحَّر وأكل قبل أن يشرب". وقد كان السلف رضوان الله عليهم يحرِصون عليها أشد الحرص لِما لها من أثرٍ كبير في حياة الإنسان حتى إن الواحد ليتابع عُمَّاله وأهل بيته في المحافظة عليها و لنا عودة إن شاء الله للاستفادة من موضوع اخر |
|||
2021-02-04, 05:14 | رقم المشاركة : 170 | |||
|
اخوة الاسلام
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ : يَأْتي علَى النَّاسِ زَمانٌ لا يُبالِي المَرْءُ ما أخَذَ منه؛ أمِنَ الحَلالِ أمْ مِنَ الحَرامِ. رواه البخاري 2059 حَثَّ الإسلامُ على تَحرِّي طَلَبِ الحلالِ مِن الرِّزقِ في كلِّ مَكاسبِ الحَياةِ وبيَّن ما يكونُ عليه مِن الأجْرِ والثَّوابِ كما حذَّرَ مِن أخْذِ الحرامِ بكلِّ صُوَرِه وفي كافَّةِ مَناحي الحياةِ. وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ النَّاسَ سَوفَ تَتغيَّرُ بهم الأحوالُ وتَتبدَّلُ بهم الأزمانُ، ويَأتي عليهم زَمانٌ يَضْعُفُ فيه الدِّينُ وتَفسُدُ الضَّمائرُ والذِّممُ ويَتكالَبُ النَّاسُ فيه على جَمْعِ المالِ ولا يُبالي المَرءُ مِن أينَ أصابَ المالَ مِن حَلالٍ أو حَرامٍ فلا تُهِمُّه الوَسيلةُ الَّتي اكتَسَبَ بها المالَ والطَّريقَ الَّذي أَخَذَه مِنه، سواءٌ كان مِن كَسْبٍ حَلالٍ كالبيعِ المَبرورِ، وعَمَلِ اليدِ، أمْ مِن الحرامِ كالاختِلاسِ والرِّبا، والقِمارِ والرِّشْوةِ، وغيرِها فَهَدَفُهم وغايتُهم جَمْعُ الأموالِ والتَّكسُّبُ دونَ تَحرِّي الحَلالِ والحرامِ. وفي الحديثِ: التَّحذيرُ الشَّديدُ مِن اكتِسابِ المالِ مِن الطُّرقِ غيرِ المَشروعةِ. وفيه: إخبارُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عمَّا يكونُ عليه النَّاسُ في آخِرِ الزَّمانِ وهو مِن بابِ الذَّمِّ والتَّحذيرِ وهو مِن مُعجِزاتِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. https://dorar.net/hadith/sharh/414 والواجب على من وقع في شيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى ، فيقلع عن الذنب ويندم على ما فات ، ويعزم على عدم العود إليه أبدا . وأما المال الذي جناه من الحرام فما أكله وأنفقه فلا يلزمه فيه شيء وما بقي في يده لزمه التخلص منه على الراجح من أقوال العلماء فينفقه على الفقراء والمساكين وفي أوجه البر والخير . وإذا كان محتاجاً إلى المال فله أن يأخذ من هذا المال ما يكفيه ثم يتخلص من الباقي ولا حرج عليه إذا أخذ من هذا المال ما يكون له رأسمال لتجارة أو عمل مباح . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فإن تابت هذه البغيّ وهذا الخمَّار وكانوا فقراء جاز أن يصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسيج والغزل أعطي ما يكون له رأس مال" انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/308). من أوجه التخلص من المال الحرام أن يعطى للفقير المحتاج للزواج ، أو المسكن أو من يقيم مشروعا ينفق منه على نفسه ، ونحو ذلك ويجوز أن يجعل هذا المال في صندوق يُقرَض منه المحتاجون نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد والثبات . والله أعلم . و لنا عودة إن شاء الله للاستفادة من موضوع اخر |
|||
2021-02-05, 05:35 | رقم المشاركة : 171 | |||
|
اخوة الاسلام
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل يهودي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: السام عليك يا محمد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وعليك فقالت عائشة: فهممتُ أن أتكلم فعلمت كراهية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك فسكت، ثم دخل آخر، فقال: السام عليك، فقال: عليك فهممت أن أتكلم فعلمت كراهية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك ثم دخل الثالث، فقال: السام عليك، فلم أصبر حتى قلت: وعليك السام وغضبُ الله ولعنتُه إخوانَ القردة والخنازير أتُحيون رسول الله بما لم يُحيه الله؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش قالوا قولًا فرددنا عليهم، إن اليهود قوم حسد وإنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدونا على السلام، وعلى آمين)) رواه ابن خزيمة (574) وصححه الألباني في " الصحيحة " (691) . خَصَّ اللهُ سُبحانَه وتعالى أمَّةَ الإسلامِ بخَصائِصَ ومَيْزاتٍ تميَّزتْ بها عن غيرِها مِن الأممِ في الخيرِ والأجرِ. وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ أمُّ المؤمِنينَ عائشةُ رَضِي اللهُ عنها عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "ما حسَدَتْكُمُ اليهودُ على شيءٍ" أي: ممَّا قد شُرِع لكم "ما حَسَدوكم على السَّلامِ" أي: بمِثلِ ما حسَدوكم عليه مِن إفشاءِ السَّلامِ فيما بينَكم وذلك لِما فيه مِن إظهارِ المحبَّةِ والوُدِّ بين المسلِمين بعضِهم البعضِ والرِّفقِ فيما بينَهم، "والتَّأمينِ" أي: قَوْلِكم "آمِينَ" أي: خَلْفَ الإمامِ؛ لِمَا عَلِموا مِن فَضلِها وبَرَكَتِها. https://www.dorar.net/hadith/sharh/112535 قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (١/ ١٣١): "قال علماؤنا رحمة الله عليهم: إنما حسدنا أهل الكتاب لأن أولها حمد لله وثناء عليه، ثم خضوع له واستكانة ثم دعاء لنا بالهداية إلى الصراط المستقيم ثم الدعاء عليهم مع قولنا: آمين". وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (١١/ ٤): "وهو يدل على أنه شرع لهذه الأمة دونهم". التَّأْمِينُ مَصْدَرُ أَمَّنَ بِالتَّشْدِيدِ ، أَيْ : قَالَ آمِينَ . قال النووي رحمه الله : " وَفِي آمِينَ لُغَتَانِ : الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَالْمَدُّ أَفْصَحُ وَالْمِيمُ خَفِيفَةٌ فِيهِمَا ، وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ " انتهى من "شرح النووي على مسلم" (4/ 120) . وقيل : معناه : ربِّ افْعَلْ وقيل : هو بِمَنْزِلَةِ يَا اللَّهُ ، وقيل غير ذلك . وانظر : " فتح الباري " لابن حجر (2/262) " لسان العرب " (13/ 27) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ ، فَأَمِّنُوا ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) . رواه البخاري (780) ،ومسلم (410) قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله : " وَمَعْنَى آمِينَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا وَهُوَ خَارِجٌ على قول القارئ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) إِلَى قَوْلِهِ (وَلَا الضَّالِّينَ) فَهَذَا هُوَ الدُّعَاءُ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ التَّأْمِينُ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في حَدِيثُ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : ( إِذَا قَالَ الْإِمَامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضالين فقولوا آمين ) فكأن القارئ يَقُولُ : اللَّهُمَّ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ، اللَّهُمَّ آمِينَ . وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ يُغْنِي عَنِ الْإِكْثَارِ فِيهِ " انتهى من " التمهيد " (7/ 9-10) . وكلمة " آمين " بمجردها : تفيد معنى : اللهم استجب ، وتغني عنها و لنا عودة إن شاء الله للاستفادة من موضوع اخر |
|||
2021-02-06, 05:25 | رقم المشاركة : 172 | |||
|
اخوة الاسلام
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته هذا الحديث رواه الإمام أحمد (17545) عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : (جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ) . وهو من أحاديث الأربعين النووية وقد حسنه النووي والمنذري والشوكاني وحسنه الألباني لغيره في "صحيح الترغيب" (1734) . وقد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه حديث وابصة فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) رواه مسلم (2553) . وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ) رواه أحمد (29/278-279) و قال الشيخ الألباني "إسناده جيد" في "صحيح الترغيب" (2/151) . يخطئ كثير من الناس في فهم هذا الحديث حيث يجعلونه مطية لهم في الحكم بالتحليل أو التحريم على وفق ما تمليه عليهم أهواؤهم ورغباتهم فيرتكبون ما يرتكبون من المحرمات ويقولون : (استفت قلبك) !! مع أن الحديث لا يمكن أن يراد به ذلك وإنما المراد من الحديث أن المؤمن صاحب القلب السليم قد يستفتي أحداً في شيء فيفتيه بأنه حلال ولكن يقع في نفس المؤمن حرج من فعله فهنا عليه أن يتركه عملاً بما دله عليه قلبه . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "أي : حتى وإن أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز ولكن نفسك لم تطمئن ولم تنشرح إليه فدعه فإن هذا من الخير والبر إلا إذا علمت في نفسك مرضا من الوسواس والشك والتردد فلا تلتفت لهذا والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يخاطب الناس أو يتكلم على الوجه الذي ليس في قلب صاحبه مرض" انتهى . "شرح رياض الصالحين" (2/284) . فالذي يستفتي قلبه ويعمل بما أفتاه به هو صاحب القلب السليم لا القلب المريض فإن صاحب القلب المريض لو استفتى قلبه عن الموبقات والكبائر لأفتاه أنها حلال لا شبهة فيها ! وفي هذا قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : "(الإثم ما حاك في نفسك) أي : تردد وصرت منه في قلق (وكرهت أن يطلع عليه الناس) لأنه محل ذم وعيب فتجدك متردداً فيه وتكره أن يطلع عليك الناس . وهذه الجملة إنما هي لمن كان قلبه صافياً سليماً فهذا هو الذي يحوك في نفسه ما كان إثماً ويكره أن يطلع عليه الناس . أما المُتَمَرِّدون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم فهؤلاء لا يبالون ، بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم فالكلام هنا ليس عاماً لكل أحد بل هو خاص لمن كان قلبه سليماً طاهراً نقياً فإنه إذا هَمَّ بإثم وإن لم يعلم أنه إثم من قبل الشرع تجده متردداً يكره أن يطلع الناس عليه فهذا علامة على الإثم في قلب المؤمن" انتهى . "شرح الأربعين النووية" (صـ 294 ، 295) . اخوة الاسلام و لنا عودة ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء من اجل استكمال الموضوع |
|||
2021-02-07, 05:33 | رقم المشاركة : 173 | |||
|
اخوة الاسلام
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته مفهوم "البرِّ" في المنهج القرآني مفهومٌ كبير، وحقيقةٌ واسعة تسع بشموليَّتها كينونةَ الإنسان وحقائقَ الكون، وأسرارَ الحياة، وتعاليمَ الشريعة. إنَّ هذا المفهوم - كما سيتبيَّن لاحقًا إن شاء الله، عزَّ وجلَّ - في المنهج القرآنيِّ، هو منهجُ حياة إنسانيَّة فاضلة تربط الإنسان "البارَّ" بروابطَ دقيقةٍ وعميقةٍ بكل كائنات الوجود وأشيائه، وأحداثه، ومشاهده ومن ثَمَّ يكون الإنسان "البارُّ" هو وحدَه الإنسان الذي استطاع - بتوفيق من الله، عزَّ وجلَّ - أن يرتقي بمشاعره النفسيَّة، ومداركه العقليَّة وفاعليَّاته التطبيقيَّة إلى مستوى التكريم الإلهي الذي أنعم به عليه يوم أَذِن له في دخول هذا الكون الفسيح فلا جرمَ أنَّنا عندما نتحدث عن "مفهوم البِرِّ في القرآن" فكأننا نتحدث عن مفهوم الإسلام. ولقد يَجمُل بنا - قبل الخوض في مفهوم "البر" في الرؤية القرآنيَّة - الحديثُ عن مفهومه في العرف اللُّغوي وما ذاك إلاَّ لأنَّ هذا القرآن نزل بلسان العرب ومن ثَمَّ لا جرم كان لزامًا - لأجل الفهم السديد أو على الأقل لأجل محاولة ذلك - العودةُ إلى لسان العرب لمعرفة مفردات القاموس القرآني. مفهوم "البر" في العرف اللغوي: إذا رجعنا إلى معاجم اللُّغة ستجد أنَّ مفردة "البِرِّ" تحمل الكثير من المعاني خلاصتُها: معنيان اثنان هما: الأوَّل: الصدق. الثاني: الإحسان. والإحسان هنا لا يقتصر على إنفاق الدرهم والدينار أي: على العطاء المادي فحسب كما هو شائع في أذهان الكثير من الناس وإن كان ذلك جزءًا مهمًّا في رسم حقيقته بل هو مفهوم شامل واسع لكلِّ العَلاقات التي تربط الإنسان بغيره من الأشخاص والأشياء والأحداث وكذا مفهوم الصدق لا يقتصر على القول المطابق للواقع أي: على الفعل الخارجي فحسب وإن كان هذا مظهرًا مهمًّا في ترجمة تلك الحقيقة بل هو مفهوم يشمل فعاليات الحقيقة الإنسانيَّة كلِّها وهي تتفاعل مع حقائق الوجود من أشخاص وأشياء وأحداث ومشاهد. وإلى هنا نصل إلى النتيجة التالية: الصدق والإحسان: هما ركنا مفهوم البر في العرف اللغوي. وبعد هذا، دعْنَا - أكرمكم الله - لنفهم الحقيقة العميقة التي يضمرها مفهوم "البر" من حيث الوضعُ اللُّغوي 1- تحمل مفردة "الصدق" من وضعها اللغوي المعنيَيْن التاليَيْن: أ) القوة في الشيء: من حيث إنَّ صاحبَه لا يخشى أحدًا وهو يتعامل مع هذا الشيء الذي هو قويٌّ فيه. ب) الإخلاص في التزام الشيء: من حيث إنَّ صاحبه لا تخالطه أدنى شائبة من الشوائب المفسدة وهو يمارس مظاهر الالتزام بهذا الشيء وهذان المعنيان متلازمان بمعنى أنَّ أحدَهما يُنتِج الآخر ضرورةً وهما: المعنى الذي تسمعه من أنَّ الصدق ضدُّ الكذب 2- أما مفردة "الإحسان" فتحمل في وضعها اللغوي كذلك معنيين اثنين: أ) الإتقان: من حيث إنَّ صاحبه يمارس الفعل بصورة مُحكَمة ولا يدع أيَّ ثغرة في ممارسته لهذا الفعل لشدَّة حَذْقِه في ذلك. ب) الجمال: من حيث إنَّ صاحبه يمارس الفعل بصورة جميلة بكلِّ خصائصها ومقوِّماتها أي: إنَّه يرتقي في ممارسة الفعل إلى مستوى الكمال لأنَّ مفردة الجمال تحمل معنى الجمع والضم ومعنى الحسن والبهاء، وذلك هو معنى الكمال وهذان المعنيان متلازمان كذلك ضرورة بمعنى أنَّ أحدهما ينتج الآخر. إذن فهذه المعاني الأربعة - القوَّة، الإخلاص، الإتقان، الجمال - هي الحقائق الكبيرة التي تكتنِزُها مفردة "البر" في مفهومها العميق وتحليلها الأخير في وضعها اللغوي. وهي – ولا شك - معاني لها دلالاتها المعبِّرة وإشاراتها الموحيَة من حيث علاقتُها بمفردة "البر" الموضوعة في سياق النصوص القرآنيَّة. وإلى هنا نستخرج النتيجة التالية: القوَّة، الإخلاص، الإتقان، الجمال: هي أعمدة مفهوم البر في اللسان العربي. ولكم- أكرمكم الله - أن تُحلِّل هذه المفردات الأربعة عسى أن تستنبط حقائق أُخَر لها عَلاقةٌ بمفهوم "البر" ووشيجةُ ما بِبِنْيَتِه النفسيَّة والعقليَّة والحضاريَّة. على أنِّي أودُّ أن أُنبِّهكم - أيُّها الأخوة الافاضل - إلى معنى آخر، تلك هي القواسم المشتركة بين مفردة "البر" في اللغة من حيث حركاتُها اللغويَّة أعني مفردة "البِرِّ" بالكسر، وهي ما نتحدث عنه وهي تفيد معنى الاستقامة النفسيَّة ومفردة "البَرِّ" بالفتح، وهي الأرض وتفيد معنى الثبات والاستقرار ومفردة " البُرِّ" وهي المادة المأكولة - أي: القمح - وهي المفيدة معنى النمو والارتقاء فانظروا - أرشدكم الله - كيف أن حقائق: الاستقامة الثبات والاستقرار، النمو والارتقاء تشترك بينها جميعًا من حيث إن الإنسان البارَّ مستقيمٌ في مشاعره النفسيَّة ومداركِه العقليَّة، وفاعليَّته التاريخيَّة ثابتٌ على حقائق المنهج الرَّباني لا يزيغ مع جواذب الانحراف وهواتف الجاهليَّة؛ لتكون النتيجة الدائمة هي النموَّ والارتقاء الدائم سواء في مشاعره الباطنية، أم في تأملاته المعرفيَّة أم في ممارساته في عالم الواقع فهو في نمو وارتقاء أبدًا نحو الحقائق العليا، والآفاق الفسيحة والعوالم المجهولة، فاعْجب - إنْ كنتم تعجبوا - لهذه اللغة البديعة. ويبدو لي أنَّ تلك المعاني الاستقامة، الثبات، الارتقاء هي حقيقة الكينونة الإنسانيَّة كما فطرها الخالق - جلَّ وعزَّ - وكما يرضى بها الله - جلَّ جلاله - والله أعلم. وهكذا تكون الخلاصة العامة لمعاني هذه المفردة الكبيرة هي: القوَّة، الإخلاص، الإتقان الجمال، الاستقامة، الثبات، الارتقاء. اخوة الاسلام و لنا عودة ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء من اجل استكمال الموضوع |
|||
2021-02-07, 13:15 | رقم المشاركة : 174 | |||
|
اللهم ثبتنا من أجل إرضاء الله عز و جل شكرا للموضوع |
|||
2021-02-08, 05:17 | رقم المشاركة : 175 | |||
|
|
|||
2021-02-08, 05:47 | رقم المشاركة : 176 | |||
|
اخوة الاسلام
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته مفهوم "البر" في العرف القرآني: تحمل الكثير من المعاني والرموز والإشارات ذاتِ الدلالة الواضحة إلى حقيقة هذا الدين، دين الإسلام فلقد وردت هذه المفردة "البر" في النص القرآني: عشرون مرَّة سبعَ مراتٍ بالعهد المكي وثلاثَ عشرةَ مرةً في العهد المدني وهو أمر ملفت للنظر،فتأمَّلْوا. وقد وردت على الصورة التالية: أوَّلاً: مفردة " البِر" وردت ثمان مرات: 1- خمس مرات في سورة البقرة: (أ) ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44] (ب) ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 189] (ج) ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177] وهذه سورة مدَنيَّة. 2- مرة واحدة في سورة آل عمران: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92] وهذه سورة مدنية. 3- مرة واحدة في سورة المائدة: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2] وهذه سورة مدنية. 4- مرة واحدة في سورة المجادلة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [المجادلة: 9] وهذه سورة مدنية. ثانيًا: مفردة "أبرار" وردت ست مرات: 1- مرتان في سورة آل عمران: (أ) ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193] (ب) ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 198] وهذه سورة مدنية. 2- مرة واحدة في سورة الإنسان: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ﴾ [الإنسان: 5] وهذه سورة مدنية . 3- مرة واحدة في سورة الانفطار: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13] وهذه سورة مكية. 4- مرتان في سورة المطففين: (أ) ﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴾ [المطففين: 18 ، (ب) ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ [المطففين: 22] وهذه سورة مكيَّة. ثالثًا: مفردة "البر" وردت مرة واحدة: في سورة الطور: كاسم من أسماء الله الحسنى: ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 28] وهذه سورة مكية. رابعًا: مفردة "بَرًّا" وردت مرتين: في سورة مريم: (أ) ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ [مريم: 14]. (ب) ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 32] وهذه سورة مكية. خامسًا: مفردة "تبرُّوهم" وردت مرة واحدة: في سورة الممتحنة: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8] وهذه سورة مدنية. سادسًا: مفردة "تبرُّوا" وردت مرة واحدة: في سورة البقرة: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 224] وهذه سورة مدنية. سابعًا: مفردة "بَرَرَة" وردت مرة واحدة: في سورة "عبس" في حق الملائكة: ﴿ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [عبس: 16] وهذه سورة مكية. والملفت للنظر في هذا التوزيع الهندسي لمفردة "البر" أنَّ في العهد المكيِّ وقعت مفردة "البر" في سياقين: أولاً: سياق الحديث عن الصفة التي يتصف بها: 1- الله – جلَّ جلالُه - مرة واحدة: ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 28]. 2- الملائكة - عليهم السلام - مرة واحدة: ﴿ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [عبس: 16]. 3- الإنسان المطيع لله - تعالى - مرتان: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ﴾ [مريم: 14/32]. ثانيًا: والسياق الثاني هو سياق الحديث عن: 1- مآل الإنسان البارِّ في الدار الآخرة، ثلاث مرات: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13] ﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴾ ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴾ [المطففين: 18/22]. 2- الأمر بالتزام المنهج، وردت مرة: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة:2]. وفي العهد المدنيِّ وقعت هذه المفردة في سياق الحديث عن: 1- المنهج الرباني، وردت تسع مرات: (1) ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]. (2) ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 189]. (3) ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]. (4) ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [المجادلة: 9]. (5) ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2]. (6) ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8]. (7) ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 224]. 2- مآل الإنسان البارِّ في الدار الآخرة، وردت ثلاث مرات: (1) ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 198]. (2) ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ﴾ [الإنسان: 5]. (3) ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92]. 3- الصفة التي يتحلَّى بها الإنسان، وردت مرة واحدة: ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193]. وبعد هذا التوضيح يمكنني القول: إنه لمَّا كان العهد المكيُّ المقصود منه تربيةُ الإنسان المسلم وإعادةُ صياغة شخصيَّته بما يتوافق مع أسس فطرته الأولى التي فطره الله عليها، وبما ينسجم مع معاني الحكمة الإلهيَّة في هذا الوجود، وكذا ما يناسب ثقل الرسالة الملقاة على عاتقه كان لزامًا التركيزُ على الصفة التي يجب على الإنسان المسلم التحلي بها، والتأكيد على المقام الرفيع الذي يجب أن يرتقي إليه الإنسان المسلم، في مجالات حياته كافة فالله - جلَّ جلاله - من صفاته الكريمة "البر" إذًا معناه: أنَّ على الإنسان المسلم التخلُّقَ بأخلاق الله - تعالى - والملائكة الكرام "البررة" إذًا على الإنسان المسلم التشبه بهم، والنبيُّ الكريم "بَرًّا" إذًا على الإنسان المسلم الاقتداء به كلُّ هذا يوحي للإنسان المسلم الذي يُريد المنهج الربانيَّ أن يرتقي بشخصيَّته إلى مستوى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ ﴾ [الإسراء: 70] وأن يحاول المرة تلو الأخرى الارتقاء إلى منزلة "البِر" وهكذا إذا جاء العهد المدني وهو عهد البناء الخارجي للدولة الإسلامية والتشييد للحضارة الإسلامية والذي يجب أن يكون التلقي المطلق فيه قاصرًا على المنهج الرباني "القرآن والسنة" وهو ما يستلزم التضحية الكبيرة والمعاناة الطويلة حتى تستقرَّ أسسُ الدول الإسلامية على الأرض أقول: حتى إذا جاء عهد البناء والتلقي كان الإنسان المسلم له القابلية للتعامل مع تعاليم المنهج الرباني دون أدنى تلكؤ أو تردد، ولقد كان ذلك هو ما حدث بالفعل. أما في العهد المدني، فبالإضافة إلى وحي مفردة "البر" التي اقتصَرتْ على الإشارة إلى صفة من صفات الله - تعالى - وكذا الملائكة - عليهم السلام - وكذا الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - إلى الإشارة إلى مآل الإنسان البارِّ في الدار الآخرة بالإضافة إلى التنبيه على هاتين الإشارتين - جاء التأكيد على المنهج الربانيِّ الذي يجب على الإنسان المسلم التعامل معه، والأخذ منه دون غيره من المذاهب والفلسفات والعقائد وبذلك يحدث في نفسيَّة الإنسان المسلم انفصالٌ عن واقع الجاهليَّة بكل عقائدها وقيمها، وقوانينها وعلاقاتها رقيًّا إلى فضاء المنهج الربانيِّ الرَّحْب ومن ثَمَّ ترسُخُ في ضميره عقيدة "الاستعلاء الرَّباني" وهو يتعامل مع الأشخاص، والأشياء، والأحداث وهكذا يكون إنسانًا بارًّا حقيقة، والله أعلم. اخوة الاسلام و لنا عودة ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء من اجل استكمال الموضوع |
|||
2021-02-09, 05:44 | رقم المشاركة : 177 | |||
|
اخوة الاسلام
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته لقد وردت مفردة "البر" في السياق القرآني حسب المعاني التالية: 1- بمعنى المنهج الديني، والعقيدة الربانية، والقوانين التشريعيَّة وذلك مثل: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44] ففي هذه الآية - مثلاً - قال ابن عباس - رضي الله عنه -: "نزلت هذه الآية في يهود أهل المدينة كان الرجل منهم يقول لصهره، ولذوي قرابته ولمن بينه وبينهم رضاع من المسلمين: اثبُتْ على الدِّين الذي أنت عليه وما يأمرك به هذا الرجل - يعنون به محمدًا، صلَّى الله عليه وسلَّم - فإن أمره حقٌّ، وكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه انظر السيوطي: "الدر المنثور بالتفسير بالمأثور". 2- بمعنى الصفة الفاضلة التي يتحلَّى بها الكائن المطيع لربِّه المبادر للاستجابة لأوامره وزواجره، وذلك مثل: ﴿ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾ [مريم: 14] ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8] ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193] ﴿ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [عبس: 16]. 3- بمعنى صفة كريمة من صفات الله - جلَّ جلاله - واسم من أسمائه – سبحانه - وقد وردت مرة واحدة: ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 28]. يمكننا - بعد كلِّ هذا - أن نستخرج ثلاثةَ معاني من دلالة مفردة "البر" كما وردت في القرآن: 1- العطاء: فالإنسان البارُّ هو الذي يُعطي ولا يأخذ ﴿ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ﴾ [الطور: 28]. 2- المبادرة: فالإنسان البار هو المبادر إلى الطاعة والمسارع إلى الاستجابة للمنهج الرباني؛ ﴿ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [عبس: 16]. 3- الاستعلاء: فالإنسان البار هو المعتزُّ بمنهجه الربانيِّ في الحياة ومن ثَم يستعلي على مناهج الجاهلية أتتْ من حيث أتت ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193]. وإلى هنا نحصل على النتيجة التالية: العطاء، المبادرة، الاستعلاء: هي أسس مفهوم البر في القاموس الاصطلاحي القرآني. إذن؛ خلاصة المعاني التي يضمرها "مفهوم البر" سواء في بِنْيَته اللغويَّة، أو في اصطلاحه القرآني عشرة معاني يؤدي بعضها إلى بعض وينتج بعضها بعضًا: القوَّة، الإخلاص، الإتقان، الجمال الاستقامة، الثبات، الارتقاء، العطاء المبادرة، الاستعلاء، والله أعلم. ومعنى قولي: إنَّ بعضها ينتج بعضًا فلأنَّك لا تكون مخلصًا حتى تكون قويًّا، ولا تكون متقنًا حتى تكون مخلصًا ولا تكون جميلاً حتى تكون متقنًا ولا تكون مستقيمًا حتى تكون جميلاً ولا تكون ثابتًا حتى تكون مستقيمًا ولا تكون مرتقيًا حتى تكون ثابتًا ولا تكون مِعطاءً حتى تكون مرتقيًا ولا تكون مبادرًا حتى تكون معطاءً ولا تكون مستعليًا حتى تكون مبادرًا. حقيقة ونتائج مفهوم "البر": وإذا أردنا تفعيل هذه المعاني التي تُشير إليها دلالات مفردة "البر" - سواءٌ من حيث اللغة أم من حيث رمزيتها القرآنيَّة - في محاولة فهم دلالاتها وإشاراتها وكذا معانيها ومضامينها، سنجدها ترسم لنا صورةً مكتملةَ الأجزاء، واضحةَ المعالم حول حقيقة هذا الدِّين الذي أنزله الله - تعالى - على محمَّد بن عبدالله القُرَشيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورسالته الكبيرة في الحياة. إنَّ أوَّل حقيقة يجب أن تُرسَّخ معانيها في ضمير المتلقي: هي أنَّ هذا الدين لا يؤخذ أجزاءً وتفاريقًا ولا يمكن أن يمارس في واقع النفس أو واقع التاريخ بفاعليَّات شكليَّة ومظاهر سطحيَّة لا تنطوي على إحساس عميق بجماليَّة هذا الدين وإنما تنبني على رؤية كليَّة لمنهج هذا الدين ومهمَّته في الحياة تلك حقيقة تبدو لي واضحة بيِّنة لكلِّ مَن تأمل في منظومة هذا الدين وعلاقته بحياة الإنسان في هذا الوجود. إنَّ هذا الدين لا يمكن للإنسان أن يُفعِّل مضامينه في الواقع - سواء الواقع النفسي والواقع التاريخي - إلاَّ إذا أخذه بكلِّ قوَّة، وإخلاص، وإتقان، وجمال واستقامة، وثبات، وارتقاء ومن ثَمَّ تكون النتيجة الضرورية هي: "العطاء، والمبادرة، والاستعلاء" ومعنى هذا الكلام أنَّ الإنسان المسلم مطالب أن يكون: 1- قويًّا في ممارسة تعاليم هذا الدين سواء في واقعه النفسي أو واقعه التاريخي ولا يخشى شيئًا وهو يمارس تلك التعاليم قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف)) أخرجه مسلم (2664) مطولاً. 2- مخلصًا في تفعيل حقائق هذا الدين سواءٌ في واقعه النفسي أو واقعه التاريخي وألاَّ يشوبَ تفعيلَ تلك الحقائق بشيء من مفسدات العمل بحسب ما تقتضيه قوانين الشريعة قوله تعالى في الحديث القدسي: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) رواه مسلم (2985). 3- مُتقِنًا لفاعليَّته في ممارسة تعاليم الشريعة بحيث تكون ممارسته لتلك التعاليم، ممارسة محكمة وليس فيها أيُّ ثغرة لشدَّة حذقه في تلك الممارسة قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: - إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ صحيح الجامع 1880 4- مستقيمًا على منهج الحق، وقوانين الشريعة لا تأخذه في ذلك لومةُ لائم - وما أكثرهم في هذا الزمان - ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 112- 113]. 5- ثابتًا على تعاليم المنهج الرَّباني لا تُزعزعه الجواذب، ولا تُغريه الهواتف. 6- مرتقيًا نحو القمة السامقة التي يُتيحها له المنهج الإلهي. 7- مِعطاءً لا يخشى من ذي العرش إقلالاً ولا تغرُّه مخابل زخرف الحياة الدنيا؛ فهو لذلك سمح كريم لا يضنُّ بالعطاء عن أخيه المسلم ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 261-262]. 8- مبادرًا إلى تفعيل تعاليم الشريعة، وممارسة حقائق الحكمة ابتغاءَ مرضاة الله تعالى ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]. 9- مستعليًا على جواذب الأرض، ودوافع الهوى، ومغريات الفتنة ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26]. وعندما يصل الإنسان المسلم إلى هذا المستوى في ممارسة التعاليم العمليَّة لهذا الدين فإنَّه بذلك يصل إلى مستوى الممارسة الحقة أي: الممارسة لتعاليم الشريعة في أفق الجمال أي: ممارسةالفعل بصورة جميلة بكلِّ خصائصها ومقوِّماتها وبتعبير الرسول الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - "الإحسان" الوارد في حديث جبريل - عليه السلام -: ((قال: وما الإحسان؟ قال:((أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) رواه البخاري (50)، ومسلم (9). وهكذا يكون قد ارتقى في ممارسة الفعل إلى مستوى الكمال المقدور للإنسان، وتلك هي أقصى درجة مطلوبة لمنهج الإسلام كما نبَّه على ذلك الرسول الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم - في حديث جبريل - عليه السلام - المحدد لمعاني الإسلام والإيمان والإحسان. وهكذا نجد أنَّ الإنسان الجادَّ الذي يريد أن يرتقي إلى مستوى "البر" ويريد أن يكون من "الأبرار" وهو يمارس حياته وَفق تعاليم المنهج الرَّباني إنَّ هذا الإنسان لا يمكنه بلوغ هذا الهدف وإدراك تلك المنزلة - وهو هدف نبيل، ومنزلة جليلة، ولا شك - إلاَّ إذا فهم فهمًا عميقًا أنَّ هذا الدين هو منهجٌ للحياة كافةً ومن ثَم فهو يقتضي ممارسة تعاليمه في إطارها الكلِّي الشامل المتكامل وليس أجزاءً وتفاريقًا أي: إنَّه يجب عليه أن يمارس تعاليم هذا المنهج في مستوى "البر" حتى يكون مسلمًا حقًّا وحتى يرتقي إلى مستوى "البر" في تفاعله مع هذا الدين. اخوة الاسلام و لنا عودة ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء من اجل استكمال الموضوع |
|||
2021-02-10, 05:37 | رقم المشاركة : 178 | |||
|
اخوة الاسلام
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته تحدثنا في اللقاء السابق عن حقيقة أن هذا الدين منهج شامل لحياة الإنسان الممتدة من الدنيا والتي لا تنتهي إلاَّ ببداية جديدة في عالم الآخرة - تُصوِّرُها الهندسة المعرفيَّة للآيات تصويرًا دقيقًا وعميقًا له دلالاته المُوحِية، وإشاراته المعبرة فهذه الآيات قد اشتملت على جملة من المعارف الكبيرة والأسس العميقة التي تُعَدُّ الأساس الأول في بناء إنسانية الإنسان الفاضلة. و الان تطبيق عملي على آية قرآنية: وبعد كل هذا الذي قلْتُه آنفًا عن حقيقة مفهوم "البر" أحببتُ أن أظهر تلك المعاني السالفة الذكر من خلال آية من آيات البر في القرآن، وهذه الآية هي قول الله - سبحانه وتعالى -: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177]. فهذه الآية الكريمة من الآيات الجوامع في القرآن الكريم إنَّها آية تترجم حقيقة هذا الدين الذي جاء به الرسول الكريم محمد بن عبدالله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حقيقة أنَّ هذا الدين هو منهج للحياة الإنسانيَّة الفاضلة في مجالات حركتها في هذا الوجود كافة كما أرادها الخالق - جلَّ وعزَّ - حقيقة أنَّ هذا الدين هو منظومة متكاملة متناسقة سواء في أنساقها المعرفيَّة والعقديَّة أم في مفاهيمها الأخلاقيَّة والقِيَمِيَّة أم في نظمها التنظيميَّة والتشريعيَّة أم في فاعليَّتها التاريخيَّة والحضاريَّة. وبادئ ذي بدء أقول: إنَّ تداخل تلك المجالات المتعددة في الآية من العقيدة، إلى العَلاقات الاجتماعية، إلى الروح العباديَّة إلى القيم الأخلاقيَّة، إلى التعليق على كل ذلك في ختام الآية إنَّ هذا التداخل والتفاعل بين مختلف هذه العناصر والمكونات والتي لا يربط بينها رابط، ولا يجمعها جامع بادئ الرأي - ليوحي بطبيعة هذا الدين، وطبيعة هذا المنهج الذي أنزله الله - تعالى - على رسوله الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحقيقة الرسالة التي أراد الله - تعالى - أن يبلِّغها لهذا المخلوق الضئيل المسمى "الإنسان". إنَّ هذا التداخل، وهذا التشابك بين تلك المكونات للآية ليترجم تلك الحقيقة العميقة التي تضمرها النفس الإنسانيَّة تلك هي حقيقة أنَّ هذه النفس لا تقبل الانفصام بين عناصرها المكونة لحقيقتها الفطريَّة فهذا الإنسان عقيدةٌ في العقل، وتطبيقٌ في الواقع فكرةٌ في الضمير، وإنشاءٌ في التاريخ ولا يمكن أبدًا - مهما حاول الإنسان نفسه أو حاول ذلك غيره من الطواغيت - الفصم بين ذينِك المكونين الكبيرين في الفطرة البشريَّة لا لشيء إلاَّ لأنَّهما عميقين في جذر الروح البشري عمق ذلك الروح نفسه. وحينما نفهم منهج هذا الدين على النحو - حينها فقط - نستطيع أن نقوم بمثل تلك النقلة البعيدة التي قام بها الجيل الأول من المسلمين فبَلَغوا بذلك مستوى الإنسانية الفاضلة كما خلقها الله - سبحانه وتعالى - وكما أرادها أن تكون في واقع التاريخ البشريِّ فكان ما كان منهم في صناعة التاريخ وتشييد الحضارة مما لو اجتمعتْ الجاهليةُ بكل خيلائها ما وجدت إلى ذلك من سبيل إلاَّ في الأجيال المتعاقبة والآماد المتتالية ثم لا تبلغ إلاَّ عُشر معشار ما بلغ أولئك. من أجل ذلك كان من مقاصد القرآن الكبرى إعادةُ الضمير الإنسانيِّ إلى فهم هذه الحقيقة والتحقق بمصداقيتها وتطبيقاتها سواء في عالم النفس أم في عالم الواقع، ومن ثم شن حملة ضروس على أولئك الذين رضوا بأن يكون نصيبُهم من هذا الدين المظاهر فقط. ولنبدأ الآية من أوَّلها: إنَّ أوَّل شيء توحِي به الآية الكريمة هو أنَّ هناك قومًا التبس مفهوم البر في حسِّهم وعقولهم ومن ثم انعكس هذا الالتباس على واقع حياتهم في الوسط الاجتماعي الذي يمارسون فيه تطبيقات منهج دينهم كما يفهمونه هم ولأجل ذلك تأخذ الآية في توضيح حقيقة مفهوم البر ومصادقه في الواقع؛ الواقع النفسي، والواقع الاجتماعي وبعد توضيح تلك الحقيقة يتبين لنا - نحن المتلقين - مدى الفرق بين حقيقة مفهوم البر كما هو المنهج القرآني ومفهومه عند قوم زعموا أنَّهم ملتزمون بالمنهج الرباني في واقع حياتهم ومسيرة تاريخهم وهو - ولا شك - فرق هائل جدًّا تلك هي خلاصة الآية الكريمة: ليْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لقد تصوَّر أولئك القوم أنَّ حقيقة الدين الذي يلتزمون به تنحصر في الالتزام الشكليِّ بتعاليمه والصرامة في التقيُّد بمظاهره الخارجيَّة والأخذ بقوة بتعاليمه الجزئية وأنهم بذلك يكونون قد أدوا الواجب الذي عليهم تُجاه الرسالة التي يحملونها للإنسانية، ولا عليهم إن لم يكن لها رصيدٌ من الإحساس النفسي العميق، والتصوُّر العقلي الواضح ولا عليهم إن هم خالفوا تعاليم الدين في واقع حياتهم، ومسيرة تاريخهم. ذلك هو تصورهم لحقيقة مفهوم البر ومنهج الدين الرباني الذي أنزله على رُسُلِه وأنزل لأجله كُتُبَه وذلك هو تصوُّرُهم لقيمة المهمَّة التي تجب عليهم لذلك المنهج عليهم، وهو - ولا شك - تصورٌ ساذج لا يرقَى إلى قيمة الحقائق التي تضمرها تعاليم هذا الدين وتكتنِزُها حقيقة مفهوم البر في العقيدة القرآنية. إنك عندما تتعمَّق في حقيقة الدين الذي بعث الله - تعالى - به الرسل وأنزل لأجله الكتب، وأقام له السموات والأرض ووعد لأجله بالجنة، وأوعد بسببه النار عندما تتأمل تلك الحقيقة الكبيرة، وتتفهَّم معاني تعاليمها في النفس والمجتمع، حينها فقط تتبيَّن لك ضآلة ذلك التصور - سواء كان في جانب الإفراط، أو كان في جانب التفريط الذي انخدع به أولئك البؤساء الذين ظنُّوا أنَّ تلك هي غاية الشريعة ومنتهى الديانة. وإنه لتصورٌ صغيرٌ شأنُه، لا يغني عن الحقيقة الكبيرة التي يسعى إليها الإنسان بفطرته شيئًا ولا بذي قيمة في ميزان حقيقة المهمَّة التي يُريدها الخالق - جلَّ جلاله - من الإنسان. إنَّ الإنسان عندما يكون همُّه من الدين إقامةَ مظاهره الخارجية، ويكون شغلُه الشاغل الالتزامَ بجزئياته الفرعيَّة، ويكون سعيُه الدائب الصرامةَ في تفعيل تعاليمه القريبة، دون الالتفات إلى الحقائق الكبرى التي تتضمَّنها تلك التعاليم، ومن ثم ممارسة معانيها في مجالات الحياة كافة عندما تكون تلك هي قصتَه مع منهج الدين الذي يلتزمه لا جرمَ أنه لا يستطيع الانطلاق إلى تلك الآفاق البعيدة التي يفتحها الدين لمن يتفاعل مع تعاليمه بصورة عميقة جدًّا سواء في ظاهره أم في باطنه، وسواء في محيطه الذاتي أم في محيطه الاجتماعي بل بالأحرى أن هذا الدين يفقد مبرر وجوده في أعماق كينونته ولا يبقى لوجوده معنى في حياته إلاَّّ بالقدر الذي يستفيد هو منه في علاقاته مع الآخرين. ولا جرم أنَّ هذه الإشكاليَّة التي يعاني منها هذا الإنسان – أعني: إشكالية التناقض العميق بين حقيقة الدين الذي يلتزمه وحقيقة فهمه هو لهذا الدين ومن ثم ممارسته لتعاليمه في عالم الواقع أي: عالم العلاقات الاجتماعية، والإنسانيَّة - إشكاليةٌ خطيرة تُصيب صاحبَها في أمثل الحالات بفقدان التوازن النفسي والذي بدوره ينعكس على توازنه الاجتماعي. اخوة الاسلام و لنا عودة ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء من اجل استكمال الموضوع آخر تعديل *عبدالرحمن* 2021-02-10 في 05:38.
|
|||
2021-02-11, 05:46 | رقم المشاركة : 179 | ||||
|
اخوة الاسلام
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته حقيقة مفهوم "البر" في القرآن: ولنا الآن أن نتساءل عن مفهوم البر الذي تُقدِّمه هذه الآيات الكريمة اقتباس:
أن لُبَّ الشريعة هو إقامة مظاهرها الخارجية دون أن يكون لها رصيد في أعماق الضمير وأبعاد العقل. إن الآيات الكريمة تُقدِّم لنا مفهوم البر على أنه مفهومٌ واسع يشمل مجالاتِ الكينونة الإنسانيَّة كافة من عقيدة، وأخلاق، وشريعة، وعلاقات، وحضارة. 1- ركائز العقيدة ولقد كان انطلاق الآيات في إعادة صياغة تصور الإنسان لحقائق المنهج الرباني، من خلال أسس العقيدة التي يجب على الإنسان أن يعتقدها وهو يمارس فعله في الواقع الوجودي وما ذاك إلاَّ لأنَّ العقيدة هي الأساس العظيم الذي تقوم عليه إنسانيَّة الإنسان سواء التصوُّر العقلي، أم القيم الأخلاقيَّة، أم الواقع المعاش فبحسب طبيعة العقيدة التي يعتقدها الإنسان تتشكَّل طبيعة تصوراته العقلية، وقِيَمه الأخلاقية ونوعية العلاقات الاجتماعية التي يُنشِئُها مع باقي أفراد المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه ليشمل أفراد البشرية جمعاء من أجل ذلك تجد المنهج الربانيَّ يركز على العقيدة كأشدِّ ما يكون التركيز، ويفصِّل فيها القول ويضرب لها الأمثال، ولا يترك شيئًا يمكن أن يساهِم في بناء عقيدة تليق بإنسانية الإنسان وتترجم حقائق الوجود الكبرى كما هي عليه إلاَّ وعرَّج عليه ونبَّه إليه وما ذاك إلاَّ لأن العقيدة هي الأساس النفسي الذي ستقام عليها كلُّ التعاليم والإرشادات التي أتى بها المنهج القرآني إنَّ العقيدة هي الإنسان، والإنسان هو عقيدة في الأساس الأوَّل. 2- الإيمان باليوم الآخر: الركيزة الثانية التي يبني عليه القرآن نظامه العقدي هي عقيدة "الآخرة"، وعقيدة الآخرة في المنهج القرآني عقيدة لها خصائصها المميَّزة تضفي عليها معاني جليلة لا تجدها في باقي العقائد والمذاهب. إن القرآن الكريم يعتبر الآخرة ضرورة وجوديَّة بمعنى أن الآخرة ضرورة تحتِّمها طبيعة الإنسان، وتؤكدها طبيعة هذا العالم الذي يعيش فيه الإنسان ويكون من العبث السخيف بل المقيت تصورُ وجود الإنسان دون عقيدة الآخرة. 3- الإيمان بالملائكة: الركيزة الثالثة في العقيدة الإسلامية هي ركيزة: "الملائكة". وعقيدة "الملائكة" في المنهج الإسلامي عقيدةٌ فريدة وما تكْمُن فرائدُها الجليلة تلك إلاَّ في ذلك التصوُّر الكبير والجميل الذي يقدِّمه المنهج الإسلاميُّ للإنسان المسلم حول "الملائكة". 4- الإيمان بالكتب: الركيزة الرابعة في العقيدة الإسلامية هي ركيزة الإيمان بـ"الكتب". الإنسان - لأنه كائن مخلوق - لابُدَّ له من منهج كلِّيٍّ، شامل كامل يُتيح له توفيق مقتضيات حياته الدنيوية بحسب المهمة التي خُلِق لأجلها في هذا العالم، "مهمة العبودية". ولقد يكون الإنسان على قدر عظيم من الألمعيَّة العقليَّة والإحساس المرْهَف، والحكمة الصائبة ولكنْ كل أولئك لا يُمكِّنه من الاستغناء عن المنهج الرباني المطلق الشامل الكامل الذي يضع له المعالم، ويرسم له الخطوط ويُحدد له القوانين، التي من خلالها يستطيع أن يرقَى إلى مستوى الإنسانية الفاضلة التي خلقه الله - جلَّ جلالُه - عليها والتي يريد الله - جلَّ جلالُه - من الإنسان أن يُكيِّف حياته وَفق تعاليمها فالكتب إنما نزلتْ لأجل هذا المعنى وتأكيد هذه الحقيقة، حقيقة أن الإنسان خُلق في هذا العالم لأجل مهمة معيَّنة، ومن ثم لابد له من منهج يعينه على السير في طريقه نحو الأبدية، نحو الله. ومن هنا كان إنزال الكتب من لدن الله - سبحانه وتعالى - ضروريًّا رحمةً وفضلاً، فهو ضرورة تُوجِبها طبيعة الإنسان وتؤكدها الحكمة الإلهية، ويكون من المتعذر تصور وجود الإنسان دون شريعة من الله - تعالى - ترسم له الإطار الكلي - المتضمن للمعاني الجزئية - الذي يجب أن يسير فيه وتُحدد له المنهج الذي يجب أن يلتزم به في حياته. 5- الإيمان بالرسل: الركيزة الخامسة في العقيدة الإسلامية هي الإيمان بالرسل وهذه العقيدة تنبثق من العقيدة السابقة عقيدة الكتاب، فالأنبياء هم القدوة المُثْلَى للإنسان أثناء المسير إلى الله - تعالى - ولأجل تحقيق معاني الفطرة التي فطر الله عليه الإنسان ويكون من المستحيل تصورُ وجود الإنسان دون عقيدة الأنبياء لأن الإنسان من حيث هو كائن، عاقل، مريد متحرك، لابد له من قدوة حسنة أو سيئة. ولقد تحدَّث القرآن الكريم عن معشر الأنبياء كثيرًا ومن خلال تلك الآيات نستطيع معرفة معالم شخصيَّتِهم - عليهم الصلاة والسلام - وفهم حقيقة التصوُّر الذي يقدِّمه القرآن الكريم عن الإنسان "النبي، والرسول". الشريعة: بعد هذا التحديد لمعالم أصول العقيدة في المنهج القرآني يجئ الحديث عن تعاليم الشريعة، وذلك من خلال الحديث عن العلاقات الاجتماعية، ومحاسن الأخلاق. ولقد كان من الطبيعي جدًّا أن يجيء الحديث عن العلاقات الاجتماعية والعبادة، والأخلاق، بعد التأسيس لأصول العقيدة وما ذاك إلاَّ لما قلته لكم آنفًا من أنَّ الإنسان لابد له من قواعد تصوُّريَّة يرتكز عليها وهو يمارس حياته في عالم الواقع. وإنه لمن العجيب أن تتناول الآية الكريمة الحديثَ عن العلاقات الاجتماعية، مركزةً الحديث عن التكافل الاجتماعي دون غيره من المجالات الأخرى التي تتمثل فيها العلاقات الاجتماعية. ويبدو لي - والله أعلم - أن الآية تريد أن توحي للمتلقي - وهي تتحدث عن مفهوم "البر" - أن العلاقات الاجتماعية هي المظهر الأعظم لترجمة فاعليَّة التعاليم الدينية التي يؤمن بها الإنسان وخاصة أن التكافل الاجتماعي - وخاصة في جانب المال - يقتضي من صاحبه بعض التضحية لأجل الغير ومن ثم فإنَّ الإنسان الزاعمَ الانتماءَ لهذا المنهج الرباني والزاعمَ التقيُّدَ بتعاليمه، إذا لم يكن هناك ما يترجم تلك المزاعم في عالم الواقع أي: إذا لم يمارس التكافل الاجتماعي مع الناس فإنها لا تعد شيئًا، بل تظل كما هي مزاعم فارغة. والنقطة الثانية الملْفِتة للانتباه في توسط العبادة "الصلاة" في تأسيس العلاقات الاجتماعية، والأمر عندي - والله أعلم - أن الآية ترمي من وراء ذلك إلى ربط الإنسان الملتزم بالمنهج الرباني - وهو يمارس مفهوم التكافل الاجتماعي في الوسط الذي يعيش فيه بالله تعالى - حتى تتحقَّق بالنسبة إليه عدةُ أشياء: 1- منها الإخلاص: وهو أمر لابد منه سواءٌ في حياة الإنسان الفرد أو في حياة الإنسان المجتمع فبدون الإخلاص لا يستطيع الإنسان الارتقاءَ إلى المستوى الرفيع الذي يريد المنهج الرباني من الإنساني الارتقاءَ إليه ومن ثم لا يجد الإنسان الذي لا يخلص في عمله - وهو هنا التكافل الاجتماعي - بدًّا من السقوط في حمئة الأخلاق الفاسدة وهي كثيرة. 2- منها القوة: التي يجدها الإنسان المرتبط بالله - تعالى وهو يمارس تعاليم منهج الله - تعالى - في الحياة تلك القوة التي تسكب في كينونته معاني الانتصار على الوَهَن الذي يُصيب الإنسان عندما يفقد علاقته مع الله - تعالى والاستماتة في ممانعة هواتف السقوط التي تتجاذب الإنسان عندما يفقد علاقته مع الله - تعالى. 3- منها الأخوّة: التي يستشعرها الإنسان المخلص وهو يَمُدُّ يدَ العون لأخيه الإنسان والتي تملأ نفسَه بمشاعر الحب والمساواة والأخلاق الحميدة تُجاه باقي أفراد المجتمع. وهكذا يستطيع الإنسان المسلم أن يمارس حياته الاجتماعية بكل هدوء وسلام وحب واطمئنان. وبعد هذه الجولة الطويلة تختم الآيات بتقرير حقيقة مهمة: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ فهؤلاء المتَّصفون بهذا الأوصاف الجليلة والمتفاعلون معاليم الدين بهذا الشمول والتكامل (العقيدة الشريعة، الأخلاق، العبادة) هؤلاء هم وحدهم الذين صدقوا في التزام تعاليم هذا الدين ومارسوه في الواقع؛ واقعهم النفسي، وواقعهم الاجتماعي وهؤلاء هم وحدهم -كذلك - المتقون اخوة الاسلام و لمن اراد الاطلاع علي المزيد من التفاصيل https://www.alukah.net/sharia/0/7613/ و لنا عودة إن شاء الله للاستفادة من موضوع اخر |
||||
2021-02-12, 05:21 | رقم المشاركة : 180 | |||
|
اخوة الاسلام
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته جاء في النهي عن رفع المصلي بصره إلى السماء : ما روى البخاري (750) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ : لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ ) . والعلة في ذلك أن رفع البصر أثناء الصلاة ينافي الخشوع ويعرض المصلي للانشغال بما يراه . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فلما كان رفع البصر إلى السماء ينافي الخشوع حرمه النبي صلى الله عليه وسلم وتوعد عليه" انتهى من "القواعد النورانية" (ص 46) . وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " قوله: ( ورفع بصره إلى السماء ) أي : يكره رفع بصره إلى السماء وهو يصلي سواء في حال القراءة أو في حال الركوع أو في حال الرفع من الركوع أو في أي حال من الأحوال ؛ بدليل وتعليل: أما الدليل ، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لتخطفن أبصارهم ) أي : إما أن ينتهوا وإما أن يعاقبوا بهذه العقوبة وهي : أن تخطف أبصارهم فلا ترجع إليهم واشتد قوله صلى الله عليه وسلم في ذلك ... وأما التعليل : فلأن فيه سوء أدب مع الله تعالى لأن المصلي بين يدي الله ، فينبغي أن يتأدب معه وأن لا يرفع رأسه ، بل يكون خاضعا ولهذا قال عمرو بن العاص رضي الله عنه : إنه كان قبل أن يسلم يكره النبي صلى الله عليه وسلم كراهة شديدة ، حتى كان يحب أن يتمكن منه فيقتله فلما أسلم قال : ما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت . ولهذا كان القول الراجح في رفع البصر إلى السماء في الصلاة أنه حرام وليس بمكروه فقط " انتهى . "الشرح الممتع" (3/226) . وأما رفع البصر إلى السماء خارج الصلاة فلا حرج فيه ؛ لعدم ما يدل على المنع منه بل ذهب بعض الفقهاء إلى أن الرفع هو الأولى . جاء في "الموسوعة الفقهية" (8/99) : " نص الشافعية على أن الأولى في الدعاء خارج الصلاة رفع البصر إلى السماء وقال الغزالي منهم : لا يرفع الداعي بصره إليها " انتهى . وقال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" : " قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَة رَفْع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء فِي الدُّعَاء فِي غَيْر الصَّلَاة فَكَرِهَهُ شُرَيْح وَآخَرُونَ , وَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ " انتهى . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ولا يكره رفع بصره إلى السماء في الدعاء لفعله صلى الله عليه وسلم وهو قول مالك والشافعي ، ولا يستحب " انتهى . "الفتاوى الكبرى" (5/338) . وبَوَّب البخاري رحمه الله في صحيحه : باب رفع البصر إلى السماء وذكر قوله تعالى : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت ) الغاشية/17 ، 18 وقول عائشة رضي الله عنها : ( رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء ) أي : عند وفاته صلى الله عليه وسلم . ومراد البخاري رحمه الله بيان جواز رفع البصر إلى السماء وأن النهي خاص بحال الصلاة . ودل على جواز رفع البصر إلى السماء في الدعاء خارج الصلاة : ما رواه مسلم (2055) في قصة شرب المقداد رضي الله عنه لشراب النبي صلى الله عليه وسلم دون علمه وفيه : ( ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى ثُمَّ أَتَى شَرَابَهُ فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقُلْتُ : الْآنَ يَدْعُو عَلَيَّ فَأَهْلِكُ . فَقَالَ : اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي ، وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي ) . وروى أبو داود (3488) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا عِنْدَ الرُّكْنِ قَالَ : فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَضَحِكَ فَقَالَ : ( لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ثَلَاثًا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا ، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ ) والله أعلم . و لنا عودة إن شاء الله للاستفادة من موضوع اخر |
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc