رابعا :
إذا كان المرور بين يدي المصلي ممنوعا كله
سواء في ذلك الرجل أو المرأة
وإذا كان ذلك يؤثر أيضا في صلاته
فقد ذهب بعض أهل العلم في تأويل القطع المذكور في هذه الأحاديث، إلى أنه ليس المراد به إبطال الصلاة
وإلزام إعادتها، وإنما المراد به القطع عن إكمالها والخشوع فيها بالاشتغال بها، والالتفات إليها .
قال القرطبي رحمه الله :
" ذلك أن المرأة تفتن ، والحمار ينهق ، والكلب يروع ، فيتشوش المتفكر في ذلك حتى تنقطع عليه الصلاة وتفسد ، فلما كانت هذه الأمور آيلة إلى القطع ، جعلها قاطعة " .
انتهى من " المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم " (2/109) .
وقال ابن رجب رحمه الله ، بعد ما ذكر نحوا من هذا التأويل
" وأقرب من هذا التأويل: أن يقال: لما كان المصلي مشتغلا بمناجاة الله ، وهو في غاية القرب منه والخلوة به ، أمر المصلي بالاحتراز من دخول الشيطان في هذه الخلوة الخاصة
والقرب الخاص ؛ ولذلك شرعت السترة في الصلاة خشية من دخول الشيطان ، وكونه وليجة في هذه الحال ، فيقطع بذلك مواد الأنس والقرب
فإن الشيطان رجيم مطرود مبعد عن الحضرة الإلهية، فإذا تخلل في محل القرب الخاص للمصلي : أوجب تخلله بعدا وقطعا لمواد الرحمة والقرب والأنس .
فلهذا المعنى - والله اعلم - خصت هذه الثلاث بالاحتراز منها، وهي
المرأة ؛ فإن النساء حبائل الشيطان ، وإذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان، وإنما توصل الشيطان إلى إبعاد آدم من دار القرب بالنساء .
والكلب الأسود: شيطان ، كما نص عليه الحديث.
وكذلك الحمار؛ ولهذا يستعاذ بالله عند سماع صوته بالليل
لأنه يرى الشيطان
.
فلهذا أمر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدنو من السترة ، خشية أن يقطع الشيطان عليه صلاته ، وليس ذلك موجبا لإبطال الصلاة وإعادتها
والله أعلم ؛ وإنما هو منقص لها، كما نص عليه الصحابة ، كعمر وابن مسعود ، كما سبق ذكره في مرور الرجل بين يدي المصلي ، وقد أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدفعه وبمقاتلته
وقال: ( إنما هو شيطان ) ، وفي رواية : أن معه القرين ؛ لكن النقص الداخل بمرور هذه الحيوانات التي هي بالشيطان أخص : أكثر وأكثر، فهذا هو المراد بالقطع ، دون الإبطال والإلزام بالإعادة. والله اعلم. " .
انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (4/135) .
خامسا :
ليس من الإنصاف ولا من العدل في شيء : أن يعمد الباحث ، أيا ما كان دينه ، ومذهبه ، إلى نص منفرد ، مشتبه ، يحتمل من الدلالات
ما لا علاقة له بموضوع نظره وبحثه ، ثم يجعله طعنا في دين كامل متكامل التشريعات والآداب
كدين الإسلام ، متعاميا عن عشرات النصوص والأصول التي تكرم المرأة في ذلك الدين ، بما لم يكرمها غيره من الأديان ولا الشرائع ولا القوانين.
فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت ، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَال ).
رواه الترمذي (113)
وصححه الألباني في "صحيح ابي داود " (234 ) .
قال الخطابي:
" وقوله النساء شقائق الرجال ؛ أي نظائرهم وأمثالهم في الخلق والطباع ، فكأنهن شققن من الرجال ...
وفيه من الفقه ..
. أن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطابا للنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها "
انتهى من " معالم السنن " ( 1 / 79 ) .
واستدل أهل العلم بهذا الحديث على أن الأصل أن ما يجب للذكور يجب للإناث ، وما يجوز للذكور يجوز للإناث ولا يفرق بينهما إلا بنص .
ولهذا القرآن يخاطب المرأة كما يخاطب الرجل والنصوص على هذا كثيرة .
كقوله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل /97 .
وكقوله تعالى : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ
وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) الأحزاب/35.
وينظر للفائدة جواب هذا السؤال
المرأة ومكانتها في المجتمع
و لمزيد من الفائدة ايضا
متابعة الموضوع بالكامل من هنا
والله أعلم .