اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
شبهات حول النبي - صلى الله عليه وسلم - والرد عليها
قال الله تعالى: ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا *
انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا * تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا ﴾ [الفرقان: 7 - 10].
المناسبة بين المقطعين:
بعد أن أثاروا الشبهات حول الوحي المنزل فقالوا فيه ما قالوا؛ جاءت اعتراضاتهم على الرسول الذي أنزل عليه الوحي.
المعنى الإجمالي للمقطع:
شبهة الإنسان عبر البشرية عن كلِّ رسولٍ: ﴿ ... هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 3].
﴿ ... مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ﴾ [المؤمنون: 24].
قاله قوم نوح عليه السلام، وقاله قوم شعيب عليه السلام حينما دعاهم إلى الالتزام بالحق والعدل في التعامل وترك الجور والظلم والإفساد في الأرض ﴿ وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [الشعراء: 186].
وقاله قوم صالح عليه السلام: ﴿ فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ﴾ [القمر: 24].
وهي السنة في جميع الأقوام ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [التغابن: 5 - 6].
كان هذا استغراب الناس خلال تاريخ الرسل والنبوات، وذلك جهل منهم بحكمة الله سبحانه وتعالى وسنّته في الرسالات، وجهل بقيمة الإنسان في ميزان الله العلي الحكيم.
أما جهلهم بحكمة الله فإن الإنسان خلق لأداء مهمة على وجه الأرض، وهي عبادة الله سبحانه وتعالى ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ *
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].
ولمعرفة المهمة والتكاليف لا بد من تبليغ وبيان. والطرق المتصورة في التبليغ ثلاث، لا رابع لها، فإما أن يبلّغ كلّ فرد مباشرة من ربه وهذا ينافي الحكمة من الابتلاء إذ الابتلاء يقتضي الاختيار في الإرادة.
والطريق الثاني في التبليغ أن يرسل إليهم رسولاً من غير جنسهم من الملائكة أو الجن، فإن كانوا على صورتهم الأصلية لا تتحقق معه الغاية
ن التبليغ، لأنهم لو أتوهم على صورتهم الأصلية لا يتحقق معه التلقي والبيان والتطبيق العملي والقدوة حيث لا انسجام بين التكوينين.
يقول تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ﴾ [الأنعام: 8 - 9].
وإذا ظهروا لهم على صورة البشر كانت مطابقة للطريقة الثالثة وهي أن يكون الرسول من جنس البشر وهي الطريقة التي يتحقق معها المراد من إرسال الرسل.
إن الحكمة الإلهية لا تتحقق إلا أن يكون رسول البشر من البشر «واحد من البشر يحس إحساسهم ويتذوق مواجدهم، ويعاني تجاربهم، ويدرك آلامهم وآمالهم، ويعرف نوازعهم وأشواقهم ويعلم ضروراتهم وأثقالهم،..
. ومن ثمّ يعطف على ضعيفهم ونقصهم ويرجو في قوتهم واستعلائهم، ويسير بهم خطوة خطوة، وهو يفهم ويقدر براعتهم وتأثراتهم واستجاباتهم، لأنه في النهاية واحد منهم، يرتاد بهم الطريق إلى الله
بوحي من الله وعون منه على وعثاء الطريق. وهم من جانبهم يجدون فيه القدوة الممكنة التقليد، لأنه بشر منهم يتسامى بهم رويداً رويداً، ويعيش بالأخلاق والأعمال والتكاليف التي يبلغهم
أن الله قد فرضها عليهم، وأرادها منهم، فيكون هو بشخصه ترجمة حية للعقيدة التي يحملها إليهم، وتكون حياته وحركاته وأعماله صفحة معرضة لهم ينقلونها سطراً سطراً، ويحققونها معنى معنى وهم يرونها بينهم
فتهفو نفوسهم إلى تقليدها، لأنها ممثلة في إنسان، ولو كان ملكاً ما فكروا في عمله ولا حاولوا
أن يقلدوه، لأنهم منذ البدء يشعرون أن طبيعته غير طبيعتهم، فلا جرم ولا حاولوا أن يقلدوه، لأنهم منذ البدء يشعرون أن طبيعته غير طبيعتهم
فلا جرم يكون سلوكه غير سلوكهم على غير أمل في محاكاته ولا شوق إلى تحقيق صورته
في ظلال القرآن: 5/ 2553.
فالاعتراض على بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم جهل بهذه الحكمة الربانية.
ولقد جرت سنّة الله أن يكون الرسول من جنس المرسل إليهم لأن الحكمة والغاية لا تتحقق إلا بذلك
يقول جلّ شأنه: ﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 94 - 95].
كما أن الاعتراض على بشرية الرسول جهل بقيمة الإنسان في ميزان العلي الحكيم، إن الإنسان خلق من مادة الطين لأنه مهيأ للحياة على هذه الأرض ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55].
ولكن التكريم جاء من نفخة الروح التي استحق بها إسجاد الملائكة له ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [سورة ص: 71 - 72].
بهذه النفخة الإلهية تميز وصار إنساناً، واستخلف في الأرض... وقد أودع الاستعداد للاتصال بالملأ الأعلى عن طريق تلك النفخة العلوية.
إذن لا مجال للإنكار على بشرية الرسل إذا أدرك العاقل مكانة الإنسان في ميزان الله وإذا أدرك حكمة الله في النبوات والرسالات.
ولكن للبشر الحق أن يطلبوا من الرسل أن يأتوهم ببراهين على صدق اتصالهم بالملأ الأعلى إذ لا علامات فارقة لهم عن سائر البشر، ولم ينكر القرآن عليهم هذا الطلب.
فعندما طلب قوم صالح العلامة والبرهان من رسولهم بقولهم: ﴿ مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآَيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الشعراء: 154]. لم ينكر عليهم هذا الطلب، وإنما استجاب لهم فقال
: ﴿ قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الشعراء: 155 - 156].
ولكن القوم إذا حددوا المعجزة التي يريدونها ولم يتحولوا عنها إلى غيرها، أوخذوا على هذا الجمود في الطلب. فإن الوصول إلى الحقيقة هدف العاقل المنصف
فإذا ظهرت له الآية (البرهان، المعجزة، الخارقة) على يد رسول وأدرك أنها حق وليست في مقدور البشر، عليه أن يؤمن وبه ويخضع للبرهان الذي ظهر له.
ولو طلب القوم من رسولهم تحويل مجرى نهر من وجهة إلى أخرى، أو إزالة جبل من مكانه إلى مكان آخر،
فقال لهم رسولهم: إنه يأتيهم بغير هذين الأمرين وهما ليسا من مقدور البشر، بأن يشير إلى شجرة فتأتمر بأمره وتنتقل من مكان إلى مكان آخر، ثم يأمرها فتعود إلى مكانها الأول أو يكلم حجراً فيسمع الناس كلامه.
لا فرق في عالم الخوارق ودلالاتها بين ما طلبوا وبين ماجاءهم به رسولهم لأنها كلها خارج مقدور البشر. فلا معنى لجمودهم على ما طلبوا، وعلى العاقل أن يستسلم ويقرّ أن هذه الخارقة كافية لإثبات صدق من جاء به.
لذا جرت سنّة الله تعالى على الأقوام أنهم إذا حددوا خارقة معينة ولم يتحولوا عنها ولم يقبلوا نصيحة الرسول بالتحول عنها إلى غيرها، واستجيب لهم في مطلبهم ذاك ثم ارتدوا على أ
عقابهم كان العذاب المستأصل مصيرهم، هذه السنّة بيّنها
قول الله تعالى: ﴿ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [المائدة: 115]. وهذا ما حدث لقوم صالح عندما أصروا على إخراج الناقة من الصخرة الصماء.
كما أننا نلحظ من خلال اقتراحاتهم عن الرسول وامتيازاته، أن لهم قيماً محددة دفعتهم إلى ذلك. ففي تصوراتهم أن يكون الرسول في غنى عن الطعام والشراب
﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآَخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ
* أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ * هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [المؤمنون: 33 - 38].
وإن احتاج إلى الطعام والشراب فينبغي أن يكون مكفياً عن ذلك بأتباعه ونفره فلا يحتاج للمشي في الأسواق للتكسب والسعي على الرزق.
أو ينزل عليه ملك للنصرة والتأييد فينذر معانديه ويخوفهم من البطش بهم، أو يلقى إليه كنز من السماء
من العادة أن تُحصَّل الكنوز من باطن الأرض فلا يطلق الكنز إلا على مدخرات الأمم القديمة التي دفنوها في باطن الأرض لإخراجه عند الحاجة، ولكن القوم اقترحوا إنزاله عليه من السماء إمعاناً في التعجيز.
كما في قوله تعالى: ﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [هود: 12].