الصحابي الجليل، الخليفةُ والملك القائد،صاحب الفتوحات الإسلامية،
والقائد المُحنَّك، وداهية زمانه: معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه.
من هو مُعاوية؟
هو: معاوية بن أبي سفيان، واسم أبي سفيان: صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، يكنى أبا عبد الرحمن.
أمه: هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وأمها: صفية بنت أمية بن حارثة بن الأقوص بن سليم.
كان أبيض طويلاًن أبيض الرأس واللحية، أصابته لُقوةٌ (اللّقوة: داء يصيب الوجه) في آخر حياته.
قال أسلم مولى عمر: قَدِمَ علينا معاوية وهو أبيض الناس وأجملهم.
ولقد كان حليماً وقوراً، رئيساً سيداً في الناس، كريماً عادلاً شهماً.
قال المدائني: عن صالح بن كيسان قال: رأى بعض منفرسي العرب معاوية وهو صغير، فقال: إني لأظن هذا الغلام سيسود قومه. فقالت هند- أم معاوية- ثكِلْتُهُ إن كان لا يسود إلا قومه.
إسلامه
أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد وأمه يوم فتح مكة.
وروي عنه أنه قال: أسلمتُ يوم القضيَّة- أي: يوم عمرة القضاء-، وكتمت إسلامي خوفاً من أبي.
قال معاوية: لمّا كان يوم الحديبية وصدّت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيت، ودافعوه بالروحاء وكتبوا بينهم القضيَّة، وقع الإسلام في قلبي، فذكرت ذلك لأمي هند بنت عتبة، فقالت: إيَّاك أن تخالف أباك، وأن تقطع أمراً دونه فيقطع عنك القوت، وكان أبي يومئذ غائباً في سوق حُباشة. قال: فأسلمت وأخفيت إسلامي، فوالله لقد رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية وإني مصدقٌ به، وأنا على ذلك أكتمه من أبي سفيان، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة القضية وأنا مسلم مصدق به، وعَلِمَ أبو سفيان بإسلامي فقال لي يوماً: لكن أخوك خير منك، وهو على ديني، فقلت: لم آل نفسي خيراً.
قد جاءت في فصله أدلة من الكتاب والسنة وهي تنقسم إلى قسمين :
1- أدلة عامة :وهي التي جاءت في فضائل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ولا شك أن معاوية رضي الله عنه داخل في هذا الفضل .
لا شك أن معاوية رضي الله عنه يدخل في عموم الآيات التي وردت في فضائل الصحابة ، ولن أطيل في ذكر الآيات الواردة ، فمن ذلك :
1- قال تعالى : "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما " [ الفتح : 29 ] ولو لم يكن في الصحابة إلا هذه الآية لكفتهم رضي الله عنهم .
2- وقال تعالى : "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى" [ الحديد : 10 ] .
وغير ذلك من الآيات التي وردت في مدح الصحابة عموما ومنهم معاوية رضي الله عنه ، وليس المقام مقام حصر.
أما الثناء على الصحابة ومنهم معاوية رضي الله عنه في السنة كثير جدا فمن ذلك :
1- عن أبي بردة ، عن أبيه قال : صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا : لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء ، قال : فجلسنا ؛ فخرج علينا فقال : ما زلتم هاهنا ؟ قلنا : يا رسول الله صلينا معك المغرب ، ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء ، قال : أحسنتم ، أو أصبتم ، قال : فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا مما يرفع رأسه إلى السماء فقال : النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون . رواه مسلم (2531) .
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه .رواه البخاري (3673) ، ومسلم (2540) .
فما الذي يخرج معاوية رضي الله عنه من عموم هذه الأدلة ؟!
قال ابن القيم رحمه الله في « المنار المنيف » (93) : « فيما صح في مناقب الصحاب على العموم ومناقب قريش فمعاوية رضي الله عنه داخل فيه » .
2- أدلة خاصة :
جاءت في فضل معاوية بخصوصه وإليك هذه الأدلة التي تدل على فضله رضي الله عنه وبعض آثار السلف رحمهم الله تعالى .
* قال عمير بن سعد رضي الله عنه : لا تذكروا معاوية إلا بخير فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « اللهم أجعله هادياً مهدياً وأهد به » .رواه البخاري في « التاريخ الكبير » (5/240) ، وأحمد في « المسند » (17929) ، والترمذي في « جامعه » (3843) ، والطبراني في « المعجم الأوسط » (656) ، وفي « مسند الشاميين » (2198) ، وابن أبي عاصم في « الآحاد والمثاني » (3129) ، والأجري في « الشريعة » (1915،1914) ، والخطيب في « تاريخه » (1/207) ، وأبو نعيم في « الحلية » (8/358) ، وفي « أخبار أصبهان » (1/180) ، والخلال في « السنة » (676)وهو صحيح .
* روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس قال : كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب ، فجاء فحطأني حطاة (الحَطْأة : الضرب باليد مبسوطة بين الكتفين . شرح النووي مع مسلم (16/156) , وانظر النهاية (4/89) , ولسان العرب (1/57) وقال : « اذهب وادع لي معاوية » ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، قال : ثم قال لي : « أذهب فادع لي معاوية » . قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، فقال : « لا أشبع الله بطنه » .
قال الحافظ ابن عساكر : « أصح ما ورد في فضل معاوية » .
وقال الإمام النووي رحمه الله في « شرحه على مسلم » (16/156) : « قد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه فلهذا أدخله في هذا الباب ، وجعله من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له » .
وقال الحافظ الذهبي في « تذكرة الحفاظ » (2/699) : « لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: « اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة » .
* عن عائشة قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان ، فكلماه بشيء لا أدري ما هو ؟فأغضباه ، فلعنهما ، وسبهما فلما خرجا قلت : يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان ، قال : وما ذاك ؟ قالت : قلت : لعنتهما وسببتهما ، قال : أو ما علمت ما شارطت عليه ربي ؟ قلت : اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا . رواه مسلم (2600) .
وفي رواية : "أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة" .
وفي رواية : "فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته اجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة" .
وفي رواية : "إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر ، وإني قد اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه ، فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة " .
وفي رواية : "إني اشترطت على ربي فقلت : إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر ، وأغضب كما يغضب البشر ، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة " .
قال النووي عن هذه الروايات: وهذه الرواية المذكورة آخرا - يقصد : إني اشترطت على ربي - تبين المراد بباقي الروايات المطلقة ، وأنه إنما يكون دعاؤه عليه رحمة وكفارة وزكاة ونحو ذلك إذا لم يكن أهلا للدعاء عليه والسب واللعن ونحوه ، وكان مسلما , وإلا فقد دعا صلى الله عليه وسلم على الكفار والمنافقين ، ولم يكن ذلك لهم رحمة .
فإن قيل : كيف يدعو على من ليس هو بأهل الدعاء عليه أو يسبه أو يلعنه ونحو ذلك ؟
فالجواب ما أجاب به العلماء ، ومختصره وجهان :
أحدهما أن المراد ليس بأهل لذلك عند الله تعالى ، وفي باطن الأمر ، ولكنه في الظاهر مستوجب له ، فيظهر له صلى الله عليه وسلم استحقاقه لذلك بأمارة شرعية ، ويكون في باطن الأمر ليس أهلا لذلك ، وهو صلى الله عليه وسلم مأمور بالحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر .
والثاني أن ما وقع من سبه ودعائه ونحوه ليس بمقصود ، بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية ، كقوله : تربت يمينك ، عقرى حلقى وفي هذا الحديث (لا كبرت سنك) وفي حديث معاوية (لا أشبع الله بطنك) ونحو ذلك لا يقصدون بشيء من ذلك حقيقة الدعاء ، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من ذلك إجابة ، فسأل ربه سبحانه وتعالى ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة وكفارة ، وقربة وطهورا وأجرا وإنما كان يقع هذا منه في النادر والشاذ من الأزمان ، ولم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ولا لعانا ولا منتقما لنفسه ، وقد سبق في هذا الحديث أنهم قالوا : ادع على دوس ، فقال : "اللهم اهد دوسا" وقال: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " والله أعلم .ا.هـ. شرح النووي على مسلم (16/ 151- 153)
وقال في « سير النبلاء: « لعل أن يقال هذه منقبة لمعاوية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « اللهم من لعنته أو سببته فاجعل ذلك زكاة ورحمة » . » (14/130)
* أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه ( 2636) , ومسلم (5925) عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت : نام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قريباً مني ثم أستيقظ يبتسم فقلت : ما أضحكك ؟ قال : « أناس من أمتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة » ، قالت : فادع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها ثم نام الثانية ففعل مثلها فقالت قولها ، فأجابها مثلها ، فقالت : أدع الله أن يجعلني منهم ، فقال : « أنت من الأولين » فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين فنزلوا الشام فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت .
وأخرج البخاري (2766) أيضاً من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا » ، قالت أم حرام : قلت : يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : « أنت فيهم » ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : « أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر - أي القسطنطينية - مغفور لهم » ، فقلت : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : « لا » .
وهذا الحديث فيه منقبة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وذلك لأن أول جيش غزى في البحر كان بإمرة معاوية (فتح الباري (11/75) .
قال ابن حجر في « الفتح » (6/120) : « قال المهلب في هذا الحديث : منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر » .
وقال ابن حجر في « الفتح » أيضاً (6/121) : « ومعنى أوجبوا : أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة » .
وقال المناوي في « فيض القدير » (3/84) : « أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة أو أوجبوا لأنفسهم المغفرة والرحمة » .
قال ابن عبدالبر في « التمهيد » (1/235) : « وفيه فضل لمعاوية رحمه الله إذ جعل من غزا تحت رايته من الأولين ورؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم وحي » .
وقال ابن حجر في « الفتح » (11/3) : « قوله : « ناس من أمتي عرضوا علي غزاة ... » يشعر بأن ضحكه كان إعجاباً بهم ، وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة » .
ومن مناقبه أنه أحد كتاب الوحي :
في « صحيح مسلم » (2501) عن ابن عباس قال : كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا نبي الله ثلاث أعطنيهن . قال : نعم . قال : عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها . قال : نعم (3) . قال : ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك . قال : نعم . قال : وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين . قال : نعم .
قال الإمام أحمد : معاوية رضي الله عنه كاتبه وصاحبه وصهره وأمينه على وحيه عز وجل (انظر الشريعة للآجري (5/2466) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (2785) اللالكائي , وتاريخ بغداد (1/233) للخطيب البغدادي , وتاريخ دمشق (59/208) لابن عساكر) .
وقد نقل الإمام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (4/427) قول ابن المطهر الرافضي عن أهل السنة « وسموه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة من الوحي » ا.هـ قال الإمام ابن تيمية : « فهذا قول بلا حجة , فما الدليل على أنه لم يكتب له كلمة واحدة من الوحي , وإنما كان يكتب له الرسائل » ا.هـ.
وقال في (4/442) من منهاج السنة عن معاوية : « هو واحد من كتاب الوحي » .
وفي كتاب السنة للخلال (2/434) قال الإمام أحمد رحمه الله فيمن قال : لا أقول أن معاوية كاتب الوحي ولا أقول أنه خال المؤمنين , فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟ ! هذا قول سوء رديء يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون ونبين أمرهم للناس . وسنده صحيح .
* ومن مناقبه أنه خال المؤمنين (انظر لمعة الاعتقاد (155) , ومنهاج السنة (4/369) , والبداية والنهاية (8/18) :
قال أبو يعلى في تنزيه خال المؤمنين ص (106) : « ويسمى إخوة أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوال المؤمنين , ولسنا نريد بذلك أنهم أخوال في الحقيقة , كأخوال الأمهات من النسب , وإنما نريد أنهم في حكم الأخوال في بعض الأحكام , وهو التعظيم لهم » ا.هـ.
وروى الخلال في السنة (3/434) بسند صحيح قال أبو بكر المروذي : سمعت هارون بن عبدالله يقول لأبي عبدالله : « جاءني كتاب من الرَّقة أن قوماً قالوا : لا تقول معاوية خال المؤمنين فغضب وقال : ما اعتراضهم في هذا الموضع ؟ يُجفون حتى يتوبوا » .
وقال الإمام أحمد في السنة (2/433) : « أقول : معاوية خال المؤمنين , وابن عمر خال المؤمنين ؟ قال : نعم معاوية أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما , وابن عمر أخو حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما » وسنده صحيح .
* ومن مناقبه أن عمر رضي الله عنه ولاه على الشام وأقره عثمان رضي الله عليه أيضا مدة خلافته كلها وحسبك بمن يوليه عمر وعثمان رضي الله عنهما على الشام نحوا من عشرين سنة فيضبطه ولا يعرف عنه عجز ولا خيانة (انظر تنزيه خال المؤمنين لأبي يعلى ص (106) .
قال الهيتمي في « تطهير الجنان » (20) :
« اتفاق كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وهما من هما في الفضل والصحبة ولهما المكان الأعلى والمثل من الورع والدين والتقى وسداد الرأي وحسن الفكر وتمام النظر ، على تأمير معاوية رضي الله عنه على الشام لهو اكبر دليل على فضل معاوية واستحقاقه لهذه المنزلة .. فأي فضل بعد هذا ؟!
ومنها أن عمر رضي الله عنه مدحه وأثنى عليه ، وولاه دمشق الشام مدة خلافة عمر ، وكذلك عثمان رضي الله عنه وناهيك بهذه منقبة عظيمة من مناقب معاوية ومن الذين كان عمر يرضى به لهذه الولاية الواسعة المستمرة وإذا تأملت عزل عمر لسعد بن أبي وقاص الأفضل من معاوية بمراتب وإبقائه لمعاوية على عمله من غير عزل له علمت بذلك أن هذه ينبئ عن رفعة كبيرة لمعاوية وانه لم يكن ولا طرأ فيه قادح من قوادح الولاية وإلا لما ولاه عمر أو لعزله وكذا عثمان وقد شكا أهل الأقطار كثيراً من ولاتهم على عمر وعثمان فعزلا عنهم من شكوهم وإن جلت مراتبهم وأما معاوية فأقام في إمارته على دمشق الشام هذه المدة الطويلة ، فلم يشك أحد منه ، ولا اتهمه بجور ولا مظلمة ، فتأمل ذلك ليزداد اعتقادك أو لتسلم من الغباوة والعناد والبهتان » .
قال الذهبي في « السير » (3/132) : « حسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم - وهو ثغر - فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويرضى الناس بسخائه وحلمه وإن كان بعضهم تألم مرة منه وكذلك فليكن الملك وإن كان غيره من أصحاب رسول الله ؟ خيراً منه بكثير ، وأفضل وأصلح ، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه ، وسعة نفسه وقوة دهائه ، ورأيه وله هنات وأمور ، والله الموعد . وكان محبباً على رعيته ، عمل نيابة الشام عشرين سنة والخلافة عشرين سنة ولم يهجه أحد في دولته ، بل دانت له الأمم وحكم على العرب والعجم ، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك » .
* ومن مناقبه أنه من خير الملوك :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في « الفتاوى » (4/478) بالإجماع وانظر « سير أعلام النبلاء » (3/159) ، وقال ابن أبي العز الحنفي في « شرحه على الطحاوية » (2/302) « وأول ملوك المسلمين معاوية رضي الله عنه وهو خير ملوك المسلمين » . وانظر « البداية والنهاية » (8/93) . وتفسير القرآن العظيم (2/15) لابن كثير .
ثناء السلف على معاوية رضي الله عنه
* في « صحيح البخاري » (3765) قيل لابن عباس : هل لك في أمير معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة ، قال : إنه فقيه .
* وروى معمر في جامعه ( برقم : 20985) ، والخلال في « السنة » (2/440) برقم (677) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/175) من طريق وهب بن منبه (عند البخاري في التاريخ الكبير (7/327) همام بن منبه . وكذلك عند الخلال في السنة (3/440) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من معاوية كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب ولم يكن بالضيق الحصر العُصعُص (العُصعُص : النكد قليل الخبر . النهاية (3/248)) المتغضب . وإسناده صحيح . ورواه أيضاً البلاذري في أنساب الأشراف (5/54) من طريق أبي عبدالله الحنفي عن رجل عن ابن عباس رضي الله عنهما .
* روى الطبراني في « مسند الشاميين » (283) ، وأبو نعيم في « الحلية » (8/275) من طريق سعيد بن عبدالعزيز عن إسماعيل بن عبد الله عن قيس بن الحارث عن الصنابحي عن أبي الدرداء قال : ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله من أميركم هذا - يعني معاوية - . قيل لقيس : أين صلاته من صلاة عمر . قال : لا أخالها إلا مثلها . ورجاله ثقات .
قال الهيثمي في « المجمع » (9/357) : « ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير قيس بن الحارث المذحجي وهو ثقة » .
* روى اللالكائي في « شرح أصول اعتقاد أهل السنة » (2781) ، والخلال في « السنة » (2/442) رقم (680) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/173) من طريق جبلة بن سحيم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية ، فقيل : ولا أبوك ؟ قال : أبي عمر رحمه الله خير من معاوية وكان معاوية أسود منه (أسود : أي أسخى . هكذا فسره الإمام أحمد كما في السنة (2/441) للخلال بسند صحيح) . وجاء ما يقويه فرواه أيضاً الخلال في « السنة » (2/442-443) وبرقم (679و 681) بنحوه ، وابن عساكر في « تاريخه » (59/174) ، والبخاري في « التاريخ الكبير » (7/327) مختصراً من طريق نافع عن ابن عمر . وانظر : « سير أعلام النبلاء » (3/153) فهو حسن .
روى ابن عساكر في « تاريخ مدينة دمشق » (59/185) من طريق ابن أبي الدنيا حدثني المفضل بن غسان حدثنا علي بن صالح حدثنا عامر بن صالح عن هشام بن عروة قال صلى بنا عبدالله بن الزبير يوماً من الأيام فوجم بعد الصلاة ساعة فقال الناس : لقد حدث نفسه ثم التفت إلينا فقال : لا يبعدن ابن هند إن كانت فيه لمخارج لا نجدها في أحد بعده أبداً والله إن كنا لنفرقه وما الليث على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا , وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا , والله لوددت أنا متعنا به ما دام في هذا الجبل حجر , وأشار إلى أبي قبيس لا يتحول له عقل , ولا ينقص له قوة , قال فقلنا أوحش والله الرجل . وسنده صحيح . ورواه البلاذري في أنساب الأشراف (5/91) عن المدائني عن أبي عبدالرحمن بن إسماعيل عن هشام . بنحوه .
* روى ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/211) وبنحوه الآجري في « كتاب الشريعة » (5/2466) عن عبدالله بن المبارك أيهما أفضل : معاوية بن أبي سفيان أم عمر بن عبدالعزيز ؟ فقال : والله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : سمع الله لمن حمده ، فقال معاوية : ربنا ولك الحمد فما بعد هذا ؟ .
* وأخرج الآجري « كتاب الشريعة » (5/2466) ، واللالكائي في « شرح السنة » (2785) ، والخطيب البغدادي في « تاريخه » (1/233) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/208) ، بسند صحيح عن الجراح الموصلي قال : سمعت رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال : يا أبا مسعود ، أين عمر بن عبدالعزيز من معاوية بن أبي سفيان ؟! فرأيته غضب غضباً شديداً وقال : لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد ، معاوية رضي الله عنه كاتبه وصاحبه وصهره وأمينه على وحيه عز وجل .. الحديث .
* وأخرج الآجري في « كتاب الشريعة » (5/2465) ، وابن عبد البر في « جامع بيان العلم وفضله » (2/185) ، والخلال في « السنة » (2/434) ورقم (666) بإسناد صحيح عن أبي أسامة حماد بن أسامة ، قيل له : أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبدالعزيز .
فقال لا يقاس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خير الناس قرني » .
* روى الخلال في « السنة » بسند صحيح (2/434) ورقم (660) عن أبي بكر المروذي قال : قلت لأبي عبدالله أيهما أفضل : معاوية أو عمر بن عبدالعزيز ؟ فقال : معاوية أفضل ، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : « خير الناس قرني الذي بعثت فيهم » (وانظر السنة للخلال أيضاً (2/434-435) رقم (661-662) .
* وروى الخلال في « السنة » بسند صحيح (2/435) ورقم (664) سئل المعافي بن عمران الأزدي : معاوية أفضل أو عمر بن عبدالعزيز ؟ فقال : كان معاوية أفضل من ستمائة مثل عمر بن عبدالعزيز .
* روى الخلال في « كتاب السنة » (2/438) ورقم (669) ، والآجري في « الشريعة » (5/2465) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/172) عن مجاهد قال : لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي . وسنده جيد (وانظر مجمع الزوائد (9/357)) .
* روى الخلال في « كتاب السنة » (2/444) ورقم (683) عن الزهري قال : عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئاً . وسنده صحيح .
* روى الخلال في « السنة » (2/432) ورقم (654) ، واللالكائي في « شرح أصول اعتقاد أهل السنة » (8/1532) عن عبدالملك بن عبدالحميد الميموني قال : قلت لأحمد بن حنبل : أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم : « كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي » ؟ قال : بلى ، قلت : وهذه لمعاوية ؟ قال : نعم ، له صهر ونسب , قال : وسمعت ابن حنبل يقول : ما لهم ولمعاوية نسأل الله العافية وإسناده صحيح .
* وروى الخلال في « السنة » (2/438) ورقم (670) من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق السبيعي : ما رأيت بعده مثله يعني معاوية . وسنده صحيح .
وما أجمل ما رواه الخطيب البغدادي في « تاريخ بغداد » (1/208) وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (58/168) من طريق ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير إن مسور بن مخرمة قدم وافداً إلى معاوية بن أبي سفيان فقضى حاجته ثم دعاه فأخلاه فقال : يا مسور ما فعل طعنك على الأئمة . قال المسور : دعنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له . فقال معاوية : لا والله لتكلمن بذات نفسك والذي نقمت علي . قال المسور : فلم أترك شيئاً أعيبه عليه إلا بينته له . فقال معاوية : لا أبرأ من ذنب فهل تعد لنا يا مسور مما نلي من الإصلاح في أمر العامة فإن الحسنة بعشر أمثالها أم تعد الذنوب . فقال معاوية : فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنباه ، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلك إن لم يعفو الله لك . فقال المسور : نعم . فقال معاوية : فما جعلك برجاء المغفرة أحق مني فو الله لما آلي من الإصلاح أكثر مما تلي ولكن والله لا أخير بين أمرين أمر لله وغيره إلا اخترت أمر الله على ما سواه وإني لعلى دين يقبل فيه العمل ويجزى فيه بالحسنات والذنوب إلا أن يعفو الله عنها فإني أحسب كل حسنة عملتها بأضعافها من الأجر وآلي أموراً عظاماً لا أحصيها ولا يحصيها من عمل بها لله في إقامة الصلوات للمسلمين والجهاد في سبيل الله والحكم بما أنزل الله والأمور التي لست أحصيها وإن عددتها فتكفي في ذلك . قال مسور : فعرفت أن معاوية قد خصمني حين ذكر ما ذكر ، قال عروة بن الزبير : لم أسمع المسور بعد يذكر معاوية إلا صلى عليه .
ورواه عبدالرزاق في « مصنفه » (7/207) بنحوه من طريق معمر عن الزهري عن حميد بن عبدالرحمن عن المسور وإسناده صحيح .
قال ابن عبدالبر في « الاستيعاب » (671) : « وهذا الخبر من أصح ما يروى من حديث ابن شهاب رواه عنه معمر وجماعة من أصحابه » .
ورواه أيضاً شعيب عن الزهري عن عروة عن المسور بنحوه (انظر : منهاج السنة النبوية (4/385) , البداية والنهاية (8/92).
ورواه بنحوه البلاذري في أنساب الأشراف (5/53) من طريق عبدالحميد بن جعفر عن عبدالرحمن بن المسور بن مخرمه عن أبيه (14) .ورواه أيضاً البلاذري (5/42) بنحوه من طريق آخر .
كتبه وأملاه/سعد بن ضيدان السبيعي
عضو الدعوة بوزارة الشئون الإسلامية
سل السنان في الدفاع عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
( الجواب عن ستة أباطيل قيلت في حق معاوية رضي الله عنه)!!
لله ثم للتاريخ أن هذه الأباطيل والشبهات التي قيلت في ذم معاوية رضي الله عنه ليست بشيء !
ولولا أنها ذكرت وسودت بها الطرس ، وأوهم من ذكرها أن فيها تحقيقا علميا حديثيا ، وإنقاذا للتاريخ الإسلامي , وإلا لكان الإضراب عنها صفحا أولى من ذكرها .
فإن الإعراض عن القول المطرح الساقط أفضل وأحرى لإماتته ، وإخمال ذكر قائله وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه .
وما سأذكره من هذه الأباطيل التي ذكرت في معاوية رضي الله عنه يرويها الإخباريون وأهل التاريخ بلا زمام ولا خطام ،ويتولى كبر الترويج لها أهل البدع والأهواء ..
ومنها من يكون رواتها من المتروكين
* كأبي مخنف لوط بن يحيى إخباري تالف لا يوثق به .قال ابن عدي : شيعي محترق صاحب أخبارهم ، وتركه أبو حاتم .
انظر ترجمته « الكامل لابن عدي » (6/93) ، « الضعفاء » للعقيلي (4/190) ، « لسان الميزان » (2/430) .
0ونصر بن مزاحم صاحب كتاب صفين .رافضي متروك الحديث .قال الذهبي في « الميزان » (4/253) : رافضي جلد تركوه .
0ومحمد بن السائب الكلبي المفسر الإخباري متروك الحديث أيضا . انظر « التهذيب » (3/569) ، « الميزان » (3/556) .
* ومحمد بن عمر الواقدي متروك .قال البخاري : الواقدي مدني سكن بغداد متروك الحديث تركه أحمد وابن المبارك وابن نمير وإسماعيل بن زكريا .وقال أبو زرعة الرازي وأبو بشر الدولابي والعقيلي متروك الحديث .وقال الذهبي في « الميزان » (3/666) استقر الإجماع على وهن الواقدي .
0والبلاذري أحمد بن يحيى بن جابر بن داود المتوفى سنة 279هـ صاحب كتاب« أنساب الأشراف »
وهو وإن كان صدوقا في نفسه إلا أنه انفرد بذكر آثار وقصص في ذم معاوية لا يتابع عليها - وأطال في ترجمته جدا - وقد أنكرها أهل الحديث عليه ، نقل ذلك هو بنفسه فقال في « أنساب الأشراف » (5/81) : « قال لي هشام بن عمار : نظرت في أحاديث معاوية عندكم فوجدت أكثرها مصنوعا » وذكر مثالا لذلك !
وهشام بن عمار رحمه الله المتوفى سنة 245هـ إمام من أئمة الحديث من شيوخ البخاري ومن شيوخ البلاذري نفسه . اهـ
لما رأيت هذه الأكاذيب لاأدري لم تذكرت حينها؟!
قول أبي توبة الحلبي الربيع بن نافع رحمه الله : « معاوية بن أبي سفيان ستر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترا على ما وراءه » رواه الخطيب البغدادي في تاريخه (1/209) وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/209) (البداية والنهاية ( 8 / 139 ).
وقول وكيع بن الجراح رحمه الله : « معاوية رضي الله عنه بمنزلة حلقة الباب ، من حركة اتهمناه على من فوقه » رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/210) .
وقول عبدالله بن المبارك رحمه الله : « معاوية عندنا محنة ، فمن رأيناه ينظر إليه شزرا اتهمناه على القوم ، أعني على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم » رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 59 / 211) (البداية والنهاية ( 8 / 139 ).
وإليك الآن بعض من هذه الأباطيل وردها واحدا بعد الآخر...
* بيع معاوية رضي الله عنه الأصنام لأهل الهند :
روى البلاذري في « أنساب الأشراف » (5/137) من طريق جرير عن الأعمش عن أبي وائل قال : كنت مع مسروق بالسلسلة فمرت به سفائن فيها أصنام من صفر تماثيل الرجال , فسألهم عنها فقالوا : بعث بها معاوية إلى أرض السند والهند تباع له . فقال مسروق : لو أعلم أنهم يقتلونني لغرقتها , ولكني أخاف أن يعذبوني ثم يفتنوني والله ما أدري أي الرجلين معاوية , أرجل قد يئس من الآخرة فهو يتمتع من الدنيا أم رجل زين له سوء عمله . وهذا لا ريب أنه من أبطل الباطل وأكذب الكذب !!
أليس هذا الأثر يعارض الحديث الصحيح المرفوع « اللهم أهده ، وهدي به » .
فكيف يهدي الله به وهو يبيع الأصنام فيما زعمه الأفاكون !ولذلك رد جهابذة الحديث هذه الفرية الباطلة !
فالأعمش لم يصرح بالسماع وهذا مظنة ثبوت التدليس بسبب نكارة الحديث .
قال المعلمي في « التنكيل » (1/51) : « ففي رواية الأعمش أحاديث كذلك ضعفها أهل العلم ، بعضهم يضعف بعض من فوق الأعمش في السند وبعضها بالانقطاع ، وبعضها بأن الأعمش لم يصرح بالسماع وهو مدلس ، ومن هذا الأخير حديث في شأن معاوية ذكره البخاري في « تاريخه الصغير » (ص 68) (التاريخ الأوسط (71) ووهنه بتدليس الأعمش » اهـ
وقال رحمه الله في « مقدمة الفوائد المجموعة » (ص8) : « إذا استنكر الأئمة المحققون المتن وكان ظاهر السند الصحة فإنهم يتطلبون له علة ، إذا لم يجدوا علة قادحة مطلقا ، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر ، من ذلك إعلالهم أن راويه لم يصرح بالسماع . هذا مع أن الراوي غير مدلس ، أعل البخاري بذلك خبرا رواه عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن عكرمة تراه في ترجمة عمرو من التهذيب » ( تهذيب التهذيب (8/72) قال البخاري روى عن عكرمة في قصة البهيمة ( من أتى بهيمة فقتلوه ) فلا أدري سمع أم لا ؟!) .
ثم ساق أمثلة أخرى وقال : « وحجتهم في هذا بأن عدم القدح في العلة مطلقا إنما بني على أن دخول الخلل من جهتها نادر ، فإذا اتفق أن يكون المتن منكرا يغلب ظن الناقد بطلانه ، فقد يحقق وجود الخلل ، وإذا لم يوجد سبب له إلا تلك العلة فالظاهر أنها هي السبب ، وأن هذا من ذاك النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها ، ولهذا يتبين أن ما يقع ممن دونهم من التعقب بأن تلك العلة غير قادحة ، وأنهم قد صححوا ما لا يحصى من الأحاديث مع وجودها فيها ، إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق »
وفي المنتخب من العلل قال الخلال (227) : « قال مهنا سألت أحمد ، عن حديث الأعمش ، عن أبي وائل ، أن معاوية لعب بالأصنام فقال : ما أغلظ أهل الكوفة على أصحاب رسول الله ولم يصح الحديث . وقال تكلم به رجل من الشيعة » .
وهذا قاله الإمام أحمد في حق من قال : « أن معاوية لعب بالأصنام » .
فكيف بمن قال أن معاوية بيعها !!
* إقسام معاوية رضي الله عنه عن اليمين الغموس وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم له !!
روى الروياني في مسنده (1/290) وابن عساكر في تاريخه (59/204) من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمد بن كعب قال :
« إنا جلوس مع البراء في مسجد الكوفة إذ دخل قاص فجلس فقص ثم دعا للخاصة والعامة ثم دعا للخليفة , ومعاوية بن أبي سفيان يومئذ خليفة . فقلنا للبراء : يا أبا إبراهيم , دخل هذا فدعا للخاصة والعامة ثم دعا لمعاوية فلم يسمعك قلت شيئا ؟ فقال : إنا شهدنا وغبتم وعلمنا وجهلتم إنا بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين إذ أقبلت امرأة حتى وقفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبا سفيان وابنه معاوية أخذا بعيرا لي فغيباه علي .
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا إلى أبي سفيان بن حرب ومعاوية : أن ردا على المرأة بعيرها . فأرسلا : إنا والله ما أخذناه وما ندري أين هو !فعاد إليهما الرسول فقالا : والله ما أخذناه وما ندري أين هو !
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأينا لوجهه ظلالا , ثم قال : انطلق إليهما , فقل لهما : بلى والله إنكما لصاحباه , فأديا إلى المرأة بعيرها .فجاء الرسول إليهما وقد أناخا البعير وعقلاه !
فقالا : إن والله ما أخذناه ولكن طلبناه حتى أصبناه , فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهبا . ا.هـ. أقول : وهذا الإسناد لا يصح في سنده سلمة بن الفضل الأبرش ضعيف الحديث له مناكير وغرائب , وما رواه عن ابن إسحاق في المغازي فقط أقوى من غيره وإن كان حديثه ضعيفا مطلقا (الكامل لابن عدي (2/210) .ومحمد بن إسحاق عنعن ولم يصرح بالسماع !! وأشار ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/205) لنكارته .
قال رحمه الله : محمد بن إسحاق وسلمة بن الفضل يتشيعان .
* قتل معاوية لعبدالرحمن بن خالد بن الوليد رضي الله عنه :
وللإجابة عن هذه الفرية أقول :
روى الطبري في « تاريخه » (3/202) من طريق عمر بن شبه عن علي بن محمد المدائني عن مسلمة بن محارب أن عبدالرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه بالشام ، ومال إليه أهلها ، لما كان عندهم من آثار أبيه خالد بن الوليد ، ولغنائه عن المسلمين في أرض الروم وبأسه ، حتى خافه معاوية وخشي على نفسه منه ، لميل الناس إليه ، فأمر ابن أثال أن يحتال في قتله ، وضمن له أن هو من فعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش ، وأن يوليه جباية خراج حمص ، فلما قدم عبدالرحمن بن خالد حمص منصرفا من بلاد الروم دس إليه ابن أثال شربة مسمومة مع بعض ممالكيه ، فشربها فمات بحمص ، فوفى له معاوية ما ضمن له ، وولاه خراج حمص ، ووضع عنه خراجه .وهذا الخبر لا يصح !
فيه مسلمة بن محارب وهو الزيادي فيه جهالة روى عن أبيه وابن جريج وروى عنه المدائني لم يوثقه غير ابن حبان في « الثقات » (7/490) .
ذكره البخاري في « التاريخ الكبير » (7/387) ، وابن أبي حاتم في « الجرح والتعديل » (8/266) ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا .
ثم أن مسلمة بن محارب لم يدرك القصة وهو لا يروي عن معاوية رضي الله عنه إلا بواسطة مما يدل على أن القصة منقطعة السند (التاريخ الكبير (7/387) , الجرح والتعديل (8/266) , الثقات (7/490) .
وأيضا علي بن محمد وأبو سيف المدائني الأنباري متكلم فيه . فوثقه ابن معين , وقال الذهبي في السير (10/401) : « كان عجبا في معرفة السير والمغازي والأنساب وأيام العرب مصدقا فيما ينقله » .
وقال ابن عدي في الكامل (5/213) : « ليس بالقوي في الحديث , وهو صاحب أخبار , قل ماله من الروايات المسندة » .
لذا رواها الطبري في « تاريخه » (3/202) بصيغة التمريض قال : فيما قيل !
وقال ابن كثير في « البداية والنهاية » (8/24) : « وزعم بعضهم أن ذلك عن أمر معاوية له في ذلك ولا يصح » .
وروى هذه القصة بنحوها البلاذري في « أنساب الأشراف » (5/118) قال : حدثني محمد بن سعد عن الواقدي قال : توفي خالد بن الوليد بن المغيرة بحمص سنة عشرين وأوصى إلى عمر بن الخطاب وكان عبدالرحمن بن خالد يلي الصوائف فيبلى ويحسن أثره , فعظم أمره بالشام , فدس إليه معاوية متطببا يقال له ابن أثال ليقتله وجعل له خراج حمص فسقاه شربة فمات فاعترض خالد بن المهاجر بن خالد ويقال خالد بن عبدالرحمن بن خالد ابن أثال فضربه بالسيف فقتله , فرفع أمره إلى معاوية , فحبسه أياما وأغرمه ديته ولم يقده به .
وفي سند هذه القصة الواقدي متروك الحديث .
* قتل معاوية للأشتر مالك بن الحارث النخعي :
وهذه أيضا من الأباطيل وما أكثرها !
في طبقات ابن سعد (6/213) : « وكان الأشتر من أصحاب علي بن أبي طالب وشهد معه الجمل وصفين وشاهده كلها وولاه علي عليه السلام مصر فخرج إليها فلما كان بالعريش شرب شربة عسل فمات » ا.هـ
قال الذهبي في السير (4/34) : « ولما رجه علي من موقعة صفين , جهز الأشتر واليا على ديار مصر , فمات في الطريق مسموما , فقيل : إن عبدا لعثمان عارضه , فسم له عسلا ...
وليس لمعاوية رضي الله عنه ذكر !!
وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة (6/162) :قد روي عن عمر وخالد بن الوليد وأبي ذر وعلي وصحبه وشهد معه الجمل وله فيها آثار , وكذلك في صفين وولاه على مصر بعد صرف قيس بن عبادة عنها , فلما وصل إلى القلزم شرب شربة عسل فمات فقيل : إنها كانت مسمومة , وكان ذلك سنة ثمان وثلاثين .وليس لمعاوية رضي الله عنه ذكر .
وروى الطبراني في تاريخه (3/127) خبرا وفيه :فبعث معاوية إلى الجابيستار - رجل من أهل الخراج - فقال له : إن الأشتر قد ولى مصر , فإن أنت كفيتنيه لم أخذ منك خراجا ما بقيت , فاحتل له بما قدرت عليه .
فخرج الجابيستار حتى أتى القلزم وأقام به , وخرج الأشتر من العراق إلى مصر , فلما انتهى إلى القلزم استقبله الجابستار , فقال : هذا منزل , وهذا طعام وعلف , وأنا رجل من أهل الخراج , فنزل به الأشتر فأتاه الدهقان بعلف وطعام , حتى إذا طعم أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سما فسقاه إياه فلما شربها مات ...
أقول : وهذه القصة من راوية أبي مخنف لوط بن أبي يحيى إخباري تالف , وقد سبق الكلام عليه .
لذلك أشار إليها ابن عساكر في تاريخه (56/376) بصيغة التمريض !! (تاريخ دمشق لابن عساكر (49/428) , (56/375) , (56/388) و (56/389) و (56/391) وليس لمعاوية ذكر !)
وذكر القصة البلاذري في أنساب الأشراف (3/168) بلا إسناد وفيه : « وبلغت معاوية وفاته .. وجعل يقول : إن لله لجندا من عسل » !
وساق البلاذري في أنساب الأشراف (3/168) قصة أخرى بمعناها من طريق وهب بن جرير عن ابن جعدبة عن صالح بن كيسان وفيه لما صار بعين شمس شرب شربة من عسل , يقال أنه سم فيها فكان عمرو بن العاص يقول : إن لله لجندا من عسل . وليس لمعاوية رضي الله عنه ذكر !
* لعن وسب معاوية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه :
* الجواب عن هذا بأمور :
1- لا يصح شيء في أن معاوية كان يلعن عليا رضي الله عنه وقد نص على هذا الإمام القرطبي والحافظ ابن كثير رحمهما الله .
قال القرطبي في « المفهم » (6/278) : « يبعد على معاوية أن يصرح بلعنه وسبه لما كان معاوية موصوفا به من العقل والدين والحلم والأخلاق وما يروى عنه في ذلك فأكثره كذب لا يصح » .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في « البداية والنهاية » (7/284) : « لا يصح هذا » .
2- الجواب عن الأدلة التي يستدل بها أهل البدع على هذا الأمر :
* قصة لعن علي على منابر بني أمية
رواها الطبري في « تاريخ الأمم والملوك » (3/112) من طريق أبي مخنف عن أبي جناب الكلبي وفيه عن علي رضي الله عنه وكان إذا صلى الغداة يقنت فيقول : « اللهم العن معاوية وعمرا وأبا الأعور السلمي وحبيبا وعبدالرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد . فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت لعن عليا وابن عباس والأشتر وحسنا وحسينا » ا.هـ.
وإسنادها لا يصح .
في سندها أبي مخنف لوط بن يحيى إخباري تالف لا يوثق به .تركه أبو حاتم وغيره .وقال الدارقطني : ضعيف .وقال يحيى بن معين : ليس بثقة . وقال مرة : ليس بشيء .قال ابن عدي : شيعي محترق صاحب أخبارهم .وقال أبو عبيدة الآجري : سألت أبا حاتم عنه فنفض يده وقال : أحد يسأل عن هذا .وذكره العقيلي في الضعفاء (الكامل لابن عدي (6/93) الضعفاء للعقيلي (4/190) لسان الميزان (2/430) .
روى مسلم في « صحيحه » (2404) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال : أما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلى من حمر النعم ، سمعت رسول الله يقول له : خلفه في مغازيه فقال له علي يا رسول خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله : « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة من بعدي » ، وسمعته يقول يوم خيبر : « لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله » . قال : فتطاولنا لها . فقال : « أدعوا لي عليا فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه » ولمانزلت هذه الآية ? قل تعالوا ندعوا أبنائكم ? دعا رسول الله « عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي » .
والجواب على هذا الحديث :
أولا : أن قول معاوية لسعد رضي الله عنه « ما منعك أن تسب أبا تراب » أي لما لم تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر حسن اجتهادي ورأي وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ممن اعتزل الفتنة .
ثانيا : أن معاوية رضي الله عنه كان يريد أن يعرف موقف سعد من علي بن أبي طالب رضي الله عنه فسأله عن السبب المانع له من سبه هل كان ذلك إجلالا له أو خوفا أو ورعا .
ثالثا : أن معاوية رضي الله عنه لو كان يريد مسبة علي لما طلب ذلك من سعد بن أبي وقاص فسعد قد اعتزل الفتنة وثبت عنه رضي الله عنه بالأسانيد الصحيحة أنه دعى على من سب عليا واستجاب الله دعائه (انظر سير أعلام النبلاء (1/116) في قصة ذكرها الإمام الذهبي لرجل نال من علي فنهاه سعد فلم ينهه فدعا عليه فما برح حتى جاء بعير ناد فخبطه حتى مات قال ولهذه الواقعة طرق جمة رواها ابن أبي الدنيا في مجابي الدعوة ) .
فكيف يطلب معاوية منه أن يسب عليا رضي الله عنه !
قال النووي رحمه الله في « شرح صحيح مسلم » (15/175) : « قول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمرا سعدا بسبه وإنما سأله عن السبب المانع له من السب كأنه يقول هل امتنعت تورعا أو خوفا أو غير ذلك فإن كان تورعا وإجلالا له عن السب فأنت مصيب ومحسن وإن كان غير ذلك فله جواب آخر ولعل سعدا قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم وعجز عن الإنكار أو أنكر عليهم فسأله هذا السؤال قالوا ويحتمل تأويلا آخر أن معناه : ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه خطأ » .
وقال القرطبي في « المفهم » (6/276) : « وهذا ليس بتصريح في السب وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج ما عنده من ذلك أو من نقيضه كما قد ظهر من جوابه ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن وعرف الحق لمستحقه » .
3- في صحيح مسلم ( برقم 2409) عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : استعمل على المدينة رجل من آل مروان قال : فدعا سهل بن سعد فأمر أن يشتم عليا رضي الله عنه فأبى سهل فقال له : أما إذا أبيت فقل : لعن الله أبا تراب فقال سهل : ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب .. الحديث .
ويجاب عن هذا الحديث بأمرين :
أن هذا الحديث ليس فيه تصريح بأن الذي أمر بشتم علي رضي الله عنه هو معاوية رضي الله عنه .
وفي هذا الحديث أن الذي أمر سهل بن سعد رضي الله عنه من آل مروان ومعاوية رضي الله عنه من بني حرب لا من بني مروان !!
ولو ثبت هذا عن معاوية رضي الله عنه فهذا لا يعد إلا أن يكون ذنبا أو اجتهادا خاطئا يغفر بالتوبة والحسنات الماحية .
قال ابن تيمية في « منهاج السنة » (4/368) في رده على ابن المطهر الرافضي : « وأما ما ذكره من لعن علي فإن التلاعن وقع من الطائفتين كما وقعت المحاربة ... وهذا كله سواء كان ذنبا أو اجتهادا مخطئا أو مصيبا فإن مغفرة الله ورحمته تناول ذلك بالتوبة والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وغير ذلك » .
وقد ذكر ذلك أيضا البلاذري في أنساب الأشراف (5/124) بلا إسناد !
فقال : « وحدثت أن معاوية خطب الناس يوما , فذكر عليا فتنقصه ... » .
ورواه في (5/30) مسندا قال حدثني المدائني عن عبدالله بن قائد وسحيم بن حفص قالا : كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة : أظهر شتم علي وتنقصه , فكتب إليه : ما أحب لك يا أمير المؤمنين أن كلما عبت تنقصت , وكلما غضبت ضربت , ليس بينك وبين ذلك حاجز من حلمك ولا تجاوز بعفوك !
وسحيم بن حفص هو أبو اليقظان العجيفي . لم أجد فيه جرحا ولا تعديلا إلا قول الحافظ المزي في تهذيب الكمال (8/216) « الإخباري » وسحيم لقبه واسمه عامر , وقول ابن النديم في فهرسة (138) : « وكان عالما بالأخبار والأنساب والمآثر والمثالب ثقة » وعبدالله بن فائد في الإسناد هو نفسه سحيم بن حفص !!
روى الخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (2/165) من طريق الزبير بن بكار قال حدثني رجل ثقة قال : قال لي أبو الحسن المدائني أبو اليقظان هو سحيم بن حفص وسحيم لقب له وهو عامر بن حفص وكان لحفص ابن يقال له محمد وكان أكبر ولده ولم يكن به وكان حفص أسود شديد السواد يعرف بالأسود . وقال لي أبو اليقظان سمتني أمي خمسة عشرة يوما عبدالله فإذا قلت حدثنا أبو اليقظان فهو أبو اليقظان فإذا قلت سحيم بن حفص وعامر بن حفص وعامر بن أبي محمد وعامر بن الأسود وسحيم بن الأسود وعبدالله بن فائد وأبو إسحاق المالكي فهو أبو اليقظان . ا.هـ (الكفاية في علم الرواية , وفتح المغيث)
وذكره السخاوي في فتح المغيث مع الرواة الذين نعتوا لنعوت متعددة .
ثم إن سحيما بن حفص لم يدرك معاوية بل هو متأخرا عنه وعن خلافته جدا . وفاة سحيم سنة 190 هـ !! (الفهرست لابن النديم ص(507) .
* معاوية ذمه كثير من المهاجرين والأنصار من البدريين وغيرهم !!
وجاء ذمه على السنة كثير من التابعين كالحسن البصري والأسود بن يزيد وغيرهم !
أقول أما ذم معاوية رضي الله عنه على ألسنة كثير من المهاجرين والأنصار فهذا كذب محض !
فعمر رضي الله عنه المحدث الملهم مدحه وأثنى عليه وولاه الشام مدة خلافته وكذلك عثمان رضي الله عنه .
وناهيك بهذه منقبة عظيمة من مناقب معاوية رضي الله عنه
فلم يشك أحد منه , ولا اتهمه بجور ولا مظلمة مدة ولايته (الاستيعاب (699) ، السير (3/132) ، منهاج السنة (4/369) ، البداية والنهاية (8/18) ، تطهير الجنان (20)) .
أما قول من قال ثبت ذمه على ألسنة كثير من المهاجرين والأنصار فلم يورد ولا إسنادا واحدا صحيحا .
- أثر علي رضي الله عنه لما طلبوا منه أن يبقي معاوية على الشام فتلى الآية الكريمة : ? وما كنت متخذ المضلين عضدا ? رواه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/127) وفي سنده نصر بن مزاحم رافضي كذاب .
- وأثر عبادة بن الصامت رواه الإمام أحمد في « المسند » (22838) ، وابن عساكر في « تاريخ مدينة دمشق » (26/198) في سنده يحيى بن سليم بن بلج أبو بلج الفزاري الواسطي صدوق له ما يستنكر .
وفي سنده أيضا إسماعيل بن عبيد ويقال ابن عبيد الله بن رفاعة الزرقي .
قال البخاري : لم يرو عنه غير ابن خثيم .ذكره ابن حبان في الثقات .قال ابن حجر : مقبول .ومقبول أي إذا توبع وإلا فلين الحديث .
وإسماعيل ابن عبيد لم يتابع على حديثه .
- وأثر خزيمة بن ثابت رضي الله عنه رواه ابن سعد في « الطبقات الكبرى » (3/259) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (16/370) في سنده الواقدي متروك الحديث .
- وأما ذم الحسن البصري لمعاوية رضي الله عنه فلا يصح عنه .
رواه ابن جرير الطبري في « تاريخه » (3/232) عن الحسن البصري أنه قال : أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة له :
* أخذه الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة ونور الفضيلة .
* استخلافه بعده ابنه سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب الطنابير .
* ادعاءه زيادا وقد قال رسول الله الولد للفراش وللعاهر الحجر .
* قتله حجرا وأصحاب حجر ، فيا ويلا له من حجر ويا ويلا له من حجر وأصحاب حجر
إسنادها ساقط فيه لوط بن يحيى إخباري تالف وقد سبق الكلام عليه . وذكره ابن كثير في « البداية والنهاية » (8/90) بصيغة التمريض .
والصحيح عن الحسن رحمه الله خلاف ذلك !
فروى الآجري في « الشريعة » (5/2467) ، وابن عساكر (59/206) من طريق عن قتادة عن الحسن البصري إن أناسا يشهدون على معاوية وذويه أنهم في النار ! قال : لعنهم الله ! وما يدريهم أنه في النار ؟
ورواه ابن عساكر (59/206) من طريق محمد بن عبدالملك بن أبي الشوارب حدثنا بشر بن الفضل عن أبي الأشهب قال : قيل للحسن يا أبا سعيد إن ههنا قوما يشتمون - أو يلعنون - معاوية وابن الزبير ! فقال : على أولئك الذين يلعنون لعنة الله وسنده صحيح وكذلك ذم الأسود بن يزيد لا يصح .
رواه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/145) من طريق أبي داود الطيالسي حدثنا أيوب بن جابر عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد قال : قلت لعائشة : ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الخلافة ؟ قالت : وما تعجب من ذلك ؟ هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر وقد ملك فرعون أهل مصر أربعمائة سنة .
وهذا الأثر لا يصح في سنده أيوب بن جابر أبو سليمان اليمامي ضعيف عند أكثر أهل العلم بالحديث ، ضعفه ابن معين وابن المديني والنسائي وأبو زرعة وأبو حاتم ويعقوب بن سفيان ومعاوية بن صالح (التهذيب (1/201)) وقال أبو حبان : كان يخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به لكثرة وهمه (المجروحين (1/167)) . وقال الإمام أحمد : حديثه يشبه حديث أهل الصدق وقال ابن عدي : وسائر أحاديث أيوب بن جابر صالحة متقاربة يحمل بعضها بعضا , وهو ممكن يكتب حديثه (الكامل (1/355)) .
وفيه أيضا عبدالرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر الجوبري فيه جهالة توفي سنة 425هـ.
ذكره الذهبي في « سير أعلام النبلاء » (17/415) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا (تذكرة الحفاظ (3/1076)) .
كتبه وأملاه/ سعد بن ضيدان السبيعي
عضو الدعوة بوزارة الشئون الاسلامية
مجموع فتاوى علماء الإسلام في من نال من معاوية رضي الله عنه وعن أبيه
أولاً : شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى
سئل الشيخ رحمه الله : عن إسلام معاوية بن أبى سفيان متى كان وهل كان إيمانه كإيمان غيره أم لا وما قيل فيه غير ذلك
فأجاب : إيمان معاوية بن أى سفيان رضى الله عنه ثابت بالنقل المتواتر وإجماع أهل العلم على ذلك كإيمان أمثاله ممن آمن عام فتح مكة مثل أخيه يزيد بن أبى سفيان ومثل سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل والحارث بن هشام وأبى أسد بن أبى العاص بن أمية وأمثال هؤلاء
فإن هؤلاء يسمون الطلقاء فإنهم آمنوا عام فتح النبى مكة قهرا واطلقهم ومن عليهم وأعطاهم وتألفهم وقد روى أن معاوية بن أبى سفيان أسلم قبل ذلك وهاجر كما أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الحجى قبل فتح مكة وهاجروا الى المدينة فإن كان هذا صحيحا فهذا من المهاجرين ،وأما إسلامه عام الفتح مع من ذكر فمتفق عليه بين العلماء سواء كان أسلم قبل ذلك أو لم يكن إسلامه الا عام فتح مكة ولكن بعض الكذابين زعم أنه عير أباه بإسلامه وهذا كذب بالإتفاق من أهل العلم بالحديث
وكان هؤلاء المذكورون من أحسن الناس إسلاما وأحمدهم سيرة لم يتهموا بسوء ولم يتهمهم أحد من أهل العلم بنفاق كما اتهم غيرهم بل ظهر منهم من حسن الاسلام وطاعة الله ورسوله وحب الله ورسوله والجهاد فى سبيل الله وحفظ حدود الله ما دل على حسن إيمانهم الباطن وحسن إسلامهم ومنهم من أمره النبي واستعمله نائبا له كما استعمل عتاب بن أسيد أميرا على مكة نائبا عنه وكان من خيار المسلمين كان يقول ياأهل مكة والله لا يبلغنى أن أحدا منكم قد تخلف عن الصلاة إلا ضربت عنقه ، وقد استعمل النبى أبا سفيان بن حرب أبا معاوية على نجران نائبا له وتوفى النبى وأبو سفيان عامله على نجران ، وكان معاوية أحسن إسلاما من أبيه باتفاق أهل العلم كما أن أخاه يزيد بن أبى سفيان كان أفضل منه ومن أبيه ولهذا استعمله أبو بكر الصديق رضى الله عنه على قتال النصارى حين فتح الشام وكان هو أحد الأمراء الذين استعملهم أبوبكر الصديق ووصاه بوصية معروفة نقلها أهل العلم واعتمدوا عليها وذكرها... إلى أن قال رحمه الله تعالى :
وقد شهد معاوية وأخوه يزيد وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام وغيرهم من مسلمة الفتح مع النبي غزوة حنين ودخلوا في قوله تعالى ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين وكانوا من المؤمنين الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي وغزوة الطائف لما حاصروا الطائف ورماها بالمنجنيق وشهدوا النصارى بالشام وأنزل الله فيها سورة براءة وهي غزوة العسرة التى جهز فيها عثمان بن عفان رضي الله عنه جيش العسرة بألف بعير في سبيل الله تعالى فاعوزت وكملها بخمسين بعيرا فقال النبي ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم وهذا آخر مغازى النبي ولم يكن فيها قتال ... مجموع الفتاوى (4/ 453 وما بعدها)
وسئل رحمه الله :
عمن يلعن معاوية فماذا يجب عليه و هل قال النبى صلى الله عليه و سلم هذه الأحاديث وهى إذا اقتتل خليفتان فأحدهما ملعون و أيضا ان عمارا تقتله الفئة الباغية و قتله عسكر معاوية و هل سبوا أهل البيت أو قتل الحجاج شريفا .
فأجاب : الحمد لله من لعن أحدا من أصحاب النبى صلى الله عليه و سلم كمعاوية بن أبى سفيان و عمرو بن العاص و نحوهما و من هو أفضل من هؤلاء كأبى موسى الأشعرى و أبى هريرة ونحوهما أو من هو أفضل من هؤلاء كطلحة و الزبير و عثمان و على بن أبى طالب أو أبى بكر الصديق و عمر أو عائشة أم المؤمنين و غير هؤلاء من أصحاب النبى صلى الله عليه و سلم فإنه مستحق للعقوبة البليغة باتفاق أئمة الدين و تنازع العلماء هل يعاقب بالقتل أو ما دون القتل كما قد بسطنا ذلك فى غير هذا الموضع ، وقد ثبت فى الصحيحين عن أبى سعيد الخدرى عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال لاتسبوا أصحابى فوالذي نفسى بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه و اللعنة أعظم من السب وقد ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه و سلم أنه قال لعن المؤمن كقتله فقد جعل النبى صلى الله عليه و سلم لعن المؤمن كقتله...
.... إلى أن قال رحمه الله : وأما معاوية بن أبى سفيان و أمثاله من الطلقاء الذين أسلموا بعد فتح مكة كعكرمة بن أبى جهل والحرث بن هشام و سهيل بن عمرو و صفوان بن أمية و أبى سفيان بن الحرث بن عبد المطلب هؤلاء وغيرهم ممن حسن إسلامهم باتفاق المسلمين و لم يتهم أحد منهم بعد ذلك بنفاق و معاوية قد إستكتبه رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال اللهم علمه الكتاب و الحساب و قه العذاب
وكان أخوه يزيد بن أبى سفيان خيرا منه و أفضل و هو أحد الأمراء الذين بعثهم أبو بكر الصديق رضى الله عنه فى فتح الشام ووصاه بوصية معروفة و أبو بكر ماش و يزيد راكب فقال له ياخليفة رسول الله إما أن تركب و إما أن أنزل فقال لست براكب و لست بنازل إنى احتسب خطاي فى سبيل الله و كان عمرو بن العاص هو الأمير الآخير و الثالث شرحبيل بن حسنة و الرابع خالد بن الوليد و هو أميرهم المطلق ثم عزله عمر و ولى أبا عبيدة عامر بن الجراح الذى ثبت فى الصحيح أن النبى صلى الله عليه و سلم شهد له أنه أمين هذه الأمة فكان فتح الشام على يد أبى عبيدة و فتح العراق على يد سعد بن أبى و قاص لما مات يزيد بن أبى سفيان فى خلافة عمر استعمل أخاه معاوية و كان عمر بن الخطاب من أعظم الناس فراسة وأخبرهم بالرجال و أقومهم...
إلى أن قال رحمه الله :و قد اتفق المسلمون على أن اسلام معاوية خير من اسلام أبيه أبى سفيان فكيف يكون هؤلاء منافقين والنبى صلى الله عليه و سلم يأتمنهم على أحوال المسلمين فى العلم و العمل وقد علم أن معاوية و عمرو إبن العاص و غيرهما كان بينهم من الفتن ما كان و لم يتهمهم أحد من أوليائهم لا محاربوهم و لا غير محاربيهم بالكذب على النبى صلى الله عليه و سلم بل جميع علماء الصحابة و التابعين بعدهم متفقون على أن هؤلاء صادقون على رسول الله مأمونون عليه فى الرواية عنه والمنافق غير مأمون على النبى صلى الله عليه و سلم بل هو كاذب عليه مكذب له ...
مجموع الفتاوى (35/ 58 -66)
ثانياً : الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى
السؤال : ما حكم من يسب الصحابي معاوية بن أبي سفيان من أهل السنة ؟
الجواب : لا شك أنه فعل معصية، وأنه آثم، معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من خلفاء المسلمين، وأحد كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ائتمنه على كتابة الوحي وهو من أعظم ما يكون فهو أمين، ولا يجوز أن نسبه لما جرى بينه وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لأن هذا جرى عن اجتهاد، والمجتهد من هذه الأمة ينال أجراً أو أجرين، إن أخطأ فأجراً، وإن أحسن فأجرين، ونحن لا نشك في أن علياً رضي الله عنه أقرب إلى الصواب من معاوية ، لكننا لا نسب معاوية لما حصل، لأنه عن اجتهاد، ولهذا قال في العقيدة: ونسكت عن حرب الصحابة فالذي جرى بينهم كان اجتهاداً مجرداً.
وأصل هذا -أعني سب معاوية كما يزعم الساب- انتصار لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، و علي بن أبي طالب يقول: [ إني لأرجو أن أكون أنا و معاوية من الذين قال الله فيهم: { عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } [الحجر:47] ] يعني: في الجنة، ثم إن معاوية رضي الله عنه كان خليفة بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحسن بن علي رضي الله عنه وهو أفضل من أخيه الحسين قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين متقاتلين من المسلمين ) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم تنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة لـ معاوية جعلها إصلاحاً وهذا نوع من الإقرار لـ معاوية رضي الله عنه، ولا يخفى على أحد من المسلمين أن الحسن أفضل من الحسين رضي الله عنهما جميعاً، وأن ما حصل من القتال فـ علي فيه أقرب إلى الصواب، لكننا نحب أيضاً معاوية ، ونرى أنه خليفة ذو خلافة شرعية، وأن ما جرى منه فهو على سبيل الاجتهاد الذي لم يكن صواباً، وكل إنسان يخطئ ويصيب. اهـ
لقاء الباب المفتوح (232 الخميس هو الخامس عشر من شهر محرم عام (1421هـ))
__________________