لاشك أن هناك كثير من الناس يتسآل
لماذا اختير يوم 18 فبراير يوما وطنيا للشهيد وقبل الإجابة عن هذا التسآل
نطرح بدورن سؤال آخر ... لماذا تمر 47 سنة على الإستقلال ونحتفل بكثير من
الأيام الوطنية والتاريخية ولن نخصص يوما وطنيا للشهيد الذي كان ثمن هذا
الإستقلال وهذه الحرية التي ننعم بها ؟ بعد هذا التسآل نعود إلى الإجابة عن
السؤال الأول لنحاول الوقوف معا على مغزى وأبعاد وظروف أختير فيها هذا
اليوم بالذات يوما وطنيا للشهيد .
عندما ألتقى أبناء الشهداء في الندوة الأولى التي جمعتهم في نادي الصنوبر
يوم 18 فبراير 1998 أجمعوا على اختيار هذا اليوم كيوم وطني للشهيد وهذا
انطلاقا من قناعة بأن مقام الشهيد في أعلى مقامات ا لتبجيل والتذكير
والأيام الوطنية والعالمية التي تعود شعبنا أن يحتفل بها على المستوى
الرسمي والشعبي فلقد اعتاد المواطن الجزائري أن يحتفل بأعياد وطنية ودينية
ولكنه لم يسمع منذ الإستقلال حتى عام 1990 بشيء أسمه اليوم الوطني للشهيد
وهو 18 من فبراير ونظرا لأن مكانة الشهيد معززة عند الله وعند البشر لأنه
هو الوقود الذي أشعل لهيب الحرية وهو المصباح الذي أنار درب السيادة
والأستقلال وبالنظر إلى أن الشهيد يبقى في كل الأزمان المتعاقبة رمزا
للحرية والكرامة التي ينعم بها الشعب حاضرا ومستقبلا وبالنظر إلى أن الشعب
الجزائري قدم قوافل الشهداء الأبرار قربانا إلى مذبح الحرية وأنه يدرك أن
أولائك الشهداء جاهدوا ضد العدو وفرطوا في الملك والأبناء والأزواج وملذات
الحياة فداءا لهذا الشعب ليعيش حرا أبيا كريما فإن كل الإعتبارات وغيرها
مما لايتسع المقام لحصرها دفعت أبناء الشهداء من خلال منظمتهم الوطنية
الفتية إلى إعتبار يوم 18 فبراير من كل عام يوما وطنيا للشهيد وهذا ليستعيد
الشعب الجزائري إلى ذاكرته العملاقة بهذه المناسبة شريط التضحيات والدم
والنار والعذاب وجثث الشهداء وجراح أيام الإستدمار الفرنسي ولكي يربط بين
الماضي والمستقبل وليتذكر أن هؤلاء ماتوا في خندق واحد ومن أجل هدف واحد
ومن أجل حرية شعب الجزائر العربي الأبي المسلم من هنا فأن الهدف والغاية
المقصودة من وراء إعتبارهذا التاريخ يوما وطنيا للشهيد إنما هو من أجل
ترسيخ قيمة الشهيد وعظمة تضحياته في مقدمة هذا الشعب من أجل الحرية وفي
نفسية وأذهان الأجيال الحاضرة التي كادت الأوضاع الحالية ومظاهر الجري وراء
ملاذ الحياة الدنيا من قبل هذا وذاك ممن يعدون من الجيل الذي قاد ثورة
التحرير الكبرى في الجزائر ضد الظلم والإستغلال الفرنسي ليعود إلى ذاكرة
الجيل الحاضر أن أولائك الشهداء لم تلهيهم الدنيا عن الوطن وحريته .
إن البعد الذي يرمي إليه هذا اليوم هو الرجوع بذاكرة الشعب إلى الوراء أيام
الإستدمار الفرنسي وأيام الثورة وماقدمت هذه الثورة من تضحيات وأرواح من
اجل نزع حرية هذا الشعب من قبضة العدو الفرنسي ولكي يعيش هذا الشعب سيدا
كريما متراحما فيما بينه .
مغزى هذا اليوم كذلك هو تذكير أبناء الجزائر من جيل الإستقلال بأن الحرية
والسيادة والإستقلال ماكانت لتكون كلها لولا أن قدم الشعب مليون ونصف من
أبنائه كثمن عظيم لها. ولكي يقف الشعب وجيل الإستقلال على حقيقة فرنسا التي
تدعو اليوم إلى تنصيب محاكم ضد النازية الألمانية متناسية أن نازيتها في
الجزائر لم تبلغ درجتها النازية الهتليرية ولا حتى النازية الصهيونية
المعاصرة فكيف يحق لفرنسا أن تحاكم نازية هتلر وهي قد مارست أبشع نازية
عرفها التاريخ الحديث ضد الشعب الجزائري؟
هل ه*** نازية أكثر من نازية ديغول الذي زعم أذياله هنا أو ه*** من وراء
البحر بأنه منح الإستقلال إلى الجزائر ؟ .
إن إتخاذ هذا اليوم يوما وطنيا للشهيد فيه رجوع بهذا الشعب وبذاكرته إلى
البطولات والمقاومات والثورات الشعبية التي كانت البديات الجهادية لثورة
التحرير الكبرى وفيه وقوف على تاريخ كفاح هذا الشعب الطويل المتلاحق
المراحل حتى الإستقلال وفيه تعبير عن إعتزاز الشعب الجزائري بكفاحه المرير
وبقوافل شهدائه عبر المقاومات الشعبية حتى يوم النصر المبين ليقرأ فيه
الشعب نفسه ويقف على معاني التضحيات الحقيقية من أجل الوطن ليستخلص بنفسه
أنه لاتاريخ لشعب ولامكانة له إن هو ترك نضالاته ورموز كفاحه وذكريات ويلات
الإستدمار وراء ظهره فارا وهاربا إلى الأمام يبحث عن ملاذ الدنيا من جاه
وسلطة ومزيد من الإنغماس في ملاهي الحياة .
اتخاذ مثل هذا اليوم يوما وطنيا للشهيد فيه عودة بهذا الشعب وبوعيه إلى
تاريخه ليقرأ فيه معاني الوطنية ومعني النضال ومعني الإسلام ومعاني الجهاد
ومعاني حب الوطن من خلال إستذكاره لقوافل الشهداء الذين قدمهم قربانا لمذبح
الحرية فجاءوه فرحين طائعين مهللين فعاشوا شرفاء وماتوا من أجله شرفاء ولم
تستطع الدنيا أن تسرق منهم جلال الوطن ولا ذلوا ولاإستكانوا أمام الأعداء
وما ركعوا لشهوات الدنيا مثلما ركع لهذا اليوم الكثير بعد الإستقلال
والتحرير
وفي نهاية المطاف فإنه سيبقى يوم 18 فبراير رمزا حيا للجزائر ومعنى غاليا
لا يزول من ذاكرة الأجيال الصاعدة ويبقى رمزا لشهيد الجزائر الذي سيبقى
شوكة عالقة بحلق فرنسا الإستعمارية مذكرا الأجيال والشباب بجرائم ديغول
وبيجو وبيجار ولاكوست وغيرهم من جلادي فرنسا الإستعمارية وسيبقى يوم 18
فيفري يذكر الأجيال والمجاهدين والشعب الجزائري بخطى شال وموريس ومذابح
خراطة وقالمة وسطيف وسياسة الأرض المحروقة التي نفذتها النازية الديغولة .
تحيا الجزائر ....والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار